روبورتاج | تيليغرام فرنسي يفضح عداء الشباب الاستقلالي للملك الحسن الثاني
إلى متى يظن المسؤولون عن النظام المغربي أنهم وحدهم في البلاد، وأن ما يجري في أطراف البلاد، يبقى سرا مكنونا لديهم.
هذا نموذج الأحداث الخطيرة التي حصلت في 23 مارس 1965، حيث تدخلت طائرات الهيليكوبتر لإطلاق الرصاص، وقالت أخبار بأن الجنرال أوفقير كان يطلق الرصاص بيديه، إلا أن الأهم، هو أن السفير الفرنسي بالرباط كما يفعل كل السفراء الأجانب، بعث تقريرا لوزير خارجية بلده، يعطي فيه وجهة نظره حول خبايا أحداث 23 مارس، وتحليله لما كان سيحصل، وحكمه على الأحزاب، بأنها كانت بعيدة وعاجزة.
—————–
تعتبر أحداث 23 مارس 1965 من الأحداث الكبرى التي طبعت المغرب الراهن، فقد قيل عنها بأنها أهم حدث عرفه المغرب في النصف الثاني من القرن العشرين، من حيث النتائج بعد حادث عودة محمد الخامس من المنفى يوم 16 نونبر 1965. ويبدو أن هذا الحكم على هذه الأحداث من حيث أهميتها التاريخية كحدث بارز، كانت له نتائج مهمة في تاريخ المغرب صحيح، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار النتائج ولعل أبرزها دخول المغرب في حالة الاستثناء التي دامت سبع سنوات، وهي التي سميت بسنوات الرصاص. ولقد تعددت القراءات من طرف الباحثين حول هذه الأحداث من أسباب ونتائج، ونريد من خلال هذه المقالة أن نقدم للقراء وثيقة من الأرشيف الفرنسي حول هذه الأحداث، وتكمن أهمية الوثيقة في أنها صادرة من دولة تعرف خبايا المغرب، وتعرف وضعية نظامه السياسي كيف لا وهي الدولة المستعمرة سابقا.
والوثيقة هي من وثائق الخارجية الفرنسية، وهي عبارة عن تيلغرام موجه من السفير الفرنسي بالرباط السيد جيلي “Gillet” إلى وزير الخارجية الفرنسي السيد كوف دو ميرفيل “Couve de Murville”، بتاريخ 30 مارس 1965 على الساعة الحادية عشر والنصف ليلا، وتحمل رقم 1145 على 1159.
وقد كتب السفير الفرنسي في هذه الوثيقة أنه بعد مرور أسبوع على أحداث 23 مارس 1965 الدموية، وبعد أن كسر الملك الصمت، وخرج بتصريحات وتعليقات حولها فقد سمحت هذه المدة بتدوين الملاحظات التالية:
مفاجأة الأحداث للمسؤولين المغاربة
يرى السفير بأن الأحداث فاجأت في حجمها الحكومة المغربية، حيث ساد تخوف من أن تتفاقم وتنتشر في كل البلاد لتهدد النظام. ويؤكد على أن تعددالتدابير الاحترازية ووضعجميع أنحاء البلاد في حلة تأهبيعطي انطباعا بأن المسؤولين المغاربة يواجهون ضغطا وصعوبة في مراقبة مجموع الأراضي ويتوقعون الأسوأ.
ويؤكد السفير أنه لم يكن من المتوقع أنتتحول مظاهرات الدار البيضاء التي قام بها التلاميذ إلى أحداث عنف إلا بعد تقويتها وتضخيم حجمها من طرف العاطلين عن العمل، وأن عدم القدرة علىالحفاظ على النظام منذ اندلاع الأحداث، جعل السلطات تتدخل بقوة من أجل قمع الانتفاضة، مما جعل من نتائجها البشرية العشرات من القتلى والمئات من الجرحى.
ومن جهة أخرى، فإنه في باقي المدن إذا كانت المظاهرات محصورة داخل أوساط الطلبة والتلاميذ، فإنه في الحقيقة ينتشر تدريجيا كما الشأن بالنسبة للدار البيضاء، وقد كشف عن إجماع الشباب المنتمي لحزب الاستقلال أو اليسار في عدائه للحكومة المغربية وبدرجة أعلى للملك شخصيا، وقد أثار هذه المظاهرات في السكان حس التضامن مع الشباب الذي قام بالمظاهرات.
صعوبة إدراك المسئولين عن المظاهرات
يرى السفير الفرنسي بالرباط أن قيادات الأحزاب السياسية المعارضة والنقابات لا يبدو أنها شاركت في هذه الأحداث، ولكنها استغلتها فيما بعد. وفي المقابل فإنه يرى بأن دور الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وكذلك الأساتذة المنتمون للنقابة اليسارية وهي الاتحاد المغربي للشغل، وأطر وأستاذة الحزب الشيوعي عندما اندلعت الأحداث، فإنهم كانوا يعملون على تحريض التلاميذ والطلبة والمعطلين، وكل شرائح المجتمع المغربي، بهدف دفعهم إلى المظاهرات، وتوسيع نطاقها لتشمل الجامعات والمدارس، وكذلك باقي المدن.
ويتساءل السفير بناء على هذه المعلومات هل بعض القادة والعناصر من الجناح المتصلب من اليسار هم من نظموا هذه المظاهرات؟ ويرى بأنه خلال مقابلاته مع المسؤولين المغاربة لاحظ أنه كان لدى الكثير منهم معلومات تشير إلى أن هناك بعض فرق اليسار المتصلب بدأوا في تنفيذ خطة مبكرة تهدف لعمل تخريبي، ويرى السفير بأنه ليس هناك ما يؤكد أو ينفي صحة هذه المعلومات.
كما رأى أنه في ما يتعلق بالتدخل الأجنبي فقد رأى بأن الملك لم يشر إليه، ويريد أن يحمل المسؤولية للسياسيين المغاربة في ظروف جد صعبة، خاصة وأن رد فعل الجزائر ومصر تجاه الأحداث كان عاديا. بينما يرى السفير بأن مخاطبيه من المسؤولين المغاربة يعتبرون بأن هناك تدخلا أجنبيا من قبيل بعض المحسوبين على الشرق الأوسط، لأن أساتذة اللغة العربية الذين في معظمهم من مصر وسوريا، ما يزالون قيد الاعتقال. وكذلك هناك مشكل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والاتحاد المغربي للشغل، لأن لهم علاقات مع كثير من المنظمات والدول الأجنبية الذين لا يروقهم النظام السياسي القائم في المغرب، حيث شكك المسؤولون المغاربة في إمكانية خدمتهم لأجندات بعض الدول الأجنبية.
ما هي النتائج والانعكاسات المباشرة لهذه الأحداث على الوضع بالمغرب؟
لاحظ السفير الفرنسي بخصوص هذه المسألة بأن هناك على الأقل ثلاثة نتائج مباشرة، وهي كالتالي:
أولا: أن القمع الذي قام به الجنرال محمد أوفقير، أظهره مرة أخرى على أنه الرجل القوي في النظام السياسي المغربي.
ثانيا: أن رد فعل الأمن المغربي العنيف كان موجها بصفة أساسية ضد بعض العناصر القادمة من الجزائر في السنة الماضية، التي يبدو بوضوح أنها لا تريد التخلي عن العنف كخيار ضد الدولة بالدرجة الأولى. ويرى بأن قوات الأمن بدورها لن تتخلى عن العنف، وستستعمله لحفظ النظام ومنع أعمال التخريب.
ثالثا: تساءل السفير عن معنى استعمال النظام للعنف ضد المتظاهرين، هل يعني ذلك اتجاهه نحو التصلب، وتخليه عن النظام الليبرالي المؤدي إلى الديمقراطية، الذي كان الحسن الثاني يريد منحه للمغرب.
رابعا: أن التحذير الذي وجهه القصر في البرلمان، أظهر أن الحسن الثاني خرج قويا من الأزمة، حيث أنه أعطى أملا للأحزاب السياسية بأن تقتنع بالتخلي عن معارضتها “الغوغائية والعقيمة“، كما أن الملك تمنى أن يكون هناك إجماع وطني، ولكنه أكد على أن الوقت لذلك محدود، والحال أنه ترك إمكانية كسر الإجماع الوطني بوساطة “الفصل 35” من دستور 1962 الذي يؤكد على أن للملك الحق في الإعلان عن حالة الاستثناء في بعض الحالات.
وفي خلاصته حول ما حدث، أشار السفير بأن الوضع الاقتصادي المتأزم له دوره في وقوع ما وقع، ولكنه أكد على أن ما كان يمكن أن يكون خطيرا لم يحصل، وهو انتقال حمى الاحتجاج إلى البوادي المغربية.