تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | فاجعة سد المختار السوسي تفضح إهمال الحكومة لضحايا حوادث الشغل

خلفت فاجعة وفاة خمسة عمال في ورش بناء سد المختار السوسي بإقليم تارودانت استياء كبيرا، حيث أعادت إلى الواجهة حوادث الشغل التي تقع في الأوراش العمومية والخاصة، حيث لقي العمال من بينهم قريب وزير، حتفهم داخل النفق الذي تحول إلى ركام بسبب انفجار قنينة غاز كانوا يستعملونها في أشغال صيانة السد.

وقد وجد العمال أنفسهم محاصرين داخل النفق بعد انهيار الأتربة عليهم، مما جعل عملية الإنقاذ صعبة من قبل الوقاية المدنية التي قامت بمحاولات رفقة الدرك الملكي لإخراج العمال، لكن غياب وسائل السلامة في النفق الضيق الذي يبلغ طوله 360 مترا، حالت دون الوصول إليهم في الوقت المناسب.

إعداد: خالد الغازي

تتمة المقال تحت الإعلان

    كشفت حادثة سد المختار السوسي بتارودانت، ضعف مراقبة الأوراش، مثل السدود والملاعب والمصانع والمناطق الصناعية، من قبل الوزارة الممولة لهذه المشاريع، إلى جانب وزارة التشغيل، بسبب عدم القيام بإجراءات المراقبة والمتابعة لشروط السلامة من قبل المقاولات، حيث فضلت وزارة التجهيز التملص من مسؤوليتها من هذه الفاجعة، من خلال اتخاذ تدابير متأخرة لإلزام الشركات المتعهدة بحماية العاملين المتواجدين في مواقع الأشغال، مما يبرز أن الوزارات تظل في سبات عميق إلى حين وقوع إحدى الحوادث أو الكوارث للتحرك بعد وفاة الضحايا.

وتعيد حادثة سد المختار السوسي إلى الواجهة مشروع القانون 18-12، المتعلق بحوادث الشغل، والموجود في خزانة البرلمان منذ 9 يناير 2024، في ظل معاناة العمال ضحايا حوادث الشغل وهزالة التعويضات الممنوحة للضحايا ولذوي الحقوق، حيث لا زالت الحكومة غير جادة في مناقشة هذا القانون الهام، إلى جانب قانون الصحة والسلامة في أماكن العمل، والذي لا يلقى أي اهتمام من قبل الحكومة خلال الولاية الحالية، مما يطرح التساؤل: لمصلحة من هذا التماطل والتأخير في إخراج هذه القوانين المنصفة للعمال، هل للباطرونا وأصحاب المقاولات، أم لفائدة شركات التأمينات ؟

في هذا الإطار، حمل علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءة، التي يترأسها يونس السكوري، حملها المسؤولية الكاملة في غيابها التام عن مراقبة احترام السلامة المهنية، معتبرا أن حوادث الشغل بالمغرب حصدت أرواح عمال وعاملات في عدة قطاعات صناعية وفلاحية، بسبب استهتار عدد من الشركات والمقاولات بمعايير الصحة والسلامة المهنية، وعدم الالتزام بالتشريعات والقوانين المنظمة لها، فغالبا ما يكون هاجسها تقليل التكاليف وتحقيق المزيد من الأرباح على حساب سلامة وحياة العمال والعاملات بتشغيلهم في ظروف وبيئة عمل قاسية تفتقر للحد الأدنى من السلامة وأمن العمال، وتشكل تهديدا لحياتهم.

تتمة المقال تحت الإعلان

وقال علي لطفي: “مرة أخرى تطفو على السطح مسؤولية وزارة التشغيل، التي  بدل أن تفرض على الشركات، التي تحصل على صفقات بالملايير، احترام السلامة المهنية والتزامها باتخاذ كامل الاحتياطات لحماية حياة وصحة العمال وسلامتهم، وتنظيم المراقبة على الأوراش الكبرى كبناء السدود والقناطر والأنفاق والملاعب الكبرى والمعامل والأوراش الصناعية، لحماية حقوق العمال وضمان أمنهم وسلامتهم، اختارت إسكات صوت العمال وحقهم حتى في الاحتجاج ضد ظروف العمل والاستغلال بفرض قانون يجرم حقا دستوريا، وهو حق الإضراب، دفاعا عن سلامتهم وحقوقهم المشروعة في بيئة عمل آمنة وسلامتهم ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية”.

وأضاف لطفي أن فاجعة سد المختار السوسي بإقليم تارودانت، التي راح ضحيتها خمسة عمال أثناء قيامهم بعملية إصلاح في قلب نفق على عمق 400 متر بنفس السد، وقعت لعدم احترام شروط السلامة المهنية وكانت بأدوات تقليدية وخطيرة، خاصة وأنهم يشتغلون في بيئة مضغوطة تحت الأرض معرضون فيها لخطر الإصابات المميتة، رغم أن العمل في المساحات الموجودة تحت الأرض أو الأنفاق، والتي يكون الهواء فيها غير معروف، مما يتطلب وجوبا التزاما صارما بقواعد السلامة للعمل بأمان ويحظر دخول هذه الأماكن دون جهاز تنفس وضرورة توفير حزام أمان لتأمين العمال الذين بالداخل من طرف الآخرين خارج النفق، وفي حالة وقوع حادثة من الضروري التصرف بسرعة لإنقاذ الأرواح، مشيرا إلى أن الموت بأماكن العمل أصبح جزء من ظاهرة ضخمة يعرفها المغرب من أجل تعظيم أرباح الشركات واستغلال العمال دون وازع أخلاقي، آلاف الأشخاص يتوجهون يوميا إلى مراكز عملهم ولا يعودون إلى عائلاتهم مساء، بسبب حادثة شغل تودي بحياتهم.

وأكد الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن المغرب يعرف خسائر بشرية سنوية تتجاوز 2000 وفاة بسبب حوادث الشغل وعشرات الآلاف يصابون بإعاقات دائمة، إضافة إلى إصابة ملايين العمال بأمراض مهنية مزمنة وأخطار متنوعة في بيئة العمل غير المناسبة، فضلا عما تتركه هذه الأمراض والحوادث من أثار نفسية كبيرة على العمال وأسرهم مقابل تعويضات هزيلة للضحايا ولذوي الحقوق، حيث يسجل مكتب العمل الدولي، 47.8 حادثة شغل مميتة لكل مائة ألف عامل، ومعدل مخاطر في مجال حوادث الشغل أكبر 2.5 مرة من معدل المخاطر في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، داعيا إلى التحقيق في فاجعة تارودانت وتجنب حوادث الشغل القاتلة من خلال الالتزام بمعايير السلامة المهنية وتوفير بيئة عمل آمنة، خاصة وأن المغرب يعرف أوراشا كبرى في عدة مناطق على الحكومة وضع خطة واستراتيجية وطنية لحماية حياة العمال وصحتهم كأولوية قصوى، وذلك بفرض استعمال التجهيزات والتقنيات الحديثة في أوراش البناء.

تتمة المقال تحت الإعلان

من جانبه، أكد الفاعل النقابي الحسين اليماني، عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن فاجعة سد المختار السوسي تنضاف إلى فواجع سابقة حصلت في السنوات الماضية، ولكن خصوصية هذه الحادثة أنها وقعت في منشأة عمومية تابعة للدولة، والتي يجب أن تكون حريصة ونموذجا في الحفاظ على أرواح العمال وتوفير الشروط الأساسية للسلامة وحفظ الصحة، إلا أنه عند وقوع حادثة من هذا النوع، تنكشف المشاكل التي يعرفها المغرب في هذا المجال، لاسيما وأن الإحصائيات تشير إلى وقوع حوادث شغل ذات طبيعة قاتلة أربع إلى خمس مرات، مذكرا بحوادث سابقة، مثل مصنع “روزامور” بالدار البيضاء، وحادثة وفاة عمال وعاملات بمصنع غير مرخص بطنجة، حيث أن جميع أنواع الموت في العمل وقعت في المغرب سواء الاختناق أو الاحتراق أو الصعق الكهربائي، وبالتالي، فالدولة لا تتحمل مسؤوليتها في هذا المجال.

وأوضح الحسين اليماني أن السبب في حصول مثل هذه الحوادث المتكررة هو محاربة العمل النقابي الجاد من داخل المقاولات، لأنه بإغلاق أبواب المقاولة لا توجد مراقبة مستمرة من قبل المفتشين والمسؤولين، ولكن تكون حاضرة حينما يكون العمال منظمين في إطار نقابة تكون لديهم قوة التبليغ وإثارة الانتباه إلى هذه الاختلالات، والملاحظ أن المنحى الذي نسير إليه داخل المغرب، هو قتل القوة المضادة داخل المقاولة وندفع باتجاه العمل خارج القانون واستباحة أرواح الناس، معتبرا أن المشكل في المغرب يكمن في تطبيق القانون وليس في إخراج القوانين، ولا نتحرك إلا عندما تقع كارثة، بسبب عدم احترام المقاولة لشروط السلامة وحفظ الصحة.

وواصل المتحدث موضحا أن التعويضات المنصوص عليها في قانون حوادث الشغل، الذي يجري الحديث عنه في البرلمان من أجل تنزيله، لا ترقى إلى مستوى تعويض الإنسان عن فقدان القريب أو المعيل، ولكن ما نراه قبل الوصول إلى الحوادث وإزهاق الأرواح وحصول إصابات، أغلبها تؤدي إلى العجز بشكل كلي أو جزئي، هو أنه لا توجد آلية للمراقبة والتدخل لضمان شروط السلامة في مقار الشغل، وهنا يكمن دور ممثلي العمال والنقابات، التي يجب أن تقوم بدورها داخل المقاولة، لأنها الجهة المراقبة الأولى قبل تدخل سلطات المراقبة، وما حصل في منشأة عمومية بسد المختار السوسي يتطلب من الدولة أن تحمي أرواح الناس وتوفر شروط السلامة قبل الشروع في الأوراش والعمل.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى