غير مصنف

وجهة نظر | جرائم الامتناع عن تنفيذ الأحكام وغيرها من جرائم الامتناع

بقلم: ذ. عبد الواحد بنمسعود

أعتقد أن من المراجع القانونية الواجب الاطلاع عليها، كتاب “جرائم الامتناع عن تنفيذ الأحكام وغيرها من جرائم الامتناع” للدكتورعبد الفتاح مراد، المستشار بمحاكم الاستئناف العالي، دكتور في القانون العام المقارن مع مرتبة الشرف الأولى، أستاذ محاضر بالجامعات، وهذا المرجع القيم يحتوي على 447 صفحة.

وبما أن موضوع مناقشة الفصل 9 من قانون المالية استأثر باهتمام القانونيين والممارسين للنشاط الاقتصادي بوجه عام، والنشاط التجاري بوجه خاص، وينعكس على مصالح المتقاضين، ويمس هيبة القضاء ومبدأ حجية الأحكام، واتفق الجميع على أن تطبيق ذلك الفصل يعتبر عرقلة في طريق تنفيذ الأحكام القضائية، فقد أصبح من الواجب الاطلاع على موقف الفقهاء ورجال القانون والأساتذة المحاضرين في الجامعات، لمعرفة وجهة نظرهم في إشكالية جرائم عدم تنفيذ الأحكام، وغيرها من جرائم الامتناع.

ومن حسن الحظ والصدف، أننا اطلعنا على المرجع الفقهي القيم المشار إلى عنوانه أعلاه، لكننا لن نخوض في التعليق أو تحليل أو اقتباس ما ورد في صلب موضوع ذلك الكتاب، لأن ذلك يستلزم الحصول على إذن كتابي مسبق من المؤلف، وإنما نكتفي فقط بما ورد في المقدمة، حيث أن المؤلف أبان عن موقف صريح وواضح ومقنع حول ظاهرة الامتناع عن تنفيذ الأحكام وإثر ذلك الامتناع، وذلك للقول بأن وجهة نظرنا وما نشرناه في موضوع الفصل 9 من قانون المالية، كان في محله وسبق إليه قبلنا الفقيه الأستاذ عبد الفتاح مراد.

نقتطف من تلك المقدمة الفقرات التالية:

الفقرة الأولى:

ـ لاحظ المؤلف أن جرائم الامتناع لم تحظ بدراسة تطبيقية لها في الفقه العربي على الرغم من أهميتها، لأن سلوك الممتنع ليس مجرد سلوك سلبي، وإنما هو سلوك يخالف ما هو مفروض على الممتنع أن يقوم به، وعلى سبيل المثال، فإن سلوك الموظف العام بالامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية يبلغ قدرا جسيما من المخالفة الصارخة لقوانين المجتمع، فسلوكه يتضمن أولا أنه قد خالف القوانين التي وضعها المجتمع سلفا، وهو قد خالف ثانيا أحكام القضاء التي صدرت نفاذا لحكم القانون، وهو قد خالف ثالثا القاعدة الجنائية التي تجرم الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية.

الفقرة الثانية:

ـ أن سلوك الممتنع يدل على الأنانية والانعزالية وإنكار حقوق الآخرين والمساس بمصالح المجتمع.

الفقرة الثالثة:

أناط الدستور في المادة 65 منه بالقضاء، توفير سبل الحماية القضائية للمواطن من كل عدوان وبغي على حقوقهم وحرياتهم، والمواطن إذ يكابد مشقة التقاضي وأغواره في جهاد مرير عله يظفر بعد طول عناء بدحض الباطل واسترداد الحق المغتصب، وظن فرحا أن الظلم الواقع عليه قد زال بحصوله على حكم قضائي واجب النفاذ، فإنه يفاجأ بما ليس في الحسبان وخارج عن الاعتبار، بوجود عقبة كئود تقف حجر عثرة في سبيل تنفيذه أو تعطيل هذا التنفيذ، وفي سبيل مواجهة هذا الإهدار الماحق لأحكام القضاء.

الفقرة الرابعة:

إن تنفيذ الأحكام القضائية أيا كان نوعها، تقع مسؤوليته وواجب القيام به على عاتق السلطة التنفيذية، وفقا لأحكام الدستور والقانون، وبالتالي، فإن مسؤوليتها عن تنفيذ ما يصدر ضدها من أحكام، أشد وأوجب، وتترتب على الامتناع عن تنفيذ الأوامر والأحكام القضائية أثار فادحة تعمل على إشاعة الفوضى وفقدان الثقة في الشرعية وسيادة القانون، وهي مخالفة قانونية لمبدأ أساسي وأصل من الأصول القانونية تستلزمه الطمانية العامة، وتمليه ضرورة استقرار الحقوق والأوضاع والروابط الاجتماعية في المجتمع.

الفقرة الخامسة:

ولذلك، فإن القاعدة المقررة بصدد تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الجهة الإدارية في الدولة، تقتضي بتحمل تلك الجهة لالتزامين متزامنين:

أولهما: سلبي، وذلك بالامتناع عن اتخاذ أي إجراء تنفيذي يترتب عليه استمرار للحالة أو الوضع أو القرار بعد القضاء بعدم مشروعيتها وحسمها بموجب حكم.

ثانيهما: إيجابي، وذلك باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ مؤدى الحكم مع تطبيق نتائجه القانونية فورا على أساس افتراض عدم وجود الحالة أو المسألة أو القرار أو القرار ابتداء، فيرد ما كان إلى ما كان، وينتهي الحال على هذا الوضع ويعود الشيء إلى أصله وكأن شيئا لم يحدث.

الفقرة السادسة:

… ويستلزم الأمر التنويه إلى أنه ليس لرجال الإدارة العامة، مهما علا شأنهم، سطلة في التعقيب على أحكام القضاء، بل الواجب يقضي بالالتزام بتنفيذها كاملة احتراما للشرعية والقانون، وعملا بالصيغة التنفيذية التي تذيل بها تلك الأحكام، ولذلك، تعتبر المخالفة القانونية في هذه المسألة جسيمة ومارقة، لما تنطوي عليه من خروج سافر على القوانين، فهي بذلك عمل غير مشروع، والجدير بالاعتبار أنه لا يؤثر في وقوع الجزاءات سالفة البيان الاعتصام بانتقاء الدوافع الشخصية، أو التستر وراء المصلحة العامة، إذ أن تحقيق هذه المصلحة ليس سبيله ارتكاب أعمال غير مشروعة بالامتناع عن تنفيذ الأحكام أو تعطيل هذا التنفيذ.

الفقرة السابعة:

يجب أن يتدخل المشرع على وجه السرعة لتعديل نص المادة 123 من قانون العقوبات، لتنطبق على كل من يعطل تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ، أو يمتنع عن تنفيذه سواء في ذلك الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة، أو المسؤول بشركات قطاع الأعمال العام والجمعيات الخاصة ذات النفع العام، بل وشركات القطاع الخاص أيضا، ضمانا لاقتضاء العاملين بهذه المؤسسات جميعا حقوقهم واحتراما لأحكام القضاء واجبة النفاذ.

الفقرة الثامنة:

ونختم هذا الاقتباس مشاطرة منا للفقيه لما ورد في تلك الفقرات، وذلك بقوله:

وختاما، فإن الحقيقة التي تفرض وجودها وتؤكد ثبوتها جهارا وبيانا، أنه لا يفتك بكيان الوطن وبمقومات حياته قدر إهدار أحكام بالامتناع عن تنفيذها، إذ من شأن ذلك أن يثير كوامن السخط والتبرم لدى الناس جميعا، ويحرك في ذات الوقت، دوافع الإحباط وتثبيط الهمم، مما ينعكس أثره المدمرعلى قدرات الولاء والعطاء للوطن، فضلا عن نتائجه الفادحة في المساس باستقرار الأوضاع في المجتمع ونواحي الاصلاح في ربوع البلاد.

هذه هي بعض الفقرات التي اقتبسناها من الكتاب المذكور عنوانه أعلاه، وهي تمثل تشخيصا لخطورة الامتناع عن تنفيذ الأحكام من طرف فقيه متضلع وأستاذ واسع المعرفة والخبرة، وبعيد النظر.

إننا ندق ناقوس الخطر من التمادي في عدم احترام السلطة القضائية وما يصدر عنها من أحكام، ونلتمس من المشرع، إن كانت له غيرة على مصالح هذا الوطن، أن يبادر إلى إنقاذ هذا الوطن المحاط برعاية الله وعنايته، من خطورة ما قاله الفقيه، وتلك المخاطر تتمثل في:

ـ إشاعة الفوضى، فقدان الثقة في المشروعية، فقدان الثقة في سيادة القانون، المس باستقرار الحقوق والأوضاع والروبط الاجتماعية، إثارة كوامن السخط، التعبيرعن التبرم من طرف الجميع، العصيان والعدول عن الولاء، حرمان الوطن من العطاء، المساس، والمساس بنواحي الإصلاح والخير في ربوع البلاد.

نقول مرة أخرى، أن يبادر المشرع إلى تطويق هذه المشاعر، وأن يبادر إلى إطفاء لهيبها قبل أن تستعر وتشتد، وأن يبادر إلى إصدار قانون على وجه الاستعجال يقضي بإلغاء الفصل 9 من قانون المالية لسنة 2020.

وإن بعض المحاكم الإدارية (مكناس، مراكش)، أصدرت أحكاما تقضي بعدم تطبيق الفصل 9 من قانون المالية لسنة 2020، لأنه يقتصر على الدولة والجماعات المحلية ومجموعاتها، وهكذا سندخل في دوامة قضائية إلى أن يصل النزاع لمحكمة النقض لتقول كلمتها في كيفية تطبيق ذلك الفصل تطبيقا سليما.

وأعتذر للفقيه الجليل عن هذا الاقتباس، لأنه كشف عن الداء وذكر الدواء، والمؤمنون كالبنيان المرصوص يشد بعضم بعضا، ومن رأى منكم منكرا فليغيره ولو بقلمه، وذلك أضعف الإيمان، والسلام على من سمع القول واتبع أحسنه.

* من هيئة المحامين بالرباط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى