تحليل إخباري | نهاية “الحزب المعلوم” وإبعاد بارونات المخدرات عن ملف الصحراء وأمريكا اللاتينية
5 مايو، 2017
6 دقائق
المليارديران اليخلوفي والذيب “ضحايا” إدريس البصري وقصة تقديم خدمات للدولة
إعداد: سعيد الريحاني
يحكي القطب الصحراوي، محمد تقي الله الشيخ ماء العينين، وهو واحد من الصحراويين الذين اختاروا صف الوحدة منذ انطلاق المشكل مع البوليساريو، وواحد من الذين دافعوا عنها أمام اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار في الأمم المتحدة، سنة 1963، أي تلك السنة التي شهدت حرب “الرمال” بين المغرب والجزائر، حيث كان الرئيس الكوبي فيديل كاسترو على موعد مع أول زيارة رسمية إلى الاتحاد السوفياتي، لكن طائرته توقفت في الرباط قبل إتمام مسيرتها، فشكل ذلك فرصة لعقد لقاء بين الراحلين، الحسن الثاني وكاسترو، ورغم الاحترام المتبادل بينهما، حسب ما يؤكده تقي الدين، إلا أن ملك المغرب، لم يكن متفقا مع موقف كاسترو الذي كان راغبا في مواصلة خطته في كنف المعسكر الاشتراكي..
تقي الله ماء العينين، وباعتباره مقربا من رئيس كوبا، التي زارها الملك محمد السادس مؤخرا، قبل الشروع في تطبيع العلاقات(..)، ذكر أن الخلاف “الكبير” بين كاسترو والحسن الثاني، كان بسبب الزعيم الاتحادي، المهدي بنبركة، “فقد كان بنبركة في العاصمة الكوبية هافانا للتحضير لمؤتمر القارات الثلاث (هذا المؤتمر، انعقد في يناير عام 1966 في العاصمة الكوبية، وهو أول محطة من نوعها جمعت حركات التحرر الوطني في العالم ويشتمل على قارات: آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية) ليكشف كاسترو فيما بعد، أنه تعرض لضغط شديد من طرف الحسن الثاني لإبعاد بنبركة عن رئاسة هذا المؤتمر (المصدر: حوار الأسبوع الصحفي مع تقي الله الشيخ ماء العينين/ عدد 8 دجنبر 2016).
وتبقى أكبر نقاط الخلاف بين كوبا والمغرب، هي أن هذه الدولة معروفة إعلاميا بدعمها لجبهة البوليساريو، وبتدريب الانفصاليين على حمل السلاح، بل لا غرابة أن تكتب الصحافة: “رحلة الملك محمد السادس غير واضحة ومبهمة المعاني، وتعد بمثابة زيارة إلى الجزائر نفسها”، وكانت الصحافة قد كتبت بشكل مفاجئ قبل أسابيع، ” أن الملك محمد السادس قرر قضاء عطلته في كوبا”، ليكتب موقع “Caribbean News Digital” المتخصص في أخبار السياحة والأسفار، على سبيل المثال: “إن الملك محمد السادس، وصل إلى جزيرة كايو سانتا ماريا الواقعة شمال كوبا رفقة زوجته الأميرة للا سلمى والأمير مولاي الحسن والأميرة للا خديجة، للاحتفال بعيد الميلاد الرابع عشر للأمير مولاي الحسن، وانظروا لرمزية الحدث، فالأمير مولاي الحسن هو ملك المغرب المستقبلي، يحتفي بعيد ميلاده في دولة معروفة بدعمها للبوليساريو، دلالة على مستقبل جديد(..)”.
كان من الممكن أن تكون زيارة الملك محمد السادس إلى كوبا زيارة عادية، وأن نصدق وسائل الإعلام التي قالت إنها زيارة عائلية بغرض الراحة والاستجمام، لو أن الدينامية الرسمية التي تبعت هذه الزيارة، أكدت أن “عرش الملك محمد السادس فوق طائرته” بعد أن أفادت إذاعة “راديو هافانا” (Radio Havana) وتبعتها وسائل الإعلام المغربية، بأن “كوبا والمغرب استأنفا علاقاتهما الدبلوماسية بعد انقطاعها منذ العام 1980″، وبحسب ذات الإذاعة، فـ “إن أنايانسي رودريغيز، مندوبة كوبا الدائمة في الأمم المتحدة، وعمر هلال، مندوب المغرب الدائم في المنظمة الدولية، وقعا على اتفاقية بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في مقر الممثلية الكوبية لدى المنظمة في نيويورك”، قبل أن يصدر بلاغ آخر عن وزارة الخارجية والتعاون يوم 22 أبريل 2017، يؤكد أن الملك أعطى تعليماته السامية لفتح سفارة للمملكة المغربية في هافانا قريبا”.
ولم يكتف الملك محمد السادس بوضع اللبنة الأولى لتطبيع العلاقات مع دولة كوبا التي تنتمي إلى دول أمريكا اللاتينية، بل إن المغرب الذي غامر بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي، حاول لعب دور معين في أمريكا اللاتينية، وفي هذا الصدد، يمكن أن نقرأ بلاغ مهاجمة السفير عمر هلال، مندوب المغرب الدائم في المنظمة الدولية، لنظام الحكم في دولة فنزويلا، شأنه شأن البلاغ الذي أصدره وزير الخارجية الجديد، ناصر بوريطة، الذي وصف في أول بلاغ له، نظام الحكم في جمهورية فنزويلا، بأنه “الأقلية الأوليغارشية في السلطة”، وهو ما يعد دليلا على أنه لم يكتبه، إذ يستحيل أن يكتب وزير شاب مثل هذا البلاغ في وزارة سيادية دون الحصول على الضوء الأخضر(..) حيث قال بوريطة: “إن المملكة المغربية، تتابع ببالغ القلق، الوضع الداخلي بجمهورية فنزويلا البوليفارية، وأنها تأسف لكون المظاهرات السلمية التي شهدتها فنزويلا هذا الأسبوع، وخلفت العديد من الضحايا، بما في ذلك، تسجيل وفيات وسط الشباب الذين شاركوا في هذه المظاهرات، موضحا أن هذه الوضعية لا تتناسب مع الموارد المهمة من المحروقات التي يزخر بها البلد (المقصود فنزويلا)، والتي تظل، للأسف، تحت سيطرة أقلية أوليغارشية في السلطة” يقول بوريطة.
قد يتساءل البعض، “مالنا ومال فنزويلا؟”، لكن الجواب يبدو سهلا بالنسبة لمتابعي الإعلام الدولي، الذي قال: “إن التصعيد المغربي تجاه فنزويلا، جاء في أعقاب مداخلة لممثل كراكاس في الأمم المتحدة، الذي قارن بين فلسطين والصحراء الغربية، واعتبرهما خاضعتين للاحتلال”.
تحرك الجانب الرسمي إلى أمريكا اللاتينية، وبهذه الكثافة، غطى عمليا على كل التعاملات التي ميزت التعامل مع دول المنطقة، ومنها الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل والأروغواي والباراغواي والإكوادور والتشيلي وفنزويلا وكوبا، حيث أن العلاقة مع هذه الدول، طرحت في السنوات الأخيرة، إما كمصدر للشك في تصرفات الحزب المعلوم(..)، الذي يسير نحو نهايته بعد ظهور نسخة جديدة ومنقحة(..)، أو في علاقة مع بارونات المخدرات، الذين كانوا يستغلون غياب العلاقات الرسمية، للقيام بعملهم بعيدا عن الأضواء، وتقديم أنفسهم كوسطاء في قضية الصحراء(..).
هل تذكرون الملياردير اليخلوفي، صديق فيديل كاسترو الذي قتله البصري، لقد كان قريبا من إقناع زعيم البوليساريو بالعودة إلى بلده وانتهى متهما بالاتجار الدولي في المخدرات(..)؟ هكذا تساءل الناشط في مجال حماية المال العام، طارق السباعي مؤخرا، على صفحته “الفيسبوكية”، مطالبا بفتح تحقيق في قضيته، موضحا أن ضابطا كوبيا كبيرا وصل إلى الرباط لاتخاذ تدابير عودة عبد العزيز المراكشي للمغرب، وأن مستشاري الحسن الثاني، أحمد رضا اكديرة وأحمد عصمان، ووزير حقوق الإنسان، كانوا على علم بالتفاصيل.
الملياردير اليخلوفي، ولاشك أن هناك مليارديرات آخرين، واحد من “ضحايا الحملة التطهيرية التي باشرها البصري سنة 1996″، وهو واحد من الذين نموا في الهامش السحيق، لغياب العلاقات بين المغرب وكوبا، وما شابهها، اعتبر الكثيرون أن دفنه، بداية شهر يونيو من 1998، كان بمثابة دفن لكل الأسرار التي حبلت بها قضيته، علما أن الرجل توفي إثر عملية فاشلة لاستئصال اللوزتين، بعد قضائه مدة عامين في السجن كما قيل.. كانت أول جملة نطق بها اليخلوفي: “أنا في حمى صاحب الجلالة، وأنا بريء من كل التهم، وإن أول سكن لي كان في المغرب، في سلا، ولي معملان للملابس الجاهزة”، وبالنسبة للاتجار الدولي في المخدرات، صاح قائلا: “أنا بريء من هذه التهم، وأن من فعلوها لي، هم أعداء الوحدة الترابية، وردد كلمة أنا مظلوم أنا مظلوم..”، لماذا سيتحدث معتقل في قضية مخدرات عن الوحدة الترابية؟ ماهو الرابط؟ المعلومات القليلة التي رافقت محاكمة السيد اليخلوفي، تشير إلى أن تجارة المخدرات كانت ربما وجها ثانويا في انشغالاته، فيما كان الوجه الثاني، ذو طابع سياسي تتخلله الكثير من مناطق الظل، فالسيد اليخلوفي كانت له مشاريع استثمارية في عدة دول من بينها كوبا التي كانت تربطه فيها علاقات بكبار السياسيين، وقد تردد آنذاك، أن وجوده في كوبا كان موازيا للقيام بمهام سياسية لها علاقة مباشرة بقضية الصحراء المغربية، حيث التقى هناك بالعديد من مسؤولي البوليساريو، وعمل على الدفع ببعضهم إلى العودة للمغرب والتخلي عن وهم الانفصال (المصدر: جريدة أصداء/ 10 يونيو 1998).
عن اليخلوفي تقول جريدة “المساء”: “إنه الملياردير صديق كاسترو الذي قتله البصري.. وحتى بعد مرور كل هذه السنوات ووفاة اليخلوفي في السجن، حاملا معه أسرارا كثيرة، ما يزال ذكر اسمه يثير الرعب والتوجس في قلوب الكثيرين، وهو الذي ارتبط بملفات حارقة، منها علاقته بالرئيس الكوبي فيديل كاسترو ومع أخيه راوول، وتوسطه في محاولة إقناع زعيم جبهة البوليساريو بالعودة إلى المغرب، فضلا عن شبكة علاقاته الواسعة في المملكة، حيث تأتى له ربط علاقات بوزراء وسياسيين ورجال أعمال ومنتسبين إلى مختلف الأجهزة الأمنية، قبل أن ينتهي به المطاف خصما لإدريس البصري، أقوى وزير داخلية عرفته مملكة الحسن الثاني..”.
قد يقول قائل، هل تلجأ الدولة إلى خدمات تجار المخدرات؟ الجواب على لسان حميدو الذيب أو أحمد بونقوب، الذي اتهم الدولة بالسطو على ملاييره(..)، واحد من ضحايا الحملة التطهيرية في زمن الحسن الثاني، وتاجر المخدرات المعروف: ((نعم، سأقولها والله شاهد على ما أقول: كان البعض ممن يشتغلون في الأجهزة الأمنية يطلبون مني تدوير العجلة، ويقولون لي: “نوض تخدم”، أنت وأمثالك هم الرجال الحقيقيون لهذا البلد، تصدرون “التراب” وتأتون بالعملة الصعبة للبلاد.. كانت هذه هي لغتهم معي في العديد من المرات.. لكن عندما جرى الضغط علي توقفت.. ولعلمكم، فقد كنت “أحرس” البحر من منطقة كاب سبارطيل إلى القصر الصغير لصالح المغرب، خصوصا أن نهاية التسعينيات، عرفت مشكل الهجرة السرية عبر القوارب نحو إسبانيا، وقد كانت الدولة نفسها عاجزة عن ضبط العشرات من القوارب التي تنطلق يوميا من السواحل المغربية، فكنت أوفر للدولة “أمن البحر” في هذه المساحة، حيث يمنع كليا على أي “حرّاك” أن يعبر في المنطقة التي يحرسها رجالي)) (المصدر: حوار الذيب مع هسبريس بتاريخ 25 شتنبر 2016).
كل من الملياردير الذيب والملياردير اليخلوفي، كانا ضحايا الحملة التطهيرية، وكلاهما كان يقدمان خدمات للدولة، لكن عندما تدور عجلة الزمن، لا يصمد أمامها أحد، والمؤكد اليوم أن ضحايا “تطبيع” العلاقات بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية، وإعطائها بعدا رسميا، أي بعدا قانونيا محكوما بإطار القانون، سيكون ضحاياه، الوسطاء كيفما كان نوعهم، ولا مجال للحديث عن وساطة بارونات المخدرات بين دولتين تجمعهما علاقات رسمية، وما توجه المغرب إلى فتح سفارة في الباراغواي وكوبا إلا تأكيد على التوجه الجديد، وأبرز سماته نهاية الحزب المعلوم(..).