تحليلات أسبوعية

تفاصيل إفشال مخطط إسقاط بن كيران وتعيين العماري رئيسا للحكومة

 معارضو الدستور ينجحون في الجهات ومساندوه يتحدثون عن “الموت”

 لنتأمل التواريخ والأحداث التالية، أولا: قال رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران يوم 31 غشت الماضي، إن حميد شباط ليس سوى أحد صنائع إلياس العماري، “فهو من وسوس له بمغادرة الحكومة، من أجل تولي رئاستها.. ثانيا: كل من إلياس العماري وشباط الأمين العام لحزب الاستقلال وضعا يدهما في يد البعض، ليلة الانتخابات (4 شتنبر 2015)، ليقدما وقتها “طعنا سياسيا في نتائج الانتخابات قبل ظهورها، لأن الاعتقاد الذي كان سائدا وقتها هو الاعتقاد باكتساح حزب العدالة والتنمية للنتائج، ولكن بمجرد الإعلان عن تصدر حزب الأصالة والمعاصرة للمشهد السياسي، تفرق الجميع.. قبل أن تؤكد جريدة “العلم” الناطقة باسم شباط، استمرار التنسيق بين أحزاب الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والاستقلال بتاريخ 7 شتنبر الجاري، وهي تكتب بأن “أحزاب المعارضة تقرر عدم الانخراط نهائيا في أي حزب يقوده حزب العدالة والتنمية”…

   إلى هنا، تبدو الأحداث متسلسلة ومتناسقة لكن شباط المنهزم أمام بن كيران اختار لعبة خلط الأوراق، ليلة الأحد، أي في الليلة التي سبقت انتخاب رؤساء الجهات (دائما يختارون الليل)، ونقلت عنه الصحف قوله لصديقه إدريس لشكر: “فات أوان التريث”، فكان أن استدعى على عجل أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، قبل أن يفاجأ بعدد كبير منهم لا يجيبون على الهاتف، ولكنه ركب رأسه وجمع ما تيسر له، ليعلن فك الارتباط مع حزب الأصالة والمعاصرة والتحاقه بصف المساندة النقدية للحكومة، التي كان يقول إن رئيسها على علاقة مع الموساد الإسرائيلي و”داعش”.

   استمر الاجتماع الذي انطلق حتى ساعة متأخرة من ليلة الأحد الماضي، فماذا جرى في هذا الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية لحزب الاستقلال؟ طالما أن القرارات السالفة الذكر لم تصدر بشكل رسمي في بلاغ، الجواب يبدو ملغوما كما أوردته جريدة “العلم” بتاريخ 15 شتنبر الجاري: حيث تقول بناء على “مصادرها الخاصة” (وأنظروا للمفارقة، لسان حال حزب الاستقلال تتحدث عن مصادر خاصة، بدل تقديم الخبر اليقين): “أكدت مصادر حضرت هذا الاجتماع الهام، أن قيادة الحزب ناقشت باستفاضة كبيرة آخر التطورات المرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية الجارية… حيث إن حزب الاستقلال لم يذخر جهدا خلال السنين القليلة الماضية في نضاله من أجل المساهمة من موقعه في تسهيل وتسريع وتيرة الانتقال واجتياز المرحلة الصعبة التي تجتازها بلادنا، لكن هناك من حاول توظيف هذا المعطى في سبيل خدمة أجندة أخرى، وهذا ما لا يمكن أن يقبله حزب في حجم حزب الاستقلال..” (المصدر جريدة العلم، عدد 15 شتنبر 2015).

   حسب جريدة “العلم”، فالأمر يتعلق “بنقد ذاتي” لا علاقة له بالنقد الذاتي المعروف منذ أيام الزعيم علال الفاسي الذي لا علاقة له الآخر بشباط، ففي الوقت الذي كان فيه علال الفاسي يتحدث عن: “التفكير الواجب، وأرستقراطية التفكير، وتعميم التفكير وتداعي الأفكار، والحلول العصرية لمشكلة الاقتصاد والنظريات الشاذة لحل مشكلة الاقتصاد في التاريخ الإسلامي.. يركز شباط على الأشخاص وليس الأفكار(..).

   في إطار لعبة الأشخاص وليس في إطار التفكير الاستراتيجي(..) تؤكد مصادر “الأسبوع” أن حميد شباط استبق انتخاب رؤساء الجهات بالتموقع في موقع المساندة النقدية للحكومة، بعدما تأكد من وجود مخطط آخر كان يقضي بتحضير ضربة مفاجئة كبيرة لحكومة بن كيران، تقضي بانسحاب الأحرار من الحكومة مباشرة بعد انتخاب رؤساء الجهات، وقد كانت مقدمة ذلك اكتساح حزب الأصالة والمعاصرة لانتخابات الجهات، بعد أن فاز في جهة الدار البيضاء والسطات، وجهة مراكش آسفي، وطنجة تطوان الحسيمة، وبني ملال خنيفرة، والجهة الشرقية.

   يا لها من مفارقة، العدالة والتنمية هو الفائز بالمرتبة الأولى في انتخابات أعضاء المجالس الجهوية بـ174 مقعدا أي بنسبة 25.66 في المائة، متبوعا بحزب الأصالة والمعاصرة في الرتبة الثانية بـ132 مقعدا أي بنسبة 19.47 في المئة، ثم حزب الاستقلال بـ119 مقعدا أي بنسبة 17.55 في المئة… المواطنون صوتوا على حزب العدالة والتنمية في الجهات والمدن، وبوأه المرتبة الأولى لكن الفائز بعد التصويت كان هو حزب الأصالة والمعاصرة، ما فائدة التصويت؟ وما فائدة النتيجة؟ وهل يتعلق الأمر بمؤامرة؟

   تؤكد مصادر “الأسبوع” أن ما سمي بخيانة حزب الأحرار لحزب العدالة والتنمية، كما تأكد في عدد من المجالس، لم يكن سوى الجزء الأول من مخطط كبير كان سينتهي بالانسحاب من الحكومة بعد الانتشاء بالفوز على غرار الانسحاب الأول لحزب الاستقلال، ومن تم إسقاط الحكومة.. وهكذا لن يجد بن كيران من يتحالف معه، لغياب الخيارات المتاحة أمامه، كيف يمكن تشكيل حكومة في ظل وجود كل من أحزاب الاستقلال، و”البام”، والأحرار، والاتحاد الاشتراكي في المعارضة، إذا ما نجحت الخطة؟

   الجزء الأول من الخطة طبق حرفيا، لكن الجزء الثاني توقف ليلة الأحد مع إعلان شباط عن وضع رجله الأولى فيها، وكان ذلك ضربة استباقية لانسحاب محتمل لحزب الأحرار، حيث كان التنسيق يقتضي انتهاز الفرصة لترجيح كفة إلياس العماري، بوصفه قائدا للتحالف المنقلب، لتشكيل الحكومة بعد فشل بن كيران الذي سيجد نفسه مضطرا للخروج إلى المعارضة، رغم احتلاله للصف الأول، خصوصا أن الوصفة مجربة وناجعة، أليس حزب العدالة والتنمية هو الفائز في الجهات؟ لماذا لم يفز إذن سوى برئاسة جهتين؟ ثم إن الياس لن يجد من يعارضه بالتأكيد داخل التجمع الوطني للأحرار، الذي بات يوصف بكونه ملحقة لحزب الأصالة والمعاصرة في بعض التقارير الصحفية(..).

   في حالة خروج حزب التجمع الوطني للأحرار للمعارضة، وطبقا للمقتضيات الدستورية، في حالة عجز بن كيران عن صناعة تحالف حكومي ستنتقل المبادرة إلى الحزب الذي يليه، وهو في هذه الحالة حزب الاستقلال الحاصل على 61 مقعدا برلمانيا، متبوعا بحزب التجمع الوطني للأحرار 54 مقعدا، وحزب الأصالة والمعاصرة 48 مقعدا.. وبما أن الأحزاب الأخيرة متحالفة في ما بينها، فالأرجح هو سقوط مدوٍ لبن كيران، حسب السيناريو.

   لماذا فضل شباط مساندة بن كيران؟ هل هو خلاف مع العماري؟ لا أحد يملك الجواب خارج أصحاب الخطة، ولكن يمكن الجزم بأن السيناريو السالف لا يخدم مصلحة شباط الذي يطمح ليكون رئيس حكومة، بعد أن جرب رئاسة النقابة والحزب.. وقد أعلن منذ أيام عن أن حزبه قادر على احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات القادمة.. مؤكدا أن حزبه سيفوز بالانتخابات التشريعية سنة 2016، وسيقود الحكومة لكي يعيش المغاربة في أحسن الظروف(..).

   الحلم برئاسة الحكومة مشروع عند شباط، يكفي أن يفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات وتطبيق الفصول الدستورية التي تقول: “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها (الفصل 47 من الدستور). ويتقدم رئيس الحكومة، بعد تعيين الملك لأعضائها، أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. يكون البرنامج موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب (الفصل 88 من الدستور). وتعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي (الفصل 88 من الدستور).

   منطقيا، يمكن القول إن شباط بإعلان تموقعه في خندق المساندة النقدية فقد نجح في أمرين؛ في حالة خروج حزب الأحرار من الحكومة سيكون هو البديل بلا شك، كما حافظ على حظوظه بانتزاع رئاسة الحكومة من صناديق الاقتراع في حالة فوزه في انتخابات 2016 التشريعية، يكفي أن يحافظ على كرسي الزعامة(..) وهي مهمة تبدو صعبة، ذلك أن المصوتين على حزب الأصالة والمعاصرة الموجودين في حزبه هم من سيتكلفون بإنهاء مستقبله داخل الحزب أو أنه هو من سينهي وجودهم في حزب الاستقلال(..).

   هكذا إذن ساهم شباط “خوفا” أو “طمعا” في رسم ملامح المرحلة المقبلة، التي ستتميز على الأرجح بإلغاء السيناريو السالف الذكر أو تأجيله، المهم أن الاستقرار الحكومي بات مضمونا بما يمكن اعتباره بدعة مغربية اسمها المساندة النقدية(..)، وقد تكون الحلقات المفقودة في الموضوع مهمة جدا، فالناطقة باسم شباط كنزة الغالي تقول إن المعارضة النقدية (هي نفسها قد تكون مساندة نقدية) قرار سياسي اقتضته مصلحة الوطن، والتحالف مع “البي جي دي” تحالف طبيعي أفرزته الخريطة السياسية الحالية.

   أمام وجود معطيات كهذه لابد من التساؤل عن موقف مزوار؟ مصدر “الأسبوع” يؤكد أن العلاقة بين مزوار وإلياس العماري ليست على ما يرام، ولكن إلياس على علاقة وطيدة مع عدد كبير من القياديين في حزب التجمع الوطني الأحرار، والخطة كانت ستطبق ولو تطلب الأمر الدخول في مواجهة تنظيمية معه(..) في حالة إذا لم تنطل الحيلة على الجميع(..).

   لعبة الكواليس إذن هي التي أفرزت مفارقات صارخة في ما يتعلق بنتائج الاقتراع، والمفارقة الكبرى هي أن الحزب الذي لا يعترف عدد كبير من أعضائه بالدستور هم الذين نجحوا لرئاسة الجهات، “الدستور رواية قبيحة.. لم أصوت عليه” (إلياس العماري، حوار مع مجلة تيل كيل)، “الدستور المغربي، ليس دستورا (مصطفى الباكوري)، بينما تلقى مساندو الدستور صفعة قوية، والأمور لا تقف عند ذلك، فمساندو الدستور وأبطال حملة التصويت عليه سنة 2011، أطلقوا تصريحات خطيرة، تكرر فيها الحديث عن “الموت”.

   في هذا الإطار، تكفي قراءة تصريحات رئيس الحكومة، المعارض الشرس لحركة 20 فبراير، وأحد مساندي الدستور الجديد علانية، وخطورة مدلولها: “لا نية لي في المغادرة، لأنه إذا تخليت سأفتح المجال لعصابة لتصل الحكومة، أحد أفرادها رمز من رموز الفساد، والثاني طاغية الاتحاد الاشتراكي.. ويعلم الله أشنو بغاو يديرو في هذه البلاد.. كل سياسي يوجد في خطر، وقلنا سنمضي في هذه الطريق حتى لو كان هناك خطر.. الأخطار التي تحيط بالبلد ليست سهلة، وإن كلفني ذلك أن أموت في سبيل الله فاعلموا أني حققت أمنيتي، وهي الموت في سبيل الله” (تصريحات رئيس الحكومة عن موقع هسبريس، بتاريخ 1 ماي 2015).

   ما علاقة رئاسة الحكومة بالموت في سبيل الله(..)، يقول بن كيران: “..كل يوم يمر علي في الحكومة، الله وحده يعلم الله باش كايدوز عليا” (المصدر نفسه)، ولا يقتصر الحديث عن الموت على بن كيران بل إن شباط نفسه قال في آخر تصريح له، إنه “كزعيم حزب يمكنه أن يموت أو يتعرض للتهديد، لكن حزب الاستقلال عريق لا يموت”، أي نوع من السياسة هذا الذي يمارس في المغرب والذي يجعل المسألة مسألة حياة أو موت؟ هل هي مجرد زلات لسان أم أنها إشارات لخطر محدق بالجميع لا(..).

   تصريحات من هذا النوع هي التي جعلت المتتبعين يتساءلون: هل بن كيران مهدد في سلامته الجسدية؟ ويكتب أحد المواقع: “لم يعد عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة يحضر أنشطته الرسمية وحتى ذات طابع المجاملة لوحده، إذ أصبح تحت مراقبة عناصر فرقة أمنية خاصة تابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، وهو الأمر الذي لا يبدو أنه خضع له وزير أول أو رئيس حكومة مغربي من قبل” (موقع كود، بتاريخ 23 يناير 2014).

   إلى جانب خطورة التصريحات السالفة الذكر والصادرة على لسان شباط في الفترة الأخيرة، ما صاحب الحملة الانتخابية من تصريحات قد يكون موجبا لإسقاط بعض اللوائح، وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى ما نسبته بعض المواقع الإلكترونية لمنصف بلخياط من قول بأن الباكوري مثلا مرشح الجهات العليا.. أو الحديث في سياق آخر عن “مرشح القصر” و”وزير القصر” في حين أن القصر لا علاقة له بالانتخابات، والملك بنفسه يقول: “التصويت لا ينبغي أن يكون لفائدة المرشح الذي يكثر من الكلام، ويرفع صوته أكثر من الآخرين، بشعارات فارغة أو لمن يقدم بعض الدراهم، خلال الفترات الانتخابية، ويبيع الوعود الكاذبة للمواطنين هذه الممارسات وغيرها ليست فقط أفعالا يعاقب عليها القانون، وإنما هي أيضا تعبير صارخ عن عدم احترام الناخبين..” (من الخطاب الأخير لثورة الملك والشعب).

   لا شك في أن قمة العبث في الانتخابات الأخيرة، هي أن يترأس جهة كاملة تجمع ملايين السكان، شخص صوت عليه ما يزيد عن مئة مصوت بقليل، أي ما يعادل شاحنتين من عمال الحقول، كما لو أننا في انتخابات داخلية لأحد معامل الخياطة، هل هذه هي الترجمة العملية لإرادة الناخبين، مؤكدا أن اللعب أصبح “خايب بزاف” على حد قول شباط، ولكن اللعب مهما كان يجب أن يتوقف عندما تصبح مصلحة الوطن مهددة، في انتظار معركة الطعون، التي يمكن أن يكون لها تأثير على النتائج التالية(..).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى