تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | المغرب يهدد بطرد الدبلوماسيين المتورطين في تمويل ثورة في الريف والصحراء

مؤشرات محاكمة كبرى للحاصلين على التمويل الأجنبي

إعداد: سعيد الريحاني 

   وجه المغرب “إنذارا” غير مسبوق إلى الهيئات الدبلوماسية والقنصلية الناشطة فوق أراضيه، بعد أن أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون مذكرة “سرية”، إلى الهيئات الدبلوماسية والقنصلية، وإلى فروع المنظمات الدولية في المغرب، بقصد مراقبة أي دعم مادي منها لمنظمات المجتمع المدني في المغرب.

   المراسلة التي أشرفت عليها جهات عليا والتي من المؤكد أن لها علاقة بتوتر الأجواء في الريف والصحراء(..)، تدعو بشكل صريح، الهيئات الدبلوماسية والتمثيليات القنصلية وفروع المنظمات الدولية والإقليمية ووكالات التعاون العاملة في المغرب، إلى احترام قواعد وتقاليد العمل الدبلوماسي، التي لا يدخل ضمنها بطبيعة الحال، “تمويل الأنشطة” المهددة للاستقرار، وتظهر الغاية من المراسلة الحازمة بوضوح في دعوتها كافة الهيئات سالفة الذكر، إلى احترام القنوات الدبلوماسية، وأن كل اتفاق، وكل برنامج عمل أو تمويل من هذه الهيئات لمنظمات حكومية أو غير حكومية مغربية، يجب أن يمر عبر القنوات الدبلوماسية(..).

   المذكرة التي تتحدث عن “احترام الأعراف الدبلوماسية”، تعني بشكل أوضح، أن كل “دبلوماسي” لم يحترم “الأعراف الدبلوماسية” مهدد بالطرد من المغرب كما هو معمول به دوليا في مثل هذه الحالات.

   بشكل أوضح، سواء تعلق الأمر بالأمم المتحدة أو فروعها المانحة، أو الدول الكبرى الناشطة في المغرب، أو السفارات المعروفة بتمويلها للمجتمع المدني، سواء في إطار دعم مخطط التقسيم(..) أو الركوب على الاحتجاجات الاجتماعية لتغيير النظام(..)، كلها ستجد نفسها مضطرة إلى القيام بعملها التمويلي طبقا للقانون، وهو ما يعني بالمقابل، أن الجهات المستفيدة، ستعمل وفق برنامج واضح(..).

   المراسلة، ورغم أنها سرية، وصادرة بشكل دقيق عن مديرية الشؤون القانونية والمعاهدات بوزارة الخارجية يوم 27 مارس الماضي، مما يعني أن الإدارة المغربية، حاولت تجنب “التفسير السياسي” للمذكرة، غير أن “المتلقين”، فهموا أبعاد الرسالة، فسربوها للصحافة، ما معنى أن تقوم هيئات دبلوماسية أو قنصلية أو منظمات غير حكومية دولية بتسريب مراسلة إدارية سرية للصحافة؟ ألا يتعلق الأمر بـ “سياسة لَي الذراع” عن طريق تأجيج الرأي العام وتحذير المتعاملين المسفيدين من خطورة الوضع؟

   وكانت جل التقارير الصادرة عن الأجهزة والمؤسسات الوطنية، قد أكدت على ارتفاع حجم التمويل الأجنبي المقدم لمنظمات المجتمع المدني، ولمن لا يعرف منظمات المجتمع المدني، فالأمر لا يقتصر على “الجمعيات” كما يعتقد البعض، بل إن المجتمع المدني كما هو معروف، يتكون من “النقابات والأحزاب والمقاولات والجامعات..”، ولكي نعرف حجم التمويل الأجنبي وخطورته، يكفي أن نرجع إلى الأرقام، حيث استفادت 194 جمعية من مساعدات أجنبية بلغت قيمتها الإجمالية سنة 2015، ما يناهز 26 مليار سنتيم، حسب ما صرح به الأمين العام السابق للحكومة، إدريس الضحاك.

   لا يتعلق الأمر إذن بدعم لوجيستيكي أو “غير مادي”، بل إنها لغة الملايير، لتطرح الأسئلة: ((ما الذي يدفع سفارات معينة، أو هيئات قنصلية معينة، أو حتى منظمات دولية، لدفع كل هذه الملايير؟ من يراقب طريقة صرف هذه الملايير؟ هل يعقل أن الأمر يتعلق فقط ببرامج للتنمية(..)؟ هل يمكن للمغرب مثلا، أن يمول منظمات في أمريكا أو فرنسا أو هولندا أو ألمانيا دون أن يخضع للمحاسبة؟ ألم تقم الدنيا ولم تقعد في أمريكا بعد أن كشف موقع ويكيليكس الخاص، أن المرشحة للانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأمريكية، هيلاري كلينتون، تلقت وقتها دعما من المغرب فاق الـ 12 مليون دولار أمريكي لاستخدامها في العمل الخيري(..)؟

   المشكلة ليست في دعم أنشطة المجتمع المدني، لكن المشكل بالنسبة لبلد كالمغرب، هو توظيف هذا الدعم لـ “زعزعة الاستقرار”، وسبق لوزير الداخلية السابق، محمد حصاد، أن تحدث في كلمة له بمجلس المستشارين، عن وجود ما سماها “الكيانات الدخيلة” التي تقوم بـ “خدمة أجندة خارجية”، وقال حصاد: “إن جهود القوات الأمنية، تصطدم بسلوكيات جمعيات وكيانات داخلية تعمل تحت غطاء حقوق الإنسان”، وقال الوزير: “إن اتهام الجمعيات لأفراد المصالح الأمنية بارتكاب التعذيب ضد المواطنين ترتب عنه إضعاف للقوات الأمنية وضرب لها، وخلق تشككا في عملها)) (المصدر: فرانس بريس).

   التمويل إذن له هدف محدد، وهو إضعاف الدولة من وجهة نظر الدولة، غير أن كلمة مثل هذه، لم تكن لتمر مرور الكرام، ففي حالة وزير الداخلية السابق، حصاد، اتحدت عشرات الجمعيات، وجلها مستفيدة من الدعم الأجنبي(..) وطالبته بالاعتذار، بل إن الجمعيات سالفة الذكر، حاولت دفع الدولة إلى التراجع بالعزف على أوتار حساسة، مثل إثارة “قضية كالفان” مغتصب الأطفال(..) قبل أن تكتب الصحافة في النهاية، “إن حصاد تراجع أمام الضغوط(..)”.

   لا يقتصر المشكل على تمويل الجمعيات في المغرب، بل إن الأمر يشمل كذلك أنشطة الأحزاب، ورغم أن قانون الأحزاب يمنع تسيير الأحزاب بأموال غير وطنية، إلا أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات تؤكد العكس، فقد صدر عن المجلس تقرير من العيار الثقيل حول تمويل الأحزاب السياسية من قبل منظمات أجنبية، وهو ما يخالف مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب، وكشف التقرير عن ((توصل أكبر أحزاب المعارضة المغربية، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بقيادة إدريس لشكر، بهبة ممنوحة من قبل مؤسسة أجنبية تقدر بأكثر من 69 ألف درهم، كما توصل حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية بمبلغ قدره 80 ألف درهم من جهة أجنبية لم يتم تحديد مصدرها بعد)) (المصدر: جريدة العرب الدولية).

   نفس الأمر ينطبق بطريقة أخرى على حزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان وراء تأسيس “مركز ابن رشد للدراسات” لصاحبه المعطي منجيب، المؤرخ والناشط الحقوقي، التي تمت متابعته رفقة ستة متابعين آخرين في قضية تتعلق بـ “المس بسلامة أمن الدولة والحصول على تمويلات أجنبية غير شرعية”، فلم يجد إلى جانبه سوى المنظمات المتهمة بدورها بتمويل “كيانات” في المغرب لأهداف أصبحت معروفة(..).

   ولا يقتصر الدعم على الأحزاب، بل إن الاختراق الأجنبي بلغ مداه، بدخول منظمات دولية على خط أنشطة مجلس النواب ومجلس المستشارين، وسبق لمجلس النواب أن طلب الدعم من برنامج الأمم المتحدة للتنمية، المعروف اختصار بـ PNUD، كما طلب دعما مماثلا من مؤسسة “ويست مينيستر البريطانية”، التي تجمعها اتفاقية مشتركة بمجلس النواب منذ 2013، هذه الأخيرة فتح لها مجلس المستشارين الباب على مصراعيه في عهد حكيم بنشماس، الرئيس الحالي للمجلس.. فهل يعقل أن نثق ثقة عمياء في تمويلات الاتحاد الأوروبي الذي يريد نزع الطابع المغربي عن السلع القادمة من الأقاليم الجنوبية؟ أية ديمقراطية سيدعمها هؤلاء الذين لا يعترفون أصلا بحدود المغرب؟ أليس الأمر مجرد اختراق فاضح للمؤسسات المغربية من أجل تشريع ما يخدم المصلحة الأجنبية وليس الوطنية؟

   يذكر أن “التمويل الأجنبي” سبق له أن أثار عدة فضائح في دول مشابهة للمغرب، ففي مصر مثلا، لم يكن بإمكان الرئيس السيسي مواصلة حكم البلاد لو لم تتم مواجهة التمويل الأجنبي، وهي ((قضية اتهم فيها القضاء المصري 43 ناشطا ضمن المجتمع المدني من مصر والولايات المتحدة وألمانيا والنرويج ولبنان وفلسطين، بإنشاء جمعيات أهلية دون ترخيص، وبالحصول على تمويل أجنبي دون ترخيص، ولم يسدل الستار عن القضية التي تميزت بهروب جماعي للمتهمين إلى مقر السفارة الأمريكية، إلا بإصدار قانون الجمعيات الأهلية، للرقابة على الجمعيات، حيث يلزم القانون هذه الأخيرة بالإعلان عن مصادر تمويلها وميزانيتها وأنشطتها السنوية، وجاءت المصادقة بعد شهرين من تأييد منع عدد من النشطاء الحقوقيين من التصرف في أموالهم، لارتباطها بالقضية المعروفة في مصر بـ “التمويل الأجنبي”)) (المصدر: المصادقة على قانون الجمعيات الأهلية: خطوة مصرية لتجفيف منابع التمويل الأجنبي/ 16/ 11/ 2016، جريدة العرب الدولية).

   من هنا يطرح تساؤل، هل تكون مذكرة وزارة الخارجية للهيئات الدبلوماسية مقدمة لمحاكمة كبرى للحاصلين على التمويل الأجنبي؟

   بالعودة إلى المغرب، نجد أن موضوع التمويل الأجنبي يطرح عدة إشكالات في المغرب ككل، وفي بعض المناطق بصفة خاصة، مثل الريف والصحراء، حيث تتناسل الاحتجاجات مثل الفطر، على امتداد شهور، ويبقى أخطر ما في الأمر حتى الآن، هو تحرك المؤسسة التشريعية لطلب التمويل الأجنبي، سواء بالنسبة لمجلس النواب أو مجلس المستشارين الذي يوجد على رأسه حكيم بنشماس، هذا الأخير، سبق أن وجهت له القيادية في نفس الحزب، كوثر بنحمو، رسالة تقول فيها، والفاهم يجب أن يفهم قبل فوات الأوان: ((لا يا حكيم، لا يا رئيس مجلس المستشارين، لا وألف لا يا رئيس المجلس الوطني لحزبنا، حزب الأصالة والمعاصرة، ليس باسم القضية الوطنية، ولا باسم الدستور، ولا حتى باسم حقوق الإنسان، فأنت يا حكيم بنشماس، لم تكلف نفسك الدفاع عن القضية الوطنية ولا عن الدستور ولا حتى عن حقوق الإنسان في تنظيم حزبي أنت رئيس مجلسه الوطني وعضو مكتبه السياسي، وكنت رئيس فريقه بمجلس المستشارين.. ما أسميته بخطة استراتيجية وضعتها لتأهيل مجلس المستشارين وتريد باسمها التسول لدى مؤسسات أجنبية بحثا عن التمويل، ما هو إلا تمويل سياسي من هيئة أجنبية لاستراتيجية ملغومة، ومدخل لتطويع البرلمان وممارسة الضغط عليه وجعله أداة لخدمة مصالح أجنبية وربما لضرب وحدتنا الترابية من داخل مؤسسة تشريعية عن طريق الفيدرالية.. فرؤساء الجهات الذين تنوي استقبالهم لإشراكهم في التشريع، عليهم أن يكونوا أولا مع الدستور.. هل تعلم أن التمويل السياسي الأجنبي جرمته جميع قوانين الدول الديمقراطية حفاظا على حقوق شعوبها حتى الدول التي كونت تلك المؤسسات التي كنت تنوي طرق بابها؟ فبأي حق يا رئيس مجلس المستشارين تريد أن تهضم حقوق أمة أنت نفسك تستمد نيابتك منها وتريد اغتصاب سيادتها بتمويل سياسي من هيئة أجنبية؟ ألا تعلم أن التمويلات لا تتم بدون مقابل، ودائما ما يكون وراءها تحقيق أهداف تستحيي من ذكر نفسها لهول ما ترمي إليه؟)).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى