تقرير | هل يتم تفكيك البوليساريو بعد تصنيفها منظمة إرهابية ؟

عرف ملف الصحراء المغربية متغيرات سياسية وأخرى على الأرض، وعلى ضوء ما تعرفه منطقة الساحل من هجومات المنظمات الإرهابية، وخاصة على محور مالي-موريتانيا وبوركينا فاسو-النيجر، تعرف القضية تحركات دبلوماسية على أكثر من صعيد، وآخر التطورات أن الولايات المتحدة تدرس تصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية لما تشكله هذه المرتزقة من تهديد للاستقرار في إفريقيا، وخاصة في غرب القارة ومنطقة الساحل، وهو ما سيشكل منعطفا سياسيا ستكون له تداعيات إيجابية على المغرب والدول الداعمة لمغربية الصحراء، بالمقابل ستكون له تداعيات سلبية كثيرة على أنصار البوليساريو، وخاصة جنوب إفريقيا والجزائر..

إن تصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية – إن تحقق – سيعيد حتما الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، سواء على مستوى المغرب العربي أو منطقة الساحل والغرب الإفريقي، وربما سيعيد رسم بعض الحدود، خاصة بين موريتانيا والجزائر ومالي.. ففي ظل التطورات الحالية، يبدو أن ملف الصحراء المغربية مقبل على تغيرات جذرية قد تعيد رسم ملامح المشهد السياسي في المنطقة، ومع تصاعد التوترات، خاصة ما وقع بداية شهر يناير الجاري على الحدود بين مالي وموريتانيا من طرف تنظيم “القاعدة” الذي تبنى الهجوم الذي استهدف 30 شاحنة مغربية للتصدير، وبعدها حادثة اختطاف سائقين مغاربة لشاحنات النقل الدولي للبضائع على الحدود بين بوركينافاسو والنيجر، ومعلوم أن عددا كبيرا من أفراد المنظمات الإرهابية تكونوا وتدربوا على يد ميليشيات البوليساريو وانضموا للعمل ضمن جماعات مسلحة تنشط فوق التراب الإفريقي، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية بالخصوص تضع نصب أعينها تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية، بعدما تمادت الجبهة في خططها التخريبية بالمنطقة، مقابل النجاحات الدبلوماسية المغربية في ملف الصحراء وقرب استغناء كل دول القارة عن الجبهة الانفصالية.
وحسب خبراء في موضوع الجماعات الإرهابية، فقد أكدوا غير ما مرة على وجود علاقات للجماعات المتطرفة بشمال إفريقيا ودول الساحل الإفريقي مع البوليساريو، وأن العديد من المجموعات تدربت على أيدي ميليشيات الجبهة قبل أن تنضم إلى تنظيمات “القاعدة” و”داعش” التي تنشط في المنطقة، كما أكد واحد من المختصين في الحركات المتطرفة، وهو الخبير المصري ماهر فرغلي، أن “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي يضم عناصر تأتي من الصحراء من جنوب الجزائر والجنوب الليبي.. فتاريخيا نجد عناصر ومجموعات تلقت تدريبات أو انتمت إلى جبهة البوليساريو ثم عادت وانضمت إلى التنظيمات الجهادية بالمنطقة، مثل أبو وليد الصحراوي الذي كان زعيما لداعش في الساحل والصحراء، جاء من البوليساريو”، ثم إن خلية “فتح الأندلس” التي ظهرت سنة 2008، كان أعضاؤها موجودين مع البوليساريو، والأمر نفسه بالنسبة لمنظمة “الخلافة” سنة 2009، التي بايعت تنظيم “داعش” سنة 2015، وأكد نفس الخبير في ندوة بعنوان “الحركات الدينية والحقل السياسي: أي مصير؟”، نظمت خلال موسم أصيلة الثقافي، أن “التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة، أصبحت تعمل وفق شكل مُعولم بتوجيه من زعيمها سيف العدل محمد صلاح الدين زيدان، الذي يستقر في طهران ويعمل على تنفيذ مخططات في شبه تحالف مع إيران”، وهو ما يؤكد تواطؤ “حزب الله” اللبناني، الذي يشتغل تحت إمرة إيران، مع ميليشيات البوليساريو وتنظيم تداريب عسكرية مشتركة بمساعدة الجزائر، وسبق أن ندد بها المغرب في عدة مناسبات لما تشكله من تهديد حقيقي للاستقرار والأمن.
وفي هذا الإطار، فقد تلقى المغرب بارتياح كبير اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار الأممي رقم 2756، المعتمد يوم 31 أكتوبر 2024، والقاضي بتمديد عمل بعثة “المينورسو” في الصحراء لمدة سنة أخرى إلى غاية 31 أكتوبر 2025، وهو القرار الذي جاء في إطار دعم مبادرة الحكم الذاتي التي أعلن عنها المغرب في سنة 2007 كحل سياسي جاد وذي مصداقية لقضية الصحراء التي عمرت لما يزيد عن نصف قرن من الزمان، كما أكد القرار أن الموائد المستديرة هي الإطار الوحيد للوصول إلى حل سياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
وقد حمل القرار تطورين مهمين يعززان موقف المغرب، يكمن الأول في ترحيب المجلس بالدينامية الأخيرة التي تقوم بها الدبلوماسية المغربية، ما يعني أن الأمم المتحدة تتبنى المسار الذي يقوده الملك محمد السادس لترسيخ الوحدة الترابية للمملكة ومبادرة الحكم الذاتي، ويتعلق الأمر الثاني بدعوة مجلس الأمن الدولي الأطراف الأخرى المعنية بالنزاع، إلى تجنب الأعمال التي قد تعرقل العملية السياسية، وهو ما يتبناه الموقف الرسمي للمغرب، مؤكدا أنه لا عملية سياسية بدون احترام لوقف إطلاق النار.
والحديث عن تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية لم يأت من فراغ أو بقرارات جائرة، وإنما نتيجة تمادي الجمهورية المزعومة في افتعال الأزمات في المنطقة، وبالخصوص مع المغرب، بناء على رغبة صنيعتها الجزائر وداعميها المانحين لملايير الدولارات التي استنزفتها البوليساريو من أجل حلم غير مشروع في تأسيس دولة على حساب الأراضي التاريخية للمملكة المغربية وهي تحتجز آلاف المغرر بهم في مخيمات تندوف والرابوني دون أدنى شروط العيش الكريم، وهو ما كان موضوع تقارير حقوقية عديدة رصدت جميع أنواع الانتهاكات في حق المحتجزين ونهب والاستيلاء على المساعدات الدولية، محمية في ذلك بالدول التي كانت تعترف بوجودها، إلا أن توالي سحب الاعترافات بالجبهة الانفصالية حصرها في الزاوية الضيقة في عالم لم يعترف إلا بالدول ذات السيادة، الدول التي تعمل وفق القانون لا الكيانات التي تعمل على خلق الفتن والحروب بالوكالة، وهو ما يعبر عن وضعية البوليساريو ككيان مصطنع من أجل زعزعة استقرار الدول وتغذية الجماعات المسلحة التي تنشط في المنطقة.
وقد ازدادت في الآونة الأخيرة المطالبات بتصنيف البوليساريو منظمة إرهابية، وأصبحت هذه الدعوات تجد دعما متزايدا من قبل دول ودبلوماسيين وسياسيين وحقوقيين من مختلف الدول، خاصة بعد اعتقال ناشطة انفصالية مؤيدة لجبهة البوليساريو، من طرف السلطات الإسبانية، في جزيرة مينوركا بمنطقة البليار، بتهم تتعلق بجرائم خطيرة بعد جمع أدلة تثبت تورطها في الإشادة والتحضير لأنشطة إرهابية تستهدف المصالح المغربية في المنطقة، وهذه الواقعة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ما لم يتم وضع حد للجبهة الانفصالية بتصنيفها تنظيما إرهابيا وتجريدها بالتالي من الأسلحة والذخيرة التي تستعملها في عملياتها العدائية، ووقف التمويل والدعم عنها من طرف الدول التي ترى في وجود البوليساريو في أراضي جزائرية جنوب المغرب ورقة سياسية تستخدمها أينما وحيثما وجدت المصلحة، مصلحة سياسية كانت أو تجارية، وهو ما يعني أن تأسيس البوليساريو لم يكن إلا بهدف استخدامها عند الحاجة وأكبر الحاجات كانت من عند الجارة الجزائر، التي بات يزعجها النجاح المغربي في طرد البوليساريو من المحافل الدولية وتضييق الخناق عليها من خلال تزايد الاعترافات بمغربية الصحراء مقابل سحب الاعتراف بالجبهة.
ويسجل التاريخ إمعان البوليساريو في مضايقة المغرب في أرضه منذ سنة 1973، تاريخ تأسيس هذا الكيان، ومواجهة ذلك من طرف المغرب بكل الوسائل الدبلوماسية والقانونية في إطار الأمم المتحدة وكذا الاتحاد الإفريقي، خاصة بعد عودة المغرب إلى ملء كرسيه الذي تركه شاغرا منذ سنة 1984، بعدما تم منح مقعد لتنظيم البوليساريو من طرف منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك، وها هو المغرب يخطو بعزيمة قوية نحو طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي لعدم قانونية وجودها ضمن الدول ذات السيادة، إذ لا يمكن الاستمرار في القبول بوجود مجرد تنظيم كل شغله وعمله هو استخدام الأسلحة، ذلك أن أنشطة البوليساريو لا تندرج في الإطار السياسي وإنما تنحصر في استخدام أساليب العنف والترهيب والاختطافات واعتراض سبيل التجارة الدولية عبر معبر “الكركرات” قبل تحريره في سنة 2020، وهو مما يعزز المطالب بإعادة النظر في وضعها على الصعيد الدولي، لأن ارتباط ميليشيات الجبهة بجماعات إرهابية في منطقة الساحل والصحراء، يدفع نحو ضرورة اتخاذ موقف حازم لتصنيف البوليساريو منظمة إرهابية، وما تنظيم مؤتمرات مكافحة الإرهاب إلا مدخلا قانونيا وسياسيا لتعزيز جهود المجتمع الدولي في وضع حد لنشاط الجماعات المشبوهة، مما سيكون له كبير الدور في حماية الأمن والاستقرار بالمنطقة التي تنشط فيها تلك الجماعات، وهو ما يحرك عددا من الدبلوماسيين الذين يقرون ويطالبون بتصنيف البوليساريو تنظيما إرهابيا، ومنهم جو ويلسون، عضو الكونغريس الأمريكي، الذي قال في جلسة عمومية للكونغرس بتاريخ 15 يناير 2025: “إن جبهة البوليساريو إرهابية.. من المؤسف أن النظام الإيراني والدكتاتورية الشيوعية الكوبية يعملون على زعزعة استقرار غرب إفريقيا مع جبهة البوليساريو الإرهابية التي تشكل تهديدا للمملكة المغربية، شريكة الولايات المتحدة منذ 250 عاما”، وأضاف أن “سجلات نظام الأسد الرئيس السوري المخلوع، تؤكد أن جبهة البوليساريو أرسلت ميليشيات للتدريب في سوريا، كما أن البوليساريو دعت في الأسبوع الماضي إرهابيي حزب العمال الكردستاني، وهي بذلك تهدد حليفنا القديم في حلف شمال الأطلسي، تركيا” يقول السيناتور الأمريكي.
وحسب تقارير استخباراتية أمريكية، فإن “وزارة الدفاع الأمريكية ينتظر أن تعلن في الأشهر الأولى من سنة 2025 عن تصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية، وسط اتهامات للجبهة بممارسة أنشطة تهدد الأمن والاستقرار في دول الساحل والصحراء وفي القارة ككل”، وتشير التقارير إلى “تورط البوليساريو في أنشطة مشبوهة، بما في ذلك ارتباطها بجماعات إرهابية تنشط في منطقة الساحل، بالإضافة إلى تلقيها الدعم من إيران والجزائر”.
ومؤخرا أخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يتحرك في هذا الاتجاه، وفي خطوة تحسب له، قرر سحب الحماية الأمنية عن مستشاره الأسبق في الأمن القومي، جون بولتون، واصفا إياه بـ”المثير للحروب”، إذ كان أحد أكبر معارضي الوحدة الترابية للمغرب داخل الإدارة الأمريكية، وهو ما جعل ترامب يقيله من مهامه سنة 2019، قبل اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، كما ارتبط اسم بولتون بشبكات ضغط تمولها الجزائر لدعم جبهة البوليساريو.
ومن جانب المغرب، الذي لطالما انخرط في استراتيجية محاربة الإرهاب والتطرف وانتظم في مؤتمرات أمنية كبرى لمكافحة الجريمة العابرة للحدود والإرهاب والجماعات المسلحة.. لم يترك السفير المغربي لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، فرصة الاجتماع المنظم شهر يناير الجاري بمقر مجلس الأمن برعاية الجزائر، تحت عنوان: “مكافحة الإرهاب بقيادة إفريقيا والقائمة على التنمية”، لتمر دون أن يسمع صوت المملكة إلى العالم أجمع بخصوص التواطؤ بين بعض الجماعات الانفصالية، وخاصة التي يرعاها النظام الجزائري ومنها البوليساريو، والمنظمات الإرهابية التي تنشط في القارة الإفريقية، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بنظام العسكر في الجارة الشرقية، ودعا هلال المنتظم الدولي إلى ضرورة التعبئة بشكل استباقي من أجل مواجهة ووضع حد للجماعات المتطرفة، التي تقوض السلام والأمن وسيادة القانون، وركز – في مداخلته – على العلاقة الوثيقة بين النزعة الانفصالية والإرهاب والجريمة العابرة للحدود التي لها عواقب خطيرة على السلم والأمن في إفريقيا، وخاصة في غرب القارة ومنطقة الساحل.
ورغم كل هذه التحركات ضد البوليساريو، إلا أنها لا زالت ماضية في عملها الاستفزازي وقد هددت مؤخرا موريتانيا بسبب تطور علاقاتها الاستراتيجية مع المغرب من خلال الانضمام لمبادرة الأطلسي، حيث قالت صحيفة “لارزون” الإسبانية نقلا عن القيادي في الجبهة، البشير مصطفى السيد، أن “أبواب النار ستفتح على موريتانيا إن هي أقدمت على فتح معبر حدودي بين السمارة ومنطقة بير أم كرين شمال موريتانيا في إطار اتفاقات التعاون بينها وبين المغرب”، معتبرا أن “فتح معبر بين البلدين يعني اعتراف موريتانيا بشكل صريح بحدودها مع المغرب”، مهددا أن يؤدي ذلك إلى إشعال نزاع في المنطقة.
كما أن المطالبة بتصنيف البوليساريو في خانة الإرهاب ليس جديدا.. فقد سبق أن دعت فعاليات حقوقية وسياسية ومجتمع مدني في المغرب، إلى اعتبار الجبهة الانفصالية منظمة إرهابية، اعتبارا لأعمال العنف والهجومات المسلحة التي تشنها ميليشياتها على مدن مغربية بين الفينة والأخرى، ومنها أحداث السمارة سنة 2023، وأحداث متفرقة في المنطقة العازلة، ثم اعتراض سبيل التجارة عبر معبر “الكركرات”.. إضافة إلى مشاركة الجبهة – بدعم من الجزائر – في مؤتمرات ومنتديات عالمية من أجل إضفاء شرعية مزعومة على كيان وهمي صنعته الجزائر ضدا على القانون الدولي بمقدرات الشعب الجزائري، وهو ما يضع الجزائر اليوم على المحك، وفرض عليها عزلة قاتمة في محيطها، ويهدد بالتالي استمرار علاقاتها مع كل من فرنسا وإسبانيا، ناهيك عن افتضاح أمرها في دعم الإرهاب في منطقة الساحل خاصة مع مالي، وتسخير البوليساريو لعرقلة المسار الدبلوماسي للمغرب في ترسيخ وحدته الترابية، معتمدة في ذلك على الدعم الذي تتلقاه من قبل الدول التي لا يروقها استقرار المنطقة، ليبقى لها موطئ قدم من أجل المصالح السياسية والاقتصادية.
وقد أدت هذه الوقائع مجتمعة، إلى دمج جبهة البوليساريو في شبكة أوسع تهدد استقرار شمال إفريقيا، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى تبني موقف أكثر صرامة ضدها، حيث تشارك بقيادة الرئيس القديم الجديد ترامب، في جهود أوسع نطاقا من أجل تعزيز الأمن في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، خاصة بعد القرار التاريخي باعتراف دونالد ترامب بمغربية الصحراء سنة 2020، سعيا إلى الحد من نفوذ الجماعات المسلحة وشبكات الدعم المرتبطة بها، وعليه، فإن الأطراف المعنية ستحتاج إلى إعادة النظر في استراتيجياتها لضمان استقرار المنطقة ومنع تصاعد الأزمات، وربما تكون أولى الخطوات تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية ونزع السلاح عنها لتخليص المنطقة من كيان تم تأسيسه فقط من أجل زعزعة استقرار المغرب بالدرجة الأولى.