غير مصنف

وجهة نظر | قراءة في النظام الداخلي لمجلس المستشارين (1)

بقلم: ذ. عبد الواحد بن مسعود *

    صدر في الجريدة الرسمية العدد 6880 بتاريخ 13 رمضان 1441 الموافق لـ 7 ماي 2020 / الصفحة 2619، النظام الداخلي لمجلس المستشارين، ويتكون من 370 مادة، مما يجعل مواد هذا القانون – بوفرة مواده – من أكثر الأنظمة الداخلية للمؤسسات المنصوص عليها دستوريا.

ليس من السهل استيعاب وشرح هذه المواد والتعليق عليها، وما حملته في طياتها، لكن المهم، هو مقارنة بعض ما جاءت به تلك المواد مع الواقع والممارسات الفعلية، هل هي محل تطبيق وتنفيذ، وهل تستجيب للرسالة السامية التي أنيطت بكل مستشارة ومستشار، وأهمها الدفاع عن مصالح الوطن بالدرجة الأولى، ومصالح الناخبين وجموع المواطنين بالدرجة الثانية، ورفض كل ما يقدم ويزيد من معاناتهم، ويتسبب في تعميق هوة الكادحين.

وبغض النظر عن أبواب النظام الداخلي لمجلس المستشارين، فإننا نلاحظ من وجهة نظرنا، أن هذا النظام الداخلي جاء ببيان واضح وتفصيل واسع للمهام التي يتحملها كل عضو من أعضاء مجلس المستشارين، وكنا نفضل أن تكون مقدمة هذا النظام الداخلي مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية المنصوص عليها في المواد من 360 إلى 366، إذ تهدف إلى ترسيخ القيم الديمقراطية، وقيم المواطنة، وإيثار الصالح العام، وتعزيز دور المسؤولية البرلمانية، وتحدد تلك المدونة المبادئ المؤطرة للممارسة البرلمانية، وكذا الواجبات وضوابط السلوك المرتبطة بها، وبيان الآليات الكفيلة بحث كل عضو على التقيد بتلك الضوابط داخل المجلس وخارجه.

مواد مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية تكون مقدمة هذا النظام، ليكون كل عضو واعيا منذ البداية بمسؤولياته، وجسامة رسالته، ومنها كما جاء في تلك المدونة، نكران الذات وخدمة المصلحة العامة، والنزاهة، والموضوعية، والخضوع للمساءلة، وأضيف التواضع في المعاملة، أو الحوار، أو مقابلة أي مواطن.

مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية هي بمثابة دليل أو خارطة طريق على عضو مجلس المستشارين أن يسير على هديها، وتلك المدونة فرضت على كل عضو قبول الانتقاد البناء، وتطوير المهارة الشخصية، وتجنب التضارب بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، مبادئ المدونة لها الأسبقية في الاعتبار على الاعتبارات المادية، والاحتماء وراء الحصانة البرلمانية، والجري وراء المكتسبات المادية، والتملص من المشاركة في تحمل الأعباء اللازمة لسير مرافق الدولة، وخاصة أيام المحن والأزمات.

فما هي إذن المستلزمات ومقومات نكران الذات وخدمة المصلحة العامة التي يجب أن يتحلى بها العضو بمجلس المستشارين حتى لا يبقى تائها؟ ذلك ما أشار إليه النظام الداخلي وبين الحد الأدنى لما يجب القيام به لخدمة المصلحة العامة، فبالنسبة لنكران الذات وخدمة المصلحة العامة، نص النظام الداخلي لمجلس المستشارين على أنه يتعين على عضو المجلس:

1) إيلاء العمل البرلماني الصدارة، وإعطائه الأولوية على باقي النشاطات الأخرى التي يمارسها، وبصفة خاصة، الحضور المستمر لأشغال المجلس  والانضباط في مواعيد جلساته واجتماعات لجانه، بوصفه ممثلا للأمة دون مفاضلة أو تحيز، ويتوخى المصلحة العامة ويتحرر من انتمائه الفئوي الذي على أساسه نال العضوية بمجلس المستشارين كلما وقع التعارض في هذا الشأن.

2) ممارسة مهامه بحسن نية وبمسؤولية وتفان، وعدم استغلال منصبه لتعزيز مصالحه الشخصية أو مصالح أفراد أسرته أو معارفه.

3) المحافظة على المعلومات السرية التي يطلع عليها بمناسبة أداء مهامه، ويمنع عليه استخدامها لتحقيق مكاسب خاصة، ولا سيما حصوله على وظائف أو امتيازات معينة بعد انتهاء مدته الانتدابية بالاستناد إلى مقتضيات قوانين أو قرارات ساهم العضو في إخراجها على الشكل الذي صدرت به.

وبالنسبة للنزاهة، فقد نص النظام الداخلي لمجلس المستشارين، على أنه يجب على عضو المجلس تجنب التواجد في أوضاع قد تمس واجب التجرد والحياد المفترض فيه، وأن يعطي صورة إيجابية عن المؤسسة البرلمانية، وأن يسعى للحفاظ على نظرة الاحترام الواجبة، كما يفرض عليه الالتزام بمجموعة من المبادئ الأخلاقية ومنها على وجه الخصوص: أداء المهام البرلمانية بفعالية وأمانة، الامتناع عن كل ما من شأنه الإساءة لسمعة البلد في المنتديات الدولية، وعدم الالتزام ماليا إزاء أشخاص أو منظمات قد يكون لها تأثير سلبي في توجيهه عند أداء مهامه البرلمانية، وعدم قبول الدعوات أو التواجد في أمكنة قد تجلب له الشبهة، وعدم قبول أية هدية أو منفعة أو قرض لم يكن ليناله لولا صفته البرلمانية، ويتوجب عليه الإعلان عن باقي الهدايا التي يحصل عليها إذا كانت قيمتها تعادل تعويضه البرلماني الشهري، على أن تودع الهدايا التي يتلقاها من طرف المؤسسات الوطنية أو الدولية بمتحف المجلس.

وبالنسبة للموضوعية، نص النظام الداخلي لمجلس المستشارين أنه يستوجب التزام كل عضو بالمجلس، بالمبادئ المذكورة، وعلى وجه الخصوص القيام بما يلي: التعبير عن الرأي بلباقة واحترام، وبجميع وسائل التعبير دون تجاوز لحدود القانون واللياقة، اختيار واقتراح الشخصيات المناسبة والمؤهلة لتولي المسؤوليات والانتدابات العمومية التي تعود لمجلس المستشارين صلاحية اقتراحها أو انتخابها، وتحري التوازن والتطرق لجميع الآراء والمواقف المعبر عنها في تحرير التقارير التي يكلف بإعدادها لفائدة المجلس أو لمكتبه، وأن يتحلى بحسن الاستماع لشكايات وقضايا المواطنين وإبداء النصح الواجب لهم وخدمتهم قدر المستطاع.

تعتبر المواد المتعلقة بالخضوع للمساءلة، من أهم المواد الواردة في موضوع السلوك والأخلاق البرلمانية، حيث نصت تلك المواد أن أعضاء مجلس المستشارين مسؤولون عن قراراتهم وتصرفاتهم إزاء المواطنين والمؤسسات، وعليهم أن يكونوا على أهبة الاستعداد لقبول أي انتقاد أو مساءلة قانونية، وحريصين على تطوير مهاراتهم الشخصية في مجالات العمل البرلماني، ودقيقين في تحري المعلومات التي تصلهم، لتجنب الإضرار غير المقصود بالآخرين أو التشهير بهم.

ويتعين على عضو مجلس المستشارين التنحي تلقائيا من عضوية اللجنة أو الهيئة التشريعية أو الرقابية المعينة كلما تواجد في حالة تضارب بين مصلحته الخاصة  أو فئوية مع المصلحة العامة، وعلى عضو المجلس الذي يشك في تواجده في إحدى حالات تضارب المصالح إزاء إحدى التزاماته المتعلقة بمدونة السلوك، استشارة رئيس المجلس أو من ينتدبه لهذا الغرض.

ومنح النظام الداخلي لرئيس مجلس المستشارين بمبادرة منه بناء على تصريحات أعضاء المجلس بنشاطاتهم المهنية أو بناء على طلب من له مصلحة، الاستفسار الكتابي للمستشار المتواجد في حالة تضارب مصالح، ودعوته في حالة التأكد من هذه الواقعة إلى التنحي المؤقت من عضوية اللجنة الدائمة أو التنحي من عضوية أي هيئة أخرى مؤقتة، وقد أسند النظام الداخلي لمكتب المجلس مهمة ضبط واحترام هذه القواعد واتخاذ الإجراءات المناسبة في شأنها، ويوجه عند الاقتضاء تنبيهات وإشعارات للمعنيين بالأمر.

يتبع

* من هيئة المحامين بالرباط                                                               

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى