الحقيقة الضائعة

الحقيقة الضائعة | معارك الجهاد ضد فرنسا التي استعملت مجندين من الجزائر

المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية "الحلقة 107"

تفاجأنا في “الأسبوع” بكم هائل من رسائل القراء، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطالبنا بالاستمرار في نشر كتابات مؤسس جريدتنا، المرحوم مصطفى العلوي.

وتلبية لطلب هؤلاء القراء الأوفياء المتعطشين لصفحة “الحقيقة الضائعة” التي غابت عنهم هذا الشهر، تعود هذه الصفحة بقلم الراحل مصطفى العلوي لتقديم جزء مما تركه من مؤلفات ذات قيمة تاريخية.

كتاب “المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية” الذي صدر في خمسة أجزاء، نستهلها بنشر الجزء الأول الذي يهتم بالمراحل التي كان عليها المغرب قبل الاحتلال، أيام السلطان الحسن الأول، ثم مراحل الاحتلال، ومراحل مقاومة الاحتلال، ثم الاستقلال في الأجزاء التالية، حيث سيجد القارئ عناصر تنشر لأول مرة.

تتمة المقال تحت الإعلان
بقلم: مصطفى العلوي

    عندما حصل المغرب على استقلاله سنة 1956، سارع المواطنون في جميع أنحاء المغرب إلى اقتلاع أثار الاستعمار والاحتلال الفرنسي، والنصب التذكارية التي أقامها الفرنسيون على كل مواقع المعارك بأسماء من سقط فيها من ضباطهم وجنودهم وتواريخ المعارك.

وإذا كان من حق المغاربة أن يقتلعوا جذور تلك النصب، فقد كان من الجائز أيضا الاحتفاظ بها وإبقاؤها في محلاتها حفاظا على معالم الجهاد، ذلك أن تلك اللوحات

الحجرية أو الرخامية إنما كانت أصدق برهان على أن الشعب المغربي قاوم الاستعمار والاحتلال، وأن الحماية لم تفرض على المغرب بطلب منه، ولا أن القبائل استنجدت بفرنسا.

تتمة المقال تحت الإعلان

لنقرأ هذه اللوحة التي كانت منصوبة قرب الݣارة مخلدة لمعركة سيدي عبد الكريم عند أولاد حريز.. هذه اللوحة التي اقتلعها المواطنون هي أيضا تغني عن كل تعليق:

((معركة رفاخة – 29 فبراير 1908، هنا سقط كونار ضابط من الفرقة الثالثة للاستطلاعات، رومو ضابط من الفرقة الثالثة للسباهي، هنري سرجان من رجال الاستطلاع، بيدو جندي، كولاس فارس، طيطرو فارس، سيكولي فارس، يحيى عسكري من المشاة الجزائريين، الهاشمي عسكري من فرقة المشاة الثانية)).

وعلى الطريق المؤدية من سطات إلى مراكش عند مخرج مدينة سطات، وأمام التكنة العسكرية القديمة، كان هناك نصب تذكاري كتب عليه: ((ذكرى القبطان كليمان فريدريك لوبيل، من الفرقة المحاربة الجزائرية الثانية. مات في الميدان يوم 8 أبريل 1908)).

تتمة المقال تحت الإعلان

أفلم تكن هذه اللوحة تشرف المغاربة بالدرجة الأولى؟ تشرف جيوش الجهاد التي خاضت ضد جيوش الاحتلال معارك مات فيها الضباط الفرنسيون بالمئات وقتل من جنودهم الآلاف.

وهذا النصب الذي كان قائما بسطات، يقدم برهانا آخر على أن فرنسا غزت المغرب بجنود الجزائر، وعلى أن المناورات السياسية الفرنسية التي كانت موجهة من الجزائر مستعملة جنود الاحتلال الفرنسي لأرض الجزائر لغزو المغرب بجنود جزائريين وسينغاليين، إنما كانت تستهدف توسيع الاحتلال الفرنسي للجزائر وبدأت باحتلال ثلاثة مناطق مغربية في الصحراء الشرقية، وأطلقت اليد لإسبانيا لاحتلال الصحراء الغربية.

ويقدم ذلك النصب برهانا ثالثا على أن الغزو الفرنسي قدم من الجزائر، إذ أنه يسجل تاريخ 8 أبريل 1908، وهو تاريخ له أهمية خاصة.. ففي ذلك اليوم دخل مفكر الاحتلال وموجهه، الجنرال ليوطي، إلى سطات، جاء لدراسة الموقف، ولإنقاذ نائبه الجنرال داماد.

تتمة المقال تحت الإعلان

ذلك أن الوضعية العسكرية الفرنسية ازدادت ترديا أمام إصرار الجيوش المغربية بقيادة المولى عبد الحفيظ، الذي لم يمنعه تنصيبه سلطانا على المغرب من البقاء وسط قبائل الشاوية محاربا ومتنقلا وجنديا، وفي جميع كتب التاريخ الفرنسي التي تنقل أخبار هذه المعارك، نجد أن المؤلفين يتحدثون بمرارة عن الجيش الحفيظي وعن “المخرب” البوعزاوي، وعن الثائر السكتاني، وكما أن كل المؤلفين ينقلون تلك الجملة التي كان كل الجنود الفرنسيين يسمعونها على ألسنة الثوار أثناء الاشتباك، ولا يفهمون معناها وهي: “الجهاد، الله أكبر”.

وتحت راية الجهاد وذكر الله، قر رأي الثوار على أن يغيروا مخططهم ويقسموا فيالقهم، قسم يتوجه مسالما لحرث الأرض حتى يضمنوا الخبز لأولادهم، هذا الخبز الذي لو لم يحرثوه ويحصدوه ويخبزوه لماتوا بالجوع، وذلك كان أمل قوات الاحتلال وقصدها، وذلك كان مخطط الدول التي تدعم فرنسا والتي رفضت تقديم الدعم للمولى عبد العزيز وأيضا للمولى عبد الحفيظ، حتى يموت المغاربة جوعا، ويفتقدوا المال والسلاح والعتاد ويرفعوا أيدي الاستسلام.

أما الفريق الثاني من المجاهدين، فقد صعد إلى الجبال لينقل الجيش الفرنسي إلى ميادين يجهلها.

تتمة المقال تحت الإعلان

وكان جبل مكارطو المرحلة الأولى، واتفق عمر السكتاني، قائد فرقة هامة من جيش الثوار، على أن يحمي له المولى عبد الحفيظ ظهر جيوشه بالقصف إذ كان جيش المولى عبد الحفيظ مزودا بالعديد من المدافع، ولكنها لم تكن تصل مستوى المدافع الفرنسية ولا التدريب الفرنسي.

وبينما استقر مولاي حفيظ في سيدي بوعسيلة واستقر السكتاني في جبل مكارطو، هاجم الجيش الفرنسي مواقع المولى عبد الحفيظ حتى تقهقرت إلى عين موسى في سفح الجبل.

مجزرة عين موسى

تتمة المقال تحت الإعلان

    وفي عين موسى كان مئات المجاهدين وأطفالهم ونساؤهم محميين من طرف فرقة من جيش المجاهدين بقيادة ولد منصور الأحمر، الذي كانت مهمته إبعاد النساء والأطفال عن ميادين المعارك، وترك الحرب للرجال، لكن الفرنسيين اكتشفوا المخبأ، وجاء الفرنسيون من أعلى، وهيمنوا على منحدر عين موسى وهو غارق، ففتحوا نيران مدافعهم على خيام العائلات التي كانت موزعة على جنبات المنحدر، وصدرت الأوامر بإفناء العائلات انتقاما من الآباء، فكانت أكبر مجزرة تعرضت لها النساء والأطفال في تاريخ المغرب في القرن العشرين.

لقد استمر إطلاق النار على الخيام العزل، وكانت الجثث تتهاوى مع المنحدرات ويسقطون في نهر واد زمران، الذي كان يجري ماؤه وينقل الجثث والأشلاء، وقال المؤلف مارتن، أن ((جثث النساء والأطفال تناقلها واد زمران من عين موسى، ونقلتها المياه والأوحال حتى إلى تافرانت، ثم وصلت بعض الجثث إلى واد العطش)).

وأصبح واد زمران منذ ذلك اليوم، يتناقل اسمه ضباط الاحتلال الفرنسي على أنه “مقبرة المذاكرة”.

تتمة المقال تحت الإعلان

وبالمناسبة، فإنه يجب التذكير بأن هذه المجزرة حصلت يوم 8 مارس بقيادة الجنرال داماد.

وعندما سمع المولى عبد الحفيظ بالخبر، أيقن أن مناورة الصحفي هویل إنما كانت جزء من مخطط الاحتلال.. هذا المخطط الذي كان يستهدف توجيه كل جهود المولى عبد الحفيظ إلى محاربة أخيه بدل محاربة الأعداء.

وعندما خلص الجنرال داماد على النساء والأطفال، تفرغ للرجال، وكان رجال المذاكرة قد تجمعوا حول ضابط متصوف عالم مجاهد يسمى بونوالة، في زاوية الوريمي، ومن تلك الزاوية كانت تخرج الأوامر والمخططات، وفي ليلة 15 مارس، أحاط الجنرال داماد زاوية بونوالة بالمدافع وأصلاها ليلا بالقصف.

ولكن المجاهدين بقيادة الزعيم البوعزاوي، أعادوا تنظيم صفوفهم وهاجموا قوات الجنرال داماد يوم 29 مارس، وكانت تتجه إلى بن سليمان بقوات مكونة من ثمانية آلاف عسكري، وكانت المرحلة الأولى هي احتلال الݣارة، مركز قبائل المذاكرة.

ولقد أحاطت جيوش البوعزاوي بجيوش الجنرال داماد عندما وصل إلى سهل سيدي عسيلة، واشتبك الجمعان حيث احتمى الفرنسيون بقبة السيد، ودامت المعركة من الصباح حتى الرابعة بعد الظهر.

وقد سقط في هذه المعركة أحد ضباط الجيش الغازي يسمى بوشرون، ونظرا لأهميته فقد سميت الݣارة باسمه، وهو الاسم الذي عرفت به إلى يوم الاستقلال، كما قتل في نفس المعركة الليوتنان سيلفستر.

وعندما تحدث فوانو مؤلف كتاب “أثار الجيش الفرنسي الظافر” عن هذه المعركة وعمن مات فيها، خرج من قاعدته في إعطاء الأرقام البيانية وكتب في الصفحة (53): ((قتل لنا الليوتنان سيلفستر ورجال استطلاع وبوشرون، وعدد من رجال الخيالة)).

وهكذا نرى اسم بوشرون الذي سميت باسمه ساحة المعركة، وضع وسط الجنود وكأنه غير مهم.

المناورات ثم المناورات

    وما دمنا نتصفح كتاب فوانو عن “الجيوش الفرنسية الظافرة”، نجده هو نفسه يسجل مناورة أخرى من مناورات الجيش الفرنسي لتفرقة الرأي العام الوطني وتشتيت فكرة الجهاد.

فبعد معارك مارس 1908، وبعد أن ضرب المجاهدون حصارا على القوات الفرنسية المحاصرة لأقاليم الشاوية والمذاكرة، وسطات وبرشيد، أعلن الفرنسيون رسميا استسلام الزعيم البوعزاوي، ويقول فوانو: ((يوم 8 مارس استسلم للجنرال داماد كل من البوعزاوي والسكتاني، وأن قبائل مزاب طلبت الأمان)).

وخبر كهذا كان من شأنه أن يحطم معنوية المجاهدين ويفت من عضدهم، كما أنه ولا شك خبر كان كفيلا بأن ينزل كالصاعقة على السلطان المولى عبد الحفيظ.

ولم يكن الأمر مرة أخرى إلا مناورة، واحدة من المناورات، إذ لم يتورع المؤرخون الفرنسيون ومن بينهم فوانو عن ذكر المعارك الأخرى التي خاضها الجنرال داماد ضد البوعزاوي في 29 مارس وفي أبريل.

لقد قام الزعيم البوعزاوي يوم سابع أبريل 1908، بهجوم انتحاري على مقر القيادة العليا للجنرال داماد في سطات، وجرت معركة رهيبة توسعت رقعتها حتى إلى مشرع الشعير، مقر السلطان المولى عبد الحفيظ.

لكن البوعزاوي هو أيضا اكتشف القوة الضاربة التي أصبح الفرنسيون يتوفرون عليها في سطات، وفي مختلف أقاليم المغرب.

وعندما ضرب الفرنسيون خناقا شديدا على جيوش المجاهدين وفرضت عليها الظروف ضرورة الانقسام بين جيوش تحارب الفرنسيين وجيوش تحارب القبائل المعارضة للمولى عبد الحفيظ، أعلن الفيلاليون في الصحراء الجنوبية الجهاد ضد الفرنسيين، فبينما كان ولد مولاي رشيد يقود جيوش المولى عبد الحفيظ في الشاوية، كان أبوه مولاي رشيد، وقد أصبح رجلا عجوزا، ينتظر الفرصة للانتقام من الفرنسيين الذين طردوه وطردوا قبائل توات من الصحراء الشرقية، وكان قد جمع جيوشا جرارة من الصحراويين وقبائل المرابطين، ومدغرة، ودرقة، وفتح واجهة للجهاد في إقليم تافيلالت ذهبت أثارها كالماء في الرمال.

ولكن بقي من هذه الملاحم جهاد قائد الجيش الفيلالي مولاي السبع، الذي سبق أن تطرقنا إلى المعارك التي خاضها منطلقا من دويرة السبع قرب بوذنيب حتى إلى واد الساورة وتوات، بعد أن كان الفرنسيون قد استقروا بها وألحقوها بالتراب الجزائري، مما دعا الفرنسيين وهم يشعرون بالخطر، إلى توجيه الجنرال فيجي لمحاربة مولاي السبع، وبالتالي تهافت فيالق الجنرال فيجي من كولومب بشار بالجزائر.

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى