تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | انتصار الولاة والعمال على المنتخبين يعوض الانتقال الديمقراطي بانتقال سلطوي

بين الشرعية الإدارية والشرعية الانتخابية

لازالت العلاقة بين المنتخب والمعين غير واضحة للرأي العام، خصوصا لدى الساكنة، في ظل نفوذ وتحكم المسؤول الترابي، سواء الوالي، أو العامل.. في قرارات الرئيس المنتخب رئيس جهة كان أو عمدة، أو رئيس مجلس إقليمي.. في إطار سلطة الرقابة والتتبع أو الوصاية التي لا زالت مستمرة، رغم أن لكل طرف صلاحياته المحددة بموجب القوانين المعمول بها، لضمان الاستقلالية والدفع بعجلة التنمية المحلية.

إعداد: خالد الغازي

    يجد العديد من رؤساء مجالس المدن الكبرى والجهات ومجالس العمالات، أنفسهم مرغمين على أخذ الضوء الأخضر من الوالي أو العامل لتمرير الميزانية أو اقتراح البرامج أو المشاريع التنموية، أو سيصطدمون بعراقيل أو صعوبات في حالة ممارسة مهامهم باستقلالية تامة عن رجال وزارة الداخلية، وقد برز ذلك في عدة مدن، لاسيما عند ترؤس رؤساء محسوبين على أحزاب المعارضة أو في الولاية السابقة، عندما كان رؤساء الجماعات والجهات ينتمون لحزب العدالة والتنمية أو بعض أحزاب اليسار مثل الاشتراكي الموحد، وغيره..

تتمة المقال تحت الإعلان

اليوم، يظهر جليا تحكم الولاة والعمال في تدبير شؤون المدن الكبرى، وفرض سياستهم وقراراتهم على عُمَد هذه المدن وفي بعض الأحيان ربما هم من يفرضون بعض المشاريع والبرامج، بحيث يتم التركيز على المشاريع الكبرى والبنيات التحتية الكبرى مثل إعادة إصلاح الملاعب والطرقات الكبرى وبناء مركبات رياضية (قاعات مغطاة) بميزانية مالية تفوق الملايير، على حساب المشاريع المرتبطة بالساكنة مباشرة، أو برامج هيكلة الأحياء والشوارع، وتجديد قنوات الصرف الصحي، ودعم القطاع الصحي، وخلق فرص للشغل، وغيرها من البرامج ذات الطابع الاجتماعي.

فمثلا على مستوى جهة الدار البيضاء سطات، تظل سلطات وقرارات الوالي محمد امهيدية أقوى من مجلس المدينة وعمدته نبيلة الرميلي، بحيث فرض سياسته وأولوياته على المجالس منذ تعيينه على رأس الولاية، من أبرزها إعادة تهيئة وإصلاح مركب محمد الخامس، وإنجاز المركب الكبير في بن سليمان عبر إطلاق الدراسات التمهيدية، ومحاربة دور الصفيح، والمنازل الآيلة للسقوط، مما يشير إلى أن مجالس الجهات أو المدن أصبحت خاضعة لسلطة الوالي، والمشاريع باتت من اختصاص الحكومة عبر المسؤول الترابي.

نفس الشيء على صعيد جهة الرباط، حيث يفرض الوالي محمد العقوبي قراراته وسياسته ومنهجية عمله على رؤساء مجالس المدن، لاسيما في الرباط وسلا وتمارة، وحتى مجلس الجهة، نظرا لسلطته الترابية ونفوذه المطلق على الجهة، مما يجعل العديد من الرؤساء يخشون الاصطدام معه أو مخالفة توجيهاته أو أولويات عمله، وهذا ما يؤثر بشكل سلبي على استقلالية المسؤول المنتخب ويحد من صلاحياته وقراراته، وكمثال على ذلك، الإشراف المباشر للوالي على مشاريع البنية التحتية والطرقات في العاصمة الرباط، وإشرافه خلال السنوات الماضية على إنجاز الأنفاق في الرباط وسلا والعديد من المشاريع في العدوتين، والتي تمول من قبل مجالس المدن المنتخبة.

تتمة المقال تحت الإعلان

كما أن هناك عُمد ورؤساء جماعات في مدن أخرى مثل فاس ومكناس ومراكش والقنيطرة، غير قادرين على فرض أولوياتهم على الولاة والعمال، مثل جماعة فاس التي تخضع لسلطة الوالي معاذ الجامعي، وغير قادرة على اتخاذ قرار مستقل لحل أزمة النقل الحضري وفسخ العقد مع الشركة التي تواصل ارتكاب الخروقات أمام أعين المسؤول الترابي، الذي تبقى صلاحياته وقراراته أقوى بكثير من سلطة رئيس مجلس المدينة، نفس الشيء يحدث في مراكش، بحيث أن نفوذ وحضور الوالي فريد شوراق في تنزيل المشاريع والبرامج التي تعرفها المدينة الحمراء، أكثر بكثير من قرارات رئيس الجهة سمير كودار أو العمدة فاطمة الزهراء المنصوري، في ظل المشاكل المتعددة التي تعاني منها المدينة والتي لم تلق طريقها إلى الحل.

مراد الغالي

في هذا السياق، يرى مراد الغالي، المحلل والباحث في الشأن السياسي، أن توزيع السلطات بين المسؤولين المنتخبين والمعينين، يدخل في إطار اللامركزية والجهوية المتقدمة التي تعد من القضايا الجوهرية، والتي تؤثر بشكل فعال على الإدارة الترابية وتحقيق التنمية المستدامة، حيث أن التوزيع بين هذه السلط يتم عبر مجموعة من القوانين والنصوص التشريعية التي تحدد الأدوار والاختصاصات لكل طرف، يعني لا يمكن نتحدث عن هذا الموضوع دون معرفة الأدوار والاختصاصات التي تحددها القوانين والنصوص التشريعية لكل طرف، بهدف تحقيق التوزان بين التمثيل الديمقراطي للمنتخب وفعالية الإدارة التي تعتبر غاية مهمة في أي نظام سياسي معين.

وأوضح الغالي، أن نظام توزيع السلطات يواجه عدة تحديات، من بينها تداخل الصلاحيات، وتداخل المهام بين مسؤولية المنتخبين رؤساء الجماعات والجهات والمجالس، والمعينين الذين هم الولاة والعمال، بحيث يؤدي هذا التداخل إلى صراعات في اتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع التنموية، أو إعاقة مجموعة من المشاريع، إلى جانب إشكالية تتعلق بالمسؤولية والمساءلة، يعني أن المنتخبين يخضعون للمساءلة الشعبية في الانتخابات، عبر الانتخاب العقابي في إطار العلاقة التي تربط المسؤول المنتخب مع المواطنين، والتي تلزمه بالاستجابة للمطالب من أجل الظفر بصناديق الاقتراع، معتبرا أنه في نظام التعيين في السلطة المركزية، يكون المسؤول تحت رئيسه المباشر ولا يخضع للمساءلة أو المحاسبة الشعبية مثل المنتخب.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأكد نفس المحلل السياسي أن أكبر الإشكاليات بين المنتخب والمعين، تتمثل في ضعف آلية التنسيق بينهما، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ في تنفيذ المشاريع التنموية وازدواجية الجهود، ما يؤثر بالتالي على جودة الخدمة، فما يلاحظ اليوم أننا أمام إشكالية حقيقية، إذ يتم إعطاء صلاحيات في آخر المطاف قد لا يتم تنفيذها بشكل مناسب لاعتبارات شخصية انتهازية، أو اعتبارات مرتبطة بأولوية المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وبالتالي، تحاول الدولة أن تضع أساليب للتدبير تراهن على ما أصبح يسمى بالمراقبة والتتبع، وهنا تطرح إشكالية تدبير المصالح المشتركة، التي تبقى مسألة مهمة تتطلب إعداد إطار قانوني لها لمعاجلة تداخل المصالح بين الوالي الممثل الرسمي للدولة، ورئيس الجهة، والعمدة رئيس الجماعة بالمدينة.

وشدد المتحدث ذاته على “ضرورة مراجعة القوانين التنظيمية لتحديد مهام مسؤوليات لكل طرف، سواء المنتخبين أو المعينين، بشكل واضح ودقيق لتفادي التداخل والازدواجية في الصلاحيات، ويجب تعزيز آلية التنسيق بين هذين المسؤولين، عبر تشكيل لجن مشتركة ومنصات التشاور، من خلال آليات الرقمنة التي يمكن أن تساعد في تنسيق العمل لغاية تنفيذ السياسات التنموية، وتضمن نجاح الجهود بين الأطراف.

زهر الدين الطيبي

بدوره، اعتبر الأستاذ في العلوم السياسية والقانون الدستوري، زهر الدين الطيبي، أن المعين مثل الولاة والعمال أو المسؤولية بوزارة الداخلية وقطاعات أخرى، لا بد أن تتوفر فيه شروط شهادات علمية وكفاءة وخبرات في الميدان وغير ذلك، بينما المنتخب لا تشترط فيه هذه الشروط، وفي بعض الأحيان يتم انتخاب أشخاص أميين، بحيث في الولاية السابقة على المستوى المجالس، كان لدينا أكثر من 30 ألف منتخب أمي في الجماعات الترابية، لا يمكن التعويل عليهم في تدبير الشأن المحلي، مضيفا أنه بعد دستور 2011 منحت صلاحيات واسعة لرؤساء الجماعات والمجالس، لكن الإشكال المطروح هو أن هؤلاء الرؤساء غالبا لا يكونون في المستوى المطلوب لتدبير الشأن العام، فهم إما يرتكبون أخطاء في التدبير، أو أنهم لا يستطيعون، بالنظر إلى التحالفات وضبط تلك الصراعات الانتخابية بين الأحزاب السياسية داخل جماعة معينة، القيام بواجبهم نحو الساكنة.

تتمة المقال تحت الإعلان

وقال أن سلطة الوصاية تتدخل في حالة وجود تعثرات أو أخطاء مسطرية، قانونية بالنسبة للجماعة الترابية، والطبيعة لا تقبل الفراغ، وبالتالي، نجد أن عامل الإقليم أو الوالي غالبا ما يحدد هذه المشاريع إذا لم تكن هناك أغلبية داخل المجموعة الترابية، أو هناك مشاكل لم يتم حلها، أو في حالة عدم المصادقة على الميزانية، ومنه سلطة الوصاية تتدخل إلا إذا كان رئيس الجماعة الترابية لا يحظى بإمكانيات تسمح له بتدبير الشأن العام، إما على مستوى التصويت داخل الجماعة أو على الإمكانيات الذاتية الخاصة بتكوينه وخبرته، وهناك مجموعة الجماعات والمجالس يفرض مسار عملها وترتبط بشخصية هذا المنتخب وتكوينه وخبرته ومدى قدرته الدفاع عن مشاريعه أمام سلطة الوصاية.

واستطرد نفس المتحدث أن “الأصل في ضبط هذا العمل وسلطة الوصاية، هو تكامل بين مؤسسة الوالي والعامل ومؤسسة الجماعة الترابية، لأن الأصل في القانون هو التكامل بين السلطة الوصية والجماعات المنتخبة وليس العكس، ولكن عندما يكون رؤساء المجالس في مستوى أقل، تتدخل السطلة الوصية لخدمة مصالح الساكنة، وبالتالي، سلطة المسؤول الترابي لا تتجاوز ما ينص عليه القانون، فأول من يحترم القانون بالنظر إلى تكوينها وخلفيتها معول عليها من طرف القانون لخدمة الشأن العام والصالح العام”.

رشيد حموني

من جانبه يؤكد السياسي والبرلماني رشيد حموني، أن الدستور يتحدث عن فصل السلط وعن توازن بين السلط، وهذا بطبيعة الحال من أجل تعاون سلطة المعين كسلطة تنفيذية، وسلطة المنتخب كسلطة ديمقراطية جاءت بشرعية الانتخابات بأصوات المواطنين، وهي التي تكون أقرب لمشاكل الناس، بحكم المسؤولية التي لديهم، بينما سلطة المعين تأتي من خلال التعيين على المستوى الإداري من أجل تنفيذ سياسات قطاعية أو سياسات حكومية، فيما سلطة المنتخب مهمته تنفيذ المشاريع على مستوى الجماعات الترابية أو الجهات أو المستوى التشريعي والرقابي كالبرلمانيين والمستشارين.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأوضح حموني أن الفصل بين السلط لا يوجد فيه مشكل، لكن الإشكال يكون عند الجمع بين السلطتين، نفس الشخص ينتمي إلى سلطة معينة، ونفس الشخص ينتمي إلى سلطة منتخبة، حيث يكون في هذه الحالة تنافي وتضارب المصالح، وإما خلط في تحديد المسؤوليات، متسائلا “هل سيحاسب كسلطة معينة أو سلطة منتخبة؟ وهذا يخلق إشكالا في المحاسبة إذا كانت بعض الاختلالات في التسيير، فإما أن يكون منتخبا أو معينا، وهذا يوجد في عدة مجالات، إما على مستوى البرلمان أو الجماعات الترابية أو الجهات، وفي الحقيقية هذا المكان هو المناسب، مما يتطلب تعديل وإعادة النظر في القوانين الخاصة بالانتخابات وتوسيع حالات التنافي في القوانين المقبلة”.

وأكد نفس المتحدث، أن مراقبة المسؤول المعين للسلطة المنتخبة، تقيد من حرية المنتخب وتفقده الاستقلالية في تنفيذ القرارات، التي يتم اتخاذها إما في المجالس الجماعية أو الجهوية، حيث أن السلطة المعينة تتحول في بعض الأحيان إلى بيروقراطية إدارية، وتعقيد المساطر الإدارية، وبالتالي تعطيل مصالح المواطنين، وفي بعض الأحيان تحصل صراعات شخصية بين السلطة المعينة والمنتخبة، ويتم استعمال الصلاحية أو المسؤولية التي لدى السلطة المعينة، إما في الإشراف أو الرقابة من أجل تصفية الحسابات، وبالتالي، يكون المنتخب أداة تحت السلطة المعينة، وهذا يضر ويفقد الديمقراطية معناها ويضربها في العمق، وفي بعض الأحيان يتم استعمال الرقابة والوصاية من قبل السلطة المعينة على السلطة المنتخبة إما للابتزاز للمزيد من الفساد والمحسوبية والزبونية، أو لأجل أغراض للسلطة المعينة، وبالتالي، إذا لم يتم الخضوع لها تتم عرقلة قرارات السلطة المنتخبة، وهذا مشكل يخلق مشكلا في تسيير الشأن العام بصفة عامة”.

رغم أن دستور 2011 جاء بصلاحيات جديدة وواسعة بالنسبة لرؤساء المجالس المنتخبين من قبل المواطنين، إلا أن موازين القوى في نظام الدولة لا تسمح بممارسة هذه الصلاحيات الممنوحة للمسؤول المنتخب، لأن القرار السياسي والمشاريع في المغرب تأتي من هرم السلطة ومحددة وفق أعراف مترسخة في هيكل الدولة، حيث الملاحظ أن المجالس المنتخبة والجهات أصبحت خاضعة للسلطة التنفيذية الحكومية، والكثير من المشاريع والسياسات التي من مسؤولية الحكومة تنفذها الجماعات والرؤساء المنتخبين، مما حولهم إلى “موظفين حكوميين” لدى الدولة والحكومة، وبالتالي، فالرهان الذي كان على المنتخبين لتحقيق الاستقلالية التامة التي نص عليها الدستور، لم تطبق على أرض الواقع في ظل تنازلات المنتخبين عن سلطاتهم وواجباتهم تجاه الساكنة، لفائدة المسؤول المعين الممثل للإدارة الترابية، والذي يفرض قرارات الداخلية وسياسة الحكومة على المجالس المنتخبة.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى