تحليل إخباري | كواليس التحالف الممنوع لإحياء “جمهوية الريف” في مشروع انفصالي كبير
30 ديسمبر، 2016
6 دقائق
هل هناك تنسيق بين “الخلايا المتطرفة” و”بارونات المخدرات” و”الطامحين للانفصال”؟
إعداد: سعيد الريحاني
احتفل العالم يوم 10 دجنبر باليوم العالمي لحقوق الإنسان، لكن الذين أشرفوا على إحياء “أربعينية” محسن فكري، بائع السمك الذي تم طحنه في شاحنة أزبال، ارتأوا تخليد هذه الذكرى بالتزامن مع هذا اليوم، لضمان متابعة عالمية للموضوع، ونجحوا في استقطاب “آلاف” المشاركين من مختلف المدن المغربية، خاصة في الشمال، وليس في مدينة الحسيمة وحدها، لذلك لم يكن غريبا أن تتغير الخطابات المرفوعة(..)، فقد غاب اسم محسن فكري الذي اجتمع من أجله المحتجون، وأصبح ظهوره مقتصرا على الصور، وحتى الذين تولوا الحديث باسم محسن فكري، لم يكونوا يقربونه في أي شيء، بل حتى عائلته لم تظهر ضمن صفوف المحتجين، بعد أن فضل والده، وهو المعني الأول بالأمر، تحمل تبعات الموت المفجع لفلذة كبده، كي لا يكون سببا للفتنة في المغرب.
قد يقول قائل، إن التحقيق في قضية محسن فكري، مطلب لكل المغاربة، لكن لنتأمل المطالب التالية، التي وردت في مذكرة المحتجين: أولا: “نطالب بالاستجابة لمطلب الجماهير الشعبية، وندعوها للاحتجاج على المستوى الوطني وفق خصوصيتها من أجل تحقيق كافة مطالب الشعب المغربي الأبي، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة وتقسيم الثروة الوطنية، ضدا على الفساد والظلم والحكرة التي يمارسها النظام المخزني على كل أبناء الشعب المغربي”، ثانيا: “نود أن نشير ألا أحد يمثل هذه الساكنة، لا دكاكين سياسية ولا مختلف ملحقاتها، الجماهير هي التي تمثل نفسها”.
منذ متى كانت الجماهير تمثل نفسها؟ وكيف يمكن لأي دولة في العالم أن تحاور جمهورا(..)؟ وفي أي إطار تم تنظيم هذه الاحتجاجات؟ لماذا حرص أصحاب المطالب على إقصاء الأحزاب السياسية، وعدم إعطائها حقها في المشاركة في تمثيل المواطنين؟ ألا يكون التغيير الديمقراطي الحقيقي من داخل الأحزاب وبواسطتها؟..
في أربعينية محسن فكري، فضلت جل الأحزاب التواري عن الأنظار، وهنا تظهر خطورة منح رئاسة أهم جهة في الشمال، لمنتخب صوت عليه 120 مواطنا فقط(..)، جل الأحزاب فضلت عدم مواجهة المنظمين للتظاهرة، في الخفاء(..) وفي العلن(..) فما هو السبب إذن؟
الحزب الوحيد حتى الآن، والذي تفاعل مع الأحداث بشكل علني هو حزب النهضة والفضيلة بالحسيمة، هذا الأخير صدر عن مكتبه الإقليمي بلاغ شديد اللهجة، ينبه إلى ما وراء إحياء أربعينية محسن فكري، إذ “لا يمكننا السكوت عن تطور الوضع إلى ما يمكن أن يخلق وضعية نحن في غنى عنها، ونعتبر أمن واستقرار الوطن فوق كل اعتبار”، هكذا تحدثت الكتابة الإقليمية لحزب النهضة والفضيلة، قبل أن تعلن ما يلي، والفاهم يفهم: “نرفض بشكل مطلق المس بثوابت الشعب المغربي، لا سيما الدين الإسلامي، والوحدة الترابية للمملكة والمؤسسة الملكية، كما نناشد الشباب بعدم الانجرار وراء المواقف الداعية إلى الانفصال، سواء كانت من داخل الوطن أو من الخارج، نرفض الاستعانة ببعض المناوئين للمملكة بالخارج، وهم مغاربة مع الأسف، عبر وعودهم للشباب بدعمهم ماديا قصد الاستمرار في الاحتجاج مع رفع سقف المطالب، وفي الأخير، نتمنى أن تجد النداءات أعلاه آذانا صاغية سواء من طرف المسؤولين أو المتظاهرين درءا لكل فتنة محتملة يكون فيها الوطن والمواطن الخاسر الأكبر لا قدر الله”. (المصدر: بلاغ الكتابة الإقليمية لحزب النهضة والفضيلة / الحسيمة 15/12/2016).
بلاغ حزب النهضة والفضيلة، يؤكد وجود خيط ناظم بين الداعين لرفع سقف المطالب في قضية محسن فكري، والتي لم يخف بعضهم من خلال الكلمات التي ألقيت بالمناسبة، جهرهم بضرورة التنسيق بين مختلف الحركات الاحتجاجية بمختلف المدن(..) وبين “المناوئين للوحدة الترابية في الخارج”، ليطرح السؤال عما إذا كانت هذه الإشارة تعود إلى “حركة 18 شتنبر” التي تطالب بانفصال الريف، والتي يقف وراءها، البرلماني السابق عن حزب العهد، سعيد شعو، المتهم في قضية كبرى لها علاقة بالاتجار الدولي في المخدرات، وهي القضية التي لازالت غامضة إلى حدود اليوم(..).
يذكر أن سعيد شعو، صاحب “حركة انفصال الريف”، توجه له عدة اتهامات، من داخل الريف نفسه، حيث يقول شكيب الخياري مثلا، عن “الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف”، بأن “سعيد شعو الفار من المغرب والمتواجد بهولندا، هو من كان وراء فكرة حركة 18 شتنبر، التي ينضوي تحتها مجموعة من أبناء الريف المطالبين باستقلال ريف المغرب.. وقال الخياري بتاريخ 20 مارس 2014، بأن سعيد شعو البرلماني السابق عن حزب العهد الديمقراطي تقدم بتصريح لدى السلطات الهولندية من أجل تأسيس منظمة غير حكومية تحت اسم حركة 18 شتنبر والتي تدعو حسب التصريح (ترجمة حرفية) إلى ما يلي: دعم استقلال جمهورية الريف، أي الدفاع عن مصالح القضية الريفية على المستوى القانوني والسياسي الدولي. وزاد الخياري بأن حركة الريف قد عقدت عدة لقاءات تحضر فيها لإخراج إطارها إلى الوجود، حيث يطالب المنضوون في الإطار، باستقلال الريف المغربي عن البلاد، الأمر الذي يواجه بمعارضة من قبل العديد من الناشطين بالريف الرافضين لأطروحة الانفصال والداعمين للحكم الذاتي” (المصدر: موقع هسبريس/ 14/1/2015).
خيوط، وأحلام فصل الريف عن المغرب، قد تمتد إذن من المغرب إلى هولندا، علما أن الريف عرف في الآونة الأخيرة، ظهور حركات للمطالبة بالحكم الذاتي، على غرار مقترح الأقاليم الجنوبية، وهو المقترح الذي لم يخرج إلى حيز الوجود بعد(..)، وبغض النظر عن محاولة ربط الريف بقضية الصحراء، لغاية في نفس يعقوب، فإن ميلاد حركة للمطالبة بالحكم الذاتي للريف يطرح عدة أسئلة، “هل هي ابتزاز أم سعي للانفصال؟” وبالتالي، لا يوجد في القنافذ أملس، إذ “تتنامى المخاوف من تحول حركة المطالبة بالحكم الذاتي بالريف إلى حركة انفصالية، خاصة أن أبرز قياديي الحركة يقيمون بأوروبا الغربية، وهو الأمر الذي ينفيه بشدة قياديو الحركة الذين يعتبرون أن مشروع الحكم الذاتي للريف مبني على احترام الثوابت، بعيدا عن طرح التقسيم والتجزيء وإشعال فتيل الصراع العرقي بين مكونات الشعب المغربي، هل بإمكاننا النظر إلى ما وقع في منطقة سيدي بوعفيف بإقليم الحسيمة (عرفت مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين) على أنه مجرد مواجهة بين قوات أمن ومتظاهرين بسبب إفراغ عائلة من مسكنها؟ حصيلة المواجهات هي وقوع جرحى في صفوف المتظاهرين، إضافة إلى إصابات في صفوف رجال الدرك والقوات المساعدة، مما تطلب نقلهم إلى مستشفى محمد الخامس بالحسيمة، فضلا عن إحراق 6 سيارات وإتلاف مجموعة من المحلات التجارية، وهذا يذكرنا بما وقع في مدينة العيون في أعقاب إخلاء مخيم “أكديم إيزيك” الذي كان قد سيطر عليه انفصاليون من البوليساريو، فهل يمكن قراءة مواجهات الحسيمة على ضوء مواجهات العيون، خاصة وأن المنطقة ليست خارج الاستعداد الحثيث للمطالبة بالحكم الذاتي للريف؟ ما وقع بالحسيمة، هل هو أيضا مقدمة للزج بالمنطقة في دوامة من العنف والاضطرابات، خاصة أن صدى ما وقع في العيون لم يهدأ حتى اليوم، ومازال الحطب يتهاطل على نيران الأزمة بالصحراء من كل جانب، وخاصة من الجارين اللدودين (إسبانيا والجزائر)، مما فرض على الدولة الجنوح إلى التهدئة والقيام بانقلاب ترابي وأمني في الصحراء، لعل وعسى…؟ وهل سيختار الريفيون الدخول في لعبة الذراع الحديدية من أجل انتزاع حكم ذاتي مازال في مرحلته الجنينية؟ وهل تم اختيار المسؤولين للتحاور مع “لجنة” مقدمة لتكريس مخاطب ذي ملف مطلبي غير معلن حول مطالب اجتماعية معلنة (السكن، الشغل،… إلخ)؟ وهل سيخوض أعضاء اللجنة –إذا ما ثبتت صحة التوقعات- حرب ابتزاز على غرار ما فعله انفصاليو الصحراء للظفر بالأموال، ألا وهو الحكم الذاتي للريف”؟ (تعليق مقتطف من موقع الناظور سيتي).
احتمال دخول الريف إلى دائرة الاضطراب يبدو واردا سواء تعلق الأمر بحركات انفصاللية أو شبه انفصالية، لكن ألا يمكن القول إن الدخول إلى دائرة العنف هو الهدف المنشود؟ ماذا لوكان هناك مشروع دولي لتحويل الريف والحسيمة إلى مدينة شبيهة بمدينة حلب(..)؟
واحد من الذين حضروا الذكرى الأربعينية لمحسن فكري قال لـ”الأسبوع”، إن “كل المؤشرات تدل أن الحراك الشعبي بالحسيمة الذي اندلعت شرارته بعد مقتل محسن فكري تواجهه تحديات خطيرة، لاشك أن أهمها على الإطلاق هو تحالف محتمل ما بين أصوات انفصالية مدعومة من قبل مراكز تمويل تمتد ما بين هولندا وبلجيكا وألمانيا حيث ملجأ العديد من بارونات الاتجار الدولي في المخدرات، وكذا تنظيمات أصولية متطرفة تفرخ خلايا إرهابية دأبت أجهزة البسيج على تفكيكها ومعظمها يتخذ منطقة الريف مجالا لتداريبها في أفق إرساء إمارة الريف الإسلامية وعاصمتها تطوان”، حسب قول مصدر “الأسبوع”، الذي قال أيضا: “إن قيادة الحراك الشعبي بالحسيمة بدأت تحس بثقل هذين التيارين واتضح ذلك جليا في الذكرى الأربعينية لاستشهاد المرحوم محسن فكري، والتي أقيمت فعالياتها يوم 10 دجنبر (اليوم العالمي لحقوق الإنسان)، فبعد انسحاب معظم الدكاكين الحزبية، كما يصفها ناصر الزفزفي، وبعد الخلاف مع جماعة العدل والإحسان التي يبدو أنها تركت الساحة بعد الهيمنة المطلقة للحركة الأمازيغية ذات التوجهات الراديكالية القريبة من اليسار الثوري، تمكنت وجوه سلفية(..) من اختراق صفوف القيادة وأصبح أحد أعمدتها يسوق لمشروع الإمارة الإسلامية متخذا من الرصيد الجهادي للأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي مرجعا سياسيا يعقد بواسطته تحالفا تكتيكيا مع التيار الانفصالي بقيادة أشخاص تمكنوا من استقدام صناديق مملوءة من أعلام جمهورية الريف عبر معبر مليلية وهي أعلام طبعت في إسبانيا..”.
ويبقى أخطر ما يرتبط بقضية محسن فكري، هو محاولة تحويلها إلى مقدمة لاحتجاجات عارمة، لتشكيل “حشد غاضب”، على غرار ما وقع في بعض البلدان بمناسبة الربيع العربي، غير أن التحدي الأكبر أمام الوطنيين بمن فيهم المطالبين بالحقيقة في وفاة محسن فكري والأجهزة الأمنية، هي فك طلاسيم “تحالف ممنوع” يمتد من الريف إلى الصحراء، لخلق نواة انفصالية في الشمال والجنوب، عن طريق تنسيق قد يكون مصدره في الخارج وليس بالضرورة في الداخل، ولم لا داخل الثغور المحتلة، حيث يمكن استغلال قرب المسافات(..).