شخصيات

حوار الأسبوع | حزب العدالة والتنمية لا يريد الاصطدام مع المؤسسة الملكية وأزمة ما بعد إقالة بن كيران لا تخفى على أحد

ماء العينين المرأة القوية في حزب العدالة والتنمية تعلق على حراك الريف وأزمة الحزب الأغلبي وتصرح:

حاورها : سعيد الريحاني 

   رغم أن حزب العدالة والتنمية، لم يصطدم مع المؤسسة الملكية، واختار التفاعل الإيجابي مع قرار إعفاء رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، الذي يشغل في نفس الوقت منصب الأمين العام، إلا أن الحزب يعيش مأزقا داخليا غير مسبوق أكدته البرلمانية القوية في حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، التي قالت في حوارها مع “الأسبوع”: ((أنا لست ضد بلاغ الأمانة العامة الذي تفاعل مع بلاغ الديوان الملكي (حول إعفاء بن كيران) بشكل إيجابي، وقد كان هناك إجماع داخل الحزب حول هذا البلاغ، وتضمن رسالة صريحة مفادها أنه لا رغبة لحزب العدالة والتنمية في الاصطدام مع المؤسسة الملكية، والمجلس الوطني أكد هذا الأمر، لكن الخلاف وقع في الموقع التفاوضي لتدبير تشكيل الحكومة)).

   أمينة ماء العينين، هي اليوم، واحدة من أعضاء “تيار” قوي داخل حزب العدالة والتنمية، لا يقتسم نفس القناعات مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ليس فقط من حيث سوء تدبير موقع مفاوضات تشكيل الحكومة، حسب قولها، ولكن من حيث كون بن كيران، رغم إبعاده، إلا أنه كان يمثل: ((اتجاه الصمود والتمسك بالإرادة الشعبية واحترام روح 7 أكتوبر))، حسب نفس البرلمانية التي تؤكد: ((.. نحن كلنا نقول بأن الخط السياسي الذي تشبت به رئيس الحكومة (بن كيران) لدرجة أنه ضحى فيه بمكانته كان يعبر عنا جميعا، ولم يكن يعبر عن نفسه كشخص، وأنا جزء من المجلس الوطني الذي كان يساند هذا الاتجاه، أنا لست من الناس الذين ينقلبون في مواقفهم بين عشية وضحاها)).

   وفي تعليقها على أحداث الريف، طالبت ماء العينين بالإفراج عن المعتقلين كمدخل لـ “التهدئة”، ورفضت المقارنة نهائيا بين الوضع في الريف والوضع في الصحراء، معتبرة أن الوضع السياسي في الصحراء مختلف تماما، ((وأرجو ألا نلعب بنار مقارنة حراك عادي بمطالب اقتصادية واجتماعية يسجل انتقادات واحتجاجات على تدبير ملفات تنموية وبين منطقة لها وضع خاص معهود إلى الأمم المتحدة بمتابعته مع وجود كيان انفصالي يقدم نفسه بصفة الدولة مدعوما من دول وحكومات مناوئة للمصالح المغربية)) تقول ماء العينين.

  • ما رأيك فيما يحدث بالريف؟

  • ما يحدث أمر مؤسف، والمقاربة التي تم اعتمادها، تنم عن ارتباك كبير عند الدولة في معالجتها للمطالب الاقتصادية والاجتماعية التي عبر عنها المواطنون في احتجاج سلمي، وهي مرشحة للتصاعد.. أي أنها مرشحة لتمتد إلى مناطق أخرى، لأن نفس الدواعي التي أخرجت الناس في الريف وهم متشبتون بمطالبهم الاقتصادية والاجتماعية.. فالمطالبة بالتعليم وبالصحة هي مطالب جميع المغاربة، بمعنى أن الدولة يجب أن تتوفر على مقاربة استباقية، وطالما أن أسباب الخروج موجودة، فإن الناس يمكنهم أن يخرجوا في أي مدينة من مدن المغرب.

    هذه المقاربة ينبغي أن تكون استباقية وشمولية في نفس الوقت، أما المقاربة التي استعملت حتى الآن، فهي تعكس ارتباكا ليس على المستوى الأمني فقط، بل في المقاربة ككل، بدأت مع التصريحات المؤسفة لأحزاب الأغلبية (التي اتهمت حراك الريف بالانفصال)، والتي مازلنا نحصد تبعاتها إلى اليوم، بعدها خرج نفس الأشخاص تقريبا، ليقولوا بأن الأمر يتعلق بمطالب اقتصادية واجتماعية، وهو ما يعني موت المصداقية يوما بعد يوم.  

العثماني تسرع في اتهام حراك الريف بالانفصال

  • (مقاطعا) ولكن هذه الأمور التي تتحدثين عنها تمت بمشاركة حزب العدالة والتنمية؟

  • أنا أتحدث عن ارتباك الأغلبية، والتصريح الذي خرجت به الأغلبية في اليوم الأول، كان تصريحا لرئيس الحكومة، وهو تصريح مؤسف، لأنه لا ينتظر من رئيس حكومة أن يتسرع في الحديث عن وجود نزعات انفصالية للحراك وهو في بدايته، حتى لو كان ذلك، بناءا على معطيات قدمها وزير الداخلية، فإن هناك آليات أخرى للتفاعل مع الأحداث، والتأكد مما يجري لامتصاص الغضب.

   ولاشك أنكم لاحظتم أن البلاغ الذي تبع التصريحات الأولى لزعماء الأغلبية، صحح الأمر في اليوم الموالي، وهذا البلاغ هو الذي حضر فيه حزب العدالة والتنمية في شخص نائب الأمين العام، أما التصريحات الأولى فقد شارك فيها سعد الدين العثماني بصفته رئيسا للحكومة، بمعنى أنه لم يتم التشاور مع أجهزة الحزب، ولم يتشكل وقتها رأي حزب العدالة والتنمية فيما يخص حراك الريف، وهنا لابد من التمييز بين العمل الذي قام به رئيس الحكومة والعمل الذي قام به نائب الأمين العام في البلاغ، الموقع باسم أحزاب الأغلبية، حيث لعب دورا كبيرا لكي يخرج بلاغا متوازنا لتدارك الخرجة التي لم تكن محسوبة، طبعا سيطرح سؤال من هو سعد الدين العثماني، وهو سؤال مشروع، يحيل على الوضعية التي يعيشها حزب العدالة والتنمية.

حزب العدالة لم يدبر مفاوضات تشكيل الحكومة بشكل سليم

  • بعض المتتبعين يعتقدون أن حزب العدالة والتنمية منقسم بين تيارين، تيار يقوده سعد العثماني وتيار آخر يقوده بن كيران؟

  • بكل صدق، لا أظن أن الأمر يتعلق بوجود تيارين، لأن التيار في الثقافة التنظيمية الحزبية يكون منتظما ومهيكلا، وله أوراق معروفة ويجمع مجموعة من المناضلين وهذا الأمر ليس عيبا، بل هو موجود في أعرق الممارسات الحزبية، لكنني أقول بأن حزب العدالة والتنمية، لم يصل بعد إلى مستوى تيارات مؤسسة.. قد نقول بأن هناك بعض المناضلين معروفين بآراء معينة، ولكن هؤلاء الأشخاص، لا ينسقون في ما بينهم وتوجد بينهم أيضا اختلافات كبيرة.

   ما يقع في حزب العدالة والتنمية، حسب وجهة نظري هو أننا نعيش ارتدادات الهزة التي وقعت لنا بعد إقالة رئيس الحكومة السابق، الأمين العام، عبد الإله بن كيران، وهذه الظرفية لم تكن أبدا سهلة، ولم نكن مهيئين لها للأسف الشديد، عرفنا فيها تخبطا وارتباكا لم نستيقظ منه إلا بعد اتخاذ قرارات.. الجميع مازال يتساءل عن طريقة اتخادها، وكيف تشكلت الحكومة والصيغة التي خرجت بها.

  • هل تعتقدين أن حزب العدالة والتنمية كان عليه التشبت بعبد الإله بن كيران؟

  • بالنسبة لي، كان من الممكن أن نقوي موقعنا التفاوضي بشكل كبير، أنا لست ضد بلاغ الأمانة العامة الذي تفاعل مع بلاغ الديوان الملكي (حول إعفاء بن كيران) بشكل إيجابي، وقد كان هناك إجماع داخل الحزب حول هذا البلاغ وتضمن رسالة صريحة مفادها أنه لا رغبة لحزب العدالة والتنمية في الاصطدام مع المؤسسة الملكية، والمجلس الوطني أكد هذا الأمر، لكن الخلاف وقع في الموقع التفاوضي لتدبير تشكل الحكومة، هل كان من الممكن أن تخرج الحكومة بشكل أحسن من الذي خرجت به؟ أتصور بأن الجواب نعم، لكن هنا تختلف الآراء، هناك من يرى بأن التنازلات كانت ضرورية من أجل إنقاد الوضعية، ونحن نقول بأننا لم ندبر مفاوضات تشكيل الحكومة بشكل سليم، ولازال هناك غموض في ما يتعلق ببعض الأمور كالقبول بالاتحاد الاشتراكي.

  • بالنسبة لك على الأقل الأمور واضحة، “مسلسل التنازلات” بدأ منذ انتخاب المالكي رئيسا لمجلس النواب، أليس كذلك؟

  • أنا قلت لكم، نحن لم ندبر فترة “البلوكاج” بشكل سليم، الحزب وقف صوتا واحدا ورجلا واحدا وراء رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، وقلنا له، نحن كلنا معك في التعبير عن الإرادة الشعبية، لكن عندما أزيل الرجل (تقصد بن كيران) طرح السؤال، كيف انقلب رأي الحزب بين عشية وضحاها، هل يعقل أن اتجاه الصمود والتمسك بالإرادة الشعبية واحترام روح 7 أكتوبر، كان يمثله بن كيران كشخص؟ هذا غير ممكن ولازلت أومن بأن هذا الاتجاه، كان يمثل قرار المؤسسة، والنقاش ينبغي أن يكون حول هذا التغيير.

  • لنفترض، ونحن نستشرف المستقبل، أنه كان عندك اختيار بين إعادة ترشح بن كيران لمنصب الأمانة العامة، وبين سعد العثماني، فمن تختارين؟

  • هذا السؤال لن أجيب عنه بهذه الصيغة، وهو لا يعبر عن الهواجس المطروحة، أنا لا يهمني الشخص، أنا يهمني الخط السياسي الذي يعبر عنه كلاهما، وحينما يعبر الخط السياسي عن ما نريد، سنذهب في هذا الاتجاه، نحن كلنا نقول بأن الخط السياسي الذي تشبت به رئيس الحكومة (بن كيران)، لدرجة أنه ضحى فيه بمكانته، كان يعبر عنا أجمعين، ولم يكن يعبر عن نفسه كشخص، وأنا جزء من المجلس الوطني الذي كان يساند هذا الاتجاه، أنا لست من الناس الذين ينقلبون في مواقفهم بين عشية وضحاها.. أذكر أن مجموعة من القيادات الحالية، كانت تكتب مقالات مساندة لهذا الاتجاه، لكن التغيير والتسويغ الذي حدث بعدها، لا أستطيع أن أقوم به.

الوضعية الصعبة للحزب لا تخفى على أحد  

  • كيف تعيشون هذا الوضع، بين وجود بن كيران كأمين عام وسعد الدين العثماني كرئيس حكومة؟

  • نحن في وضعية صعبة لا تخفى على أحد، حيث وجدنا أنفسنا لأول مرة، رغم أننا تاريخيا مررنا من لحظات صعبة يتذكرها الناس، كالتهديد بالحل سنة 2003، ونشأة “البام”، ومحاولة تحجيم حزب العدالة والتنمية.. كل هذه اللحظات كان يواجهها الحزب بجسد واحد ومنطق واحد ورأي واحد، فرغم أن الضربات كانت قاسية، لكننا كنا نواجهها بقوة التنظيم الداخلي، لدرجة أننا لم نشعر بهذا المأزق الذي نشعر به اليوم، نحن اليوم نواجه استهدافا خارجيا بمأزق داخلي وباختلاف وجهات النظر، بمعنى أننا مطالبون بإعادة توحيد وجهات النظر.

التهم الثقيلة الموجهة لمعتقلي الريف لا يمكن أن تؤدي للتهدئة

  • نعود إلى الريف، هل مازلت على رأيك في ما يخص مطالبتك بالإفراج عن المعتقلين؟

  • اليوم، الجميع يطالب بالتهدئة، الدولة، المواطنون، والأحزاب، والتصعيد ليس في صالح أحد، سواء بالنسبة للوضعية الداخلية أو صورتنا الخارجية، وأنا قلتها، إن سلوك النيابة العامة في تكييف التهم والاعتقالات التي تباشرها، سلوك حاسم لتحديد ما إذا كنا نريد التهدئة أو التصعيد، وبكل صراحة، منهجية الاعتقالات وتوجيه تهم ثقيلة للمعتقلين، والمقاربة الأمنية الموجودة على الأرض، لا يمكن أن تؤدي إلى التهدئة، والسبيل اليوم للحوار، هو الإفراج عن المعتقلين.

  • ألا تعتقدين، أن مطلب الإفراج عن المعتقلين دون قيد أو شرط يتعارض مع ما هو مروج له، حيث توجد على سبيل المثال فيديوهات لأشخاص يكسرون سيارات الأمن الوطني بالحجارة، هل هذا عدل؟

  • أنا كبرلمانية وكسياسية، لا يمكن أن أشجع على أي عمل يخرق القانون، ولا يمكن أن نقبل أن المحتجين يعتدون على رجال الأمن، ولا يمكن أن نقبل في نفس الوقت، الاعتداء على مظاهرات سلمية في إطار القانون، لكن التهم الثقيلة الموجهة للمعتقلين، من قبيل المس بسلامة الدولة، وزعزعة الاستقرار، وتلقي التمويلات الخارجية.. لا يمكن أن تؤدي إلى التهدئة في ظل غياب المعطيات الصحيحة، حيث أن الحكومة لا تتواصل، ووزير العدل لا يقول شيئا حول الموضوع، وسجلنا ارتباكه في الجواب على أسئلة البرلمانيين، فضلا عن الارتباك الكبير للوزراء والمسؤولين، الذين يرفضون التجاوب مع مبادرات البرلمان، حيث طلبنا عقد اجتماع لجنة الداخلية ولم يحضروا، وقدمنا طلبات إحاطة ولم يحضروا، فقط كانت هناك جلسة وحيدة، وكانت الأجوبة غير مقنعة، لا للبرلمانيين ولا للرأي العام.

 

سعيد شعو معروف ولا ينبغي محاكمة حراك الريف بالنوايا أو تشبيهه بالوضع في الصحراء

  • ما رأيك في من يقول بأن حراك الريف يخفي وراءه مطالب أخرى، ففي الريف يوجد من يطالب بالجمهورية مثل سعيد شعو، وهناك أيضا من يطالب بالحكم الذاتي، وهناك أيضا فعاليات من الحركة الأمازيغية تطالب بإعادة تأسيس “تامزغا”؟

  • لا يفترض تقييم الحراك بادعاء إخفائه لمطالب لم يتم الإعلان عنها وتبنيها بوضوح وإلا فسنخرج من مجال القانون إلى محاكمة النوايا، كما لا يمكن أن نقيم الحراك الذي يصر نشطاؤه على نفي تهمة الانفصال وغيرها من التهم التي لم يثبت منها لحدود اللحظة أي شيء. بالنسبة للبرلماني السابق شعو، تصريحاته ومواقفه موجودة ومعروفة قبل الحراك بكثير، فكيف يعقل أن يتم نسبها اليوم إلى الحراك؟ أما بخصوص مطالب الحكم الذاتي ووجود جمعية تحمل هذا الاسم، فهو أمر قديم ومعروف، وفي ما يتعلق بالحركة الثقافية الأمازيغية ومطالبها، فلست أدري العلاقة التي تربطها بحراك يعلن مطالب واضحة. عموما لست من الذين يخوضون في الماورائيات المفترضة، لنكن منصفين ونتعامل مع الواقع كما هو، ومع ما يتم التصريح به وتبنيه بحرية ومسؤولية،عندها تترتب التبعات والمسؤوليات.

  • ما رأيك في المفارقة بين متابعة محتجين بتهمة الانفصال في الريف وعدم متابعة مطالبين بالانفصال في الصحراء؟

  • لست على علم بوجود متابعات بتهمة تسمى “الانفصال”.. سمعنا بذلك وسمعنا بنفي المعنيين في الريف لذلك جملة وتفصيلا، وعلى القضاء تحمل مسؤوليته التاريخية بخصوص هذا الملف، أما ما يتعلق بالصحراء، فإن هناك وضعا سياسيا مختلفا تماما وأرجو ألا نلعب بنار مقارنة حراك عادي مضمونه مطالب اقتصادية واجتماعية يسجل انتقادات واحتجاجات على تدبير ملفات تنموية، وبين منطقة لها وضع خاص معهود إلى الأمم المتحدة بمتابعته مع وجود كيان انفصالي يقدم نفسه بصفة “الدولة” مدعوما من دول وحكومات مناوئة للمصالح المغربية.. ليس في مصلحة أحد الإحالة على مقارنات غير سليمة وغير مؤسسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى