تحت الأضواء | هل تتحول التسوية الضريبية إلى فرصة ذهبية للصوص المال العام وتجار المخدرات ؟
الرباط – الأسبوع
خلقت التسوية الضريبية التي أعلنت عنها المديرية العامة للضرائب، رعبا وجدلا كبيرا وسط المواطنين في غياب وصلات إشهار وتواصل حكومي لتوضيح الفئات المعنية بهذا الإجراء الضريبي، الذي لم يفسح المجال للمواطنين لفهمه عن طريق وسائل الإعلام العمومية وخبراء في المجال، أو عبر شروحات من الحكومة، حتى تتضح الرؤية للجميع، بالإضافة إلى مطالب بتمديد المدة الزمنية التي انتهت مع شهر دجنبر الفارط، مما يطرح تساؤلات عريضة لدى الرأي العام حول المستفيدين الحقيقيين من هذه العملية، هل كبار المنتخبين، أم أصحاب الريع، ومهربي الأموال إلى الخارج ؟
ومن جهة أخرى، تطرح التسوية الضريبية سؤال التسوية قبل تنزيل قانون الإثراء غير المشروع بالنسبة للمنتخبين الكبار والسياسيين، وبعض المسؤولين والموظفين في المؤسسات والقطاعات الحكومية، المتورطين في اختلالات مالية والتلاعب بالصفقات العمومية، بالإضافة إلى تجار المخدرات وتجار الهجرة السرية والتهريب، وغيرهم ممن راكموا ثروات وأموال كبيرة بطرق غير مشروعة..
ويرى العديد من المتتبعين، أن مشروع التسوية الضريبية من مظاهر “حماية الفساد والفاسدين” من خلال التشريع على مقاس، قصد تبييض وغسيل الأموال التي مصادرها ممنوعة مثل التجار في “النوار” أو الربح من الصفقات العمومية وغيرها، مما يسمح لهم بتصحيح وضعيتهم المالية دون المساءلة عن مصدر تلك الأموال، ليبقى السؤال: هل سيتم تنزيل قانون الإثراء غير المشروع بعد الخطة الحكومية الجهنمية لتبييض وجوه ناهبي المال العام ؟
حسب المديرية العامة للضرائب، فإن المعنيين بالتدبير المتعلق بالتسوية الطوعية للوضعية الضريبية، والتي جاءت في قانون المالية للسنة الماضية 2024، تهم بالأساس الأشخاص الذاتيين وأرباحهم ومداخيلهم التي لم يتم التصريح بها، لكن هذا الإجراء فتح المجال أمام أصحاب رؤوس الأموال السوداء، التي مصدرها أنشطة ممنوعة، للحصول على المصالحة الضريبية دون محاسبة عن مصدر تلك الأموال، كما شمل هذا الإجراء الأشخاص الذين يؤدون الضريبة من أجورهم أو أنشطتهم التجارية ولهم مدخرات في بيوتهم، بسبب غياب المعلومة وعدم التواصل مع الناس حتى يسترجعوا أموالهم.
في هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي ياسين عليا: هناك لبس في هذا الإجراء الذي اتخذته الحكومة، فهي لم تضرب المدخرات ولم تضرب حتى ما راكموه من عمل، سواء كانوا أجراء أو تجارا، وإنما تضرب الأموال المكتسبة عن طريق أنشطة اقتصادية لم تخضع للضريبة على الدخل خلال اكتسابها، وبالتالي، فكل من يملك أموالا مدخرة في البيوت أو الأبناك وهي ناتجة عن نشاط اقتصادي سبق أن خضع للضريبة، غير معني بهذه التسوية، فالمعنيون هم الذين لهم أموال غير معروف أصلها ومصدرها وكيف تشكلت، وهل سبق أداء الضريبة على هذا النشاط الاقتصادي؟ موضحا أن الدولة فتحت باب المصالحة الضريبية لكي تعطي لهذه الأموال والمنقولات العينية والعقارات والشقق، نوعا من الشرعية، والتي جاءت من نشاط غير مصرح به لدى الضريبة تخضع أيضا لهذه التسوية الضريبية من خلال أداء نسبة 5 %، وحينما تدرك إدارة الضرائب أن هذا الشخص يستعمل أموالا دون أدائه للضريبة ستجبره على أداء نسبة ضريبية وفق معدل الضريبة على الدخل الذي أقصاه 37 %.
بدوره، كشف المحلل الاقتصادي محمد جدري، أن هذا الإجراء الضريبي انطلق منذ يناير 2024 ضمن قانون المالية السابق، لكن في الأسبوع الأخير من شهر دجنبر خلق ضجة كبيرة بسبب تناوله من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في غياب توضيح من الحكومة، فهذا الإجراء يفرض على الذين كانوا يشتغلون في “النوار” أو في القطاع غير المهيكل وجمعوا أموالا لم يؤدوا عنها الضريبة على الدخل قبل نهاية سنة 2023، سواء كانت هذه الأموال في الحسابات البنكية لهم، أو مدخرات في بيوتهم، أو لديهم عقارات أو منقولات أو كانوا مساهمين في شركات دون تصريح، ولم يؤد أصحابها عنها أي ضريبة، عليهم التصريح بها مقابل إعفائهم من أي مراجعة ضريبية، مما يشكل فرصة ذهبية لتبييض جبائي لتفادي المشاكل التي يمكن أن تحصل لهم مع إدارة الضرائب، موضحا أن الأمر لا يتعلق بأجير أو موظف يدخر كمية من المال يضعها في حساب بنكي أو في منزله وهو أصلا سبق وأدى عليها الضريبة، بل إن التسوية تتعلق بالأشخاص الذين لم يؤدوا الضريبة على الدخل قبل نهاية سنة 2023، إما في القطاع غير المهيكل أو في مجال غير معلن ولم يكونوا مصرحين بالأموال لديهم، وهم من تنتظرهم العقوبة إذا لم يقوموا بهذا الإجراء، فإن أي شخص يملك عقارا أو لديه حسابا بنكيا أو أموالا في منزله، في شهر أبريل تتم مساءلته عن مصدر تلك الأموال، وقد يبحثون في التصريحات الضريبية، وإذا لم يسو وضعيته سيكون مضطرا لتسديد حتى 37 % عن الضريبة.
وحسب ذات المصدر، فإن هذه الفرصة مناسبة للذين يقومون بالتملص الضريبي أو التهرب منه، لتسوية الوضعية المادية مع إدارة الضرائب والثمن مناسب جدا، فبالنسبة لشخص يملك مثلا مليار سنتيم سيؤدي فقط نسبة 5 % عليها، وهي فرصة ذهبية له حتى لا يسقط في المساءلة فيما بعد، فمن غير المقبول أن يتم اقتطاع الضريبة على الدخل من المنبع لجزء من الموظفين والأجراء، في حين أن باقي الناس لا يؤدون الضريبة، وهذه التسوية تم العمل بها أكثر من مرة في السنوات الماضية، لكن كثر الحديث عنها حاليا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهته، قال المحلل الاقتصادي المهدي فقير، أن التسوية الضريبية تتضمن ثلاث عمليات: الأولى تتعلق بتسوية الدرهم، وهذه العملية تتعلق بالرواج بالدرهم، وليس الحسابات والأرصدة البنكية، أي أن كل شخص روج أمواله بالدرهم خلال السنوات التي لم يتم فيها التقادم، أي من 2020 إلى 2023، فهو ملزم بتسديد 5 % لدى البنك بعد ملء استمارة لإبراء الذمة، أما إذا كانت هذه الأموال استثمرت كعقارات أو على شكل منقولات مثل السيارات، أو على شكل قرض لشخص أو لشركته، فعليهم الذهاب لدار الضريبة لتحرير الاستمارة والقيام بالتسوية لتأدية نسبة 5 %، وبالتالي، لا يبقى لإدارة الضرائب الحق في متابعته.
وبالنسبة لمن لهم عقارات في الخارج، أو لديهم حسابات بنكية في الخارج ولم يسبق لهم التصريح بها، أو أخذوا عليها ترخيصا من مكتب الصرف، فعليهم أن يذهبوا للأبناك لتأدية 10 % على العقارات والاستثمارات، وما بين 2 و5 % بالنسبة للأرصدة البنكية في الخارج، ويأخذوا إبراءين بالنسبة للضريبة وشهادة للإدلاء بها لمكتب الصرف، لكي لا يحاسب على الأموال التي نقلت إلى الخارج.