تحقيقات أسبوعية

تقرير | “بيروقراطية” الإدارة تتسبب في عرقلة الاستثمار وعدم تنفيذ الأحكام القضائية

الرباط – الأسبوع

    كشفت مؤسسة وسيط المملكة عن اختلالات و”بيروقراطية” الإدارة تجاه المقاولات والمواطنين والمستثمرين فيما يتعلق بتسليم التراخيص المتصلة بالمجال والاستفادة من البرامج والمشاريع الاستثمارية، وتسوية الشواهد الإدارية والطلبيات والصفقات، وغيرها من الأمور المرتبطة بحقوق المرتفقين، منبهة من تحول الإدارة من أداة حاضنة للإصلاح إلى إدارة معرقلة له، بسبب تماديها في العديد من التصرفات التي سبق الكشف عنها في تقارير سابقة للمؤسسة.

وأبرز تقرير المؤسسة أن مشكل الارتفاق الإداري المرتبط بمجال الاستثمار، يطرح نفسه بين مختلف الشكايات والتظلمات التي توصلت بها المؤسسة خلال هذه السنة، مما أفرز مجموعة من الاختلالات اتخذت صورا مختلفة، سواء منها المرتبطة بشروط الاستفادة من التحفيزات والتسهيلات والإعفاءات الضريبية المقررة لبعض المستثمرين، أو تلك المرتبطة بتدبير عمليات منح التراخيص اللازمة لإنشاء المشاريع الاستثمارية والمقاولاتية والاستفادة من الدعم المرصود لها، أو على مستوى تدبير الصفقات والطلبيات العمومية.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأكد التقرير أن من أهم التعثرات التي وقفت عليها المؤسسة، ذات صلة بمجال تسليم تراخيص الاستثمار، لاسيما ما تعلق منها بتعقد الإجراءات وبطء المساطر، إلى جانب ممارسات منافية لمتطلبات العناية والتبسيط التي جاء بها القانون المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية وما تلاه من مراسيم تطبيقية له، وميثاق المرافق العمومية، ومختلف المقتضيات القانونية ذات الصلة، وخاصة منها تلك المتعلقة بالحق في المعلومة والوثائق الإدارية واحترام الآجال القانونية التي تؤطر عمليات استخراج الرخص والشهادات، مشددة على ضرورة تعامل الإدارة بشكل أكثر انسيابية مع طلبات إنشاء المقاولات ومنح الرخص الإدارية المتعلقة بالاستثمار.

وسجل التقرير عددا من التظلمات بشأن الصفقات والطلبيات العمومية، توزعت بين تلك التي ارتبطت بالمنازعة في مساطر إبرامها، وبالقرارات الإدارية الصادرة بخصوصها، سواء كانت قرارات متصلة أو منفصلة عنها، أو بتلك المتعلقة بعدم وفاء الإدارة بالمبالغ المستحقة عن الأشغال المنجزة أو الخدمات المقدمة في إطارها، حيث أن أهم إخلال تم الوقوف عليه في هذا الصدد، لجوء الإدارة إلى محاولة تبرير موقفها بمبررات غير وجيهة وغير مقبولة رغم عدم منازعتها فيما يطالب به المرتفق، من قبيل الدفع بعدم توفر الاعتمادات المالية الكافية، أو عدم استنفاد قرارات إبرام الصفقة لبعض الشروط القانونية (عدم نشر الإعلان عن الصفقة)، أو عدم صدور الأمر بالخدمة، أو عدم التنصيص على الأشغال الإضافية ضمن وثائق الصفقة، داعيا إلى وجوب الحرص على الحفاظ على حقوق المتعاملين مع الإدارة والتعاطي مع قضاياهم بمبدأ حسن النية ومؤشرات الثقة وما يفرضه القانون وما تقتضيه مبادئ المساواة أمامه، تفاديا لما يمكن أن تنتجه هذه القرارات من أضرار قد تمس بالتوازن المالي للمقاولة وتنعكس بشكل سلبي على أداء أدوارها الاستثمارية، ويؤثر بالمحصلة على النسيج الاقتصادي ومناخ الأعمال.

وسلط التقرير الضوء على الاختلالات المرتبطة بحكامة التدبير الإداري، وسيادة القانون وتنفيذ القرارات الإدارية، حيث لاحظ أنه من خلال العديد من التظلمات المتوصل بها خلال هذه السنة، تم الوقوف على تخلف بعض الإدارات عن تنفيذ بعض القرارات الإدارية، والتي غالبا ما يكون لها وقع على حقوق بعض الأفراد، منها القرارات المتعلقة بتسوية الوضعية الفردية لبعض الموظفين، سواء في شقها الإداري أو المالي، خاصة وأنه من واجب الإدارة الحرص على تنفيذ قراراتها ذات الصلة بالحياة المهنية للموظف (قرارات الترقية)، وعدم الحرص على تنفيذ بعض القرارات الإدارية الصادرة في إطار مباشرة مهام الشرطة الإدارية صورة أخرى لهذا الإخلال، ثم القرارات الصادرة عن مجلس الوصاية أيضا معنية بهذا الاختلال، خاصة حين يتعلق الأمر بالمس بمبدأ مساواة النساء السلاليات في الاستفادة من حقوقهن إلى جانب نظرائهن من الذكور.

تتمة المقال تحت الإعلان

وكشف أيضا أن هناك اختلالات متعلقة بتسليم الرخص والوثائق الإدارية، والأذون، والشهادات والوثائق الإدارية الأخرى، حيث شكل عدم منح شهادة انتفاء الصبغة الجماعية على العقار مثالا حيا على هذا الاختلال، ذلك أن طالبها قد لا يحظى، في كثير من الأحيان، حتى بالرد على طلبه، فلئن كان موقف الإدارة مبررا عند وجود مانع حائل دون تسليم الشهادة المطلوبة، كما في حالة اعتراض إحدى الإدارات المعنية على ذلك، أو لوجود نزاع قضائي مع الغير بشأن استحقاق العقار بشكل يؤدي إلى عدم وضوح المراكز القانونية لطالبي الشهادة، إذ أن إحجام الإدارة عن الجواب مهما كان السبب أو المبرر المتمسك به، يشكل إخلالا ارتفاقيا يتعين القطع معه، معتبرا أن رفض تسليم شهادة السكنى أمر لا مبرر له بعد ثبوت تحقق الجهات المعنية من أن العنوان المطلوب هو سكن اعتيادي ودائم لطالب الشهادة، لاسيما وأنها تعتبر من الوثائق الضرورية لإنجاز بطاقة التعريف الوطنية كوثيقة أساسية في التعريف بهوية المواطن، والتي يلزم بحملها تحت طائلة غرامات زجرية، بل وتشكل مدخلا لقضاء مجموعة من الحقوق الارتفاقية، مشيرا إلى أن نفس الإشكال تطرحه شهادة الاحتياج، وإحجام مجموعة من الإدارات المختصة عن منحها لأسباب لا علاقة لها بموضوع الاحتياج، وإنما لمبررات خارجة عن موضوع الشهادة نفسه، من خلال خلق شروط اجتهادية مانعة من الحصول على الوثيقة المعنية غير منصوص عليها في القانون.

وذكر التقرير أن من مظاهر تعنت الإدارة وعدم الجدية في التدبير المرفقي، الامتناع أو التماطل في تنفيذ الأحكام القضائية، وربط التنفيذ بالحصول مسبقا على نسخة تنفيذية للحكم غير تلك الموجودة بملف التنفيذ، أو بوجوب استشارة الوكيل القضائي للمملكة أو سلطة الوصاية بالنسبة للجماعات الترابية، أو بضرورة الرجوع إلى السلطة المركزية، أو اشتراطها الإدلاء بوثائق لا يفرضها القانون أو الحكم المطلوب منها تنفيذه، أو في الإقدام على مباشرة مسطرة وقف التنفيذ أو إعادة النظر فيه، أو رفع دعاوى غير جدية لإثارة الصعوبة في التنفيذ باعتماد مبررات سبق مناقشتها من طرف المحكمة، أو التذرع بعدم التوفر على الاعتمادات المالية الكافية.

تتمة المقال تحت الإعلان

ولاحظ التقرير أن من بين صور تعنت الإدارة، الاعتداء المادي على عقارات الأفراد والجماعات، واستغلالها خلافا لما يفرضه الدستور من حماية لحق الملكية، وعدم الالتزام بضوابط القانون المنظم لمسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، والامتناع أو المماطلة عن تسديد التعويضات المستحقة للمتضررين، وعدم التأكد قبل الإقدام على إصدار القرار الإداري بنزع الملكية، من التوفر على الاعتمادات الكافية لتسديد التعويض المنصف، وعدم التقيد بمقتضيات تصاميم التهيئة وغل يد المالكين في الانتفاع بملكهم رغم انتهاء مدة العشر سنوات المقررة لصلاحية التصاميم المذكورة.

ووقف عند مجموعة من الاختلالات الناتجة عن تعدد المتدخلين في التعمير، بشكل حيد من فعالية التخطيط العمراني ويقوي فرص غياب التنسيق والالتقائية، ذلك أنه إذا كانت وثائق التعمير، من حيث المبدأ، تعتبر بمثابة مؤشرات دالة لقياس التنمية المحلية وإطارا مرجعيا للتوقع وتنظيم المجالين من خلال مخطط التهيئة العمرانية كأداة تقديرية وتوقعية، مما يطرح مجموعة من التساؤلات التدبيرية المرتبطة بعدم تفعيل تصاميم التهيئة بعد المصادقة عليها ونشرها، وما يرتبه ذلك من نتائج سلبية على الملاك المخصصة عقاراتهم للمنفعة العامة، بسبب عدم إمكانية رفع ما قد يطالهم من أضرار ناتجة عن العدول عن التصميم أو التنازل عن التخصيص المرصود له طوال عشر سنوات.

ونبه إلى الخلاف الحاصل بين مكونات إدارية داخل نفس القطاع، حول تفسير مدلول انقضاء الأثار المترتبة عن المنفعة العامة المنصوص عليها في المادة 98 من القانون 19.90 المتعلق بالتعمير، وذلك لعدم إحداث التخصيصات التي كانت مقررة بعقارات الخواص وفق تصميم التهيئة المنتهية صلاحيته.. ففي الوقت الذي أصدرت فيه وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، دورية بتاريخ 10 دجنبر 2019 تحت عدد 90469، تنص على أن مالكي الأراضي المخصصة لتلك المرافق العامة يستعيدون التصرف في أراضيهم فور انتهاء الأثار المترتبة عن إعلان المنفعة العامة المرتبطة بها، والمحددة في عشر سنوات تبتدئ من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية، لكن الوكالات الحضرية تصر على البقاء عليها في ورقة المعلومات التعميرية المسلمة من قبلها إلى حين صدور تصميم تهيئة جديد.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأبرز التقرير ضعف التنسيق الإداري والالتقائية بين الإدارات أو داخل القطاع نفسه مظهرا من مظاهر عدم الجدية، ويمكن إبراز تجلياته من خلال ما عرض على المؤسسة من تظلمات، من بينها الاختلاف الحاصل في استحقاق معاش الزمانة بين الإدارة المشغلة من جهة، والصندوق المعني بصرف المعاش من جهة أخرى، حول الوثائق الواجب توفرها في ملف حادثة الشغل التي يتعرض لها الموظف من أجل عرضه على لجنة الإعفاء للبت فيه.. ففي الوقت الذي تقر فيه الإدارة المعنية بمادية الحادثة التي تعرض لها المعني بالأمر، نجد أن الصندوق يصر على ضرورة الإدلاء بمحضر المعاينة المنجز من طرف الشرطة القضائية باعتباره “الدليل الوحيد” المعتمد للإثبات، والحال أن الوثيقة المطلوبة غير متوفرة لعدم إنجاز المعاينة أصلا.

وأشار التقرير إلى عدم تجاوب الإدارة مع الطلبات المقدمة إليها من قبل المرتفقين أو عدم الرد على تظلماتهم أو التأخر في ذلك (عدم احترام المدة الزمنية المحددة للجواب بمقتضى القانون)، حيث وقفت المؤسسة على تعامل بعض الإدارات مع الدعاوى القضائية المرفوعة ضدها، بحيث ترتكن إلى عدم الجواب، مما ينتج عنه صدور أحكام قضائية في غير مصلحتها، وبنفس عقلية عدم الجواب أيضا تتعامل بعض الإدارات مع المراسلات الموجهة إليها من طرف الوسيط بمناسبة معالجتها للتظلمات المقدمة أمامها، وبعد تبليغها إليها من أجل التنفيذ تقدم تبريرات وحجج كان من شأنها تغيير مسار ملف التظلم الذي كان معروضا على المؤسسة منذ البداية؛ وهو ما يشكل من جهة هدرا للجهد والزمن، ويترك من زاوية أخرى انطباعا سيئا على أدائها.

وتناول تقرير الوسيط  بعض الاختلالات المرتبطة بتقديم الخدمات بواسطة كيانات خاصة، في إطار نظام الخورجة أو باللجوء إلى توقيع اتفاقيات مع وكالات، يتم تكليفها بتسلم ملفات المرتفقين فيما يتعلق بتجديد بعض الرخص أو الحصول على بعض الشهادات (رخص السياقة، البطاقة الرمادية…)، وهي تدابير تهدف في الأصل إلى تجويد خدمات القرب المقدمة للمرتفقين، إلا أن ضعف تتبع ومراقبة أداء هذه الكيانات غالبا ما ينجم عنه تجاوزات وإخلالات تترتب عنها نتائج عكسية، من قبيل ضياع الوثائق والتأخر في إنجاز الخدمة الارتفاقية المعنية، في سياق يطبعه منطق تقاذف المسؤولية بين الإدارة والجهة المعنية.

تتمة المقال تحت الإعلان

وانتقل التقرير السنوي إلى الاختلالات المرتبطة برقمنة بعض الخدمات الإدارية، حيث أن الرقمنة تقدم العديد من الفوائد مثل الشفافية واختصار الوقت والجهد، لكنها في بعض الحالات تسهم في خلق صعوبات إضافية نتيجة لسوء استخدام التكنولوجيا أو عدم ضبط آليات عملها، مشيرا الى أن عدم معالجة طلبات المرتفقين عبر المنصات الرقمية يعكس إخلالات تدبيرية تتعلق بنظام المعلومات المستخدم من قبل الإدارات. وتابعت الوثيقة أن هذه الإخلالات تؤدي إلى حرمان المواطنين من حقهم في المشاركة في الإجراءات، مما يشكل انتهاكا لمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص، وهذا يؤدي إلى مسؤولية الإدارة في تعويض الأضرار في حالة ثبوت الإخلال في تقديم الخدمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى