وجهة نظر | قراءة في النظام الداخلي لمجلس المستشارين (2)
15 يوليو، 2020
1 4 دقائق
بقلم: ذ. عبد الواحد بن مسعود *
بما أن النظام الداخلي لمجلس المستشارين نص في المادة 364 أنه ((على عضو مجلس المستشارين أن يكون على أهبة الاستعداد لقبول أي انتقاد أو مساءلة قانونية))، فإنه يؤاخذ على نشاط أعضاء هذا المجلس أنهم لا يقدمون اقتراحات قوانين، أو تقديم اقتراحات ترمي إلى تعديل القوانين أو تحيينها، ويعتمدون على ما تقدمه الحكومة فقط من مشاريع قوانين، وحتى تلك المشاريع لا تحظى بدراسة معمقة من طرفهم، وما إذا كانت في صالح المواطنين أو مضرة بوضعهم الاجتماعي والمادي كما حدث مؤخرا بالنسبة للفصل 9 من قانون المالية لسنة 2020، وكما يحدث في مناقشة قانون المالية والتصويت عليه، حيث تكون قاعة الجلسات العامة شبه فارغة، مع العلم أن قانون المالية من الأهمية بما كان، ونصوصه تربط المغرب بكامله بما ورد فيه لمدة سنة على الأقل، مع أن النظام الداخلي لمجلس المستشارين اهتم بموضوع قانون المالية وخصص له المواد من 236 إلى 249.
إن ظاهرة الغياب تمس حرمة ومكانة البرلمان كما تمس ثقة المواطن بهذه المؤسسة الدستورية، ولقد حاول النظام الداخلي علاج هذه الظاهرة بالنسبة للحضور في اللجان الدائمة والمشاركة في أشغالها، وذلك في المواد 132 و133 و134، وبالنسبة لعدم الحضور في الجلسات العامة في المادتين 161 و162، فبالنسبة لموضوع الحضور في اللجان الدائمة والمشاركة في أشغالها، نصت المادة 132 على أنه: يجب على أعضاء اللجان الدائمة، المواظبة على حضور اجتماعاتها والمشاركة في أشغالها بفعالية، ولا يجوز لأي عضو التغيب عن اجتماعات اللجنة التي ينتمي إليها دون عذر مقبول، وكل من أراد أن يتغيب ولا يحضر أعمال اللجنة الدائمة التي ينتمي إليها، عليه أن يبلغ اعتذاره عن الحضور برسالة خطية أو بالبريد الإلكتروني إلى رئيس اللجنة، قبل انعقاد الاجتماع، ويكون العذر مقبولا في حالات ذكرت على سبيل الحصر في المادة 133، وهي: حضور العضو نشاطا رسميا بدائرته الانتخابية، أو قيام العضو بمهمة برلمانية أو رسمية داخل أرض الوطن أو خارجه، أو حضور نشاط حزبي أو نقابي أو مهني ذي طابع تقريري، أو وجود العضو في إجازة مرضية، أو وجود المستشارة في فترة إجازة الأمومة، أو المشاركة في دورات مجالس الجماعات الترابية أو الغرف المهنية أو مؤسسات تعاضدية أو المجالس الإدارية للمنظمات المهنية بالنسبة للمستشارات أو المستشارين الذين يتحملون مسؤولية بهذه المجالس أو الغرف.
والمادة 134، بينت ما يمكن أن يتخذ بالنسبة لمن تغيب بدون عذر، إذ نصت على أن تسجل أسماء الأعضاء الحاضرين والمعتذرين عن الحضور والمتغيبين بدون عذر، في محضر كل جلسة، وتبلغ لمكتب المجلس، وتتلى أسماء المتغيبين في بداية الاجتماع الموالي، وتثبت أسماء الذين تغيبوا دون عذر مقبول في تقارير اللجان، وتنشر في الجريدة الرسمية للبرلمان والموقع الإلكتروني للمجلس. هذا هو الجزاء فقط لمن تغيب عن أشغال اللجنة الدائمة التي ينتمي إليها، لكن قد يتكرر ذلك الغياب، ولأكثر من ثلاث مرات، وهذه الحالة عالجتها الفقرة الثانية من المادة 134 إذ جاء فيها: إذا تغيب عضو لثلاث اجتماعات متتالية عن اللجنة التي ينتنمي إليها في نفس الدورة بدون عذر مقبول، فإن رئيس اللجنة يقوم بإشعاره بواجب الحضور بواسطة رسالة خطية أو نصية أو بالبريد الإلكتروني، وإذا لم يحضر العضو بعد هذا الإشعار، يحيط رئيس اللجنة رئيس المجلس علما، وكذا رئيس الفريق أو المجموعة التي ينتمي إليها، وهنا أحال النظام الداخلي على ما يمكن اتخاذه ضد العضو الذي تكررت غيبته على الإجراءات وعلى الجزاءات المقررة على من تغيب عن الجلسات العامة، وموضوع الحضور في الجلسات العمومية أو الغياب عنها عالجه النظام الداخلي للمجلس في المادتين 161 و162 من ذلك النظام، فالمادة 161 تنص على أنه: يجب على أعضاء مجلس المستشارين حضور جلساته العامة والمشاركة الفعلية في أشغالها، بما يتطلبه القيام بالمهمة البرلمانية على أحسن وجه، وعلى كل من تعذر عليه الحضور، أن يوجه رسالة في الموضوع إلى رئيس المجلس يبين فيها مبرر غيابه قبل بداية الجلسة، وتطبيق مقتضيات المادة 133 من النظام الداخلي للمجلس على الأعذار المبررة للغياب في الجلسات العامة وقد سبق ذكرها، ويضبط حضور أعضاء المجلس بأي وسيلة يعتمدها المكتب، بما في ذلك المناداة عليهم بأسمائهم أو التوقيع في لوائح الحضور، وتنشر لائحة الحاضرين والمتغيبين بعذر أو بدون عذر مبرر في النشرة الداخلية للمجلس وموقعه الإلكتروني، وحاولت المادة 162 أن تنص على جزاء من شأنه أن يحد من ظاهرة الغياب عن الجلسات العامة بدون عذر مبرر، ونصت على مراحل سير تلك الإجراءات كما يلي: يوجه الرئيس أو من ينوب عنه، في المرة الأولى تنبيها كتابيا في المكان المخصص لإيداع المراسلات الخاصة به بالمجلس، أو بمقر فريقه أو مجموعته البرلمانية، ويمنحه أجلا لا يتجاوز خمسة أيام من تاريخ التبليغ للرد عليه، وفي المرة الثانية في نفس الدورة أو في حالة عدم إجابة المعني خلال الأجل المذكور في الفقرة السابقة، يوجه إليه الرئيس أو من ينوب عنه تنبيها كتابيا ثانيا ويأمر بتلاوة اسمه في افتتاح الجلسة العلنية الموالية، وفي المرة الثالثة وما يليها، وخلال نفس الدورة، يأمر الرئيس أو من ينوب عنه باقتطاع مبلغ مالي من التعويضات الشهرية الممنوحة له، بحسب عدد الأيام التي وقع خلالها التغيب بدون عذر مقبول، وتنشر التدابير المنصوص عليها في الفقرة السابقة في الجريدة الرسمية للبرلمان والموقع الإلكتروني، وتعادل كل جلسة عامة يوما واحدا من أيام العمل، ما لم يعقد المجلس أكثر من جلسة في نفس اليوم، فيقتصر عندئذ على يوم واحد، وهذه الإجراءات تطبق على المستشارات والمستشارين.
هذه الإجراءات – في نظرنا – غير كافية، ولا يمكن أن تحد من ظاهرة الغياب، لأن عددا من أعضاء مجلس المستشارين يتمتعون بقدرة مالية، ولا يهمهم موضوع التعويضات، أو كما وصفت تلك التعويضات بأنها “زوج فرنكات”، بل يهمهم الصفة، والحصانة، واستخدام الوضعية البرلمانية في قضايا شخصية، والحضور في المناسبات الرسمية، أما اقتطاع مقابل تعويض يومي من مبلغ التعويضات والامتيازات المالية، فلا يحرك بالنسبة إليهم ساكنا.
إن الذي يتغيب عن أعمال اللجان، وعن الحضور في الجلسات العامة، ولا يزور دائرته الانتخابية، ولا يتواصل مع المنتخبين، فهذا العضو يعتبر خائنا للثقة والأمانة، ومتهاونا في تمثيل دائرته الانتخابية والدفاع عن مصالحها، لذلك، فهو غير جدير بتمثيل تلك الجهة، وغير مؤهل للدفاع عن قضايا الوطن، فإذا تكرر الغياب بدون عذر، معناه عدم احترام المؤسسة الدستورية، وعدم الاهتمام بما تتخذه من إجراءات توصف بأنها إجراءات سطحية، ولا تهمه مصلحة دائرته الانتخابية، لذلك، فإن الجزاء هو أن يقوم رئيس المجلس بإخبار المحكمة الدستورية بأن مقعدا من مقاعد المجلس يعتبر شاغرا، وتعلن المحكمة عن شغوره، وتعلن عن القيام بانتخاب جزئي أو دعوة من كان في الرتبة الثانية في انتخاب تلك الدائرة ليقوم بملء الفراغ، ويمنع ذلك العضو من الترشيح مستقبلا لأي انتخاب يمس سير مصلحة الوطن ومصلحة المواطنين.
هذا – في نظرنا – ما يحفظ لتلك المؤسسة حرمتها وهيبتها، ويرد ثقة المواطن برسالة ما تقوم به على الصعيدين الوطني والدولي.
هذه رسالة قوية لكل من يريد حقا اصلاح هذا البلد ولكل من يريد النزاهة والشفافية ومصلحة الوطن والمواطن فوق كل المصالح حزبية كانت او شخصية او سياسية