تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | خط التماس بين منع الآذان في القدس ومشروع تقسيم المغرب والهجوم على إمارة المؤمنين

الهجوم على بيوت الله ما بين فلسطين والسعودية وفاس

إعداد: سعيد الريحاني

   لأمير الشعراء، أحمد شوقي قصيدة خالدة، تحت عنوان: “الثعلب والديك” يقول فيها:

    برز الثعلــــب يومــا في ثياب الواعظينا

                                       فمشى في الأرض يهذي ويسب الماكرينـــا

   ويقول الحمـــــد للـــه إله العالمينـــــــــا

                                       ياعباد الله توبــــــــوا فهو كهف التائبينا

   وازهـــــــدوا في الطــــير إن العيش عيش الزاهدينا

                                        واطلــــــــــبوا الديك يؤذن لصلاة الصبــــــــح فينا

   فأتى الديك رســـــــــول من إمام الناسكينا

                                       عرض الأمـــــــــــــر عليه وهو يرجو أن يلينا

   فأجــــــــــاب الديك عذرا يا أضل المهتدينا

                                      بلــــــــــــــــغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا

   أنهم قالــــــــــــــوا وخير القول قول العارفينا

                                     مخطئ من ظن يـــــــــوما أن للثعلب دينا

   قصة الديك والثعلب، قد تبعث على الضحك، ولا تبدو بالنسبة للبعض حقيقية، لكن الثعلب الحقيقي ربما ظهر مؤخرا، عندما تدخلت إسرائيل لمنع رفع الآذان في القدس، عبر المصادقة على مشروع قرار يقول: “مئات آلاف الإسرائيليين يعانون بشكل يومي وروتيني من الضجيج الناجم عن صوت الآذان المنطلق من المساجد والقانون المقترح يقوم على فكرة أن حرية العبادة والاعتقاد لا تشكل عذرا للمس بنمط ونوعية الحياة”، أما نتنياهو الذي أيد المشروع، فقد قال: “لا يوجد أي نص ديني يبيح إزعاج الناس بمكبرات الصوت، ولا يوجد أمر من هذا القبيل بالدول العربية أو الأوروبية”! (حسب الصحافة)، ولم تكن إسرائيل المنزعجة من صوت الآذان تعرف أن منع الآذان سيكون مجرد مقدمة، لكي يؤذن كل الفلسطنيين، من أجل الصلاة، بمن فيهم الأطفال، ولنفترض أن صوت آذان الفجر، وهو المقصود بهذا القانون، يزعج الإسرائيليين، ألا يعلم الإسرائليون أصحاب هذا القانون أن أول من يؤذن في الفجر هو الديك(..)، فهل سيلجؤون إلى إعدام جميع الديكة، أم سيطلقون عليهم موجة جديدة من “أنفلوانزا الطيور”.. يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم تتحرك الدول العربية، للحيلولة دون منع الآذان في القدس؟ وأين هم العلماء المغاربة على سبيل المثال من هذا النقاش؟

   بعض المغاربة الذين يصدقون إسرائيل، أو الذين يخدمون أجندتها(..)، وجدوا مؤخرا كل المبررات بالتزامن مع منع الآذان من أجل السفر إلى إسرائيل، فقد “حصل موقع هسبريس على صور حصرية توثق للقاءات وزيارات قام بها وفد مغربي مكون من 16 فردا، منهم صحافيون وباحثون ورجال تعليم، إلى عدد من المؤسسات الإسرائيلية الرسمية، ومباحثاته مع مسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية، وأفادت مصادر هسبريس بأن الوفد المغربي التقى عوفير جندلمان، مستشار بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي والناطق باسمه، الذي أكد للنشطاء المغاربة أن نتنياهو كان يود مقابلتهم بنفسه لولا بعض الظروف التي منعته من ذلك، قبل أن يناقش الجميع مواضيع الصحراء واليهود المغاربة، والعلاقات الإسرائيلية المغربية، وبخصوص قضية الصحراء، أورد مستشار رئيس الوزراء أنه، ليس هناك موقف رسمي إسرائيلي حول هذا الملف، وأن إسرائيل ليس لديها أي مشكل مع المغرب ولن يكون، قبل أن ينصب النقاش حول ضرورة أن ينفتح المغرب على كل الدول، ولا يرهن نفسه بإيديولوجية تسببت في تأجيج المشكل، يضيف المصدر ذاته” (المصدر: موقع هسبريس 12/12/2016).

   هكذا إذن عبر الوفد المغربي، الذي ظهر أصحابه وهم يرتدون الزي الصحراوي، ويحملون علامات أمازيغية(..) عن سعادته بهذا اللقاء، بل إنهم عبروا عن بهجتهم الكبيرة، بعد أن سمعوا المسؤولين الإسرائيليين يقولون لهم، إن إسرائيل تتمنى زيارة الملك محمد السادس(..)، غير أن الوفد المغربي المغرر به، والذي روج أصحابه أنهم يدافعون عن الوحدة الترابية، غابت عنه عدة حقائق في هذا السياق، أولا، فإسرائيل بخلاف ما يقولون، لا تعترف بمغربية الصحراء، بل إن وزيرة العدل الإسرائيلية، إيليت شاكيد، انتقدت سياسة الاتحاد الأوروبي بخصوص المنتجات القادمة من الصحراء، التي وصفتها بـ”المحتلة”، وأبرزت أن الاتحاد الأوروبي يمارس النفاق بغضه الطرف عن المنتجات القادمة من “الأراضي الصحراوية المحتلة”، وكانت تلك ردة فعلها بعد وضع الملصقات لتمييز المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 (المصدر: عدة مواقع/ نونبر 2015).

   ثانيا: ألا يعلم هؤلاء المغاربة الذين سافروا إلى إسرائيل، أنهم يساهمون في “تسفيه” جهود المغرب في الدفاع عن فلسطين، وها هي الوفود “الفلسطينية” المدفوعة، تقوم بردة فعل مضادة عن طريق زيارة تندوف؟ ألا يعلم هؤلاء المغاربة أن دعوة الملك محمد السادس إلى زيارة إسرائيل هي محاولة لعزل النظام المغربي عن تحالفاته؟ كيف سيتعامل المغرب مع حلفائه العرب والخليجيين؟ كيف سيقدم المغرب نفسه إلى الاتحاد الإفريقي الذي يسعى إلى العودة إليه؟ كلها أسئلة غابت عن الوفد المغربي الذي زار إسرائيل مؤخرا، ويبقى أخطر تعليق على هذه الزيارة، هو ما ورد على لسان الناشط الأمازيغي، أحمد ويحمان، وأحد الرافضين للتطبيع، حيث يقول عنهم: “هؤلاء عملاء ويسيؤون لقضيتنا الوطنية، ويسيؤون للأمازيغية ولرمزية محمد الخامس، ولا علاقة لهم بالوطنية ولا برموزها، لقد رصدنا ما هو أخطر، وهو التحضير لتفجير المغرب إلى خمس دويلات، وهذه الأعلام التي أصبحت تظهر من حين لآخر، هو تحضير لتفجير المغرب من الداخل، ويشرف على ذلك مسؤولون في الصف الأول من الكيان الصهيوني، كالرئيس السابق لـ”الموساد” الذي أصبح لديه الآن مركز دراسات مشهور عالميا، والأنتربولوجي المتخصص في الأمازيغية، نادّي وايزمان، المعروف بكونه لا يخرج من المغرب إلا ليعود إليه مرة أخرى، وهو مدير قسم الأنتروبولوجيا في معهد موشي ديان للأبحاث والدراسات” (المصدر: موقع نون/ 30 نونبر 2016).

   ربما لا يعرف الوفد المغربي الذي زار إسرائيل، أن هدفها الأول والأخير هو تمرير “قانون لمنع معاداة السامية” وهو القانون الذي نجحت في تمريره في عدة دول(..)، ولنفترض أن إسرائيل تدعم الحريات كما يقول بعض أعضاء الوفد المغربي الذي زارها، كيف يستقيم التشجيع على تبني أفكار حرية المعتقد في المغرب مثلا، بالمقابل تتبنى إسرائيل “مشروع قانون يهودية إسرائيل” وهدفه  تحديد هوية دولة إسرائيل بصفة “الدولة القومية للشعب اليهودي”، وانظروا لهذه المفارقة، في المغرب ينشط النشطاء على إثارة نقاشات الهوية(..) التي تشكل حطب تقسيم البلدان، بالمقابل تقوم إسرائيل بإغلاق نهائي لباب النقاش حول الهوية، من خلال إقرار يهودية الدولة، وهذا ما لا يفهمه المتحمسون للخطاب الإسرائيلي، الجديد، الذي يخدم أجندة النظام العالمي الجديد.

   حتى الآن، يكمن بعد رؤية المغرب في ما عبر عنه الملك محمد السادس، الذي قال لوسائل الإعلام في مدغشقر، جملة تردد صداها في عدد كبير من وسائل الإعلام العالمية، تقول ما يلي: “ملك المغرب هو أمير المؤمنين، المؤمنين بجميع الديانات، والمغرب لا يقوم البتة بحملة دعوية ولا يسعى قطعا إلى فرض الإسلام”. (المصدر: تصريح الملك محمد السادس بتاريخ 26 نونبر 2016)، ولكن انظروا لهذه المصادفة العجيبة، أو المخدومة بين تصريح الملك محمد السادس باعتباره أمير المؤمنين، وبين الفوضى التي شهدها مسجد يوسف بن تاشفين، بفاس يوم الجمعة 2 دجنبر 2016، “ففي سابقة من نوعها، نظم عدد من المصلين وقفة احتجاجية داخل مسجد يوسف بن تاشفين، احتجاجا على توقيف خطيب المسجد، الشيخ محمد أبياط، وكشفت مصادر متطابقة أنه مباشرة بعد صعود الإمام الجديد للمنبر لإلقاء خطبة الجمعة، بدأ عدد من المصلين في الاحتجاج وترديد الشعارات، وأضافت المصادر، أن المصلين منعوا الإمام الجديد من إلقاء الخطبة، قبل أن يبدأوا في الانصراف دون أداء صلاة الجمعة، احتجاجا على توقيف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لأبياط” (المصدر: موقع اليوم 24).

   هذه أول مرة يقع فيها داخل بلاد إمارة المؤمنين احتجاج ضد الصلاة، ويمكن الرجوع إلى الفيديو لملاحظة، كيف أن مجموعة من المحتجين، المدسوسين(..) كانوا السبب في توقيف الصلاة، وتوريط باقي المصلين في التعبير عن نفس الموقف، ويبقى أخطر ما في احتجاجات مسجد يوسف بن تاشفين، هو اختلاطها بالسياسة، عندما بادرت مواقع محسوبة على حزب الأصالة والمعاصرة(..) إلى إلصاق تهمة إثارة الفوضى في المسجد، بحركة “التوحيد والإصلاح”، التي ينتمي إليها حزب العدالة والتنمية، لترد حركة “التوحيد والإصلاح”، أن “الحركة تعتبر كل زج بالمساجد في أي شكل من أشكال الاحتجاج تصرفا غير مسؤول، لا يمكن أن يأتي إلا بنتائج سلبية على حرمة بيوت الله من جهة، وعلى تديّن المواطنين بشكل عام، لافتا إلى أن المسؤولية في مثل هذه التصرّفات تبقى على مرتكبيها ومقترفيها” (المصدر: التصريح الذي أدلى به “أوس رمال” نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح).

   أن يتبادل كل من حزب البام والعدالة والتنمية بطريقة غير مباشرة الاتهامات في ما يتعلق بالمسؤولية عن إثارة الفوضى في المسجد، يعد سابقة خطيرة، ذلك أن الشأن الديني في المغرب، محفوظ للملك، ولا علاقة للأحزاب به، والاستثناء المغربي الحقيقي هو “إمارة المؤمنين” المجسدة في الملك، فالأحزاب التي لم تنجح حتى في تشكيل حكومة لتسيير الشأن العام، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون مؤهلة للسهر على الشأن الديني، هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فإن إثارة الفوضى في المسجد، وتوقيف الصلاة وخلق الجدل حولها، من خلال الصحافة، يطرح سؤال كبيرا، “ألا يعد ذلك طعنة في الظهر لجهود إمارة المؤمنين، التي اكتسحت عددا من البلدان الإفريقية”، كيف يمكن التباهي بالنموذج المغربي، إذا تكررت هذه الفوضى(..)؟ إن عملا من هذا النوع، يستدعي التحقيق على أعلى مستوى، ففتنة المساجد، كانت إحدى الوسائل التي أسقطت بعض الأنظمة، بل إن فتنة المساجد، تعد مدخلا للفوضى الكبرى التي تؤدي إلى “اندثار الدول” و”ليس مجرد إسقاط الأنظمة”.

   يمكن القول إن “الهجوم” على بيوت الله الذي انطلق من إسرائيل، والذي وجد صداه في المغرب وغيره من الدول(..)، بالتزامن مع الهجوم الكبير على الحرمين الشريفين في السعودية، وهو هجوم شاركت فيه أطراف مغربية (تنتمي إلى البام وبعض النشطاء من الحركة الأمازيغية القريبة من إسرائيل)، والذي يقوم على الترويج لمغالطات تغريرية، كأن يقال إن السعودية غير قادرة على حماية الحجاج (إيران)، أو بأن السعودية مطالبة بتوزيع مداخيل الحج على المسلمين (المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل)، أو الهجوم عليها بالصواريخ (الحوثيين)، كلها أمور تهدف إلى الدعاية لنموذج “حكومة إسلامية عالمية” يشرف عليها كل المسلمين، وهي أكبر خدعة يمكن أن تتعرض لها البلدان الإسلامية، إن صدقت ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى