الحقيقة الضائعة

الحـقــيقة الضــــائعة | التاريخ بين الملك محمد السادس ومصطفى كمال أتاتورك

hakika image

   الحـقــيقة الضــــائعة

   بقلم. مصطفى العلوي

 

       في سنة 1918، كان على عرش الإمبراطورية العثمانية العظيمة، الممتدة النفوذ إلى أطراف روسيا، وما يتعدى حدود المنطقة العربية، من الموصل في العراق، إلى وجدة في المغرب، عبر السعودية والخليج، وصحارى مصر وليبيا، ملك اسمه محمد السادس، واسمه الأصغر “وحيد الدين”، حفيد جده محمد الخامس(…) الذي كان سلطان الإمبراطورية، المسماة إمبراطورية الباب العالي، سنة 1844 الذي أجمع كتاب الزمان، أنه كان يتمتع بخصال الملك العادل، عمر بن عبد العزيز.

تتمة المقال بعد الإعلان

((وكان محمد السادس رجلا ذكيا، لكنه كان ضعيفا، مرهف الإحساس، إحدى العناصر المؤثرة عليه، أنه ورث حربا لم يكن طرفا فيها من قبل(…) صدمته عندما تطاولت عليه الدولة الجارة، اليونان، وقد وصلت جيوشها إلى أطراف اسطنبول، في 18 مايو 1918، فجاءته برقيات الاحتجاج، وأطلقت الجرائد على صفحاتها الأولى صيحات الاستنكار، لدرجة أنه عندما كان محمد السادس، خارجا من أحد مجالس الدولة، وضع يده على كتف ابن عمه “عبد المسيد”، وقال له: إني أبكي كما تبكي النساء)) (كتاب مصطفى كمال. بول دومون).

((وفكر محمد السادس مليا، حين استولت جيوش الأعداء كل أطراف البلاد فقرر الاستعانة بضابط اسمه مصطفى كمال وعهد إليه بإنقاذ البلاد)) (تاريخ الدولة العثمانية. محمد فريد).

نعود بسرعة إلى المغرب، في عهد الملك محمد السادس، لنسمع في واحدة من الندوات الهامة، التي نظمتها مؤسسة “هاشويم”، التي يرأسها مدير المكتب الوطني للمنافسة، محمد بن عمور، عقدت في يوم 12 دجنبر الأخير، وتدخل فيها مفكرون، الأستاذ عبد الله حمودي، وحسن أوريد، لإعطاء الرأي في هذا الوضع المغربي المقلق، بعيدا عن الآمال الوردية، المفروشة على زرابي التفاؤل المبثوثة(…)، وتعمقت الندوة، في ظاهرة المافيا التي تهيمن على شؤون الدولة، “محذرة من الاستهانة بدور الجيش، الذي لا يقبل أن يتضعضع الوضع في المغرب”، حيث ((أصبح المجتمع المغربي يحس بالأزمة، لدرجة أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه سياسيا واجتماعيا، فعلينا أن نخاف على مصلحة البلد، لأن طريقة التدبير التي نشتغل بها لم تعد موجودة حتى في عدد من الدول العربية التي تعيش مخاضا سياسيا عسيرا، جراء حالة من التجاذب بين عقلية الأمير وعقلية الدولة)) (حمودي في الندوة. عن جريدة القدس).

تتمة المقال بعد الإعلان

لدرجة بلوغ النقاش في هذه الندوة، حد التساؤل عما إذا كان الأمر، يقتضي البحث عن نموذج لما حصل في تركيا في بداية القرن الماضي، حيث أدى الخلل إلى ثورة مصطفى كمال صانع تركيا الجديدة.

مباشرة بعد هذه الندوة تكتب المجلة الأمريكية “كومنتري ماكازين” مقارنة حالية، بين النموذج المغربي والنموذج التركي(…) لكن مع بعض الضعف، أمام النموذج المغربي ((حيث الشرطة المغربية وديعة(…) والصحافة حرة، وتركيا تحتضن حماس وأردوغان يشجع المتطرفين)) (كومنتري ماكازين. 13 دجنبر 2013).

وطبعا ليست هذه المقارنة بريئة، لأن المشاركين في ندوة حمودي وأوريد، رددوا التلميح إلى تركيا أيام العثمانيين، ونموذج مصطفى كمال سنة 1919، عند استفحال ضعف الدولة العثمانية.

تتمة المقال بعد الإعلان

محمد السادس التركي لم يرث مثل محمد السادس المغربي، حربا لم يكن مسؤولا عن اندلاعها فقط.. وقد كانت حرب الصحراء هي الحرب التي ورثها الملك محمد السادس ولم يكن طرفا فيها(…) ولكن محمد السادس التركي ورث دولة أشبه ما تكون بمكونات الواقع السياسي المغربي، الذي ورثه محمد السادس المغربي، لنجد مبررا للمقارنة بين وضعنا ووضع تركيا الذي أدى إلى ظهور مصطفى كمال.

ففي العهد السابق للملك التركي محمد السادس، عرفت الدولة العثمانية، بداية الانهيار، الذي مهد لوصول مصطفى أتاتورك، عبر ثورة شبيهة بالربيع العربي الذي انطلق عندنا بحركة 20 فبراير، التي عندما توسعت جغرافيا، أصبحت تسمى الربيع العربي، وفي عهد مصطفى أتاتورك، سماها هو بنفسه: “الربيع الساخن”(…).

وابحثوا عن نقط التشابه.

تتمة المقال بعد الإعلان

ففي عهد السلطان عبد الحميد الثاني، على وزن الحسن الثاني، قبل محمد السادس، وكان عهده مطبوعا بشبه ديمقراطية(…) بعد أن أرغمته المظاهرات على إصدار دستور(…)، محاولة منه لطي عهد الإمبراطورية العظمى، والاهتمام بالحل السياسي، فتأسس حزب يسمى “جمعية الاتحاد والترقي” بجانب تيار أكثر عنفا(…) يسمى “تركيا الفتاة”، ليسارع الضابط المستشار العسكري للملك عبد الحميد، وهو مصطفى كمال، إلى الانضمام لتجمع “تركيا الفتاة”، وكان الحزب الأول “الاتحاد والترقي” تقدميا، أشبه في عقيدته من حزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المغربي” وكانت الصحف تسميه حزب الاتحاد والملك عبد الحميد يسميه حزب الاتحاد، تغلغل في الجماهير وأصبح الأتراك كلهم اتحاديون، بينما هو في الواقع، حزب الأثرياء وأصحاب المصالح المالية، ليسايرهم الملك عبد الحميد الثاني، ويحصل على بطاقته كعضو في هذا الحزب، وليفاجأ في أحد مؤتمرات الحزب بترشيح الملك، لمنصب رئيس الحزب، إلا أنه رفض. وكان في تركيا تجمع ديني تابع للطريقة الشاذلية، كانت تضغط على الملك من أجل وضع حد لنشاط الاتحاديين، وبصيغة أخرى كان الإسلاميون ضد الاتحاديين.

ويغضب الضباط العسكريون، في إطار المدرسة الطبية العسكرية في اسطنبول، فلم يهتم الملك بتشكيلهم، وانتقلت قيادتهم إلى جنيف في سويسرا، ثم باريس، حيث أعلنوا مطالبتهم بإسقاط الملكية، وتحضير دستور جديد للبلاد كأول تحرك سري للجيش، ولكن السلطان عبد الحميد، اكتفى بتكليف جهاز مخابراته لتتبع أخبارهم، بواسطة جواسيسه.

وقد تحركت حركة الصهيونية العالمية، وهي التي كانت تبحث عن موقع لإقامة دولة إسرائيل، فاختاروا التغلغل في شكل حركة إسلامية(…) عمقها هو المحفل الماسوني الذي يرأسه طلعت أفندي، من جهة الأتراك، بشراكة مع الحركة الصهيونية التي كان يرأسها ‘عمانويل قره صو” وهو يهودي أرمني ذو نفوذ كبير على المجتمع التركي.

تتمة المقال بعد الإعلان

لتبدأ فوضى، سياسية دينية، وانظروا حولكم(…) لولا أن مصطفى كمال، المناضل في حركة “تركيا الفتاة” ، ألقى كلمة مصيرية في تاريخ تركيا حين قال: ((نحن الآن في القرن العشرين، لا نستطيع أن نسير وراء كتاب “القرآن” الذي يبحث عن التين والزيتون)) (كتاب الماسونية. محمد علي الزغيبي).

وتنتشر حوالي هذا التسيب السياسي(…) مكونات الفوضى، والحركات الانفصالية(…) ((وبعد أن حصلت أحداث من قبيل العصابات التي تهجم على البوليس بالسكاكين، انتشر أفراد من الهرسك، يدعون إلى الانفصال عن الدولة، وتخرج الماسونية إلى العلن، تطالب بوضع حد للنفوذ الديني، وتظهر حركة انفصالية أخرى يتزعمها الأرمنيون، ثم الأكراد الذين يطالبون بأراضيهم التي كانت قبل الدولة العثمانية. واستفحلت طموحات العرب الذين يطالبون بمناطق الحدود مع إيران، والكلدانيون والسوريون الذين يطالبون بالموصل والفرات وحركات تطالب بإلغاء الحروف العربية(…) من الكتابة التركية)).

((وتظهر تحركات فئة من الضباط الذين شاركوا في حروب حماية أطراف تركيا، ولكنهم ضباط درسوا كتب الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، ومونتيسكيو، وفيكتور هوكو، يعرفون تاريخ الثورة الفرنسية، وحفظوا التعبيرات السحرية لسنة 1789، الوطن. الحرية. المساواة)) (كتاب مصطفى كمال. بول دومون).

وحصل مؤخرا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني،أن تحالف الاتحاديون والماسونيون، واليهود المهيمنون على حزب “تركيا الفتاة”: ((ليملي اليهودي “عمانويل قره صو” فتوى على شيخ الإسلام محمد ضياء الدين، عرضت على البرلمان الذي صادق بالإجماع على محتواها، وهو إبعاد الملك عبد الحميد، الذي سبقهم إلى تقديم استقالته، بواسطة رسالة سلمها إلى شيخ الطريقة الشاذلية، محمود أبو الشامات يقول فيها: “إن هؤلاء الاتحاديون(…) قد أصروا على أن أصادق على تأسيس دولة لليهود في أرض فلسطين فلم أقبل، وإنكم لو دفعتم لي ملء الدنيا ذهبا فلن أقبل، فاتفقوا على خلعي”)) (السلطان عبد الحميد الثاني. محمد قربان).

ليصبح محمد السادس ملكا سنة 1918 وريثا لهذه الوضعية الكارثية، ويبقى وجها لوجه مع مصطفى كمال، الذي بعد أن جمع حوله الجيش، وأعلن تمرده على الملك الذي كان يسنده رئيس حكومته “داماد فريد” الذي قرر طرد مصطفى كمال من الجيش، وسن قانون حكم الإعدام على كل من يتبع مصطفى كمال، عدو الله، ليخلع مصطفى كمال بذلته العسكرية ويخوض حربا سياسية، لعب خلالها الورقة الإسلامية، والرايات الخضراء، إلى أن دخل اسطنبول في 23 أبريل 1920.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى