المنبر الحر

المنبر الحر | الاستعمار الغربي سبب الحروب الدموية والانقسامات في الدول العربية

بقلم: حسوني قدور بن موسى

    ما يحصل اليوم في سوريا وما حصل سابقا في العراق وغيره من الدول العربية، هو من صنع الاستعمار الغربي الذي ساهم بشكل مباشر وفعال في تمزيق الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج من أجل نهب واستغلال خيرات البلدان العربية، بل أكثر من ذلك، أن هذا الاستعمار قام بزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي حتى يضمن تواجده في المنطقة وعمل على حماية الأنظمة الرجعية الموالية للدول الاستعمارية، لأنه يعلم أن قيام الوحدة العربية الحقيقية يعني نهاية الاستعمار، وبالتالي نهاية مصالحه الاقتصادية القائمة على نهب خيرات المنطقة وأهمها البترول.

في سنة 1916، عينت الحكومة الفرنسية قنصلها العام السابق في بيروت جورج بيكو، مندوبا لمتابعة شؤون الشرق الأدنى ومفاوضة الحكومة البريطانية حول مستقبل البلاد العربية، واجتمع بالمندوب البريطاني مارك سايكس، المكلف بشؤون الشرق الأدنى، ومن تم عرفت باتفاقية “سايكس- بيكو”، وكان ذلك من أجل تمزيق الوطن العربي إلى دويلات متصارعة فيما بينها حتى تظل ضعيفة سياسيا واقتصاديا تابعة للدول الغربية، وحتى يظل الاستعمار مسيطرا على هذه الدول المتحاربة فيما بينها لأن وحدة الدول العربية ليس من مصلحة الدول الاستعمارية، وأسفرت هذه المفاوضات عن تحديد مناطق نفوذ كل دولة حسب مصالحها السياسية والاقتصادية، فاستولت فرنسا على غرب سوريا ولبنان ومناطق أخرى، واستولت بريطانيا على جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد، وكذلك ميناء عكا وحيفا في فلسطين، واستيلاء روسيا على الولايات الأرمينية في تركيا وشمال كردستان، وأعلنت الاتفاقية عن حق روسيا في الدفاع عن مصالح الأرثوذكس بالأماكن المقدسة في فلسطين، ويخضع الجزء الباقي من فلسطين لإدارة دولية.

ولا زالت هذه الاتفاقية الاستعمارية تتفاعل طوال أكثر من قرن، ففي عام 1915 قدمت لمجلس الوزراء البريطاني مذكرة سرية بعنوان: “مستقبل فلسطين”، كتبها أول يهودي صهيوني يصل لمنصب وزير بريطاني اسمه هربرت صموئيل، جاء فيها أن “الحاضر ليس مناسبا لإنشاء دولة يهودية مستقلة، لذا يجب وضع فلسطين تحت السيطرة البريطانية لتعطي تسهيلات للمنظمات اليهودية لشراء الأراضي الفلسطينية وإقامة المستعمرات وتنظيم الهجرة، وعلينا أن نزرع بين الفلسطينيين ثلاثة أو أربعة ملايين يهودي يجب تهجيرهم من أوروبا، ويجب علينا اضطهاد اليهود في أوروبا والدول العربية لإرغامهم على الهجرة إلى فلسطين وشن حرب ضد الفلسطينيين لإرغامهم على الهجرة خارج فلسطين لاغتصاب أراضيهم”، وهذا ما يعرف بالهجرة المعاكسة التي خطط لها جهاز “الموساد”، وتماشيا مع ما يقال عن تحميل “سايكس بيكو” مصائب وأزمات المنطقة العربية، يقول جان بول شانيولو، مؤرخ ومؤلف “أطلس الشرق الأوسط”: “على المستوى الرمزي، ترتبط اتفاقات سايكس- بيكو بفكرة قوية في الذاكرة الجماعية لشعوب المنطقة، وهي: الإهانة”، ونجد بعد عقود مشاكل مختلفة وعديدة توجد جذورها في اتفاقية “سايكس- بيكو”، وتجمع أغلب الروايات على وضع تلك الاتفاقية في دائرة الاتهام والمساءلة لما تشهده المنطقة العربية منذ عقود من تداعيات، إذ تم شق خريطة المنطقة إلى شطرين يستحوذ كل بلد على شطر منها دون مراعاة لمواطني هذه المناطق.

تتمة المقال تحت الإعلان

في الذكرى الأولى بعد المائة لاتفاقية “سايكس- بيكو”، كتبت مجلة “ديلي بيست” الأمريكية: “على الجميع الاعتراف بأن هذا الدمار الذي أصاب الشرق الأوسط في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ليس سببه الغزو الخارجي (الأمريكي البريطاني) أو التوترات الداخلية (الربيع العربي)، ولكن السبب الرئيسي هو تلك الخريطة التي تم بموجبها تقسيم الشرق الأوسط والتي أطلق عليها: سايكس- بيكو”، معتبرة أن “التقسيم جرى يومها على أساس طائفي، مما زرع بذور الصراعات الدموية في المنطقة وفرضت تقسيمات تعسفية للأراضي وتم تناسي قوميات، وقامت دول بلا شعوب وظهرت شعوب بلا دول” في إشارة إلى فلسطين والأكراد.

لقد ارتبط حق تقرير المصير والاستفتاء في عهود الاستعمار التقليدي بحق الشعوب المستعمرة في التحرر من الاستعمار الأوروبي والحصول على الاستقلال رغم التحذيرات من مغبة اللجوء للاستفتاء، والتي تنطوي على مخاطر سياسية، ونظمت فرنسا في فاتح يوليوز 1962، استفتاء في الجزائر وفقا لاتفاقيات “إيفيان” أدى إلى استقلال الجزائر بعد 132 سنة من الاستعمار، لكن أثاره لازالت حاضرة في المشهد الفرنسي إلى اليوم، وقد ارتبط حق تقرير المصير والاستفتاء في عهود الاستعمار التقليدي، بحق الشعوب المستعمرة في التحرر من الاستعمار الأوروبي الخفي، وأصبح يرتبط بمطالب بعض الجماعات العرقية أو الدينية في الانفصال عن الوطن الأم وتكوين دويلات جديدة مصطنعة، ويكون ذلك غالبا بسبب الصراعات التي زرعها المستعمر تطبيقا لسياسة “فرق تسد”.

ليس في القانون الدولي حق للانفصال بالنسبة لإقليم تابع للدولة الأم كما هو الحال بالنسبة للصحراء المغربية وإقليم كاتالونيا في إسبانيا وإقليم القبائل في الجزائر والأكراد في العراق وسوريا، لأن القانون الدولي لا يدعم الانفصال، بل يضمن للشعوب حق تقرير مصيرها كما حدث في استفتاء الجزائر، ولهذا فإن دعم انفصال إقليم عن الوطن الأم له مخاطر كثيرة، فلا فرق إذن بين إبراهيم غالي وفرحات مهني زعيم حركة “الماك” في منطقة القبائل، وكارلوس بوجديمون زعيم إقليم كاتالونيا، فعندما دخل كارلوس لألمانيا سارعت السلطات إلى اعتقاله بناء على مذكرة اعتقال أوروبية، لأن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى وحدة الدول الأوروبية ولا يعترف بتجزئة دوله إلى دويلات، لكنه يريد تشتيت الدول العربية وتقسيم المقسم حتى لا يبقى شيء اسمه الوطن العربي، ففرنسا لا تقبل أبدا بانفصال إقليم كورسيكا صاحبة النزعة الانفصالية وبولينزيا وغوادلوب ومارتينيك ومايوت البعيدة عنها بآلاف الكيلومترات، والتي تعتبرها مقاطعات تابعة لها، كما أنه من المستحيل قبول انفصال ألمانيا الشرقية (الشيوعية سابقا) عن الوطن الأم .

تتمة المقال تحت الإعلان

حاول الاستعمار الفرنسي تقسيم المغرب إلى مناطق أمازيغية وأخرى عربية لا زالت خالدة في ذاكرة الأجيال تعرف باسم الظهير البربري أو عام “اللطيف” وكان هدف الحماية الفرنسية هو زرع التفرقة بين العرب والأمازيغ وهما يكونان أصلا جسدا واحدا وأمة واحدة.

إن مبدأ المعاملة بالمثل هو أداة توازن بين أطراف العلاقات القانونية الدولية، باعتباره يهدف إلى اقامة علاقة بين الحقوق والالتزامات، أي المحافظة على التوازن الواجب تقريره بين أشخاص القانون الدولي، ويشير هذا المفهوم إلى مقابلة الخير بالخير والشر بالشر الذي يعتبر قانونا قديما، لكن عندما تقرر دولة تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، فإنها تقصد من وراء ذلك تحقيق نوع من التكافؤ بين ما لها من حقوق وما عليها من التزامات، ولهذا يجب على الدبلوماسي البارع أن يكون حذرا من مخاطر المعاملة بالمثل، التي تعني أن يحرص الشخص الدولي على أن يجامل غيره من الأشخاص الدوليين طمعا في أن ترد المجاملة بمجاملة مماثلة، لكن بعض صحف الارتزاق المأجورة تجهل القانون الدولي وخطورة حق تقرير المصير وحق المعاملة بالمثل، الذي لا يمكن استعماله في جميع الحالات، فإذا أراد الدبلوماسي تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل فيجب عليه أن يدرك تداعيات وخطورة هذا المبدأ الذي قد ينعكس سلبا على بلاده، فكيف يمكن لدولة قبول مبدأ هو ضد مصالحها الوطنية ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى