تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | اللعب بالنار بين الداخلة والحسيمة قد يؤدي إلى صناعة “بوعزيزي المغرب”

العالم منشغل بالثورات والسياسيون منشغلون بتقسيم غنائم الحكومة

إعداد: سعيد الريحاني

   غالبا ما يبدأ شهر أبريل بالكذب، ويسمى الضحايا الذين يصدقون الأخبار المفبركة التي يتم تداولها على نطاق واسع “ضحايا أغبياء كذبة أبريل”، وبعد أن تأكدت كذبة فاتح أبريل وهي كذبة تشكيل الحكومة التي لم تتشكل إلا فيما بعد، وبالموازاة مع انشغال السياسيين الذين لم تفزعهم أزمة “الكركرات” رغم اقتراب البوليساريو من المحيط الأطلسي(..)، مما كان يتطلب تأجيل كل الخلافات والتسريع بتشكيل الحكومة دفاعا عن حوزة الوطن المهددة، وجه الصحفي المغربي خالد الجامعي رسالة مفتوحة إلى الملك محمد السادس، يسأله فيها: ((.. هل سمعت يا جلالة الملك شكوى زوجة بحار الداخلة، خالد قادر، الذي وضع حدا لحياته (توفي يوم 1 أبريل متأثرا بجروحه) بعد أن أضرم النار في جسده احتجاجا على الحكرة والظلم الذي ظل يعاني منه))، وبغض النظر عن السبب الذي يمكن أن يدفع الصحفي إلى مراسلة الملك بدل أداء رسالته إزاء الرأي العام من خلال الكشف عن ملابسات الحادث من خلال الخبر أو التحقيق أو الربورتاج أو الحوار أو الرأي، أو أي جنس آخر، فإن الصحفي المخضرم من صحافة حزب الاستقلال إلى اليوم، نقل في رسالته إلى الملك ما ورد على لسان زوجة الراحل الذي شغل آلاف الناس من خلال متابعته في شريط فيديو مصور على المقاس، يظهر فيه وهو يلفظ أنفاسه بعد أن تفحمت جثته.

   تقول زوجة الهالك في شريط فيديو: ((أنا كنوجه هاذ الرسالة للملك: آ جلالة الملك راحنا مقهورين، راه تظلمنا فهاذ لبلاد وتعذبنا، وراجلي خلاوه بلا خدما وبغاوه يشهد بالزور صحّا، هاهم قتلوه وصيفطوه للروضة، هاذ الشي ماشي معقول، حنا مزاوكين فيك، غيثنا يا جلالة الملك، راحنا كيحرقوا فينا، ما عندي لا حنين ولا رحيم، هاذ الشي مكيوصلوهش لك، المعقول مكيوصلوهش لك، كلشي كيخبيوه عليك، أنا براسي عطيت الدوسي لوزير الداخلية، بيديا فكروس مونانتانا، وطلبتو، وبكيت عليه، وقلتلو راجلي مظلوم.. وشد من عندي الدوسي، وقال لي غادي نشوف المشكل ونعيط عليك، واعطيتو النمرة، وعطيتو لكارط، وما دار ليا تا حق، مشا لوزارة ما كاين حق، مشا للمحكمة ما كاين حق، اللهم هاذ الشي منكر، أنا مزاوكة فيك أجلالة الملك، تعتقني، راه حتى واحد ما بغا يبين ليا حقي، أنا مزاوكة في الله وفيك، أنت هو ملكنا، وحنا متنعرفوش شي حد من غيرك)).

   رسالة بهذا الشكل وبهذه الكلمات، رغم بساطتها، فإنها تشمل قضايا ذات أهمية قصوى، يمكن أن يكون لها مفعولها على الصعيد الدولي وليس على الصعيد الوطني فقط، فهناك حديث عن “مؤتمر كرانس مونتانا”، الذي زكى وضع المغرب في الصحراء وحول الداخلة التي احتضنت الدورة الأخيرة، إلى أرض للسلام والحوار (انعقد من 17 إلى 22 مارس 2017)، وهناك حديث عن وزير الداخلية باعتباره، وزيرا لا يحكم(..) لأنه تسلم الملف ولم يفعل شيئا، وبغض النظر عن كون القضية كلها تدور في الصحراء، فإنها تنصب أساسا على ملف الصيد البحري، وهو الملف الذي يستعمله خصوم الوحدة الترابية لضرب المغرب في المحافل الدولية، بدعوى أن الدولة المغربية ليس لها حق اصطياد هذا السمك، بسبب نزاع الصحراء.. تصوروا الأثر البالغ الذي يمكن أن يحدث، عندما يتابع العالم الذي تتبع منتدى “كرانس مونتانا” في الداخلة بعد أيام فقط من اختتامه، واقعة انتحار “ربان باخرة” بعد إغراق مركبه ومنعه من العمل، تحت عنوان، “شهيد الكرامة”، وهو الشهيد الثاني من نوعه، بعد حادثة محسن فكري، التي تسببت في إشعال فتيل الاحتجاجات بالريف، والتي امتد صداها إلى عشرات المدن المغربية، التي احتجت من أجل “الشهيد” في غياب المعنيين بالأمر (عائلته)، بل إن بعض المحتجين الذين كانوا يحملون صور محسن فكري، كانوا يطالبون بأشياء لا علاقة لها بالراحل الذي سمي هو الآخر “شهيد المطحونين” وتطور الأمر إلى درجة المطالبة بالانفصال في الشمال.

   انظروا إلى توسع لائحة “شهداء الكرامة”، في غفلة من السياسيين والمسؤولين المنشغلين بتشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب، فبعد “طحن” بائع السمك في الحسيمة، وحادثة إحراق ربان صيد في الداخلة، ها هو مستوى المطالب يرتفع في غياب تجاوب المسؤولين، إذ تحول حادث “خالد قادر” الذي توفي في الداخلة ودفن شمال المغرب وبالمضيق بالضبط لأنه من مواليدها (المنطقة السياحية الهادئة التي يفضلها الملك محمد السادس)، (تحول) إلى مسيرات احتجاجية تطالب بالكرامة كما هو معمول به في مثل هذه المناسبات التي يرفض مؤطروها، التعاون مع الأحزاب، بدعوى أنها دكاكين سياسية، في حين أن الدول الديمقراطية والمطمئنة على مستقبلها (نسبيا)، لا تعترف بالتغيير إلا من داخل الأحزاب وبالمشاركة السياسية.

   مصدر “الأسبوع” من عين المكان، بالداخلة، كتب قصة البحار قدار بتأثر شديد، قائلا: ((توفي الربان خالد قادر، صباح يوم السبت 01 أبريل بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، متأثرا بالحروق التي لحقته، بعدما نقل إلى العاصمة الاقتصادية على متن طائرة طبية تكلفت بها جمعية مهنية في قطاع الصيد البحري، والتي دفعت مبلغ 16 مليون سنتيم و2000 درهم كمبلغ لكراء الطائرة الصحية، بالإضافة إلى مليون ونصف المليون كمصاريف تسلمتها إحدى قريباته، بعدما رفضت الوحدات الصحية التابعة لوزارة الصحة نقل المصاب إلى أقرب مستشفى جهوي يضم قسما متخصصا في الحروق، فيما لم تتكلف المروحية الطبية الخاصة بجهة العيون بنقله، حيث انتظر الربان المتوفى قرابة 10 ساعات لتتكلف مروحية خاصة بالمهمة، فيما ابتلعت السلطات المحلية والمسؤولين على قطاع الصيد البحري ألسنتهم، وخلدوا إلى مكاتبهم يتفرجون على الواقعة المأسوية)).

   إلى هنا يطرح سؤال، أليس حريا، والحالة هاته، ونحن نتحدث عن أزمة في قطاع الصيد البحري، أن يتحمل الوزير المعني، وهو عزيز أخنوش، مسؤوليته ويتحاور مع المحتجين أو يوضح الملابسات لإغلاق باب الركوب عليها؟ لماذا يسكت أخنوش؟ هذا هو السؤال المطروح، بعد أن تأكد أنه هو الذي ورط المغرب في اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي الذي لا تعترف بعض بلدانه بمغربية الصحراء؟

   يقول المصدر في مقالته التي بعثها لـ “الأسبوع”: ((خالد قادر كان همه، انتزاع حقه الذي هضم بين عشية وضحاها ليتمكن من الحصول على منصب شغل لتوفير لقمة عيش لابنتيه وزوجته بعدما فقد عمله إثر واقعة يندى لها الجبين، فوجد نفسه ضحية “حيتان” كبيرة موغلة في الفساد بقطاع الصيد البحري ووسط مخالب مفترسي البحار، مما دفع زوجته إلى الخروج للاشتغال في معامل التبريد بمائة درهم في اليوم بعدما كان زوجها الراحل يتحصل على ما يقارب ثلاثة ملايين شهريا، وغادرت ابنته فصول الدراسة في لحظة انهيار وألم، وتراكمت عليه الديون حتى ثقل كاهله عن حمله في ظل صمت مريب(..)، وهو الذي طرق أبواب الملك محمد السادس قبل أبواب وزير الداخلية ووزير الفلاحة والصيد البحري)).

   ماذا ينتظر أخنوش، الذي برع في اشتراط الشروط على بن كيران والعثماني للتدخل في موضوع مصيري لدولة بكاملها؟ لماذا لم يصدر عنه أي تصريح أو توضيح، هل يرضيه ما يحصل مثلا؟ بعد أن ((كشفت الشيكر فتيحة، زوجة الربان خالد قادر، معطيات خطيرة حول تلاعبات وخرق للقانون من طرف المندوبية المذكورة والشركة المالكة للباخرة التي كان زوجها يشتغل بها، مما دفع هذا الأخير إلى حرق ذاته، وأفادت أنها تتوفر على وثائق وتسجيلات صوتية تثبت وقوع تلاعبات في التقرير الذي أعده زوجها حول غرق السفينة التي كان يقودها، وكذا “تلاعبات في التصريح بحمولة السفينة من السمك الذي تم اصطياده”، مشيرة إلى أن زوجها “تعرض للتهديد والضغط عليه ومحاولة قتله.. مشددة على أن السفينة تم إغراقها..”، حسب مصدر الأسبوع)).

   وبينما لم تظهر بعد نتائج التحقيق في قضية وفاة ربان سفينة الداخلة، الذي حمل عددا كبيرا من الأسرار إلى قبره، يتواصل اللعب بالنار(..) من الشمال إلى الجنوب، بعد أن تداولت المواقع الإلكترونية، خبر ((تطور المواجهات التي عرفتها المنطقة الفاصلة بين بني بوعياش وإمزورن، مما أدى إلى أحداث خطيرة بعد إحراق عدد من سيارات القوات العمومية، وحاصرت النيران العشرات من أفراد الشرطة داخل منزل قبالة قاعة للحفلات، وأفاد شهود عيان، أن أفراد قوات الشرطة، كانوا محاصرين داخل المنزل الذي طوقته النيران من كل الجوانب، حيث يحاولون الخروج منه باستعمال الحبال)).. (شبكة دليل الريف/ 26 مارس 2017).

   إن خطورة ما يحدث، سواء في الشمال أو الجنوب يزيدها استفحالا، تهرب السياسيين من مسؤولياتهم، فما معنى أن يتحدث رئيس جهة عن “ثورة الجياع”؟ وما معنى أن يطالب إلياس العماري وزير الداخلية، بتشغيل أبناء المنطقة، بدل أن يقوم بدوره في تحريك عجلة التنمية؟ ما معنى أن يمتنع العماري عن الخوض في قضية محسن فكري الذي كادت أن تتحول إلى ثورة(..) ثم يأتي بعد إبعاده عن تشكيل الحكومة ليحول حزبه بالكامل إلى حزب نضالي على غرار الجمعيات الحقوقية، بينما مهمة الحزب هي التأطير السياسي وإقناع المواطنين بالمشاركة: ((لقد طلب إلياس العماري، رئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة، من وزير الداخلية محمد حصاد، ضرورة إلغاء الظهير الذي يعتبر إقليم الحسيمة، منطقة عسكرية والصادر في سنة 1958، وذلك خلال اللقاء الذي جمع وفدا من وزارة الداخلية بمنتخبي إقليم الحسيمة.. وكان حزب الأصالة والمعاصرة بجهة طنجة تطوان الحسيمة، قد عبر عن دعمه لنضالات ساكنة الجهة لتحقيق مطالبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ودعا في البيان الختامي لمؤتمره الجهوي المنعقد في 18 مارس بطنجة، الحكومة إلى تلبية مطالب ساكنة إقليم الحسيمة، بما فيها إلغاء كافة النصوص القانونية المتجاوزة على حد تعبيره، في إشارة إلى الظهير الصادر سنة 1958، والذي يعتبر إقليم الحسيمة منطقة عسكرية)) (المصدر: مواقع إخبارية)، ليطرح السؤال، هل مهمة الأحزاب هي تفريخ الاحتجاجات ومدها بالوقود اللازم للاستمرار في الاشتعال والاحتراق، أم الإقناع بجدوى التغيير من الداخل والمشاركة(..)؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى