تحليل إخباري | هل يتحول حزب الأصالة والمعاصرة إلى حزب معارض للملكية؟
8 فبراير، 2020
0 5 دقائق
إعداد: سعيد الريحاني
بخلاف كل المرشحين لقيادة حزب الأصالة والمعاصرة، والبالغ عددهم حتى الآن خمسة مرشحين، اختار المحامي عبد اللطيف وهبي، تلميذ المحامي الراحل بنجلون(..)، أن يعلن عن ترشحه لقيادة حزب الأصالة والمعاصرة مرفوقا بالجدل، بعدما صرح يوم الخميس الماضي، من داخل مقر الحزب في الرباط، بأن ((إمارة المؤمنين جزء من الإسلام السياسي)).
وبينما كان ينتظر أن يقطع حزب الأصالة والمعاصرة مع الأساليب التي أدت إلى اندحاره بسبب الحروب التي شنها في السنوات الأخيرة على إمارة المؤمنين، جاء وهبي اليوم ليكمل المسيرة التي بدأها إلياس العماري وأصدقاؤه(..)، فكلامه بغض النظر عن الجدل الذي رافقه، هو نوع من الهجوم على أحد الثوابت الملكية(..).
وبغض النظر عن الاتهامات التي يكيلها أعضاء حزب الأصالة والمعاصرة لبعضهم البعض والتي تصب كلها في خانة الاتهامات المتعلقة بالذمة المالية لبعض الأعضاء، واتهامات بالتلاعب في الملايير، وهو ما لم يتحدث عنه وهبي(..)، فقد جرت العادة أن تصدر عن حزب الأصالة والمعاصرة تصريحات معادية لإمارة المؤمنين أو لإحدى تجلياتها، كما كان يحصل أيام خديجة الرويسي وزميلها في حركة “اليقظة المواطنة”، الناشط أحمد عصيد، أو على لسان الأمين العام السابق إلياس العماري، الذي خلف رحيله عن الحزب مزيدا من “التيه” داخل هذا التنظيم السائر في طريق التفكك، ما معنى أن يتحالف الجميع ليذهب العماري ثم يأتي واحد من المتحالفين، هو وهبي، ليردد نفس الكلام الذي كان يقوله إلياس.. فهل هو التناوب، أم تقاسم الأدوار(..)؟
تبقى أكبر تناقضات كبير محاميي حزب الأصالة والمعاصرة، هي اعتباره لإمارة المؤمنين جزء من الإسلام السياسي، بينما يعتبر حزب العدالة والتنمية، وهو التجلي الواضح للإسلام السياسي، بأنه حزب ديمقراطي(..)، وهو ما يعني أن وصفة وهبي لقيادة حزب الأصالة والمعاصرة تقوم على مخطط بارز، هو فتح الباب للتحالف مع حزب العدالة والتنمية، لضمان مقعد وزاري في المستقبل(..)، لذلك، لا غرابة أن تقرأ لوهبي وهو يقول: ((عندما تحدثت عن إمارة المؤمنين كجزء من الإسلام السياسي، فإني تحدثت عن توصيف أنا مقتنع به.. الفصل 41 من الدستور ينص على أن المجال الديني محصور لدى جلالة الملك، الذي لديه سلطات يمارسها من خلال موقعه كأمير للمؤمنين، وعندما وصل جلالة الملك إلى السلطة، فإن أول إجراء قام به كان إجراء دينيا، هو البيعة(..)، وإذا كان المجال الديني محصورا للملك، فإن المجال السياسي مفتوح للجميع.. إنني وفقا لهذا التحليل، لا أرى أن حزب العدالة والتنمية جزء من الإسلام السياسي..)).. هكذا إذن، دافع وهبي عن حزب العدالة والتنمية باعتباره حزبا ديمقراطيا في حواره مع جريدة “أخبار اليوم” (29 يناير 2020)، وهاجم إمارة المؤمنين باعتبارها إسلاما سياسيا، وربما نسي وهبي أن حزب العدالة والتنمية ليس سوى وجه من وجوه حركة “التوحيد والإصلاح”، وهي الحركة الدعوية التي تسعى للحكم من خلال ممارسة السياسة عن طريق حزب العدالة والتنمية(..).
طبعا، كلام وهبي لم يجد أي ترحيب من قبل قيادة الحزب المشتتة، ولولا النزاع القائم بين أعضاء المكتب السياسي، لصدر في حقه بلاغ لطرده من “البام”، لذلك لا غرابة أن يكون أول المنتقدين لوهبي هو الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة حكيم بنشماس، الذي انتبه إلى خطورة تصريحاته على مستقبل الحزب، إذ لا يتصور أن يكون هناك مستقبل انتخابي لحزب يعارض إمارة المؤمنين، كما أنه لا يمكن إعلان الحرب على إمارة المؤمنين ثم التظاهر بالتعاون مع الملكية من جهة أخرى(..).
يقول حكيم بنشماس في بلاغ غير مسبوق يصدر عن حزب الأصالة والمعاصرة: ((.. إنه، تبعا لما تم بيانه، يكون إنزال مؤسسة إمارة المؤمنين أسفل من منزلة تجار المشترك الديني، الذين يشترون بالرأسمال الرمزي للدين الإسلامي عرضا من مواقع حزبية، وانتدابات انتخابية، ووظائف تنفيذية، علامة دامغة على جهل مطبق بمقومات النظام الدستوري لبلادنا، وتبخيسا في منتهى السماجة، لمؤسسة إمارة المؤمنين ولصلاحياتها الدستورية.. ومن ثم، لا يسعني إلا أن أعبر عن استنكاري لمنطوق هذا الكلام الذي يتعارض في الجوهر مع الدستور المغربي وأحكامه الواردة، على النحو الذي تم بيانه أعلاه، باعتبار إمارة المؤمنين مكونا مركزيا في النسق الدستوري والتاريخي للدولة المغربية، لكونها تقوم على البيعة، وباعتبارها مؤسسة بعيدة عن التجاذبات والصراعات السياسية والعقائدية والإيديولوجية)).
نفس المصدر يقول: ((نظرا لما يحمله هذا التصريح من مغالطات صارخة، وانزلاقات فادحة، وشين أخلاقي فاضح، فإني أبلغ عموم المناضلات والمناضلين والرأي العام الوطني، أن ما صرح به السيد عبد اللطيف وهبي لا يلزم الحزب في شيء، لكونه يتناقض أصلا مع توجهات الحزب ومرجعياته ومواقفه، ويجافي المواقف المبدئية للحزب ومنطلقاته وأدبياته المعتمدة من طرف أجهزته والمنشورة على الملأ، ويكفي أن نذكره بمذكرة الحزب المرفوعة للجنة الملكية التي أشرفت على دستور 2011، والتي أقرت بشكل واضح بمركزية إمارة المؤمنين في الوثيقة الدستورية، باعتبارها مكونا تاريخيا وحضاريا وثقافيا لبلادنا، وصمام الأمن الروحي المتين لشعبنا)).
أخطر ما في كلام وهبي، حسب بنشماس، وحسب من يوافقونه الرأي، هو محاولة تحويل إمارة المؤمنين إلى خصم سياسي، فـ((القول الشائن أن إمارة المؤمنين هي إسلام سياسي، يضرب في العمق كل الصلاحيات والوظائف الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين ومؤسساتها، ناهيك عن المدلولات الخطيرة لهذا التصريح، لما يترتب عنه من استنتاجات تحول بموجبها إمارة المؤمنين إلى خصم سياسي، وفي النهاية، فإن هذا القول القبيح، لا يخدم إلا مرامي من يتخذهم السيد عبد اللطيف وهبي أولياء له من قوى الإسلام السياسي)) حسب بنشماس.
وانظروا للزمان كيف دار دورته، فكل الذين التحقوا بحزب الأصالة والمعاصرة التحقوا به، لكونه كان حزبا يدافع عن المشروع الملكي، وهذا ما كان يقوله “المؤسس” فؤاد عالي الهمة، الذي ساهم في تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، قبل أن يغادر السفينة تاركا وراءه استقالة تاريخية أكد فيها انحراف حزب الأصالة والمعاصرة (انظر نص الاستقالة رفقته)، فـ((المواطن المغربي صوت لفائدة أحزاب اشتغلت إلى جانب جلالة الملك في مشروع مغربي واضح المعالم..))، والمشروع الواضح المعالم هو أن: ((المغرب دخل الآن في حلقة مفتوحة على محاربة الأمية، ومحاربة الفقر.. وهذا هو مشروع الملك محمد السادس، هذا هو مشروع مغرب اليوم، أظن أن الرجوع إلى الأصل أصل، واليوم أقول لجميع الطاقات في جميع المناطق المغربية وخارج المغرب أنه حان الوقت لخدمة وطننا..)) (المصدر: تصريح فؤاد عالي الهمة في برنامج “ضيف خاص” على القناة الثانية، يوم الإثنين 10 شتنبر 2007).
طبعا، لم تعد هناك أي علاقة بين الهمة ومشروع “البام”، رغم أن البعض يحاول استغلال صفته كمستشار ملكي لإعطاء بعد آخر للصراع الداخلي، كما حصل مع العضو الذي يقول بأن “هذا الحزب عندو مواليه”(..)، لكن المهم، هو أن عددا كبيرا ممن ركبوا سفينة الحزب كانوا يؤمنون بالانخراط في الدفاع عن مشروع الملك، وليس محاربة إمارة المؤمنين..
وكانت بوادر انحراف حزب الأصالة والمعاصرة قد ظهرت بشكل جلي أيام الأمين العام السابق إلياس العماري، الذي كان يقول بأن ((حزب الأصالة والمعاصرة لم يسبق له أن أعلن أنه جاء ليدافع عن المشروع الملكي، وإنما جاء للمساهمة من موقعه في تطوير البلاد.. ولأن الأمر كذلك، فقد أعلنا منذ البداية أننا ضد خوصصة القضايا والثوابت المشتركة بين المغاربة)) (تصريح إلياس العماري لجريدة المساء. 17 فبراير 2012).
كلام إلياس العماري، كان يأخذ أبعادا خطيرة إذا أخذنا بعين الاعتبار صدى تحركات من كانوا يطوفون في فلك حزب الأصالة والمعاصرة، أمثال الناشط أحمد عصيد، الذي شكك في نسب المولى إدريس مؤسس الدولة العلوية، معتبرا أن ((الرسالة المحمدية، تهديدية، إرهابية)) (المصدر: كلام عصيد في ندوة دعت إليها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط. 25 أبريل 2013).
يذكر أن إعلان ترشيح عبد اللطيف وهبي للتنافس على كرسي الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، قد طبعه بدعوته لاعتبار إمارة المؤمنين إسلاما سياسيا، وبدعوته للخروج من حضن الدولة.. لكن، ألن يكون الخروج عن حضن الدولة، وحضن إمارة المؤمنين، مقدمة للخروج عن حضن “الشرعية” وقانون الأحزاب(..)؟