في حوار مع “الأسبوع”.. نصر الدين عبادة يشرح مشكلة السيارات التي عجزت عن حلها 4 حكومات و6 وزراء
16 فبراير، 2015
0 4 دقائق
حاوره: سعيد الريحاني
بخلاف دول أخرى لا يملك المغاربة ذوقا موحدا في ما يتعلق بالسيارات، سواء تعلق الأمر بالفاخر منها أو النوع الاقتصادي، ومجرد إلقاء نظرة على ما يجول في الطرقات كاف للتأكد من ذلك غير أن “ما خفي كان أعظم”.
فسوق المنافسة بين مستوردي ومصنعي السيارات تخضع لقوانين قد لا تكون لها علاقة بالضرورة مع المنطق، حسب المهنيين، الذين لا ينكرون وجود لوبيات تتحكم في صياغة النصوص “المتحكمة” في اللعبة التجارية.
في هذا السياق، يؤكد نصر الدين عبادة المدير العام لشركة “هيونداي المغرب” ونائب رئيس رابطة “جيفيت” التي تضم مجموعة من مستوردي السيارات الآسيوية، وجود إجحاف كبير، من حيث التعريفة الجمركية، حيث تطبق على السيارات الآسيوية ضريبة تصل إلى حدود نسبة 17.5 في المئة، بينما يتمتع المستوردون من دول أوروبية من إعفاء ضريبي، يجعلهم لا يؤدون ولو سنتيما واحدا للخزينة، بناء على ما تفرضه اتفاقية التبادل الحر، حسب نفس المصدر.
ويشرح نصر الدين، بأن الفروع المروجة لعلامات السيارات الآسيوية في أوروبا، تؤدي تعريفة جمركية تتراوح بين نسبتي 5 و6 في المئة، علما أن أوروبا تنتج 12 مليون سيارة، ورغم ذلك فهي لا تتجاوز هذه النسبة كإجراء لحماية منتوجاتها الوطنية من السيارات، بينما يقتصر الأمر في أمريكا حسب نفس المصدر على ضريبة جمركية لا تتجاوز نسبة 2.5 في المئة، عن كل سيارة قادمة من كوريا أو اليابان أو الصين..
في الحالة المغربية، يؤكد نصر الدين عبادة: “هناك صناعة محلية نريد تشجيعها ونقول بأن هناك ماركات مغربية، ولكن التعريفة الجمركية في المغرب تصل إلى نسبة 17.5 في المئة، وهي أعلى نسبة للتعريفة الجمركية مقارنة مع بلدان أخرى، بالمقابل يسمح للمستورد الأوروبي بإدخال سيارات للمغرب بنسبة فائدة 0 في المئة بسبب وجود اتفاقيات للتبادل الحر”.
هكذا إذن يرتبط ما يسميه نصر الدين بـ”الإجحاف الضريبي” بغياب اتفاقية للتبادل الحر بين المغرب والدول الآسيوية، فهل يتعلق الأمر بوجود لوبيات؟ تسأل “الأسبوع”، يجيب عبادة: “بالتأكيد توجد لوبيات سواء تعلق بمستوردي السيارات الأوروبية أو غيرها..”، يضحك ثم يواصل: “حتى حراس السيارات الذين يشتغلون في الشارع لهم لوبياتهم”.
أمنية نصر الدين، هي أن يكون هناك فرق معقول بين الضريبة المفروضة على السيارات الأسيوية، يقدره ضيف “الأسبوع” بنسبة 5 أو 6 في المئة، والسيارات الأوروبية، كما أنه يستبعد فرضية وجود مخطط للقضاء على تواجد هذا النوع من السيارات بالمغرب، “يمكن أن نعتقد بوجود هذا المخطط قديما، بالنسبة للناس الذين فرضوا علينا أداء نسبة 17 في المئة كضريبة، لكن لا مجال للحديث عن ذلك الآن، فالحكومة الحالية أبدت تفهما كبيرا شأنها شأن الفرق البرلمانية ولكن ليس هناك أي تأثير..”.
هل سبق لكم أن فتحتم حوارا مع الحكومة حول مطالبكم؟ تسأل “الأسبوع” فيجيب نصر الدين عبادة: “فعلا، كان هناك حوار مع الحكومة، وشخصيا جلست مع أربعة وزراء للمالية ووزراء آخرين، منهم على سبيل المثال وزير المالية السابق نزار بركة، والوزير محمد بوسعيد.. بالإضافة إلى وزراء آخرين مثل: أحمد رضى الشامي، وعبد القادر عمارة، ومولاي حفيظ العلمي..”، ماذا يقول الوزراء: “جميعهم يتفقون على التشخيص، لكنهم يتفقون على نفس الجواب، بحيث يقولون إن هناك غيابا لاتفاقيات التبادل الحر مع آسيا”.
يقول عبادة: “نشرح لهم (يقصد الوزراء) بأننا موجودون في السوق وبأن الماركات الآسيوية تصل إلى 25 نوعا وكل نوع له موزعوه وكل مجموعة تشغل 150 أو 200 عامل ولها نظام اقتصادي يحيط بها، فهل يعقل أن نموت بسبب عدم وجود اتفاقية للتبادل الحر بين آسيا والمغرب..”.
يتحسر نصر الدين وهو يتساءل “هل من مصلحة المغرب أن يكون مرتهنا لمنتوج أوروبي؟ أليس من مصلحته أن يفتح مجال التنافس بين المنتوج الأوروبي والآسيوي كي ينخفض الثمن؟ هل من مصلحة المستهلك المغربي أن يكون عنده منتوج أوروبي فقط؟ ألم يكن تعدد شركات الاتصالات كمثال حافزا لتخفيض الثمن”؟ قبل أن يقول بأن هناك مفارقة غريبة: “فمن يرفع شعار حماية المنتوج المحلي ويطبق إجراءات صارمة على المستورد الآسيوي يبقي الأبواب مفتوحة أمام المنتوج الأوروبي.. يمكن أن نقول إن مصنع رونو في طنجة ينتج سيارات محلية، ولكن بوجو وفولسفاكن وسيتروين معفية من التعريفة الجمركية، وهي سيارات مستوردة”.
بالأرقام، يؤكد نفس المصدر أن سوق السيارات الآسيوية في تراجع مستمر، “في 2008 كنا نشكل نسبة 40 في المئة من سوق السيارات، وفي 2014 بلغت هذه النسبة فقط نسبة 20 في المئة.. الماركات القوية مازالت موجودة مثل طويوطا وهيونداي بالمقابل الماركات الصغيرة تتجه نحو الإفلاس..”.
في ما يتعلق بشركة “هيونداي” التي يعتبر نصر الدين عبادة مديرا لفرعها في المغرب، “الوضع ثابت”، ولكن وجوده في مجموعة رابطة “جيفيت” يفرض عليه الحديث عن أنواع أخرى من السيارات الأخرى، حسب قوله، منها “شيري”، وكيا”، وهوندا.. فالعلامات الآسيوية تغادر المغرب تباعا فبين 2008 و2009، غادرت المغرب 9 علامات تجارية من بينها ثلاث ماركات يابانية وصينية، حسب قوله.
يمكن القول إن المغرب من الناحية السياسية تحرك في السنوات الأخيرة نحو الانفتاح على أسواق أخرى، مثل الحديث عن التقارب مع الصين وروسيا.. لكن هذا الانفتاح الذي يصفه نصر الدين، بالانفتاح الإعلامي، لن يكون له أي فائدة إذا لم يكن هناك توقيع على اتفاقيات للتبادل الحر، “راسلنا بن كيران حول مشكلتنا” لكننا لم نتلق أي جواب رسمي، “فكل شركة مستوردة تخلق دورة اقتصادية في المغرب وتشغل عددا كبيرا من اليد العاملة.. ويجب أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار”.
أتمنى أن ننظر للمستقبل: هل من مصلحة المستهلك المغربي أن يشتري فقط المنتوج الأوروبي؟ هل من مصلحتنا ربط المستهلك المغربي بالسيارات الأوروبية وحدها؟ مع العلم أنه لا توجد اليوم أية دولة في العالم تربط نفسها بالماركات الأوروبية فقط، هكذا يتحدث عبادة، ويفند القول بأن السيارات الآسيوية أقل جودة من نظيرتها الأوروبية، ويؤكد: “الحكومة لها مركز المصادقات والمطابقات.. والمستهلك يجب أن تكون له الفرصة للحكم على المنتوجات.. “هيونداي” و”كيا” تبيعان 8 ملايين سيارة في العالم، “هيونداي” الأولى في أمريكا.. هل تعتقدون أن هذا النجاح اعتباطي؟.. “طويوطا” اليوم هي أول علامة تجارية في العالم وتسوق 10 ملايين سيارة في السنة.. نترك لكم فرصة تقييم سبب هذا النجاح.
هكذا يلخص عبادة مشكلة السيارات الآسيوية في المغرب، ويؤكد صعوبة المنافسة، ويقول إن بعض المسؤولين يرفضون مراجعة التعريفة الجمركية على السيارات الآسيوية، بدعوى عدم الرغبة في المس بمداخيل الميزانية العامة، لكن عدم استمرار العلامات الآسيوية يعني غياب المداخيل نهائيا.. كلام نصر قد لا يلقى ترحيبا من لدن مروجي السيارات الأوروبية الصنع، ولكنه يتمنى إعطاء الفرصة للمستهلك من أجل الحكم: “المستهلك هو الذي يجب أن يحكم”.