الحقيقة الضائعة

الحقيقة الضائعة | الجيش الفرنسي.. أمام قبائل زيان وأولاد حريز وبني مسكين

المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية "الحلقة 109"

تفاجأنا في “الأسبوع” بكم هائل من رسائل القراء، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطالبنا بالاستمرار في نشر كتابات مؤسس جريدتنا، المرحوم مصطفى العلوي.

وتلبية لطلب هؤلاء القراء الأوفياء المتعطشين لصفحة “الحقيقة الضائعة” التي غابت عنهم هذا الشهر، تعود هذه الصفحة بقلم الراحل مصطفى العلوي لتقديم جزء مما تركه من مؤلفات ذات قيمة تاريخية.

كتاب “المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية” الذي صدر في خمسة أجزاء، نستهلها بنشر الجزء الأول الذي يهتم بالمراحل التي كان عليها المغرب قبل الاحتلال، أيام السلطان الحسن الأول، ثم مراحل الاحتلال، ومراحل مقاومة الاحتلال، ثم الاستقلال في الأجزاء التالية، حيث سيجد القارئ عناصر تنشر لأول مرة.

تتمة المقال تحت الإعلان
بقلم: مصطفى العلوي

    عندما جاءت أخبار تاكانت في موريطانيا تفيد بأن جيوشا صحراوية ترتدي الأردية الزرقاء تخوض معارك ضد جيوش الاحتلال الفرنسي في موريطانيا، والإسباني في الصحراء الغربية وطرفاية، أصبح الفرنسيون في الشاوية والدار البيضاء ووجدة، مرغمين على استعمال الوسائل الكبرى حتى لا يتطور الموقف إلى ما كان يتوقعه النواب الفرنسيون المعارضون لفكرة الاحتلال.. احتلال ربما كان ذا نتائج عكسية.

وبينما كانت الجيوش الفرنسية قد فرضت وجودها في الشاوية وزعير وسطات والجديدة والدار البيضاء، واتجهت نحو الشمال، قرر المولى عبد الحفيظ الخروج من موقفه على ضفاف نهر أم الربيع، حيث كان يستمد القوة من مراكش، وفي يوم ثاني أبريل 1908، كانت عدة سفن قد تم صنعها مستعدة لنقل مولاي عبد الحفيظ وجنوده عبر نهر أم الربيع نحو الضفة الشمالية، نحو المغامرة، نحو الجهاد، نحو المصير المجهول.

وعند وصول الجيوش الحفيظية إلى الضفة الشمالية من نهر أم الربيع، وجد في استقباله الزعيم البوعزاوي على رأس ما تبقى من جيوش الجهاد وفي الشاوية، وكان ينقص الزعماء الحاضرين واحد من قادة الجهاد هو القايد المتوكي، الذي عرف مولاي حفيظ بأنه تعب واعتزل، وكانت صدمة للمولى عبد الحفيظ لم يعوضها إلا توصله برسالة لا تخلو من أهمية استراتيجية، رسالة بعث بها الزعيم البربري حمو وعقا، قائد زيان، الذي أعلن الحرب ضد الاحتلال في جيوش المولى عبد الحفيظ.

تتمة المقال تحت الإعلان

وكان المخطط الفرنسي يقضي بعدم المواجهة مع مولاي حفيظ، وإنما مواجهته بالمناورة والمكر وحرب الأعصاب حتى تتحطم أعصابه وتنهار جيوشه، وبدأوا هذا المخطط بالتعسكر في الممرات التي سيعبرها موكبه، فإذا تقدم عرفوا قوة جيوشه، وإذا تأخر عرفوا ضعف موقفه.

ولكنه في يوم 12 أبريل، تقدم وسط ألف عسكري بين الشاوية وبني مسكين واتجه نحو بير أكلو قرب دار الخمليشي، واستقر إلى يوم 22 أبريل، يفكر هل يستمر في طريقه نحو فاس لطرد المولى عبد العزيز وكسب معركة نفسانية سياسية، أم يستمر في ضرب الفرنسيين ويترك المولى عبد العزيز للزمن.

لكن القبائل كانت تتهافت عليه لدعمه في أي معركة يريدها، وفي يوم 22 أبريل، وصلته قبائل المزامزة وأولاد حريز، وأولاد بورزق، والكل مصمم على الجهاد.

تتمة المقال تحت الإعلان

ورغم أن الفرنسيين حاموا حوله مهددين يوم 24 أبريل.. إلا أنه تحداهم واستمر في مسيرته مصمما على الالتحاق بزيان، حيث كان ينتظره حمو وعقا الزياني.

وخرج به من تفكيره وإصراره اجتماع عقده مع علماء جاؤوا من فاس معه في “صخرة الدجاجة”، فهل جاؤوا طرفا في المناورة الفرنسية، أم طرفا في المناورة العزيزية، أم منهزمين وانهزاميين؟ وبالمناسبة فكم من أدوار انهزامية لعبها بعض العلماء في تاريخ المغرب.. المهم أن المولى عبد الحفيظ قرر بعد هذا الاجتماع أن يعلن إيقاف القتال ومهادنة الفرنسيين لفترة محدودة يتمكن خلالها من الوصول إلى فاس لحل مشكل الخلاف مع أخيه ومراجعة الموقف على ضوء هذه الأحداث، وتكفلت بعض الأجهزة الخفية بإذاعة هذا الخبر ونشره وتوزيعه: “إن سلطان الجهاد هادن الفرنسيين”.

وطبعا، كانت إشاعة هذا الخبر غلطة جنى منها ناشروها شر النتائج.

تتمة المقال تحت الإعلان

فهيهات أن يهادن المغاربة الفرنسيين، خصوصا وأن الهدنة كانت من طرف واحد، إن الهدنة بالنسبة للفرنسيين تعني الاستسلام، لكن من يستسلم ؟

لقد توجهت جيوش الفرنسيين يوم 4 مايو 1908 عند بعض قبائل الشاوية تطلب الاستسلام في إطار الهدنة، وفي يوم 12 مايو، أجاب الشاويون والمذاكرة على الطلب الفرنسي بهجوم كبير شنته فرق مشتركة في واد امزابرن من قبائل الشاوية: المذاكرة، أولاد امحمد، عشعاش زعيم، بني خيران، وزيان، كما شاركت فيها فصائل من جيوش ماء العينين.

لكن الجنرال داماد اعتبرها فرصة مواتية للقضاء على النخبة التي بقيت تتبنى الجهاد وتمثل المقاومة الحقيقية، فاستطاع أن يسجل على هذه الجيوش انتصارا ساحقا أبرق في أعقابه إلى فرنسا برقية مشهورة يقول فيها: “لقد انتهت المقاومة”.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأصبح “واد النجا” مقبرة لما تبقى من المقاومين المغاربة في نظر الجنرال داماد، الذي أعلن نقل قيادته العليا لمركز بوزنيقة، أي أن الطريق قد فتحت إلى الرباط.

أول استعراض عسكري فرنسي في المغرب

    يعتبر نقل القيادة العسكرية للجنرال داماد إلى بوزنيقة تحولا كبيرا في تاريخ الاستعمار الفرنسي للمغرب، وتحقيقا لنصر كبير سجلته التخطيطات العسكرية الفرنسية بالمغرب، ذلك أن بوزنيقة أصبحت مع نهاية شهر أبريل 1908، العصب المفكر للاحتلال، فيها تنطلق فيالق الجيوش وفيها تتجمع المعلومات، ثم تتوزع الأوامر وتتفرق المهمات للمراقبة والجاسوسية وإصدار أوامر التصفية الجسدية لبعض المعارضين، وهذا الأسلوب الأخير كان شائعا جدا، ذلك أن بوزنيقة تعتبر الموقع الاستراتيجي الذي يمكن منه الاتصال بسهولة، خصوصا في وقت لم تكن فيه طريق معبدة ولا وسائل اتصال سريعة، فتتم مراقبة قبائل الزيايدة بواسطة مركز بنسليمان، حتى إلى الكارة التي سمیت آنذاك بوشرون، وابن أحمد وسطات.

تتمة المقال تحت الإعلان

وقرر الجنرال داماد تتويج عمله بإقامة أول استعراض عسكري في أهم شارع بالدار البيضاء يوم 5 يونيو 1908، حيث تم استعراض سبعة آلاف جندي أمام منصة كبرى جلس عليها سفراء وقناصل الدول الأوروبية وضباط سامون جاؤوا خصيصا من إسبانيا، كما لوحظ في المنصة حضور خليفة السلطان مولاي عبد العزيز، الأمير مولاي الأمين، الذي كان “يا حسرة” منذ شهور قليلة بجانب قوات المجاهدين، وكان هدف ذلك الاستعراض إعطاء البيان القاطع على الانتصار الفرنسي في قلب الدار البيضاء، معقل الجهاد والمقاومة، وكان أول من تأثر بذلك الاستعراض المولى عبد العزيز، الذي وصلته أخبار الاستعراض وهو في الرباط فشعر بالأمان والاطمئنان إلى أن قوة أخيه المولى عبد الحفيظ لن تصمد طويلا أمام العساكر الفرنسية.

بينما لا يختلف اثنان في أن الاستعراض كان يدخل في إطار مخطط تكريس التفرقة والضرب بعنف على نفسية العناصر المغربية على اختلاف أنواعها واتجاهاتها.

وقد سارع المولى عبد العزيز أمام أفكاره إلى إعادة تنظيم جيشه ووضع على رأسه أحد أبطال الحرب، القايد بوشتى بن البغدادي، الذي أعطى البرهان على وفائه للمولى عبد العزيز أثناء المعارك التي خاضها ضد بوحمارة، وكان عدد جيش بوشتى بن البغدادي ستة آلاف رجل، ولم يفرح القايد الجديد بتسميته إلا قليلا.. فقد كانت أولى مهامه هي التوجه إلى فاس لمحاربة مؤيدي المولى عبد الحفيظ وعلى رأسهم القايد العمراني، ومنع مولاي حفيظ من دخول المدينة العلمية.

تتمة المقال تحت الإعلان

 

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى