المنبر الحر

المنبر الحر | مدونة الأسرة.. بين المؤيدين والمعارضين

في سياق التطورات الاجتماعية والدستورية التي يشهدها المغرب، تخضع مدونة الأسرة لمراجعة شاملة تستجيب للتوجيهات الملكية الرامية إلى تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين، مع الحفاظ على ثوابت الدين الإسلامي.. هذه الإصلاحات، التي تمثل استجابة للحراك المجتمعي والمطالب الحقوقية، تحمل في طياتها نقاط تحول جوهرية، لكنها تثير جدلا واسعا داخل مجتمع يتسم بالمحافظة وتعددية المواقف السياسية والفكرية.

هذه التعديلات المقترحة، التي تشمل قضايا مثل الطلاق، الهبات، والإرث، تحاول تقديم حلول مبتكرة لبعض الإشكاليات التي أفرزتها تطبيقات المدونة الحالية، لكن هذه الجهود تواجه معارضة شديدة من التيارات الإسلامية والمحافظة، في هذا السياق، تبرز تصريحات كل من وزير العدل عبد اللطيف وهبي ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، كمؤشرات على أهمية هذه الإصلاحات وضرورتها.

بقلم: عزيز مطيع

الملامح الجديدة لمدونة الأسرة

تتمة المقال تحت الإعلان

1) الاعتراف بعمل الزوجة في المنزل كجزء من الثروة الأسرية: يمثل هذا التعديل نقطة تحول في التعامل مع الجهود غير المدفوعة التي تقوم بها النساء داخل الأسرة، فالاعتراف بعمل المرأة كجزء من تنمية الثروة الأسرية، يعني أن لها حقا في اقتسام الممتلكات في حالة الطلاق.

من الجانب القانوني، يعتبر هذا التعديل خطوة نحو تحقيق العدالة الاقتصادية بين الزوجين، أما من الناحية المجتمعية، فقد قوبل بمعارضة شديدة من التيارات الإسلامية، التي ترى فيه تجاوزا للمفاهيم الشرعية المتعلقة باستقلال الذمة المالية لكل من الزوج والزوجة.

2) تسهيل إجراءات الطلاق الاتفاقي: من أبرز التعديلات المقترحة، السماح للزوجين بإنهاء العلاقة الزوجية بشكل اتفاقي أمام موثقين دون الحاجة للجوء إلى المحكمة.

تتمة المقال تحت الإعلان

ومن المتوقع أن تسهم هذه الخطوة في تقليل النزاعات المطولة أمام القضاء، والتي كانت تستغرق شهورا طويلة في الصيغة الحالية للمدونة، والتي كانت محط انتقادات بسبب هذه السلسلة المطولة من الجلسات الماراطونية، لكنها في المقابل تثير مخاوف من إمكانية استغلالها للإضرار بحقوق الطرف الأضعف، خصوصا النساء.

حزب العدالة والتنمية، إلى جانب جماعة “التوحيد والإصلاح”، انتقدا هذا التعديل معتبرين أنه يُفقد مؤسسة الأسرة طابعها الشرعي والقانوني.

3) احتفاظ الزوجة ببيت الزوجية في حالة وفاة الزوج: حماية الزوجة من التشريد بعد وفاة الزوج يُعتبر من أكثر التعديلات التي لاقت استحسانا، هذا المقترح يهدف إلى ضمان استقرار الأسرة، خصوصا إذا كانت الزوجة مسؤولة عن الأطفال.

تتمة المقال تحت الإعلان

في هذه النقطة بالذات، أبدت جماعة “العدل والإحسان” تحفظاتها، معتبرة أن هذا التعديل قد يتعارض مع النصوص القطعية المتعلقة بالإرث.

4) تنظيم الهبات بين الزوجين المختلفين في الدين: الهبات بين الزوجين المختلفين دينيا تعتبر قضية حساسة، فالتعديلات الجديدة تحاول وضع إطار قانوني واضح ينظم هذه المسألة، مما يعكس مرونة تشريعية تراعي التحولات الاجتماعية، وهو ما عارضته التيارات الدينية المتشددة، بما في ذلك أحمد الريسوني وعبد الإله بن كيران، وأعربت عن قلقها من أن يؤدي هذا التعديل إلى تآكل الهوية الإسلامية للأسرة المغربية.

5) إمكانية وهب أموال الإرث للبنات أثناء الحياة: فتح المجال أمام الآباء لوهب أموال لبناتهم خلال حياتهم، يُعد محاولة للتصدي للتحديات المرتبطة بتوزيع الثروة داخل الأسرة، وهو المقترح الذي يواجه اعتراضات قوية من الشخصيات الإسلامية، التي ترى فيه مساسا بالنظام الشرعي للإرث، حيث اعتبر الريسوني أن هذه الخطوة تمثل تحايلا على أحكام الشريعة.

تتمة المقال تحت الإعلان

التحديات التي تواجه الإصلاحات

1) المعارضة السياسية والدينية: لقد أبدت التيارات التي تعتبر نفسها “ذات مرجعية إسلامية”، مثل حزب العدالة والتنمية وجماعة “العدل والإحسان” وحركة “التوحيد والإصلاح”، انتقادات لاذعة للإصلاحات باعتبارها استجابة لضغوط أجنبية ومحاولة لفرض نموذج غربي على الأسرة المغربية، ومن أبرزهم أحمد الريسوني، الذي أبدى قلقه من التعديلات التي قال إنها “تهديد لثوابت الشريعة” ومساس خطير بالأصول وبالمحكم، وكذا مساس بما نهى العلماء الكبار منذ فجر الإسلام عن الخوض فيه، بل وصل به الأمر إلى حد اعتبار هذه الخطوة “تشريع إسلام جديد على مقاس الوزير وهبي”.

2) المجتمع المحافظ: العديد من المغاربة، خصوصا في المناطق القروية، يتمسكون بالقيم التقليدية للأسرة، مما قد يصعب تقبل التعديلات الجديدة.

تتمة المقال تحت الإعلان

3) التطبيق القضائي: لضمان نجاح هذه الإصلاحات، يجب تعزيز قدرات القضاء للتعامل مع النصوص الجديدة بما يحقق الإنصاف ويحترم روح التشريع الإسلامي.

الرؤية الملكية للإصلاح

التوجيهات الملكية كانت واضحة في التأكيد على أن الإصلاحات يجب أن تُراعي تطلعات المغاربة وتحترم ثوابت الشريعة، فالملك محمد السادس دعا إلى معالجة الإشكاليات التي أفرزها التطبيق الحالي للمدونة من خلال نهج تشاركي يضم العلماء والقانونيين والمجتمع المدني، هذه الرؤية تستهدف تحقيق توازن بين متطلبات الحداثة والمساواة من جهة، والهوية الإسلامية من جهة أخرى.

تتمة المقال تحت الإعلان

في الوقت نفسه، شدد الملك على أهمية حماية حقوق المرأة والطفل، باعتبارهما من الفئات الأكثر تضررا من أي اختلال في تطبيق التشريعات.

آفاق المستقبل: التحديات والفرص

رغم الجدل الذي أثارته التعديلات المقترحة، فإنها تمثل فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقة بين أفراد الأسرة المغربية، فنجاح هذه الإصلاحات يعتمد على:

تتمة المقال تحت الإعلان

– تعزيز الحوار المجتمعي: لضمان قبول واسع للإصلاحات؛

– تقوية آليات التطبيق: لضمان عدم استغلال النصوص الجديدة بما يضر بمصلحة الأسرة؛

– التكيف مع التحولات الاجتماعية: بحيث تصبح المدونة قادرة على مواكبة متطلبات العصر دون التخلي عن القيم الإسلامية.

وتمثل مراجعة مدونة الأسرة المغربية حسب فهمنا المتواضع، خطوة شجاعة نحو تحديث التشريعات بما يخدم مصلحة المجتمع، ومع ذلك، فإن تحقيق أهداف هذه المراجعة يتطلب إرادة سياسية قوية، وتوافقا مجتمعيا واسعا، مع ضمان احترام التوازن بين المساواة والخصوصية الدينية والثقافية، وبذلك، يمكن للمدونة أن تصبح نموذجا رائدا للإصلاحات الأسرية في العالم الإسلامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى