العالم مصطفى بنحمزة : الذين يتحدثون عن الأمازيغية لا يعرفون رموزها
11 مارس، 2016
0 7 دقائق
حاوره: سعيد الريحاني
تصدر العالم المغربي مصطفى بنحمزة واجهة عدة مواقع إلكترونية خلال الأيام الأخيرة، بعد أن نقلت هذه المواقع على لسانه في شريط مسجل قوله، بأن النشطاء الأمازيغ عاطلون فكريا، وبأن الأمازيغية لغة “الشيخات”، لكنه أكد في حواره مع “الأسبوع”، أن الأمر لا يعدو كونه “حملة” تعرض لها، تبنتها جهات معينة لم يكشف عنها، قائلا:”هناك حملة منذ مدة طويلة تتبناها جهات معينة، وهي مع الأسف لا تلتزم لا بحدود مهنية ولا بالأخلاق وتقول أي شيء، وتريد أن تصل إلى غاياتها بأي وسيلة، في إطار ميكيافيلية جديدة”، وفيما يتعلق بالشريط قال: بـ “أن الذي وقع فهو أن هؤلاء رجعوا إلى تسجيل قديم، ربما يرجع تاريخه إلى 20 سنة، وأخرجوه عن سياقه..”، موضحا بأنه لا يتبنى أي موقف عدائي تجاه الأمازيغية، قبل أن يضيف بأن الذين يتحدثون عن الأمازيغية (يقصد المتطرفين منهم)، لا يعرفون رموزها، مثل بنموسى الجزولي، وأبي الزهراء الورياغلي والحسن اليوسي..
وأضاف رئيس المجلس العلمي لوجدة، بأن الإسلام ليس قضية “جمعية” بل هو قضية أمة، آمنت به، وتحدث في سياق آخر عن وجود مسار خاطئ في بعض الحالات للحد من “ثقافة الإرهاب”، حيث أن الإرهابيين لا يوجدون في المساجد حسب قوله، أي أن هناك جهات تبحث عنهم في المكان الذين لا يوجدون فيه، لأن المتطرفين لا يعترفون إلا بأربعة مساجد هي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، ومسجد قباء، والمسجد الأقصى فقط، ولا يصلون في هذه المساجد إلا خلف إمام منهم..
بنحمزة الذي رفض أن يكون وزيرا للأوقاف في النسخة الأولى من حكومة بن كيران، نوه أيضا بصلاة الملك محمد السادس وراء الشيخ محمد الفيزازي في إحدى صلوات الجمعة، معتبرا أنها نوع من الحكمة.
– نسب لك مؤخرا قولك بأن قلت بأن “الأمازيغية” هي لغة الشيخات، وأثار الأمر ضجة كبيرة؟
– هذه “الحملة” ضدي ليست معزولة عما سبقها، فهناك حملة منذ مدة طويلة تتبناها جهات معينة، وهي مع الأسف لا تلتزم لا بحدود مهنية ولا بالأخلاق وتقول أي شيء، وتريد أن تصل إلى غاياتها بأي وسيلة، في إطار “ميكيافيلية جديدة”، لا تحترم المتلقي.. هذا من حيث السياق، أما الذي وقع فهو أن هؤلاء رجعوا إلى تسجيل قديم، ربما يرجع تاريخه إلى 20 سنة، وأخرجوه عن سياقه.. رغم أن منطق أي شخص لا يمكن أن يؤخذ من فقرة مبتورة، والحمد لله، لدي تصريحات كثيرة، وهي موجودة، والحديث الذي يتحدثون عنه، هو لا يتحدث عن الأمازيغيين، ولكنه يتحدث عن أسلوب التعاطي مع الأمازيغية، وهذا للناس فيه نظر..
أنا قلت أن القضية الأمازيغية أو الأمازيغ، كما نعرفهم، نحن جزء منهم، لأن آباءنا وأمهاتنا، وأسرنا كلها أمازيغية، بمعنى أن أي حديث هو حديث للرجل عن أهله، وعن بيته، وليس هناك من يزايد على الآخر في هذه القضية.. الأمازيغ الآن يجب أن يتم الاهتمام بهم في الوجه الذي يظهر عبقريتهم، ومجدهم الحقيقي، وأنا أقول أن الذين يتحدثون عن الأمازيغية لا يعرفونها بأشخاصها ورموزها، ولو سألنا أي واحد منهم فهو لن يعرف، بنموسى الجزولي الذي كان يضاهي بالنسبة للشرق “سيبويه”، ولو سألناهم عن أبي الزهراء الورياغلي من الحسيمة، لما عرفوه رغم أنه وضع كتابا في الحديث ينقسم إلى 51 مجلدا، كذلك الشأن بالنسبة لما يتعلق بالحسن اليوسي وغيرهم..
هذا الأمر الذي ذكرته أومن به، فأنا من دعا اليزيد الراضي وهو عالم من علماء سوس، إلى إلقاء محاضرة هنا بوجدة، لإبراز مشاركة الأمازيغيين في العلم، وأنا من دعا أحمد بوكوس (ناشط أمازيغي) إلى افتتاح الموسم الثقافي الجامعي لمركز البحوث والدراسات الإنسانية، فهذا العلم دائما يقرب بين الناس، حينما يتم تناوله باختصاص ومعرفة، ولكن عندما نحيد به عن ذلك، فهو يؤدي إلى نتائج أخرى.. نحن أمة واحدة لها دين واحد ولها توجهات واحدة واهتمامات واحدة، ولذلك أظن أن ما حصل هو استغلال، لنص سلخ عن سياقه وتم العبث به، وأنا أستطيع أن أؤكد أنني لا أومن بـ “معادات” أي أحد.
الأوروبيون يضربون المصالح الاقتصادية للمغرب بذرائع واهية
– هناك من يقول بوجود “تمويل أجنبي” وجمعيات تعمل في الخفاء وتستغل النقاش حول “الهوية” لخلق البلبلة، بل إن هناك رأي سابق لأحمد الريسوني الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الذي قال بأن “الأمازيغ المتطرفين” ينشدون “مصير الهوتو والتوتسي”.
– العلماء كانوا دائما موحدين، ولا يريدون أن يصلوا إلى قضايا تتصل بالهوية والوطن، نحن لنا قضايانا، إذا شاء البعض أن يساندنا فيها فمرحبا، لدينا مدن غير محررة، ولدينا مصالح اقتصادية يضربها الآخرون في أوروبا بذرائع واهية.. ولكن قضية الهوية هي قضيتنا نحن، ونحن نعرف كيف نعالجها فيما بيننا، ونقول أننا: يجب أن نبتعد عن كل تأثير ويجب تجميع الأمة على الوحدة، وإلا فإننا نرى ما يقع في العالم، وهو ما لا يبشر بالخير.
تفريغ الساحة من العلماء ليس في صالح المغاربة
– في تصريحاته الأخيرة، قال رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران بأن المغرب عانى من “مخطط للقضاء على الإسلام من جذوره”، فما رأيك؟.
– الذين يتبرمون من كل ما هو “شرعي” وإسلامي موجودون.. ولكن الإسلام ليس قضية “جمعية” بل هو قضية أمة، آمنت به، ونحن أن مثل هذا المشروع ليس له مستقبل، والإعراض عن الإسلام في هذه المرحلة، هو نفسه التمكين للتطرف الذي يتخوف منه الناس.. هؤلاء الذين يتحدثون عنهم بكونهم متطرفين وبأنهم فعلوا ما فعلوا، لم يتلقى أحدهم التربية الدينية كما يجب أن يتلقاها، من أفواه العلماء، وبالتالي فتفريغ الساحة ليس في صالح المغرب أبدا، بل هو في صالح أناس آخرين سيحتلون الساحة، عندما يرون بأن العلماء يجب أن يسكتوا، وبأن المعرفة الشرعية يجب أن تتضاءل ولكن الطبيعة لا تقبل الفراغ.
-من في نظرك يعمل على إسكات العلماء والتقليل من أهمية العلوم الشرعية؟
– فعلا، سمعت بعض الاقتراحات التي تقول بأننا يجب أن لا نقرأ هذا أو ذاك، وعندما نسمع مثل هذه الدعوة فهي دعوة إلى الجهل، يجب أن نقرأ وأن نفهم الفهم الجيد، فأنت لا يمكن أن تصادر حق الناس في القراءة، وكيف يمكن أن تقوم بذلك في زمن الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، التي يتلقى فيها الناس المعلومات من مصادر متعددة، بل يجب أن ندرس كل شيء وأن نصحح الأخطاء، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتنا مع الأغيار، وعندنا علم هو علم السير، لا أتحدث عن السيرة النبوية، وأتحدى أن يكون أي واحد من هؤلاء قرأوا شيئا اسمه “علم السير”، وهذا علم مقنن يؤسس للعلاقة مع غير المسلين.
– هل تعتقد بوجود جهات معينة تحارب الإسلام وإمارة المؤمنين في المغرب؟
– كل من تشرب مشربا آخر، ولا يعرف الإسلام، ولم يدركه.. ربما يكون هو نفسه ضحية التعليم، الذي تلقى فيه معارف ناقصة، يذهب إلى هذا الفعل، وهذا في أحسن الأحوال أي عندما نقول بأن السبب في كل هذا هو عدم المعرفة، ولكن لاشك أن الأمور أكثر تعقيدا في العالم الإسلامي كله، والإسلام دائما كانت تمر به موجات، ولكن كان دائما ينتصر ويخرج ظافرا، لأن الإسلام له شرعيته وله أحقيته فيما يقوم به، والبشرية الآن تعود إلى الإسلام حتى من غير المسلمين، حيث نشاهد حملات لمواجهة الخمر وغيره.. هذه فقط مرحلة من المراحل وبالتأكيد سينتقل منها المجتمع، ونريد فقط أن يكون الانتقال انتقالا علميا ومعتدلا، ومتوازنا.
الطبيعة لا تقبل الفراغ، فلماذا لا نفكر في إحياء القرويين؟
– سبق أن صرحتم بأن التطرف، الذي يقع في العالم الإسلامي، سببه الفراغ الذي تعاني منه الساحة الدينية، ماذا كنت تقصد بذلك؟
– ما ذكرته كان في محاضرة، قلت فيها: بما أننا لا نأخذ لأنفسنا الوقت الكافي لفهم الظاهرة الدينية، وبما أننا نسمح بأن يتحدث في الإطار الديني كل من شاء بما شاء.. هناك متحدثون كثيرون ولكنهم يتحدثون عن شيء متشابه، أي أن سبب هذه الظاهرة هو التهميش والإقصاء والفقر، فهل معنى ذلك أن كل شيء يقع هو من مسؤولية الفقراء والمهمشين، وهذا بعيد من أن يعطي جوابا أو تفسيرا لما يقع في العالم الإسلامي.. وما يقع هو أن هنالك أفكار، وقد درسها المجلس العلمي الأعلى عندما عقد لقاء حول “ثقافة الإرهاب” وكتبت فيه مقالا يتضمن قراءة شرعية في ثقافة الإرهاب، وقرأت مجموع المراجعات التي كتبها بعض الناس من الجماعات الإسلامية في مصر، فكان من الواجب أن نعرف ذلك.
– ماذا تقصد؟
– أنا أقول وقلت ذلك فيما سبق: حينما تفكر بعض الجهات في البحث عن الإرهاب في المساجد، معنى ذلك أنها لا تفهم أين ينشأ الإرهاب، الإرهاب لا ينشأ بطبيعته في المساجد، لأن الذين يتطرفون كثيرا لهم مقولة، وهي: أن المساجد كلها هي مساجد “ضرار” لا تجوز الصلاة فيها وهم لا يصلون فيها، ويقولون أن الصلاة لا تكون إلا في أربعة مساجد، هي المسجد الحرام والمسجد النبوي، ومسجد قباء والمسجد الأقصى فقط، ولا يصلون في هذه المساجد إلا خلف إمام منهم، بمعنى أنك تبحث عنهم حيث لا يوجدون، هؤلاء المتطرفون نشأوا في أماكن أخرى، معتمة.. هذا التلقي الذي لا يكون مرتبطا برابط شرعي هو الذي يتيح المجال لهذه الانزلاقات، لكن لماذا لا نفكر جميعا في إحياء دور، العلم الشرعي والقرويين وكل المؤسسات التي عرفنا أن إسكاتها أدى إلى هذا النوع من الفراغ، ولذلك يكون من باب المعالجة الفكرية أننا نعول على العلم أساسا.. طبعا المعالجة الأمنية هي الآن قائمة وموجودة والأجهزة تقوم بدورها في الحماية ولكن المثقفين، ينبغي أن يكون لهم دور آخر والتحديات المقبلة تقتضي أن نلتقي حول مشاريع فكرية حقيقية، والذين يتحدثون فيها لا يتحدثون فقط من مرجعية المخالفة لما هو ديني.. أنا أدعوا للاستفادة حتى من البحوث الجيدة التي كتبها بعض المستشرقين.. ولكن نحن لا نمتلك الآن لا القدرة ولا الوقت الكافي ولا الإرادة من أجل ذلك، وهي ما يتطلب عقد لقاءات وطنية والبحث في هذه المعضلة وإلى أين يذهب المجتمع الإسلامي مع ما نراه الآن مع الأسف الشديد في الشرق، حيث أن الناس لم يهتموا بهذا فإذا بهم يواجهون تحولات غير متوقعة، فمثل ما يقع في اليمن والعراق، لا يمكنها بحكم القوة فقط، بل لابد من الرجوع إلى القضية في جذورها الفكرية.
– هل تظن أن الخلل في الفهم الديني قد يتسبب في وصول “داعش” للمغرب؟
– أي بلاء يمكن أن يصل إلى المغرب متوقع، أو غير متوقع، هناك تحديات كثيرة جدا من الجانب الشيعي أو مذاهب أخرى متشددة، كل ذلك يبقى المجال مفتوحا عليه، لذلك يجب أن نفتح أعيننا على الجميع، الآن نحن كمغاربة نحاول أن نحافظ على النموذج المغربي في التدين، ونحاول أن نقنع الناس بأن النموذج المغربي، ليس بدعة، كما يقول بعض الناس، وهذا كلام يكتبه العلماء من أجل إعطاء الاطمئنان للناس بأن التدين المغربي صاغته عقول علمية كبيرة.
الحرية لا يمكن مقايضتها بالمال وحرية الاختيار تتطلب العلم
– اليوم في المغرب، هناك من يعارض التعليم الديني، واللغة العربية ويدعو للدارجة حتى داخل مؤسسات الدولة، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟
– نحن ننظر إلى هذا كله بمصلحة الوطن، وإن استطاع أحد أن يقنعنا بأن إلغاء المادة الدينية الإسلامية سينقذ المغرب، سنصغي إليه، ولكننا نقول بأن العكس هو الذي يقع، إن تفريغ الساحة من المادة الدينية، هو فتح المجال لتربية دينية لا نعلم طبيعتها، فإذا منعت الناس من الدين لأنك لا تدرسه، فإنك لا تستطيع أن تمنعهم من معرفة الدين كما يشاؤون.
– بعضهم سيقول أن هذه الطريقة، تتعارض مع “حرية المعتقد” التي يطالب بها البعض؟
– هذه المسألة لا يفهمها كثير من الناس، فحرية اختيار المعتقد تأتي بعد العلم، فحينما تدخل إلى معرض للسيارات وتريد أن تختار سيارة من السيارات فعلى أي أساس ستختارها؟ فالأكيد أن اختيارك لواحدة دون غيرها سيكون لسبب معين، كأن تكون اقتصادية مثلا، ولا يمكن أن يكون الاختيار بدون علم، والإسلام يعطي معرفة، وهذه المعرفة يأتي بعدها الاختيار، وعندما نتحدث عن الاختيار والحرية في أوساط يأتي فيها الناس من هنا وهناك، لمقايضتهم على عقيدتهم، ببعض المال، هل هذه حرية؟ فحينما يكون هناك فقر لا تكون هناك حرية، لذلك فحتى الذين يروجون للمذاهب الأخرى من غير المسلمين، نقول لهم مارسوا الحرية ولكن في الجامعات وفي أماكن المناقشة، ولكن حينما تذهب إلى طفل أو صبي أو إنسان محتاج وتغريه فهذه مناورة معروفة النتائج.