حوار الأسبوع | مع محمد كرين، القيادي في حزب الوزير بنعبد الله

محمد كرين، القيادي في حزب الوزير بنعبد الله لا يستبعد التعديل الثاني ويؤكد:
خروج حزب التقدم والاشتراكية من حكومة بن كيران وارد إذا قرره المؤتمر
————————
مرة أخرى استبقت بعض الأطراف انعقاد مؤتمر حزب التقدم والاشتراكية للترويج لانسحاب جديد محتمل من حكومة عبد الإله بن كيران، كما حصل مع حزب الاستقلال، الأمر الذي قد يفرض تعديل الأغلبية من جديد.
هذا الأمر لم يستبعده “محمد كرين “عضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية في حواره مع “الأسبوع”، بل ويؤكد أن مشاركة الحزب لمدة 14 سنة في تسيير الشأن العام والمراحل التي مرت منها البلاد في السنوات الأخيرة تقتضي وقفة للتأمل، “كونوا على يقين أننا في حزب التقدم والاشتراكية لنا الشجاعة لاتخاذ كل القرارات، سواء كان قرارا صعبا للمشاركة في الأغلبية، أو قرارا آخر”، يقول كرين.
المتحدث نفسه، يكشف محاولات الحزب الذي يوصف بالشيوعي للدفاع عن أفكاره من داخل الحكومة التي يقودها حزب إسلامي، كما هو الحال فيما يتعلق بمعارضة مشروع القانون الذي يسمح بتزويج الفتاة ذات 16 سنة، كما يؤكد أن مشروع حزبه يتناقض تماما مع مشروع العدالة والتنمية الذي يقود الأغلبية.
في هذا الحوار يلبس كرين قبعة المناضل الحزبي عندما يتحدث عن الشأن الداخلي لحزبه، ويلبس قبعة رجل الاقتصاد عندما يتحدث عن أوراش إصلاح أنظمة التقاعد وصندوق المقاصة.
حاوره: سعيد الريحاني
——————————
– بعض الصحف بدأت تتحدث عن سيناريو محتمل، وهو أن حكومة معرضة للتعديل للمرة الثانية على التوالي، باعتبار ما سيحدث في حزب التقدم والاشتراكية خلال المؤتمر المقبل، إلى أي مدى يمكن أن يؤثر تغيير الأمين العام في حزب التقدم والاشتراكية على استمراركم في الأغلبية الحالية؟
– المؤتمر المقبل لحزب التقدم والاشتراكية سيكون مناسبة لتقييم عمل الحزب لمدة أربع سنوات، وسيكون تمرينا ديمقراطيا، سنتدارس من خلاله عدة مستويات؛ مستوى التدبير الحزبي وهو شأن داخلي، ثم المسألة المتعلقة بتدبير مختلف المحطات التي عرفتها بلادنا، وعلى رأسها ما شهدته سنة 2011 وكيف تعامل معها الحزب ومناضلوه باعتبارها لحظة مفصلية في تاريخ المغرب، وما تميزت به من دستور جديد، وما أسفرت عنه هذه السنة من نتائج تبوأ من خلالها حزب إسلامي المرتبة الأولى وبالتالي قاد الحكومة في نسختيها في الشكل الأول والثاني(..).
كل هذه الأمور تم تدبيرها من طرف قيادة الحزب بطرق معينة، ويجب علينا أن نقف وقفة تأمل لنستخلص الدروس منها نحو المستقبل، علما أن حزب التقدم والاشتراكية عرف نقاشا طويلا وواسعا، ويمكن القول ديمقراطيا، فيما يتعلق بمسألة المشاركة وعدم المشاركة في “الكومة”، وأفضى ذلك إلى اتخاذ قرار بالمشاركة(..).
الحاجة إلى وقفة تأمل في مسار الحزب
–
– قلت إن مسار الحزب في الفترة الأخيرة يحتاج إلى وقفة تأمل، هل من الممكن أن ينتج عن ذلك اتخاذ قرار للانسحاب من الحكومة؟
– بالنسبة لحزبنا، في كل مرحلة نضع أولا مصالح البلاد هي الأولى في عين الاعتبار، ثم مصلحة المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي الذي أسس الحزب من أجله، والمستوى الثالث يتعلق بمدى خدمة مصالح الفئات الشعبية التي تأسس الحزب منذ 70 سنة ليكون معبر عنها(..) وبالتالي فإننا مطالبين بالإجابة عن ثلاثة أسئلة: هل خدمنا مصلحة البلاد؟ وهل خدمنا مشروعنا المجتمعي الحداثي إما بحمايته من بعض الانزلاقات أو تحقيق تقدم نحو بنائه؟ وهل خدمنا مصالح الفئات الشعبية إما بالحفاظ أو الدفاع عن حقوقها المعيشية أو توسيعها(..) هذه أسئلة سنطرحها، وكونوا على يقين أننا في حزب التقدم والاشتراكية لنا الشجاعة لاتخاذ كل القرارات، سواء كان قرارا صعبا للمشاركة في الأغلبية، أو قرارا آخر(..) علما أننا سنحتَكِم للديمقراطية والاقتناع، أي المؤتمر.
– هل ترون أنكم خدمتم الفئات الشعبية، وأنتم توجدون في حكومة اتخذت عدة قرارات للزيادة في الأسعار؟
– للتاريخ، حزب التقدم والاشتراكية وقف أمام عدة قرارات كانت ستتخذ أو خفف من حدتها، وآخر مثال على ذلك هو تعاملنا مع مشروع قانون المالية لسنة 2014، حيث واجه الحزب كل الجوانب التي اعتبر من منطلقه أنها تمس الفئات الشعبية كالضريبة على القيمة المضافة في عدة مواد، مثل الأرز والسردين والشمع(..) كما تقدمنا بمقترح يرمي إلى رفع الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لمواد الترف إلى 30 في المئة، وعلى فكرة فهذا المقترح يلتقي مع توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وقد وصلنا إلى حل توافقي من خلاله سيتم فرض ضريبة أخرى على السيارات التي يفوق ثمنها 500 ألف درهم، وكنا نتمنى أن تشمل هذه الضريبة كل المواد الأخرى مثل السفن السياحية والترفيهية والطائرات الخاصة، لأننا نعتبر أن مثل هذه القرارات ستساهم في تعزيز مداخيل الدولة.
كما كان لحزبنا موقف أمام بعض القضايا التي لم تكن اقتصادية مثل وقوفنا ضد المشروع الذي يسمح بتزويج الفتاة ذات 16 سنة، وهناك ما يرتبط ببعض الفقرات التي تضمنتها دفاتر التحملات والتي تنص على إيجاد رجال دين في كل البرامج ذات الطابع الاجتماعي(..) المؤتمر سيكون فرصة لتقييم هذه القرارات وما إذا كانت كافية أم لا، وبطبيعة الحال وبدون تأويل وبدون قراءة الفنجان، نحن بدأنا نتدارس بهدوء كل هذه الأمور منذ يوم السبت الأخير، حيث بدأت اللجن المنبثقة عن اللجنة المركزية بالاشتغال وبدون شك سيفتح هذا النقاش للرأي العام التقدمي، لأن شأن الأحزاب لم يعد خاصا بمناضيلها(..).
المشروع المجتمعي لحزبنا يتعارض مع مشروع العدالة والتنمية
–
– هذه مجموعة قرارات جمعتكم مع حزب العدالة والتنمية، ما الذي يجمعكم من الناحية السياسية مع هذا الحزب؟
– لن أفشي سرا إذا قلت إن المشروع المجتمعي لحزب العدالة والتنمية والمشروع المجتمعي لحزب التقدم والاشتراكية متعارضان، ولكن الأساس الذي دخل على أساسه حزب التقدم والاشتراكية للحكومة، كان هو أن نمكن من البلاد من اجتياز مرحلة عدم الاستقرار التي كانت تهددها والتي تمكنها من استعمال أول دستور في هذا السياق وتمكين الحزب الذي حصل على أول رتبة من حيث عدد المقاعد من تشكيل أغلبيته، ثم الدفاع من داخل الحكومة عن المشروع المجتمعي الحداثي ومواجهة كل ما يمكن أن يمس بالقدرة الشرائية.
من جهة أخرى، كان الهدف من مشاركتنا في الحكومة هو إعطاء رسالة للرأي العام الخارجي والداخلي تقول إنه رغم وجود حزب إسلامي في الحكومة، إلا أن لها خصوصية تكمن في التفرد المغربي، حيث يوجد داخلها حزب يمكن أن نسميه حزب يساري راديكالي(..) كما كان من أهدافنا الاستناد على شرعية صناديق الاقتراع من أجل القيام بإصلاحات سياسية كبرى تحتاجها البلاد، لكن السؤال المطروح اليوم هو هل حققنا أهدافنا؟ هذا ما سيبت فيه المؤتمر.
– كيف تنظر إلى انتقال قانون المالية من الغرفة الأولى إلى الغرفة الثانية غير دستورية ليقوم المستشارون بإسقاطه قبل إعادته إلى الغرفة الأولى؟
– الغرفة الثانية أصبحت ترجع بقوة في عدد من البلدان الديمقراطية، ولكنها يجب أن تلعب دورا مختلفا عن الغرفة الأولى، هذه الأخيرة تعتبر تعبيرا عن الإرادة الشعبية عبر الاقتراع العام، والغرفة الثانية غالبا ما تمثل الجهات حتى يسمع صوت كل جماعة محلية، ثم إن هناك نوعا من القوانين يفترض موافقة الغرفتين لكن هناك قوانين لا تحتاج إلا الغرفة الأولى مثل التصريح الحكومي وقانون المالية(..).
في المغرب نحن نعيش مرحلة ما بعد الاستفتاء على الدستور الجديد، والذي لم يضبط بعض الحالات والتي لا سبيل لحلها إلا المجلس الدستوري ومنها ما يتعلق بإمكانية تعويض منتخب توفي وقد تجاوز مدة انتدابه، وهذا معناه أن الغرفة الثانية ستبقى على ما هي عليه إلى ما بعد انتخاب القوانين المنظمة لها من جديد وهذه قراءة في رأيي تبسط منطوق الدستور، لأنه كان بإمكاننا أن نجتهد لتجديد الغرفة الثانية حتى تكون لنا غرفتان تنسجمان مع روح الدستور.
– تتحدثون عن التجربة الحكومية لحزبكم وكأنه دخل للتو إلى الحكومة، بعد الربيع العربي، في حين أنكم كنتم مشاركين فيها قبل ذلك؟
– عند إنقاذ المؤتمر المقبل، سنكون قد قضينا 14 سنة في الحكومة، وهو ما يفرض علينا التساؤل: هل تقدم الحزب؟ وحتى وإن لم يتقدم الحزب، هل ساهمت مشاركته في تقدم البلاد(..) أنا أتكلم من منطلق الرأي الرسمي لحزب التقدم والاشتراكية.
–
العفو عن المهربين ليس مشكلا في حد ذاته
– من بين القرارات التي اتخذتها الحكومة في الفترة الأخيرة والتي أثارت كثيرا من الجدل هو قانون “التسوية الإبرائية” الخاص بالعفو عن المهربين، لكننا لم نسمع صوتكم في هذا الموضوع؟
– السبب هو أنه طرح في آخر لحظة في الغرفة الثانية(..) ومع ذلك دعني أعطي بعض الأمثلة لدول اعتمدت عليه وأظن أن من بينها إيران، وهي أن الدولة تعطي مهلة من أجل التصريح بممتلكاتهم في الخارج(..) أنا أطرح سؤالا: هو هل ستكون هناك استجابة لهذا الإجراء، ومدى نجاعته(..).
في هذا السياق، يمكنني أن أنبه أيضا إلى أن الأجواء التي مر فيها هذا المقترح ذات الطابع “المزايداتي” ستجعل أي شخص، حتى لو كانت له النية للتصريح بممتلكاته يتراجع(..).
– هل تقصد تصريح رئيس الحكومة الذي قال فيه إنه يتوفر على لوائح للمهربين؟
– رئيس الحكومة يمكن أن يصرح بما يريد، لكننا نطلب منه كمواطنين إعطاء البرهان على كل ما يصرح به، فهو رجل دولة ولا يمكن أن يتحدث دون أن تكون له أدلة على كلامه.
لنرجع إلى مسألة رجوع الأموال التي يملكها المغاربة بالخارج، وهنا سأرتدي قبعة الاقتصادي لأقول إنه ليس هناك فقط خارج المغرب الأموال المهربة، ولكن هناك أموال لمغاربة اكتسبوها قانونيا ولا يريدون ادخالها وعلينا أن نخلق جوا للأعمال يطمئن رجال الأعمال المغاربة قبل الأجانب، فالمسألة تتطلب بناء استراتيجية قائمة على تصفية مناخ الأعمال وأن تزال منه كل الشوائب، وكل ما يمكن أن يمس مصالح المستثمرين.
– ما الذي يضمن عند الشروع في استرجاع عدم اختلاطها مع رؤوس الأموال المشبوهة؟
– على المستوى العالمي هناك ميكانيزمات تضمن عدم تبييض الأموال، ولكني أظن أن استرجاع أية أموال لن تكون إلا إذا كان صاحبها مطمئنا على الاقتصاد الوطني وعلى أمواله، وهو ما يتطلب خلق إدارة للضرائب تتعامل بأسلوب سلس، وأن تكون لنا عدالة تشتغل في القضايا التجارية بالسرعة والنجاعة الضرورية(..) صحيح أن المغرب قام بمجهود في السنوات الأخيرة ولكن الطريق أمامنا مازال طويلا.
نحن الآن في مرحلة تناول “قوالب” التخفيف من الحمى وإصلاح أنظمة التقاعد ليس مشروعا إحسانيا.
– تم الشروع مؤخرا في إصلاح نظام التقاعد مع ما يعنيه ذلك من مخاطر محتملة، هل أنت مطمئن لهذه العملية؟
– أولا؛ ضرورة إصلاح نظام التقاعد بالمغرب لا يختلف حوله اثنان وهذه ضرورة مطروحة منذ ما يزيد عن 10 سنوات وتم تشكيل لجنة في هذا الصدد وكل السيناريوهات موجودة، لكن ما تم الإعلان عنه حتى الآن من تدابير يشبه إلى حد ما حالة شخص مريض مصاب بالحمى، نعطيه الأقراص للتخفيف من درجة حرارته(..) نحن الآن في هذه المرحلة نتناول أقراص الحمى إن لم نقل “قوالب الحمى”.
غالبا ما يتم الحديث عن مستويين للإصلاح، أولها إصلاح المؤشرات، نسبة الاقتطاع، سن التقاعد، ثم هناك الإصلاح النظامي، وهي أن نأخذ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق المغربي للتقاعد ونجمعهم في قطبين: قطب عمومي وقطب خاص، ويكون المستوى الأول مفروضا على الجميع، أما المستوى الثاني فيكون تكميليا(..) ولكننا نسى أن هذه العملية كلها تتمحور حول 30 في المئة من المغاربة، فأين هي 70 في المئة أخرى؟ في حين أن الإصلاح الحقيقي يفترض توسيع أنظمة التقاعد وهذا من شأنه أن يحل الإشكال الديمغرافي الموجود في أنظمة التقاعد والذي جعلنا نمر من 5 منخرطين مقابل متقاعد واحد، إلى منخرطين اثنين لكل متقاعد، وقد نصل إلى أقل من ذلك، ومعناه أننا عندما نوسع سنسبح في إطار التركيبة الديمغرافية المغربية والتي تتمتع بالشباب وبالتالي سنرفع من عدد المنخرطين مقابل المتقاعدين.
إذن، الحل هو توسيع فئات المنخرطين، لتشمل المهن الحرة والصناع ثم الفلاحين(..) لأن أنظمة التقاعد ستعرف عجزا وهذا العجز ستؤديه ميزانية الدولة التي تمول من الضرائب، وإذا فحصنا هذه الأخيرة سنجد أنها وصلت إلى السقف فيما يتعلق بالضريبة على الشركات، أما الجزء المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة فيؤديه الجميع، وفي هذا الصدد أتساءل: هل يعقل أن نسبة 70 في المئة من المغاربة الذين ليس لهم تقاعد سيمولون نسبة 30 في المئة، لذلك فالإصلاح في هذه الحالة هو مشروع مجتمعي، مبني على التضامن المؤسساتي وليس الإحساني والعائلي، لأن هناك من يريد أن يذهب بنا إلى مشروع إحساني(..).
– سبق لك أن انتقدت مبادر تقديم الدعم المباشر للفئات الشعبية؟
– أنا أعتبر أن الدعم المباشر، إذا لم يكن مشروطا ومرتبطا بأنشطة مدرة للدخل أو بالتطبيب(..) فهو مقاربة إحسانية، وهذا الدعم المباشر من شأنه أن يخلق غولا لن تتمكن الأجيال المقبلة من التحكم فيه(..) قد يكون الأمر مناسبا لمزايدات سياسيا مفيدا انتخابيا على المدى القصير ولكنها مكلفة اقتصاديا واجتماعيا على المدى البعيد.
– في هذا السياق كيف يمكن معالجة ملف صندوق المقاصة؟
– اصلاح نظام التقاعد ينبغي أن يطرح ضمن مردود عام ويجب أن يدخل بدوره في الإصلاح العام المرتبط بإصلاح نظام المقاصة والنظام الضريبي(..) هذه مقاربة اجتماعية عامة(..) بالنسبة للمقاصة ينبغي تفكيك شعب الدعم، خاصة ما يتعلق بالقمح والسكر والمحروقات ويجب إعادة النظر في الثمن الاستدلالي، وفوق هذا وذاك علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن المواد التي ندعمها تتلقى ضرائب، وهنا نصل إلى مستويات مقبولة في أثمنة المحروقات(..).