تحقيقات أسبوعية

تحت الأضواء | الصحراء بين المقاومة المسلحة والمقاومة الدبلوماسية

عبد الكريم بنعتيق يكشف المسار التاريخي للقضية الوطنية

الرباط – الأسبوع

    كشف السياسي والوزير السابق عبد الكريم بنعتيق، محطات تاريخية في قضية الصحراء المغربية من المقاومة العسكرية إلى المقاومة الدبلوماسية والسياسية، خلال ندوة “القضية الوطنية والدبلوماسية التشاركية” في كلية علوم التربية بالرباط، مبرزا أن القضية الوطنية مرت بتحديات صعبة للدفاع عنها في المحافل الدولية بسبب قلة الوثائق، لكن اليوم، الخزانة المغربية غنية بالوثائق التاريخية المتعلقة بالقضية الوطنية، والتي جعلت المغاربة في موقع قوة وارتياح خلال الترافع والدفاع عن الوحدة الترابية.

وأوضح بنعتيق، أن المغرب كان محط أطماع الدول الغربية منذ القرون الماضية، حيث تمت محاصرته بحريا في الشمال من خلال احتلال مليلية سنة 1497، وسبتة 1580، والجزر المحيطة بالحسيمة سنة 1733، والجزر الجعفرية سنة 1844، وذلك لأنه دولة قوية حتى عندما يكون ضعيفا يصبح خصما مزعجا للفضاء الجيو إقليمي، مضيفا أن الأطماع لم تتوقف عند الإسبان، بل شملت حتى إنجلترا، حيث جاء المهندس الإنجليزي دونالد مكانزي، واختار الشواطئ الجنوبية المغربية ودخل في مفاوضات مع القبائل المحلية لإنشاء موقع تجاري عبارة عن بناية سنة 1879، بعدما تلقى دعما من شركة إنجليزية قوية اسمها “بريتش كوميرسيال كومباني”، وطلب من الحكومة الإنجليزية التدخل له عند السلطان الحسن الأول، لكن السلطات المخزنية كانت صارمة وبدأت بالاحتجاج على القنصل الإنجليزي في طنجة، مما يؤكد أن السيادة المغربية كانت قائمة على الأقاليم الجنوبية في عهد السلاطين منذ زمن وليست وليدة اليوم.

تتمة المقال تحت الإعلان

واسترسل بأن السلطان الحسن الأول عندما قام بـ”الحركة الأولى” نحو منطقة سوس سنة 1862، بعث وفدا للتفاوض مع الإنجليزي يتكون من شخصيات قوية في دار المخزن، منهم ابن عمه السلطان مولاي عبد الملك، والكاتب الخاص سيدي محمد الكباس، وقائد المنطقة دحمان ولد بيروك، الذين تفاوضوا مع الإنجليزي لكنه لم يقتنع بطلبهم، لكن خلال “الحركة الثانية” في سنة 1886، كلف السلطان جهازا عسكريا يقوده دحمان ولد بيروك، قائد المنطقة، لهدم بناية ماكنزي كاملة، مما دفع بالسلطات الإنجليزية للتدخل وإبرام اتفاقية مع المغرب سنة 1895، وهناك صدرت جملة بليغة من السلطة: “لا نزول للشواطئ المغربية إلا بإذن سلطاني”.

وتحدث بنعتيق عن محطات أساسية مهمة في قضية الصحراء الوطنية، بداية بسنة 1900، حيث تم الاتفاق بين فرنسا وإسبانيا على تقسيم الصحراء خوفا من الأطماع الإنجليزية والألمانية، وتم منح إسبانيا سوس وواد نون وحتى تندوف،  ثم جاءت اتفاقية 1904 وسحبت منهما المنطقة لكونها كانت دولة ضعيفة عسكريا، بحيث كان البلدان على علم كبير بجغرافية وقبائل المنطقة، مضيفا أن الفرنسي غزافيي كوبولاني كان هو منظّر التواجد الفرنسي والتقسيم، وعاش في الجزائر وكان باحثا في الزوايا الصوفية وأهل الصحراء، وكتب تقارير مهمة عن قبائل الصحراء والدين قدمها إلى المقيم الحاكم الفرنسي جيل كومبو بالجزائر، والتي كانت تبرز النمط الاجتماعي لأهل الصحراء المرتبط بالأرض، حيث قال فيهم كوبولاني: “عند أهل الصحراء لا فرق بين الدين والأرض”، بحيث كان له دور في تمسك الفرنسيين بتندوف، واكتشاف موريتانيا، لكن اغتياله من قبل المقاومة الصحراوية شكل ضربة وخسارة كبيرة للفكر الاستعماري الفرنسي.

وأشاد بنعتيق بالدور الذي كان يقوم به الشيخ ماء العينين في ترسيخ روابط البيعة بين سكان الأقاليم الجنوبية والسلاطين العلويين من خلال زياراته المتكررة لهم أو عند سفره إلى الحج، حيث ليس صدفة أن يتوقف عند السلطان مولاي عبد الرحمن لتجديد البيعة سنة 1871، ثم قام بزيارة الحسم الأول في مراكش بحضور شخصيات وازنة من رجال المخزن، وبعدما حل ضيفا عند السلطان مولاي عبد العزيز في مراكش لطلب الدعم من أجل تغيير النمط الصحراوي من الخيام إلى البناء والعمران، حيث تم توفير له جميع الإمكانيات ومواد البناء، مشيرا إلى أن الشيخ ماء العينين جمع بين البيعة للسلاطين والجهاد الديني ضد الدخيل الأجنبي، وقاد نجله الهيبة ماء العينين مقاومة مسلحة ضد الجيش الفرنسي بقيادة العقيد مونجاه، الذي تحول إلى جنرال كبير في فرنسا خلال الحرب العالمية، كما ضربت الحركة المسلحة منطقة البيرات شمال موريتانيا، مما دفع بالفرنسيين للقدوم للسمارة بحثا عن ماء العينين، الذين انتقلوا إلى تزنيت في ضيافة السلاطين.

تتمة المقال تحت الإعلان

ومن الغرائب التي كشف عنها بنعتيق خلال محاضرته، أن الإدارة الفرنسية  المتمثلة في اليسار، تحالفت مع النازية المسيطرة على الجيش الإسباني الذي كان يضم قيادات عسكرية إسبانية شاركت إلى جانب ألمانيا، مثل الكولونيل جيان غوميز، لكن نضال المقاومة المسلحة في الصحراء خلق الرعب لدى السلطات الاستعمارية، التي اعتبرت في تقرير موجه إلى الجنرال فرانكو، أن استمرارها يشكل تهديدا لها وسيؤدي إلى توغل شيوعي، وبالتالي تدخل الاتحاد السوفياتي في الصحراء التي تحتلها إسبانيا، حيث في نفس الوقت كان نفس التوجه لدى الحكومة الفرنسية سنة 1957، والتي اعتبر وزير دفاعها آنذاك، جاك دالماس، أن المقاومة المسلحة الصحراوية سوف تتحالف مع جبهة التحرير الجزائرية  لمحاصرة فرنسا، حسب تقرير أنجزه كاستون كيزان، الذي كان نقابيا ويساريا وناطقا باسم المناطق الإفريقية التابعة للنفوذ الفرنسي، مما دفع بفرنسا للتحالف مع النازيين والإسبان لأجل إبادة المغاربة في الصحراء.

وقال بنعتيق: إن تقارير المخابرات الفرنسية كشفت أن أكثر من  3700 نازح وصلوا لكلميم قادمين للصحراء، هروبا من الحملة العسكرية التي شنتها فرنسا وإسبانيا على المقاومين، بحيث كان المغرب آنذاك دولة ضعيفة، مما دفع السلطان محمد الخامس لإرسال الأميرة للاعائشة ووزير الداخلية المحمدي، لمساعدة النازحين الصحراويين، والذين كانوا يعيشون ظروفا سيئة بسبب الإبادة الجماعية التي تناولتها التقارير، والتي منعت الصحافة الفرنسية والإسبانية من نشرها بعدما أعطوا تعليمات لاستهداف جميع المقاومين والمدنيين والمشاة وكل من يتحرك، داعيا إلى الكتابة عن هذه القصة والإبادة الجماعية التي تعرض لها سكان الصحراء خلال القرن الماضي.

واعتبر بنعتيق أن قرار محمد الخامس بحل جيش التحرير كان قرارا صائبا في أيت ملول سنة 1960، فهو جنب المغرب مأساة وكوارث لأن الأنظمة الاستعمارية كانت مستعدة لزعزعة استقرار المغرب، وفي نفس الوقت حول الصراع من صراع ميداني عسكري غير متكافئ إلى صراع في أروقة الأمم المتحدة، حيث بذل المغرب مجهودات كبيرة في هذا المسلسل التصاعدي منذ سنة 1960، عندما طرح المرحوم بوستة كاتب الدولة في الخارجية طلب استقلال الصحراء، ثم خرجت توصية نواة اللجنة الرابعة 14-15 لمواجهة الاستعمار في الأقاليم الجنوبية، استغلتها فرنسا لكي تقحم موريتانيا التي استقلت سنة 1960، وأصبحت ثلاثة أطراف تطالب بالصحراء داخل الأمم المتحدة: المغرب وموريتانيا وإسبانيا، لكن المغرب تعامل بذكاء للترافع عن القضية بعد اعترافه بموريتانيا سنة 1969، ثم توقيع الاتفاق معها سنة 1970 لتحويل الصراع من معركة جيوإقليمية إلى معركة يتحكم فيها القانون الدولي.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأكد بنعتيق أن المغرب كان أول من طرح تقرير المصير في يونيو 1966 ضمن اللجنة الرابعة، في أديس أبابا، خلال اجتماع استثنائي، طرحه الداي ولد سيدي بابا، الذي كان ممثلا للمغرب الدائم في الأمم المتحدة، وفي نفس السنة، في شهر أكتوبر، طرح وزير الخارجية محمد الشرقاوي مقترح الاستفتاء بأربعة شروط أساسية خلال الجلسة العامة، منها أولا مغادرة الجيش الإسباني المناطق الصحراوية، ثانيا مغادرة الإدارة الإسبانية المناطق الصحراوية، ثالثا أن تحل الإدارة الأممية وشرطة أممية، رابعا عودة النازحين إلى ديارهم، لأن المغرب كان متأكدا من أن من احتضن المقاومة المسلحة وعاش معاناة في الأقاليم الجنوبية، سيصوت لصالح المغرب.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى