تاريخ

تاريخ | تدخل وزارة الداخلية لتزوير الانتخابات وتكريس معضلة الحزب السري في المغرب

احترام الدستور مطلب السابقين واللاحقين

إعداد: سعيد الريحاني

   لا يمكن لباحث في الذاكرة السياسية، المرتبطة بحزب الاتحاد الاشتراكي، أن يغفل ثلاثة تواريخ على الأقل في المسار السياسي للبلاد، أولا: توفي الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد يوم 8 يناير 1992، وكانت جنازته فرصة لتجمع أكبر حشد بشري في تاريخ الجنائز السياسية بالمغرب(..)، وفي ماي 1992، تم تأسيس “الكتلة الديمقراطية” بتحالف غير مسبوق بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، وحزب التقدم والاشتراكية، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وكان في مقدمة المطالب، “الإصلاح الدستوري”، الأمر الذي كان سببا في تعديل الدستور، سنة 1992، ولكن الاتحاد الاشتراكي وقتها رفض المشاركة في الاستفتاء على هذا الدستور، وكانت المفاجأة سنة 1993، عندما احتلت أحزاب الكتلة الرتبة الأولى في الانتخابات، حيث حصل الاتحاد الاشتراكي وقتها على 48 مقعدا (الرتبة الأولى)، وقتها لم يكن الدستور يضمن للحزب الفائز أي شيء(..)، بل إن الانتخابات نفسها كانت تجري على دورتين، الدورة الأولى فازت فيها أحزاب المعارضة (الكتلة)، ولكن الدورة الثانية كانت توفر فرصة مواتية أمام وزارة الداخلية لتزوير الانتخابات والتلاعب بالنتائج، وقد كان البرلمان يتكون من غرفة واحدة تضم 333 عضوا، 222 ينتخبون بالاقتراع العام المباشر و111 عضوا بالاقتراع غير المباشر، وقتها لم يكن الملك الراحل الحسن الثاني، ليسمح لأحزاب الكتلة رغم قوتها سوى بالمشاركة في تشكيل الحكومة، مع احتفاظه الكامل بحق تعيين الوزير الأول ووزارات السيادة الأربع(..).

   يمكن القول إن انتخابات 1993، كانت محطة بارزة في تاريخ التزوير الانتخابي، ولو أنها انتخاباتا كانت تكتسي طابع المفاجأة، فقد كانت تلك أول انتخابات تنجح فيها المرأة في الوصول إلى قبة البرلمان ممثلة في السيدتين بديعة الصقلي، ولطيفة بناني سميرس، و”فيما عدا هذه المفاجأة البارزة، توزع السرور والذهول والصدمة  بين المتصارعين، فعلى صعيد قادة الأحزاب، لم يحظ بثقة المصوتين محمد أرسلان الجديدي، الأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي المنشق أصلا عن حزب التجمع الوطني للأحرار، فقد ذهب مقعد الجديدي إلى مرشح الاتحاد الاشتراكي، مصطفى الكثيري.. وباستثناء الجديدي، فإن كل قادة الأحزاب الذين ترشحوا فازوا، وهم: امحمد بوستة، أحمد عصمان، امحند العنصر، المعطي بوعبيد، وعلي يعتة، ومحمد بنسعيد، ونجح من المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، الأعضاء الأربعة، وهم: فتح الله ولعلو، عبد الواحد الراضي (احتفظ بمقعده منذ 1977) ومحمد الحبيب الفرقاني، ومحمد اليازغي، خلافا لحليفه حزب الاستقلال الذي فشل بعض أعضاء لجنته التنفيذية: عبد الحق التازي (وزير سابق) الذي قاد فريق الحزب في البرلمان لفترة، ونفس المصير طال الكاتب والسفير السابق، محمد العربي المساري الذي ترشح في نفس الدائرة التي نجح فيها في انتخابات 1984، كما فشل عضو اللجنة التنفيذية، عبد الحميد عواد في إحدى دوائر العاصمة الرباط” (عن جريدة الشرق الأوسط/ الأحد 27 يونيو 1993).

   صدى تزوير الانتخابات، لم يتوقف عند حدود المغرب، بل إن المنظمات الدولية رصدت مجموعة من الخروقات، فقد ورد في التقرير المؤقت الذي أعده مبعوث “المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية” جرد لعدة تجاوزات، فـ”النقطة الأولى التي ينبغي التأكيد عليها، بخصوص انتخابات 25 يونيو 1993، هي أنها كانت أساسا وهمية، إذ سمحت باختيار برلمانيين داخل برلمان بدون سلطة، فكما لاحظ عدد كبير من المغاربة ومن مسؤولي السفارة الأمريكية بالرباط، فإنه لم يكن للبرلمان أي وجود طيلة جزء كبير من العام، مما ترك الحكومة المغربية بدون مراقبة، وهناك أمر آخر يتم ذكره كثيرا للدلالة على عجز البرلمان، هو أنه تم إعلان مخطط اقتصادي طويل المدى قبل فترة وجيزة من الانتخابات، مما يعني أنه كيفما كانت نتائج هذه الانتخابات، لن يكون لها تأثير على سياسة الحكومة الموضوعة مسبقا.. فالبرلمان موجود لخلق وهم المشاركة السياسية، في حين أنه لا وجود لهذه المشاركة، فكل السلطات محتفظ بها، وبكلمة أخرى فإنه حتى لو مرت انتخابات يونيو بنزاهة كاملة.. فإنها مع ذلك ستكون مزورة حيث لا تمثل التوزيع الحقيقي للقوة بالمغرب، والوعي بهذا الأمر هو أحد أسباب اللامبالاة الواسعة بانتخابات يونيو، والتي سجلها عدة أعضاء من وفد المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية” (عن التقرير المؤقت الذي أعده هنري مانسون، مبعوث المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية / يونيو 1993).

   يقول صاحب التقرير، هنري مانسون: “بالنظر إلى الانطباع الواسع بأن نتائج الانتخابات تحددها وزارة الداخلية أكثر من الشعب المغربي، فإني غالبا ما أسأل مرشحي المعارضة ومؤيديهم لماذا يتعبون أنفسهم بالمشاركة طالما يعرفون هذا، وتكون الإجابة دائما متشابهة، بما أنه لا وجود لأي بديل آخر، فإنه على المعارضة على الأقل أن تستثمر هامش الحرية الذي تسمح به الحكومة للتعبير عن آرائها إلى الشعب ومحاولة تحويل الديمقراطية الوهمية إلى ديمقراطية حقيقية.. لقد استمعت إلى مغاربة يدافعون عن هذا الموقف في عدة مناسبات، بينما يعتبر المشككون هذه الأماني غير معقولة، لكن الواقع أنه حتى بعض الإصلاحات السطحية تقود في بعض الأحيان إلى إصلاحات وإلى تغييرات جدرية لم يكن يريدها أولئك الذين بادروا بالإصلاحات، ويتجه تفكيرنا إلى غورباتشوف في الاتحاد السوفياتي، فهو لم يكن يأمل من البريسترويكا أن تقود إلى القضاء على الشيوعية في الاتحاد السوفياتي.. فمن المقبول الاعتقاد بأن الإصلاحات قد تؤدي إلى تغييرات حقيقية ربما في المستقبل، إن مثل هذه التغييرات لم تحصل خلال انتخابات 25 يونيو 1993” (نفس المصدر).

   “التزوير الانتخابي” يمكن الوقوف عليه بجلاء في بيانات الأحزاب المعنية، كأن نقرأ خلاصات اجتماع اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي في ذلك الوقت، الذي عرف استقالة الكاتب الأول، عبد الرحمان اليوسفي، احتجاجا على التزوير: “إن اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي وهي مجتمعة يومه الأحد 3 أكتوبر 1993، بمقر الحزب في الرباط، تحت رئاسة الأخوين، محمد اليازغي الكاتب الأول بالنيابة، ونوبير الأموي، عضو المكتب السياسي، الذي استعاد حريته واستأنف نشاطه إلى جانب إخوانه، لتعي دقة المنعطف الخطير الذي يمرؤ منه المغرب وتقدر جسامة الأمانة التاريخية، بأبعادها السياسية والمجتمعية والحضارية والأخلاقية الملقاة على عاتق الاتحاديين قيادة وقواعد، وتدرك أن المهام النضالية التي تنتظر من الاتحاد الاشتراكي إنجازها في إطار استراتيجية البناء الديمقراطي، لتحث جميع قوى التقدم والتغيير على التعبئة والعمل المثابر والمسؤول.. وما زاد في عمق إحساس اللجنة المركزية بمسؤوليتها في الظرف الراهن، المبادرة غير المسبوقة في التقاليد السياسية المغربية التي اتخذها بهدوء وتبصر، ولكن في حزم وجرأة أيضا، أخونا الكاتب الأول، المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، وهي المبادرة المتمثلة في تخليه عن مهمة الكاتب الأول احتجاجا منه على قيام التحالف الإداري المصالحي الاستغلالي مرة أخرى بإعادة إنتاج العبث وإجهاض آمال الشعب في التغيير الديمقراطي، وبناء مؤسسات تمثيلية تحظى بالمصداقية، وتعكس الإرادة الحرة للأمة.. إن الموقف الاحتجاجي للأخ الكاتب الأول وبالطريقة الحضارية الرفيعة التي تم بها، ليعكس سمو الحنكة السياسية للأخ اليوسفي، والجسارة النضالية التي يتحلى بها، وبعد النظر الذي يستند إلى تجربة نصف قرن من الكفاح على الصعيدين الوطني والدولي..” (مقتطف من بيان اللجنة المركزية المجتمعة بالرباط بتاريخ 3 أكتوبر 1993).

   لم تقف اللجنة المركزية عند حدود التنويه باستقالة اليوسفي، بل وجهت انتقادات للإدارة، “فالدور الذي لعبه الجهاز الإداري بدءا من الاستفتاء على الدستور، مع الاستعمال المكثف للمال في مختلف المراحل الانتخابية، دون ردع حازم من الدولة، ليؤشران كلاهما على انعدام الديمقراطية الحقة طوال عهد الاستقلال، وقد مكن ذلك الحزب السري من أن يصبح قوة مضادة للشعب، وعائقا عنيدا ضد إرادة الأمة في التحول الديمقراطي، والإصلاح الشمولي المنشود.. إن اصطناع الخريطة النيابية، على هيأة فسيفساء ضدا على إرادة الشعب، ليس مجرد تشويه لحقائق الوضع السياسي القائم بالبلاد، وليس تقويضا للمبادئ الأساسية للديمقراطية، ولكن فقط، إضعافا للمؤسسة التشريعية، بل فضلا عن هذا كله، فإن الخريطة المصطنعة ستجعل البرلمان الحالي كسابقيه، عاجزا عن ممارسة اختصاصاته والمساهمة الفعالة في تدبير الشأن العام، والتجاوب مع الطموحات التي عبر عنها الشعب المغربي في اقتراع 25 يونيو 1993” (نفس المصدر).

   سنة 1993، تميزت باستقالة اليوسفي، وبتزوير الانتخابات، وباصطفاف الاتحاد الاشتراكي في المعارضة، فـ”أمام خيبة الأمل التي يتحمل مسؤوليتها خصوم التقدم والإصلاح والتجديد، فإن حزبنا سيجد نفسه مضطرا لكي يؤكد من الآن أنه سيواصل الكفاح البناء والمسؤول داخل البرلمان وخارجه، ومن نفس موقع المعارضة، دفاعا عن أهداف الشعب ومصالح الوطن، دون أن تثنيه عن الوفاء لمبادئه والأمانة التي طوقته بها الجماهير” (نفس المصدر).

   سنة 1993، لم يكن هناك مناخ لحرية التعبير كما هو عليه اليوم، لذلك ليس غريبا أن يتم اللجوء إلى النكتة: “.. بما أنك قارئ ملحاح، سأقص عليك قصة طريفة وقع ضحيتها الفرس، وهو سيد السباقات، ورغم ذلك فاز عليه القنفذ فوزا باهرا عشرات المرات، حتى سقط الفرس على الأرض من شدة التعب، وقبل بالأمر الواقع: اتفق الفرس مع خصمه القنفذ، على إجراء السباق، وحددت نقطة الانطلاقة ونقطة الوصول، وفي اليوم المشهود أمر القنفذ زوجته بأن تجثم في نقطة الوصول، ويقف هو مع الفرس في نقطة الانطلاقة.. ابتدأ السباق وطار الفرس كعادته، لكن ما إن وصل حتى فوجئ بالقنفذة تقول له، والآن من سبق؟ قال الفرس لنعد السباق ثانية، فلما وصل، قال له القنفذ الذي كان في الانتظار، والآن من سبق، وظل الفرس يسابقهما حتى وهن عظمه، لقد كان يجد دائما القنفذ في الانطلاق والوصول.. وكان الفرس يعتقد أن السباق يتم وفق الأصول..” (افتتاحية جريدة أنوال عدد 12 أكتوبر 1994).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى