شخصيات

المغرب يفصل بين مصير كوسوفو ومصير الصحراء

   منذ أعلنت الأمانة العامة للأمم المتحدة عن تعيين الأمير مولاي هشام مساعدا للأمين العام، مكلفا بأزمة كوسوفو بجانب المبعوث الأممي، الفرنسي والوزير السابق، “برنانر كوشنير”، تحركت الرباط وفصلت مصير كوسوفو عن مصير الصحراء بافتعال “مسافة فورية الملك محمد السادس وابن عمه مولاي هشام”.

   تقول وثيقة فرنسية “لم يثق المغرب في الخطة الفرنسية الموضوعة لحل مشكل كوسوفو بعد اقتراحها مبادرة للحكم الذاتي في الصحراء”.

   وساهمت باريس في حماية المغرب، وهو يدفن هيوستن، ولم يرغب في أي ظرف، أن تتحول هذه الاتفاقية إلى “دايتون” لحل مشكل الصحراء، ورفض مولاي هشام من جهته مقارنة العرش المغربي بالعرش الأردني الذي تخلى عن الضفة الغربية لصالح الفلسطينيين، وتبادل الطرفان عبر الصحافة رسائل ذكية بوصف وثائق الكورساي.

   وتؤكد على تجريب السيناريو الفرنسي الذي قاده شيراك لحل مشكلتي “كوسوفا وإقليم الصحراء” دون أي تورط رسمي فيه، فإن نجح شيراك في خطته دون استقلال الإقليم “كوسوفا” انتقل تأثيره إلى الصحراء وإلا “بقي الوضع متمايزا وبشكل كامل”، ولا يزال المغرب إلى هذه اللحظة غير معترف بدولة البوسنة خوفا من هذا التأثير المجنون.

 احتاج المغرب إلى فرنسا لدفن اتفاقية “هيوستن” المدعومة أمريكيا ورفض جيشه “السيناريو الفرنسي” في كوسوفا

   استجاب الملك محمد السادس لتخوفات جيشه ” كاملة ” ووضعت الرباط مسافة فورية بين الملك وابن عمه المشرف على ملف كوسوفو، وفي رده على تداعيات هذا التعيين، أشار مولاي هشام إلى رفضه لمضامين مقال في “جون أفريك” وأكد، بذكاء لا يخلو من رسائل عن رفضه التبسيط الشديد الذي تناول به فرانسوا سودان مقاله، وأن مواقفه “غير مناوءة” للعرش مذكرا:

   أولا، بانهماكه الداعم في خدمة بلاده، بما لا يمس بالمحصلة مصالحه العليا بأي حال، أو وحدته الترابية وغيرها، ودفاع مولاي هشام عن وحدة بلاده، “رسالة طمأنة” إلى كل الأطراف تأكد معها أن الأمير يغامر وحده ويتحمل نتائج هذه المغامرة فإن نجحت استفاد منها بلده، وإن فشلت فشل وحده. ويحتاج السيناريو الفرنسي إلى فرصة تحت قيادة شيراك ذي  الصلات العائلية والحميمة مع العرش والجالس عليه الملك محمد السادس. ولا يمكن الشك في شيراك، كما نقلت الوثيقة الفرنسية عن مسؤول دولة في المغرب، وبالتالي لا يمكن “إطلاق الظن بالنتيجة ضد مولاي هشام”.

   وتضيف فقرة تنفرد “الأسبوع” بنشرها: “تجربة كوسوفا تجربة شخصية أيضا لجاك شيراك والخوف من نجاح الترتيبات الأمريكية التي أطلقها بيل كلينتون مؤكدة، ودعت زوجته هيلاري في زيارتها للمغرب إلى تمييز إقليم في أوروبا عن آخر في إفريقيا”. وعمقت هذه الإشارة التي نقلتها وثائق “الكورساي” خوف المملكة من انعكاسات الحل في كوسوفا على مصير إقليم الصحراء.

   ثانيا، قال مولاي هشام: لا أنتمي إلى أي فريق أو إلى أي تشكيل تحت إمرة عاهلنا الجديد، بما يؤكد عدم تحميل الدولة المغربية أي مسؤولية ومن أي نوع عن المسعى الأممي والفرنسي المتحالف مع المملكة في إقليم كوسوفا.

   ثالثا، قول الأمير بوحدة المجتمع المغربي، ويقوم عمله على تنمية وتطوير مجتمع تعددي، متحرر اقتصاديا ومتحفز، مجتمع يتيح الفرص للشباب وللشرائح الأقل نصيبا، وهي الترجمة التي نشرتها “الأسبوع” (24 مارس 2000) دون أن تثير أي رد فعل من الأمير، بما يجعلها الترجمة شبه الرسمية لجواب الأمير على جون أفريك.

 تأكيد مولاي هشام على عمله ضمن إطار مغرب هانئ قوي متحد سواء على صعيد القمة أو على مستوى القاعدة، وهو ما فرض على عمله في كوسوفو أن يكون معزولا

   قدم جاك شيراك كل التفهم للملك محمد السادس في شأن دعم ابن عمه، ونقل تطمينات فورية بين الطرفين غداة تعيين الأمير إلى جانب كوشنير في ملف “كوسوفو”.

   وفي محاضر زيارة الملك محمد السادس إلى فرنسا يوم 19 مارس 2000 ما يؤكد في محادثات “جوهرية” على عمل الأمير مولاي هشام في ملف “كوسوفو” بعيدا عن كل التخوفات التي بثتها أطراف مختلفة في الإعلام.

   وجاء في الصفحة السابعة: “أن فرنسا تعمل على حل عادل في كوسوفا وفي الصحراء تساعدنا في ضم المغرب إلى الدينامية الأوروبية تماما”.

   وناقش شيراك انضمام المغرب إلى الاتحاد الأوروبي إن فكرت ألمانيا وأمريكا في ضم تركيا إلى هذه الدينامية، وهو موضوع قال فيه الرئيس الفرنسي، أعرف المغاربة ويعرفونني أكثر مما أعرف شعبا آخر.

   وتصريحات الأمير مولاي هشام عن مغرب “هانئ” لا يقبل المغامرات غير المحسوبة والمغرب المتحد والقوي بعرشه وجيشه ومؤسساته، كلمات نقل تفسيرها شيراك إلى الملك محمد السادس في 20 مارس 2000، وقال وزير الخارجية بشأنها (إنها تطمينات لنا ولكم).

 الأمير هشام يرفض لقب “فليب التساوي” أو المساواة

   في خدع لغوية شديدة الحساسية رفض الأمير هشام لقب فيليب التساوي، وقالت الخارجية الفرنسية، إنها إشارة إلى عدم تساوي المشكلين في كوسوفا والصحراء، وتضخمت الإشارات لكنها بقيت مفهومة بين الإليزيه والأمير هشام والذين حاولوا تضخيم “الخلافات” لم يفهموا الإشارات بين باريس وواشنطن، خصوصا في مشاكل جيوسياسية تخص مستقبل أوروبا وشمال إفريقيا التي ركز عليها شيراك ودفعت ساركوزي إلى التدخل في ليبيا، وتدخل من بعده في مالي.

   ويبدو أن شمال إفريقيا مسألة خاصة بـ “بالجيش الفرنسي” وليست مسألة رئيس، تماما كما تكون مسألة الصحراء مسألة الجيش المغربي.

   ودعم الأمريكيون الجنرال لعنيكري لفصل مشكل كوسوفا عن (الصحراء) ضد رغبة شيراك، وقرر أن يدلي بإشارات “المؤسسة الصامتة” في مجلة معروفة على صعيد إفريقيا، لكن مقال “فرانسوا سودان” لم يصل إلى النتائج المرجوة.

   وجر المقال رد الأسرة الهاشمية التي قالت: إننا في العائلة متحدون كأصابع اليد وإذا كنتم طيبين معنا فإننا نصافحكم، وإذا كان العكس فإن الأصابع الخمسة تتحول إلى لكمة.

 فرانسوا سودان كان بإمكانه أن يمتنع

   رد كل من القصر الهاشمي والأمير هشام فجر حسابات جون أفريك في النشر “المخدوم” لفرانسوا سودان قبل أن يكرر المحاولة.

   وكانت التغطيات الفرنسية مؤهلة لتمرير رسائل الأطراف المختلفة، فجريدة “لوموند” قالت أن ابن عم الملك اختار الابتعاد مؤقتا عن المغرب قبل تعيينه مساعدا للأمين العام في قضية إقليم كوسوفا.

   ولم يخف الأمير الشاب ـ تقول الجريدة ـ رغبته في دمقرطة النظام، وتطوير الملكية على الطريقة الإسبانية، ولم يخف الملك محمد السادس نفس الرغبة في ولاية عهده أيضا.

   وهذه الأهداف المشتركة جعلت العرش يتحدث لغة استراتيجية واحدة اتجاه مشكل الصحراء، وتطرقت “لوموند” إلى الموضوع في عدد يوم 19 مارس 2000، الذي صادف زيارة الملك محمد السادس لفرنسا، وقالت بهذا الصدد:

   إن الأمريكيين استخلصوا في مراسيم وفاة الملك الحسن الثاني أن الأمير مولاي هشام سيكون المستشار الدبلوماسي للملك محمد السادس.

   وقررت باريس فورا “تجريب دوره في كوسوفا” لبناء الحل في الصحراء، لكن المحاولة فشلت واستطاع الأمير المغامرة مع الفرنسيين، لكن بدون آثار على سياسة ابن عمه، فاختار “منفى اختياريا” لإتمام  هذه المهمة التي وصفها الإليزيه بالمعقدة.

وفعلا كان مولاي هشام (كابحا ذكيا) في قضية كوسوفا التي انخرط فيها صديق المغرب “جاك شيراك” إلى أذنيه، وأوقف انعكاس ما جرى على قضية العرش وقضية الجيش المغربي الأولى (الصحراء).

   تقول الوثيقة الموقعة بعد يومين من زيارة الملك محمد السادس إلى فرنسا (يوم 24 مارس 2000) إن اندفاع شيراك استثنائي في موضوع كوسوفا، وفي إلحاق محمد السادس بالمسار الأوروبي إلى حد غير مرغوب، كما وصف الجيش الفرنسي الوضع.

وبالفعل أنقذ الأمير مولاي هشام المغرب من اندفاع شيراك والسياسة الفرنسية في لحظة تم وصفها بالحرجة أو الحساسة.

 “ليبراسيون” الفرنسية: لم نكن نتوقعه (الأمير هشام) في كوسوفو

   لم يتوقع الاشتراكيون عمل الأمير هشام والتعاون مع إدارة جاك شيراك في قضية كوسوفا، وأدار الجيش الفرنسي موضوع التأثيرات، وما يقوم به شيراك في كوسوفا والصحراء لاقتراحه الحكم الذاتي لحلهما  شيء محسوب، ولكنه لا يدفع إلى التفاؤل، وتخلى الجيش المغربي عن دعم هذا المسار وانتقده بانتقاده مولاي هشام مباشرة.

إن الجنرال لعنيكري يمثل الجيش، يقول تقييم باريس الذي أضاف:

   “أخطأ مولاي هشام في تحالفاته، تخلى عن الأمريكيين للعمل مع شيراك ثم انتهى إلى خسارة الحليفين دون أن ينعكس عمله في ملف كوسوفا على ملف الصحراء، وكان  يمكنه ذلك في ظل الدبلوماسية الضعيفة لحكومة بلاده، التي خرج معها الجيش ليدلي بموقفه”.

   تقول الوثيقة الفرنسية: “الأمير مولاي هشام ساهم في قبول بلاده مبادرة شيراك للحكم الذاتي لصالح الصحراويين ولم يتورط في الاقتراح”.  

   وجاء تعليق “ليبيراسيون” الاشتراكية صادما “الأمير ساهم في انفتاح بلاده قبل مجيء الحكومة الاشتراكية” التي قادها عبد الرحمن اليوسفي، ففي نهاية 1999، وعقب محاضرتين في باريس أشار إلى الأمل المعقود على محمد السادس، وقد جمع في لقاءه المؤسسة السياسية والدبلوماسية في العاصمة الفرنسية، وهو الأمير المحترم في المغرب، ويكون مولاي هشام بن أخ الحسن الثاني قد أنجز مهمات عديدة في الأمم المتحدة، وتعد مهمته في البلقان “خطأ ولا شك في بلده” بتعبير الصحيفة.

 هل يفيد الأمير مولاي هشام بلاده ولا يستفيد

   تلك قصة أمير لا يتجاوز مطلقا الخطوط الحمراء للعرش، وإن ظهر متجاوزا للخطوط التي سطرتها مؤسسات “تقليدية”، وهذه الخطوط غير كافية في استجلاء الموقف، تقول وثيقة الخارجية الفرنسية: إن مهمة مولاي هشام في كوسوفو حملت فصل مستقبل الصحراء عن الإقليم الأوروبي لسنوات أخرى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى