ملف الأسبوع | ماذا وراء صفقة تجميع الشيعة والسلفيين في حزب واحد؟

إعداد: سعيد الريحاني
يقولون إن طائر “الفنيق” ينبعث من الرماد، حسب الأساطير الإغريقية، وفي التراث العربي يسمونه طائر “العنقاء”، وفي اليابان يسمونه “طائر النار”.. ورغم أن زمن المعجزات قد ولى منذ وقت طويل إلا أن السياسيين في المغرب يفضلون، إشراك “الحمار” وليس الفنيق، دون غيره من الحياة السياسية بشكل أسطوري، وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى ما يرد على لسان رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، الذي سئل ذات يوم عن الوسطية فقال: “إنها ما دون البغل وفوق الحمار”، قبل أن يدعو خصومه السياسيين في آخر خروج إعلامي له إلى ترك الحمير وشؤونهم، قائلا: “خليو عليكم الحمير فالتيقار”.
يمكن القول إن مشاركة الحمار في الحياة السياسية المغربية شبه أسطورة، لكن الحديث عن حزب ينبعث من الرماد السياسي ممكن، وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن مبادرة التحاق ثلاثة تيارات إسلامية خلال الأيام الأخيرة، بحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، الذين يقوده عمليا الكومسير السابق، محمود عرشان، بتجربته المعروفة في الدهاليز(..)، بينما يتولى ابنه الظهور في الواجهة كأمين عام.
لا أحد يستطيع أن يعرف ما الذي قام به محمود عرشان في الخفاء، قبل أن يكشف “الطبخة” للعموم، من خلال لقاء صحفي يوم السبت الماضي، علما أنه رتب كل الإجراءات التنظيمية لتأمين التحاق ثلاثة أسماء بارزة في تيارات إسلامية بالحزب، ويتعلق الأمر بعبد الكريم الشادلي المحكوم بـ30 سنة سجنا نافذا على خلفية أحداث 16 ماي الإرهابية، قضى منها ثماني سنوات قبل أن يحصل على العفو الملكي سنة 2011، بالإضافة إلى عبد الكريم فوزي، القيادي السابق في حركة “الشبيبة الإسلامية” التابعة لعبد الكريم مطيع، والباحث إدريس هاني أحد الفاعلين المعروفين بمساندته لبشار الأسد، وواحد من المتهمين بـ”التشيع”.
كيف تبلورت هذه الفكرة؟ يجيب عضو فاعل في المكتب السياسي لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية: “نحن كأعضاء المكتب السياسي للحزب، لم يتم إخبارنا إلا يوم الإثنين الماضي، حيث توصلنا بالدعوة لاجتماع عاجل، يوم الخميس على الساعة العاشرة صباحا، وكان الحضور ضروريا ومؤكدا”.
المصدر نفسه يؤكد أن الاجتماع تميز بحضور كافة الأعضاء باستثناء ثلاثة من أصل 23 عضوا؛ أحدهما سبق أن قدم استقالته، وفيه تناول عبد الصمد عرشان، الأمين العام للحزب كلمة تقديمية، لكنه سرعان ما تنحى جانبا ليفسح المجال لوالده لكي يوضح دواعي اللقاء، الذي ركز على نقطة واحدة وفريدة تتعلق بانضمام مجموعة من رموز الحركات الإسلامية بالحزب.
في ذلك اللقاء غير المتوقع، قال محمود عرشان، وهو المكلف بتدبير التحالفات والاندماجات بالحرف: “إن الإطار العام لهذه المبادرة لا يرتبط بحسابات انتخابية، بقدر ما يرتبط بالانخراط في سياق الإسهام من موقعنا كحزب في تدعيم ركائز الاستقرار والأمن والسلم في بلادنا في محيط جهوي مضطرب”.
هكذا ربط عرشان بين تدعيم الاستقرار والمعطيات الدولية الراهنة، ورغم أنه لم يحدد هذه المعطيات إلا أن المتتبعين يعرفون تزامن هذه المبادرة، مع الحرب على الحوثيين في اليمن، والتقارب الأمريكي الإيراني، وبوادر موجة جديدة من الحركات الاحتجاجية التي قد تجتاح بعض الدول(..).
الكلام كبير، لكن كم يشكل حزب عرشان في الساحة السياسية؟ بالعودة إلى البرلمان نجد أن حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، ينتمي لمجموعة الوسط التي تدعم الحكومة ولا تشارك فيها، ويضم برلمانيَيْن و3 مستشارين في الغرفة الثانية، لكن مؤسس الحزب مع ذلك نجح في فتح قنوات الحوار مع رموز حركات إسلامية معروفة في بيته بالرباط، والقنيطرة، وطنجة، ومراكش.. حسب ما يؤكده مصدر مطلع.
من هنا يمكن طرح أسئلة عديدة: ما الذي يوجد في حزب عرشان، ولا يوجد في غيره حتى يبدو مغريا لحركات توصف بالإسلامية؟ وما هي الشروط التي فرضها حزب خاضع لقانون الأحزاب على ملتحقين يوجد بينهم من لم يكن مؤمنا بالنظام؟ هل يملك الحزب طريقة لتدبير الخلاف بين المندمجين؟ كيف تم التواصل مع السلفيين الذين يوجدون داخل السجن، والذين يقال إنهم بدورهم كانوا يرحبون بالمبادرة؟
من حق أي حزب أن ينفتح على أية حساسية مجتمعية لكن هل توصل حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية بضمانات، لكي يحترم الملتحقون الجدد شروط العمل في إطار قانون الأحزاب؟ الجواب على لسان أحد أعضاء الحزب: “لا يعلم بما في القلوب إلا الله، لكن نحن على المستوى الجهوي والدولي في حرب على الإرهاب والتطرف.. مما يحتم فتح الأبواب أمام هؤلاء..”.
كيف يمكن الجمع بين الشيعة والسلفيين في إطار حزب موحد؟ يجيب أحد أعضاء الحزب بخصوص وضعية إدريس هاني، لم يسبق أن قال إنه شيعي، رغم أنني عندما سافرت إلى إيران وجدتهم يتحدثون عنه(..)، وقد أكد بالحرف: “أنا سني ولكن أنا ضد الوهابية التي تمولها أطراف معينة في الخليج..”، حسب قوله.
يؤكد عضو الحزب الذي تحدث مع “الأسبوع” بأنه يستحيل أن يجلس مع إدريس هاني في طاولة واحدة إذا عرف أنه شيعي، لكن إدريس هاني لطالما وجهت له تهمة التشيع، وله خلاف معروف مع باقي الحركات الإسلامية الأخرى، وإدريس هاني نفسه سبق أن قال لـ”الأسبوع”: “هناك جهات معروفة لها مشكل معي، ومع أي إنسان يخالفها التفكير، خصوصا ما يعرف بالتيارات الوهابية سواء الواضحة كالسلفيات أو تلك التي تتلبس بالانفتاح ولكنها تنطوي على خلفيات اعتقادية وهابية، هؤلاء يقولون كل شيء، ويستبيحون كل شيء، هؤلاء عندهم مشكلة مع العالم، وعندهم مشكل حتى مع المواطنين في بلدانهم، مع المثقفين والمرأة والعلمانيين”.
جريدة “التجديد” مثلا، وهي الناطقة باسم حزب العدالة والتنمية، وحركة التوحيد والإصلاح، سبق أن صنفت إدريس هاني، كمسؤول أول عن نشر التشيع في المغرب، و”الأسبوع” سبق أن طرحت السؤال التالي على إدريس هاني: “المغرب يحارب التوجه الشيعي، وهناك من يعتبر أن التشيع خطر قادم ينبغي التصدي له، لماذا تختار السباحة عكس التيار؟ فأجاب هاني كما يلي: “هذا اختياري وأنا طفل، والغريب أنهم لا يعرفون أنني قمت باختيارات فكرية وأنا في مرحلة الطفولة.. في الحقيقة أنا كنت أبحث عن الفكر الإصلاحي والعقل والعدالة، فوجدت نفسي قد سقطت في المدارس الموصوفة في الفكر الإسلامي بالمدرسة العدلية أو العقلانية، التي يمثلها الشيعة والمعتزلة تحديدا، أنا كنت أبحث عن العدل وعن العقل، وكنت هاربا من هذه الاختيارات التي أصفها بالظلامية، والتي انتهت إلى ما نراها عليه اليوم، أنا هربت منهم، أنا هربت من الحركة الإسلامية المغربية ومن تخلفها الفكري، وبالتالي كانوا يحاربونني لأني كنت أوسع ثقافتي، وكان لهم مشكل معي وهو أنني لا أقرأ كتب الظلام، وحينما كنت أقرأ لماركس وفرويد ونيتشه، كان بعض الإسلاميين يقولون عني أني سأقع في الضلال.. أنا لم أتَرَبَ في بيئة طائفية، ولم أكن أعرف هذه الفروق، وبروح رياضية كنت أبحث عن مساحات للتفكير الحر والعقلاني.. (الأسبوع، حوار مع إدريس هاني، عدد 23 ماي 2013).
وتنظر بعض الأطراف بقلق إلى تجربة الإدماج الأولى من نوعها في المغرب، فأحد المشاركين فيها عبد الكريم فوزي، عضو “الشبيبة الإسلامية” المعروفة بصراعها التاريخي مع النظام، رغم أنهم يقولون إن زعيمها عبد الكريم لا يريد اليوم سوى حلا مشرفا للعودة إلى أرض الوطن وطي الصفحة، فضلا عن كون المندمجين يعتزون بمباركة هذا الاندماج من طرف أكثر من 400 سجين سلفي، حسب ما أكده السلفي عبد الكريم الشاذلي.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الترويج لإدماج حركات إسلامية في حزب سياسي بعد تجربة إدماج بعضهم في حزب النهضة والفضيلة، حيث تم إدماج الشيخ أبو حفص (عبد الوهاب رفيقي)، الأمر يمكن أن يفترض معه المتتبعون فشلا حتميا لأبوح فصيا في استقطابه لإخوانه للعمل السياس، في إطار حزب النهضة والفضيلة، فقد سبق أن “أكد الباحث في الجماعات السلفية، منتصر حمادة أن التئام السلفيين في حزب النهضة والفضيلة هو من صالح الدولة لأنهم سيشتغلون تحت الأضواء وبشكل شرعي عوض الاشتغال في الهامش، مضيفا أن الإشكال يبقى عند بعض أفراد السلفية الجهادية المتشددين مثل الجماعات والأشخاص الذين ذهبوا للجهاد في مالي وسوريا”. (شبكة أندلس الإخبارية، بتاريخ 8 يونيو 2013).
وقد سبق أن تحدثت بعض الجهات عن إمكانية التحاق الشيعة المغاربة بحزب “الديمقراطيون الجدد” الذي يقوده الأستاذ الجامعي محمد ظريف، غير أن هذا الحزب مات قبل أن يولد، وربما لن يكتبوا له شهادة ميلاد، بعد أن أكدت مصادر إعلامية على أن “الحركة التصحيحية” جمدت عضوية الأمين العام، وهو أمر يحصل لأول مرة في تاريخ المغرب.
ولا تقف الغرابة عند حدود المندمجين بل إن صاحب الحزب وقائد مبادرة التجميع، ليس سوى الكومسير عرشان، الذي يوصف من طرف خصومه اليساريين بالجلاد، فكيف يتحول الجلاد إلى ملاك، يجمع ما لا يجتمع؟ وحده عرشان وأصحابه يعرفون الوصفة، في زمن سكت فيه اليساريون، وتفرقت بهم السبل.
وكان موضوع إدماج السلفيين أو غيرهم في الحياة السياسية مرتبطا طيلة السنوات الأخيرة بعدة إشكالات عملية، سبق أن لخصها، الباحث بلال التليدي في ثلاث إشكالات أساسية هي: “الإشكال الأول: أمني مرتبط بسؤال العود، لا سيما أن هناك مؤشرات غير قليلة على إقبال بعض الشباب ذوي الخلفية السلفية على بعض البؤر “الجهادية” مثل سوريا، وهو الأمر الذي يمثل تحديا أمنيا لا يمكن الاستهانة به، ولا التقليل من مخاطره.. الإشكال الثاني: مرتبط بسؤال الإدماج في صيغته الدينية والسياسية، وما الاختيارات التي سيلجأ إليها الجسم السلفي بمختلف تكويناته وأطيافه، وما حدود القدرة التي يمتلكها الشيوخ على التأطير والاستيعاب الدعوي لهذه الفئة العريضة، وما الإطارات الجمعوية والسياسية التي يمكن أن تتم فيها عملية الإدماج المدني والسياسي؟ أما الإشكال الثالث فهو فكري، مرتبط بدرجة المصداقية في التحولات والمراجعات التي حصلت داخل الجسم السلفي، وهل هذه المراجعات تعبر عن تحولات حقيقية في النسق الفكري والسياسي للعقل السلفي في المغرب ستستمر في الكيف والمدى والزمن، أم أنها مجرد تكتيكات ظرفية للخروج من المأزق؟ (المصدر: مقاتل بلال التليدي، 14/ 5/ 2006).
المشكل السلفي مرتبط بشكل كبير بالذين يوجدون في السجن بالموازاة مع ظهور تنظيم “داعش”، والمشكل الأكبر هو عدم وجود حل إلى حدود اللحظة، وتجارب الإدماج مازالت في المهد، وهذا الخلط الغريب بين أصحاب الميول السلفية والميولات الشيعية يعطي الانطباع بأن القائمين على الحقل السياسي يستبقون صدامات طائفية كما حصل في بلدان أخرى، ولكن الإدماج بهذا الشكل يعيد الكل مستفيدا، طالما أنهم يحملون شعار “الله والوطن والملك”، من يدري ربما يعيد عرشان تجربة الدكتور الخطيب؟ إنه التفاؤل الذي جعل عبد الكريم الشادلي بوصفه واحدا من المندمجين يقول إن حزب عرشان يتمتع بعلاقات جيدة مع القصر، ويسعى لتكرار تجربة استقطاب عبد الإله بن كيران للسياسة من طرف الدكتور الخطيب(..).