متابعات | تنامي نفوذ “البورجوازية المتوحشة” في عهد أخنوش يحتم فرض ضريبة على الثراء الفاحش

تشكل البورجوازية واحدة من أعمدة الاقتصاد الوطني، بفعل نشاطها في العديد من القطاعات، الفلاحة والصناعة والطاقة والصيد البحري والمقالع والتأمين والمواد الغذائية.. لكن ما يعاب عليها أنها بورجوازية رأسمالية تبحث عن الربح فقط ومراكمة الثروات، واستغلال الأزمات والظروف الاقتصادية لتوسيع نشاطها واحتكار السوق وإبرام تفاهمات بين الفاعلين من أجل الزيادة في الأرباح وتوسيع المداخيل.
إعداد: خالد الغازي
اعتبر العديد من الملاحظين أن خروج القيادي في حزب البورجوازيين، محمد أوجار، لانتقاد البورجوازية المغربية، هو بمثابة “شهد شاهد من أهلها”، لاسيما وأنه كشف التجاوزات التي تحصل في الأسواق الوطنية من قبل نخبة اقتصادية همها الوحيد هو تحقيق المكاسب والأرباح ولو على حساب الفقراء والطبقة المتوسطة، مما يؤكد أن الطبقة البورجوازية المغربية هي “بورجوازية متوحشة” تسعى إلى المصلحة الذاتية على حساب القدرة الشرائية للمغاربة، دون مراعاة للوضعية التي تمر منها البلاد والتي تتطلب منها إبراز قيم التضامن وتخفيف العبء والثقل على الدولة.
ويرى بعض المحللين، أن البورجوازية المغربية “هجينة”، تمتلك المال لكنها لا تمتلك فكرا وطنيا، وتبقى في طابعها تميل إلى الفكر الغربي الليبرالي، الذي يعتمد على الاستقلالية الرأسمالية وعدم الانخراط في المشاريع الوطنية والتنمية المحلية، ويتبين ذلك من خلال تواجد بعض المصانع والشركات الكبرى أو شركات للمقالع في مناطق نائية جبلية أو قروية، لكن لا تساهم في أي تنمية محلية للساكنة، ولا تمول المشاريع الاجتماعية في بعض الجماعات الفقيرة، رغم ما تحققه من مكاسب على حساب سكان المنطقة، مما يعيد طرح سؤال الخطاب الملكي “أين الثروة؟”، وهو ما يتطلب تفعيل ضريبة الثروة على فئة من “البورجوازية المتوحشة” التي تغتني خلال الأزمات الاقتصادية.
فالعديد من الأسئلة تطرح بخصوص علاقة البورجوازية المغربية بالسياسة الاجتماعية، وعدم انخراطها في هذه السياسة التي تنهجها الدولة ودفاعها فقط عن مصالحها من خلال بعض الأحزاب أو الباطرونا والجمع بين المال والسلطة، والبحث عن مكاسب وامتيازات في قوانين المالية وقانون الإضراب وقانون استغلال الملك البحري وغيره، مما يطرح التساؤلات: أي دور “وطني” تلعبه البورجوازية بالمغرب؟ هل منتوج البورجوازية منتوج وطني، أم منتوج رأسمالي ليبرالي متوحش؟ وهل تلعب البورجوازية المغربية نفس الدور الذي لعبته البورجوازيات الوطنية؟ وهل هي بورجوازية العقار والتخلف والغنى الفاحش، أم أنها بورجوازية الوطن والتنمية ؟

في هذا السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، أن ما جاء في تصريحات محمد أوجار بخصوص تواطؤ نخبة اقتصادية في غلاء الأسعار وتحقيق الأرباح، يطرح التساؤل حول الرقابة من قبل الدولة على مختلف القطاعات الاقتصادية، وأيضا مسؤولية المؤسسات التنافسية التي تقوم بإعداد تقارير وآراء حول اختلالات وتجاوزات في عدة أنشطة، لكن لا تتبعها عقوبات، وأحيانا لا يتم تنفيذ مضامين وتوصيات هذه التقارير، مضيفا أن بعض التجار مسؤولون، ولكن في آن واحد أين هو نظام الرقابة؟ وقبله نطرح سؤال الحماية الاجتماعية للقطاعات الهشة في الاقتصاد الوطني، مما يؤكد أنه ليست لدينا سياسة اجتماعية لحماية المستهلك والفئات الهشة، الغائبة عن المناهج التعليمية وعن الأحزاب وعن النخبة الاقتصادية والتجار، وبالتالي، فئة من هؤلاء الناس متحررون من الرقابة والمتابعة والمحاسبة ويفعلون ما يريدون، عكس ما يحدث في فرنسا حيث تقوم الدولة بفرض ضرائب عقابية على المتلاعبين بالأسعار.
وأكد الكتاني أن هناك تخوفات من المواطنين من ارتفاع الأسعار مع اقتراب شهر رمضان أكثر من الأثمنة الحالية، لكن الملاحظ أن الحكومة والسلطات تقوم بحملة موسمية مثل السنوات الماضية للدعاية وتقديم فئة قليلة من المتلاعبين بالأسعار أمام وسائل الإعلام، بكونها تقوم بوظيفتها الرقابية بينما يستمر المشكل وتظهر أسعار أخرى في رمضان في جميع الأسواق والمحلات، وتغيب الرقابة الجزئية أو الرقابة الدعائية، مبرزا أن السياسة الاجتماعية في القطاع الاقتصادي غائبة نتيجة تخصيص 10 في المائة من التدابير فقط، بينما 90 في المائة من التدابير والمتابعة والمحاسبة غائبة كليا، وهذا هو المشكل الكبير في المغرب، نتيجة غياب الأخلاق والضمير لدى الفاعلين الاقتصاديين والتجار لمراعاة ظروف المواطنين الصعبة والقدرة الشرائية، وهذا يتطلب حملة توعوية على كل المستويات، وقال: “الحكومة يحكمها التجار ورجال الاقتصاد، والتاجر يبحث عن الربح وليست له حمولة اجتماعية، فهو يتكلف بالقطاعات الاجتماعية ويتحدث عن الدولة الاجتماعية وهو تاجر، لهذا لا بد من فرض الرقابة عليه، وبالنسبة للمراقب أيضا يجب مراقبته ومتابعته هل يقوم بعمله كما يجب، لأن هناك اقتصاد الريع، وهذه منظومة مع الأسف، وإذا استمرينا سنلاحظ فقط في الجزئيات ولا ننظر لقيمة الإنسان المسؤول عن الاقتصاد في المغرب، وهنا يوجد خصاص كبير في هذا الميدان، وبالتالي، هناك إشغال الرأي العام بالجزئيات فقط، وإذا أردنا أخذ الأمور بالكليات، فالسياسة الاجتماعية بالمغرب ضعيفة وغائبة ولا تتضمن المحاسبة والمتابعة في أغلب الأحيان مع بعض الاستثناءات”.
وأوضح الكتاني أن الكثير من القرارات تتخذ من قبل الإدارات، ولكن تنفيذها على أرض الواقع لا يحصل، من بينها تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي لا تواكبها متابعة بعد صدورها للوقوف على الانحرافات والتجاوزات التي تقع على مستوى السلوك المالي في المغرب، لهذا يبقى المشكل في تكوين لوبيات كبيرة ضخمة لديها نفوذ كبير ولديها فروع في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتصبح أقوى من جمعيات حماية المستهلك وأقوى من مجالس الرقابة، وبالتالي، تتحول إلى دويلات داخل الدولة لديها وسائل الحماية والمناعة لكي لا تؤثر عليها وعلى أنشطتها، مشيرا إلى أن المتضرر الأساسي من هذه المنظومة هم 80 في المائة من المواطنين الذين يظلون خارج مستوى العيش الكافي، ويتضح ذلك من خلال عدم تراجع الأسعار رغم انخفاض التضخم في نسبته بـ 2.5 في المائة أو 3 في المائة، لكن الأثمنة ظلت مرتفعة أمام القدرة الشرائية للمواطنين.

في نفس السياق، يرى الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي، في كتابه “الاقتصاد المغربي تحت سقف من زجاج”، أن الكثير من القطاعات ما تزال “تدار” عن طريق الريع أو التوافق بين مجموعات المصالح المهيمنة، ظل بعيدا عن اقتصاد السوق يستحق هذا الاسم، تبين ذلك في قطاعات الصناعة والبنوك وتكنولوجيا المعلومات الجديدة والمحروقات، وفي كل مرة، تمت معاينة الكلفة الاقتصادية الباهظة الناتجة عن هذا الوضع والتي تساهم بقوة في تعطيل الاقتصاد المغربي، مبرزا مسؤولية “الفاعلين المحليين”، هؤلاء المقاولين والمصدرين الذين كان عليهم أن يشكلوا رأس الرمح في غزو الأسواق الأجنبية، والذين تبينت محدوديتهم فيما يخص المبادرة وغزو الأسواق، ما جعلنا نستنتج أنه إذا خُسرت “المعركة”، فذلك أيضا بسبب قصور المحاربين.
وقال أقصبي أن الاقتصاد الوطني خيب الآمال، بسبب “الريع والتوافق والاحتكار، وفتحنا ذراعينا للقطاع الخاص فاحتضنا القطاع العام، ثم حلمنا بـ “تنينات” التصدير، فإذا بنا أصبحنا “قاعدة” لاستقبال كل الواردات!”، واضعا عدة تساؤلات حول دور الدولة والبورجوازية والقطاع الخاص، قائلا “لماذا فشلت الدولة؟ لماذا أفضى “القطاع الخاص” إلى خيبة أمل؟ لماذا لم تكن “البورجوازية” “بورجوازية” فعلا؟ ما مسؤولية الفاعلين الرئيسيين في هذه “الحكاية” المؤسفة؟ ما مسؤولية المؤسسات المالية الدولية التي “رافقت” هذه التجربة المغربية الطويلة بشكل دائم؟ كيف ارتبط الاقتصادي بالسياسي ليفضي إلى اقتصاد أصبحت “حكامته” عائقا أمام إقلاعه وارتقائه”؟ ما مسؤولية النظام السياسي الذي حدد الاختيارات ونفّذ السياسات التي أدت إلى النتائج التي نعرفها؟ ما مسؤولية النظام السياسي في تعثر المسار التنموي للبلاد؟”.

تشهد الأسواق المغربية فترة غير مسبوقة في ارتفاع الأسعار والتي تؤرق حياة الأسر المغربية، وتضع المستهلك بين مطرقة المصاريف اليومية وضعف الأجرة الشهرية، في هذا الصدد يقول بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك، أن “البورجوازية الاقتصادية في المغرب تضم البورجوازية القروية أو المدنية، لكن بصفة عامة تسمى الرأسمال، وصاحبه دائما هدفه هو الربح، ولا يأخذ بعين الاعتبار المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بل يسعى فقط للربح والكسب، ولكن هناك المسؤول عن البلاد الذي يمكنه التدخل ووضع حد لهذا الربح المفرط، عبر سن ضريبة على الثروة أو فرض مسائل أخرى لتعود بالنفع على صندوق الدولة من هذه الأموال التي تربح بأكثر من اللازم على حساب قدرة المواطنين”.
وأضاف الخراطي أن المنافسة وقواعدها لم يتم تطبيقها كما يجب في البلاد، من خلال تنظيم القطاع غير المهيكل الذي تجد من خلاله البورجوازية مآلها وتستفيد من وضعه غير الطبيعي، بل وهي من تخلقه أحيانا للتهرب من الضرائب وعدم المراقبة، فهذا القطاع غير المهيكل مرتبط بالرأسمالية المتوحشة، مشيرا إلى أن هناك بعض القطاعات تستفيد مثلا من الإعفاء الضريبي والجمركي، مثل عملية استيراد اللحوم الحمراء، التي استفاد منها “أصحاب الشكارة”، الذين قاموا بإدخال الأغنام والمواشي وحققوا أرباحا تفوق 120 مليون سنتيم في الشهر، رغم أنه ليس لهم علاقة بالحرفة فقط لديهم رأسمال، مما نتج عنه فشل عملية استيراد المواشي التي لم يكن لها تأثير إيجابي على الأثمنة ولم توزع على بعض المدن.
وتحدث الخراطي عن الإعفاء الضريبي الذي هو بمثابة دعم مادي لمستوردي اللحوم من الخارج، لكن ذلك لا ينعكس على أسعار اللحوم التي ظلت مرتفعة، بسبب عدم تعميم الإعفاء على الجزارين الذين يقومون بذبح المواشي في المجازر والأسواق، وبالتالي، هناك منافسة غير متكافئة، بحيث هناك لحوم مستوردة معفاة من الضريبة ولحوم المجازر تؤدى عنها الضريبة، مشيرا إلى أن غياب المراقبة من أسباب ارتفاع أسعار الدواجن، إضافة إلى ارتفاع سعر الكتاكيت ما بين 8 إلى 10 دراهم في السوق الوطنية، مقارنة مع دول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا، مما يتطلب إعفاء العلف والكتاكيت من رسوم الاستيراد من الخارج قصد تعزيز الإنتاج الوطني.
في ظل الوضعية الاقتصادية التي تمر منها المملكة، وتأثير التضخم وبقاء الأسعار مرتفعة، وعدم نجاعة الإجراءات التي تقوم بها الحكومة من أجل تخفيض الأسعار دون جدوى، عبر تخفيض رسوم استيراد الجواميس البرازيلية أو الأغنام الإسبانية أو اللحوم المجمدة أو الزيوت.. بسبب سياسة السوق التي تعتمد على حرية الأسعار في غياب التنافسية، مما يسمح لفئة من البورجوازيين والأعيان وأصحاب رأسمال بالاستفادة من الوضع المتأزم للبلاد، والاحتكار واستغلال الثروات الزراعية والبحرية والمعدنية، فالدولة مطالبة بالتدخل لوضع حد لسياسة زواج المال بالسلطة، واحتكار القطاعات الحيوية من قبل نخبة اقتصادية أو بعض الأشخاص النافذين في السلطة والاقتصاد، وذلك لضمان الاستقرار الاجتماعي واستمرار بناء ركائز الدولة الاجتماعية التي تبقى مجرد شعارات لدى الحكومة الحالية.