المنبر الحر

المنبر الحر | تأملات حول المقاومة والوحدة في مواجهة التحديات الجديدة

بقلم: الخامس غفير

    ما دفعني إلى تحرير هذه الأسطر القليلة، يرجع إلى ذلك الجزء البسيط مما راكمته من خلاصات وأفكار تشكلت لدي خلال الأيام الماضية عن طريق بعض النقاشات التي خضتها مع بعض الأصدقاء والتي تخص السياق العربي والإسلامي، وما تعرفه بعض الجغرافيات من تحولات اجتماعية وقيمية، خصوصا منذ مرحلة “طوفان الأقصى” إلى اليوم، وارتفاع حدة النقاش إلى حد السجال بعد هروب الديكتاتور بشار الأسد.

ولعل من الملاحظات التي سجلتها وأنا أتابع ما يُكتب حول الموضوع السوري، أن بعض الوجوه المحسوبة على النخب والفئات المثقفة، تعيش نوعا ما تناقضات رئيسية، ما يحمل القارئ على الحكم عليها بلا مجازفة بأنها تنكرت لمبادئها التحررية، وقيمها النضالية باسم الإنسانية والحقوق الآدمية، ومن ثمة، رجحت كفة الجلاد على الضحية، وصارت تنبش في الماضي ولم يعد بِمُكنها التخلص من عقدة النقص بالمعنى السيكولوجي نتيجة تلقفها لرزمة من المفاهيم ذات الحمولة العنصرية المنتصرة للمركزية الثقافية الغربية على حساب القيم والمبادئ التي من المفروض أنها تستمد قوتها من الخصوصية العربية والإسلامية، وتوجهت بها إلى فئات عريضة من المجتمع وسعت إلى إسقاطها كما هي دون زيادة أو نقصان ومن دون غربلة أو نقد.

تتمة المقال تحت الإعلان

لا شك أن المعايير التي استندت عليها هذه النخب للحكم وتقييم تجربة الثورات العربية، التي كان وراء قياداتها تيارات تختلف عنها إيديولوجيا وفكريا، لم تتوفر فيها الشروط الموضوعية، بل كانت مجرد ردود فعل هوجاء لم تفكر في المستقبل، ولم تستحضر مآلات الأوضاع في ظل القبضة الاستبدادية التي حلت محل المؤسسات المنتخبة شرعيا وديمقراطيا، ولم تنتظر ما يكفي من الوقت حتى تنضج الأفكار وتتوضح الرؤية لكي يتم الحكم بتلكم المعايير على تجربة لم تأخذ حظها من الوقت الكافي.

فلا يختلف اثنان أن بعض النخب وتياراتها لم تكن يوما ما منضبطة لإرادة الشعوب في اختيار مؤسساتها وصياغة مشاريعها التنموية والثقافية والسياسية، لا لشيء فقط لأن من يقف وراءها خصم سياسي مختلف عنها عقائديا وفكريا، حتى أن البعض عندما يعلم أن الذي انتخب أو تصدر مشهدا إعلاميا يبدأ في “التّفكه” و”نسج عبارات فكاهية” ليقوم بصياغة عبارات يتوقع صدورها من الأغيار، كلها أحكام قيمة طبعا، وكل هذا قبل صدورها من المؤسسات الرسمية والدولية والإعلامية، كما هو متوقع تجد بعد حين ما كان “ينكث” به متحققا، بل أكثر من ذلك، هو ما نشاهده ونسمع به وكأننا أمام شريط من الأحداث المعد سلفا، وأمام سجل من الوقائع التي تتكرر في الزمان من دون تحديد المكان، لأنه قابل للإعادة والتكرار وقابل للتعميم.

أمام هذه المعطيات والملاحظات، وحفاظا على الخصوصية الثقافية والقيمية، وللاستفادة من دروس التاريخ وعبره، حري بهذه النخب والساسة والمثقفين التوجه إلى المستقبل، ولا ينبغي عليها العودة إلى الوراء، لأن المجتمعات العربية والإسلامية ونخبها أمامها تحديات خطيرة جدا، وليست في حاجة إلى فتح جبهات داخلية تثقل كاهل الحركة النضالية من أجل الوحدة والقوة، وعلى الجميع أخذ الدروس من الأحداث التي شهدها اليمن وهو يواجه صراعات خارجية، ويعيش تطاحنات داخلية أتعبت نسيجه المجتمعي، وكفى بالدرس السوداني خير شاهد ودليل على صحة هذا القول.

تتمة المقال تحت الإعلان

في خضم هذه التحديات، يجب أن نتذكر بشكل مستمر أن “طوفان الأقصى يَجُبُّ ما قبْله”، وبالمعنى القرآني: ((تعالوا إلى كلمة سواء))، لنوحد الصف ولا نلتفت إلى ما يشتت ولا يجمع، ونعيد قراءة الأبعاد الاستراتيجية لوضعنا الحالي في ظل العربدة الصهيونية التي لم تترك أرضا إلا وقصفتها ولم تفرق بين أعدائها، سواء كانوا سنيين أو شيعيين، يساريين أو يمينيين، ولنعيد صياغة أهدافنا المستقبلية في أفق تحقيق النصر والتحرير الشامل لإرادتنا وأراضينا المغتصبة في كل بقعة من بقاع جغرافيتنا العربية والإسلامية.

ومما يجب التسليم بهـ أن المقاومة فكرة، والفكرة لا تموت، ولذلك لا يمكن تبخيس الشعوب حقها في النضال من أجل القضايا العادلة والمشروعة، واختيار من يسوسها ويدبر شأنها، وبالطريقة التي تحقق آمالها في الانعتاق والحرية، وكما أن من حق الشعب الفلسطيني أن يقاوم من أجل حقه وأرضه، من حق الشعب السوري أيضا أن يختار ما يناسبه من حكم وصيغ تدبيرية لمرحلته، ومن المنطلق الموضوعي الذي يراعي حقوق الغير، يمكن القول أنه لا يمكننا أن ننكر بأن فنزويلا تعتبر من محور المقاومة، وهذا بحق ليس تزيّدا في القول، بل حقيقة وواقعا، وذلك بيّن من خلال مواقفها تجاه القضية، ولكن في المقابل لم أعتبر يوما ما أن المخلوع جزءً من هذا المحور المقاوم، بل في اعتقادنا كان سببا في طعن المقاومة في ظهرها وبسعيه المتواصل نحو تذكية النزعة الطائفية أكثر مما فعلته الآلة الإعلامية الخليجية والصهيونية والإدارة الأمريكية.

لقد أدى النظام السوري وظيفة خبيثة عمل من خلالها على تقسيم الطوائف والجماعات، وألقى بها في أتون الفتن والصراعات المذهبية، عمل هذا النظام المجرم على تحويل الصراع بين السنة والشيعة من مجرد خطاب لفظي إلى تطاحن ميداني ودموي.

تتمة المقال تحت الإعلان

للأسف، كانت هناك أخطاء قاتلة ارتكبت في هذه المرحلة، ومع ذلك، استبشرنا خيرا بـ”الطوفان الأقصى” الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد موجة التطبيع التي اجتاحت الدول العربية، ودخل محور المقاومة إلى المعركة وقدم خيرة قياداته وصفه الأول على طريق القدس، إلا أن البعض أراد أن يفسد على المتابع والمحلل فرحة وحدة الساحات، وذهب بكليته نحو شيطنة كل مبادرة تحررية أو فعل ميداني مقاوم للغطرسة الصهيونية والاستكبار العالمي والاستعمار الجديد.

فالمقاومة ليست ملكا لأحد، المقاومة الحقيقية اليوم تقع على عاتق الجميع لجمع الشمل وعدم التفتيت ونزع فتيل الطائفية، ولنتذكر دائما أن النظام السابق لم يستفد منه سوى الكيان المحتل، بينما خسرت المقاومة رصيدها التاريخي بسبب السياسات الفاشلة للنظام المخلوع.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى