شخصيات

حوار | الأحزاب المشاركة في حكومة العثماني تعمل على إفشالها من الداخل

نبيل بنعبد الله يطالب بنفس سياسي جديد

يواصل نبيل بنعبد الله، بتجربته الدبلوماسية والحكومية، الاشتغال بديناميته المعهودة داخل مقر حزب التقدم والاشتراكية، من خلال معالجة القضايا التنظيمية بنفسه، وقد أثبتت الأيام قدرته على المناورة بحزبه في مراحل صعبة(..)، كما سمح له وجوده في المعارضة اليوم، بالتعليق بحرية أكبر على العمل الحكومي، وإظهار “تميز” حزبه على باقي الأحزاب، حيث يقول: ((إن بعض وسائل الإعلام تخلط بين بعض الأحزاب التي لا استقلالية لها، وتنتظر الإشارات، وبين حزب التقدم والاشتراكية، الذي يتحمل مسؤوليته ويضع نفسه في الخندق الذي يبدو له مناسبا لمصلحة البلاد والعباد..))، ويؤكد على أن خروج حزبه للمعارضة، كان اختيارا محضا.
يقول نبيل بنعبد الله في حوار خص به “الأسبوع”: ((إن دخول غمار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يقتضي تحضير الأجواء السياسية لذلك، انطلاقا من شعورنا بأن هناك أزمة ثقة، وهناك فقدانا للمصداقية في الساحة السياسية، وفي عمل بعض المؤسسات، ناهيك عن الأثار الوخيمة لكوفيد 19، ليس على المستويات الصحية فقط، بل على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية)).
ويؤكد بنعبد الله، أن حزبه دفع ثمن مواقفه، مقابل “الكلمة”، حيث أن التوقيع على ميثاق المشاركة في الحكومة، والالتزام السياسي، يقابله في الناحية الأخرى، الدخول للحكومة والعمل على إفشالها من الداخل، ((وهو ما تقوم به الأحزاب الأربعة المشاركة مع السي العثماني في الحكومة الحالية))، حسب ما يؤكده بنعبد الله في حواره مع “الأسبوع”.

حاوره: سعيد الريحاني

» هل تعتقد أن الأجواء التي يتم فيها اليوم تحضير الانتخابات صحية وديمقراطية؟

الأجواء التي يتم فيها تحضير الانتخابات المقبلة، تتسم على أية حال، من حيث الجوانب القانونية، بمسلسل تشاوري لا يمكن أن نقول عنه أنه جانب الصواب، أو أنه لم يأخذ بعين الاعتبار آراء مختلف الهيئات السياسية، بل على العكس من ذلك، فالمشاورات انطلقت منذ السنة الماضية، وصولا إلى اعتماد القوانين.. لكن قبل أن توضع القوانين، كنا من الأحزاب التي أكدت على أن دخول غمار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، يقتضي تحضير الأجواء السياسية لذلك، انطلاقا من شعورنا بأن هناك أزمة ثقة، وأن هناك فقدانا للمصداقية في الساحة السياسية، وفي عمل بعض المؤسسات، ناهيك عن الأثار الوخيمة لكوفيد 19، ليس على المستويات الصحية فقط، بل على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

المشكل السياسي يجعلنا في حاجة إلى رجة، ونفس جديد، لذلك، نادينا في حزب التقدم والاشتراكية، منذ مدة، إلى “نفس ديمقراطي جديد”، بمعنى اعتماد بعض الإصلاحات التي تعيد الوهج للمشهد السياسي، ولقوة المؤسسات، وتسير في اتجاه بلورة عميقة لمضامين دستور 2011، وتساهم في إفراز حكومة قوية منسجمة، وهو ما لا نتوفر عليه اليوم، بهذه الحكومة، ولهذا السبب، خرجنا منها، وقررنا أن نلتحق بالمعارضة..

» (مقاطعا)، لكن بعض المتتبعين يقولون أنكم لستم أنتم من اخترتم الخروج للمعارضة، بل المسار الذي وضعتم فيه هو الذي فرض ذلك؟

لا أحد يقول ذلك، بعض الصحفيين هم الذين يقولون هذا.. حزب التقدم والاشتراكية اختار أن يلتحق بالمعارضة بالنظر لكونه نبه الحكومة التي كنا نتواجد فيها، ونبه رئيس هذه الحكومة، إلى أنها ضعيفة سياسيا، وأن هذه الحكومة لا مسار إصلاحي لها، وغير منسجمة، وغير متواجدة تواصليا.. وقلنا له أنها تعد ربما من أضعف الحكومات التي عرفناها، والدليل على ذلك، هو أننا أصدرنا بلاغات متعددة للمكتب السياسي للحزب، تؤكد الكلام الذي قلته قبل عملية التعديل، وقبل أن نعلم بأن هناك تعديلا.. لذلك قلنا وقتها أن السؤال الذي يجب أن يطرح، ليس هو كم عدد المقاعد التي سيحصل عليها الحزب، ولكن السؤال الذي طرحته على رئيس الحكومة، يقول: هل هناك نبرة إصلاحية؟ هل تعطينا الضمانات بأننا سنكون حكومة منسجمة قادرة على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، أم أننا هنا فقط لأجل توزيع حقائب وزارية؟ وفي هذه الحالة نعتبر أنه من الأفضل مغادرة هذه الحكومة، وهو ما قمنا به، بكل استقلالية، لأن حزبنا حزب مستقل، وربما بعض وسائل الإعلام تخلط بين بعض الأحزاب التي لا استقلالية لها، وتنتظر الإشارات وبين حزب التقدم والاشتراكية، الذي يتحمل مسؤوليته ويضع نفسه في الخندق الذي يبدو له مناسبا لمصلحة البلاد والعباد..

نجاح المرحلة رهين بمشاركة قوية في الانتخابات

» فيما يتعلق باستقلالية القرار الحزبي، هل هناك مخاطب للأحزاب في الدولة، أم أن كل حزب يفعل ما يريد؟

على أي حال.. بالنسبة لحزبنا، ولأحزاب المعارضة، فقد اتخذنا مبادرات كثيرة واتصلنا برئيس الحكومة، واستجاب مرتين، ومن دون شك ستكون لنا مبادرة أخرى حول هذه الظروف المحيطة بالانتخابات، ونحن نتصل باستمرار بوزير الداخلية المكلف بتنظيم هذه الانتخابات، هناك حوار على هذا المستوى، وهناك نقاش، وبالتالي، فمن هذه الناحية الشكلية، الأمور تسير، والمبتغى هو كيف يمكن لنا جميعا أن نبلور أجواء مختلفة، وأن نستطيع إحداث نوع من المصالحة بين المواطن والشأن السياسي، ذلك أن نجاح المرحلة المقبلة سيكون مرتبطا أساسا بنسبة المشاركة، وبقدر ما ستكون هذه النسبة مرتفعة، بقدر ما سيكون نجاحا لنا جميعا، لكن أهم شيء بالنسبة للمستقبل، هو أن تمكن هذه الانتخابات من إفراز حكومة قوية سياسيا وقادرة على بلورة الإصلاح، وأن تضم أحزابا سياسية لها القدرة والكفاءة والجرأة لأجل ذلك، وهذا ما نتمنى أن نشكله إلى جانب حلفائنا. 

أدينا ثمن مواقفنا السياسية

» ألا يمكن أن نقول على الأقل ما قاله البعض، وهو أن “السي نبيل” وحزبه، أدى ثمن التماهي مع سياسة رئيس الحكومة السابق بن كيران؟

“التماهي” كلمة سلبية.. حزب التقدم والاشتراكية دخل تحالفا سنة 2011، وعندما تدخل إلى حكومة وتوقع على ميثاق، تكون هناك مسألة تسمى الالتزام السياسي، وهناك مسألة تسمى بالدارجة “الكلمة”، فإما أن تدخل للحكومة وتتحمل تبعاتها، وأن تعمل من أجل نجاحها، وآنذاك تكون ملتزما و”عندك الكلمة”، وإما أن تدخل للحكومة، وتعمل على إفشالها من الداخل، وهو ما تقوم به الأحزاب الأربعة المشاركة مع “السي العثماني” في الحكومة الحالية.

حزب التقدم والاشتراكية حزب مختلف، وكنا قد دخلنا بنفس الروح مع “السي العثماني” في البداية، لكننا لم نجد لا النبرة السياسية، ولا العزيمة السياسية، ولا الحكومة القوية، ولا الحكومة المنسجمة، لذلك قررنا أن نغادر، وليس هناك “تماهيا” مع أي كان..

» في إطار المصطلح الذي فضلتم استعماله بالدارجة وهو “الكلمة”، هل تعتقدون أنكم أديتم الثمن في إطار “الكلمة التي أعطيتها لبن كيران”؟

هل تقصدون أننا أدينا الثمن على مواقفنا؟ نعم، الجميع يعلم ذلك، وليست هذه المرة الأولى التي يؤدي فيها الحزب الثمن على مواقفه، فهو حزب له 77 سنة من النضال.. أدينا الثمن مع الاستعمار، وأدينا الثمن بعد حصولنا على الاستقلال في كثير من المواقف، وتعرض الحزب في مراحل تاريخية كثيرة إلى القمع والمنع، وتعرض عدد من قادته للاعتقال، ومنعت جرائده.. هذه كلها فترات مررنا بها.. ألخص لكم ذلك بتعبير دارجي “مرة طالعة مرة هابطة”.. نحن نوجد في سياق نضالي هدفنا هو المشروع الديمقراطي الذي نناضل من أجله..

» ماذا تقصد بـ”مرة طالعة مرة هابطة”؟

معناه أننا نكون في بعض الأحيان في سياق نعرف فيه مستوى تواجدنا، لأن الظروف التاريخية مناسبة لذلك، وأحيانا أخرى، نتلقى الضربات ونتراجع.. فالنضال ليس دائما طريقا مستقيما تحصل فيه فقط على المكتسبات، ومفروش بالورود..

 

بنعبد الله رفقة رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران

نداء “الفئة الثالثة” للمشاركة في الانتخابات

» تابع المتتبعون مؤخرا خروجا إعلاميا، فهم منه هجومكم على حزب العدالة والتنمية، عندما قلتم أن هناك كتلة قارة تصوت لصالح هذا الحزب..

(مقاطعا) لم يكن ذلك هجوما، ولا داعي للكلام عن الناس، ويستحسن طرح السؤال بصيغة مباشرة، وأريد أن ينشر هذا الكلام، لأنني أعلم وألتقي بكثير من الناس ولا يقولون ما تقولونه..

أنا كنت أتكلم عن طبيعة الانتخابات في بلادنا، وقلت أن هناك ثلاثة أنواع من الناخبين (هذا ليس هجوما.. هذا تحليل)، هناك ما يمكن أن نسميه “كتلة انتخابية قارة”، بمعنى خزان انتخابي يستفيد منها حزب العدالة والتنمية، أي أن هناك ناخبين سيصوتون كيفما كانت الأحوال لصالح هذا الحزب، وهناك جزء آخر (فئة ثانية)، مكون من الذين يصوتون لأسباب مادية أو لأسباب علاقاتية، بمعنى أنهم ينساقون وراء المرشحين الذين لا يترددون في اللجوء إلى الفساد الانتخابي، أو يميلون لاعتبارات مرتبطة بالانتماء القبلي مثلا.. وهناك نوع ثالث، هو الذي يمكن أن يعول عليه حزب مثل حزب التقدم والاشتراكية، هذا النوع مع الأسف، هو الذي ينطلق من تصويت سياسي مرتبط بالقناعات، وهو الجزء الأكبر الموجود في مجتمعنا، ولكنه مع الأسف، يتسم بالعزوف عن المشاركة وبعدم التصويت، وبالتالي، نحن نؤدي الثمن على هذا المستوى، لأن هذه الفئة إما أنها غير مسجلة، أو أنها مسجلة ولا تشارك في عملية التصويت، لذلك وجهت نداء إلى هذه الفئة لتشارك وليكون لها صوت وتساهم في ردع وفي موازنة الصنفين الأول والثاني..

» هل توجد وصفة مغرية لهذه “الفئة الثالثة”، لأن مشاركتها لن تكون في صالح حزبكم فقط، بل في صالح العملية الديمقراطية ككل؟

هذه دائرة مغلقة يصعب الخروج منها، وبقدر ما أن هناك عزوفا وتكاثرا لظاهرة العزوف، وبقدر ما تطفو على السطح المظاهر السلبية في المشهد السياسي، والانتخابي.. بقدر ما سيكون هناك تصويت كثيف لفئات الشباب والنساء والمثقفين والعارفين بشؤون البلاد، والمتطلعين فعلا إلى تحسين الأوضاع، وبالتالي، سيتقوى نفوذ الأحزاب التي تتوفر على مشروع مجتمعي حقيقي كما هو الشأن بالنسبة لحزبنا، الذي قدم مشروعا سياسيا منذ ما يناهز 80 سنة، ويستمر في تقديمه، والجميع يعترف له على الأقل بنزاهته وصموده وشجاعته في طرح المواقف، لكن كيف لنا أن نكون أقوياء، عندما لا تصطف إلى جانبنا مئات الآلاف من أصوات المواطنين الذين يؤمنون بتصور قريب منا، لكنهم لا يصوتون..

» هل تعتقد أن اعتماد القاسم الانتخابي الجديد سيكون له تأثير على فئات المصوتين، أم على نسبة المشاركة؟

لا أعتقد أن القاسم الانتخابي سيكون له تأثير على نسبة المشاركة، فهذه الأمور غير مرتبطة، والقاسم الانتخابي سيكون له وقع على مستوى نتائج الانتخابات، وسيكون من الصعب جدا، بالنسبة للانتخابات البرلمانية على أي حزب، أن يحصل على مقعدين في دائرة واحدة، وهو الأمر الذي كان موجودا من قبل، ومن تم يمكن القول أن القاسم الانتخابي بإمكانه تغيير بعض النتائج، لكني لا أعتقد أنه سيؤثر على نسبة المشاركة..

 إخراج حكومة قوية إلى الوجود مسؤولية الدولة والأحزاب

» “السي نبيل”، كنت واحدا من قادة الأغلبية الذين وسموا المرحلة الأخيرة، من خلال الحضور في مفاوضات تشكيل الحكومة الأولى والثانية، وعشتم “البلوكاج”.. في نظركم، من يتحمل المسؤولية في توقيف العجلة السياسية؟ ماذا يقع حتى ننتقل من اختيار رئيس حكومة من الحزب الأول الفائز بالانتخابات إلى “البلوكاج”؟

الجميع له مسؤولية في ذلك.. الأحزاب السياسية لها مسؤولية، ويقع عليها إعطاء صورة المصداقية، وأن تكون لها ثقة المواطنين والمواطنات، ومن أجل ذلك، يجب على هذه الأحزاب أن تتسم بقوة داخلية حقيقية وبممارسة ديمقراطية، وبالقدرة على الحفاظ على قرارها المستقل، وهذا الأمر لن يتم إلا من داخل الأحزاب نفسها، وهنا أتكلم بطبيعة الحال عن الأحزاب التي توجد في وضعية متناقضة مع ما قلته، أما الجانب الثاني، فهو الجانب المرتبط بالدولة التي عليها أن تكون مبادرة كما بادرت في السابق إلى بلورة مضامين الدستور، لإفراز حكومة قوية تتمتع بالصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، وقادرة على حمل مشروع التغيير، وقادرة على حمل النموذج التنموي الذي سيناقش وننتظر مناقشته في أقرب وقت ممكن..

عندما سيظهر للمغاربة أن هناك فعلا حكومة قوية ومجالس منتخبة قوية، وبرلمان قوي، ستعود الحياة إلى مجراها الطبيعي، لذلك على الدولة أن تساعد على هذا المستوى، ومن ثم نحن نتكلم عن ضرورة خلق جو ومناخ سياسي جديد..

وأخيرا، يبقى دور المواطن، ودوره أساسي، فبقدر ما سيكون مشاركا قويا وحاضرا في الساحة السياسية، بقدر ما سيعود الوهج للفضاء السياسي الوطني..

واسمحوا لي أن أقول بأن هناك دورا للإعلام في إعطاء صورة مغايرة، وأتمنى في هذه المرحلة وأوجه ندائي إلى الإعلام الوطني بكل تلويناته ليقوم بحملة من خلال الافتتاحيات والمقالات، وطبيعة مقاربة عدد من المواضيع لحث المواطنين على المشاركة في الشأن السياسي، وحتى إذا كانت الوضعية سلبية في بعض مظاهرها، فإن خير سبيل لمعالجة ذلك، هو المشاركة وليس العزوف.

» هل تعتقد أن إرادة الدولة في تنزيل الدستور الجديد تراجعت؟

مسألة الدستور ليست مرتبطة بإرادة الدولة وحدها.. فعندما كنا نناقش الدستور سنة 2011، أتذكر أنني استعملت عبارة، وهي عبارة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، فعندما حصل المغرب على الاستقلال قال “إننا خضنا الجهاد الأصغر، وعلينا أن ننتقل إلى الجهاد الأكبر”.. فعندما اعتمدنا دستور 2011، فزنا في الجهاد الأصغر، أما الجهاد الأكبر، فهو استعداد المجتمع، دولة وأحزابا، ومجتمعا مدنيا وشعبا ونخبا.. لإعطاء مضمون لهذا الدستور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى