المنبر الحر

المنبر الحر | الجهوية المتقدمة بين الرؤية الملكية والمنهجية التطبيقية

بقلم: ذ. فؤاد البهلول

    فكرة الجهوية المتقدمة اختمرت على مدى سنوات طويلة، حينما نهج المغرب مسارا طويلا ومتدرجا إلى الجهوية بلغ مراحله الأكثر رمزية مع إقرار دستور 1992، ثم دستور 1996، الذي مهد للانفتاح الديمقراطي في البلاد مع المصالحة التاريخية آنذاك بين الملك الراحل الحسن الثاني والمعارضة اليسارية عبر ما عرف بالتناوب التوافقي.

في رسالته إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة أكد الملك محمد السادس اهتمامه البالغ الذي يوليه لهذا الورش الاستراتيجي الذي من شأنه المساهمة في توطيد الحكامة الترابية الجيدة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

تتمة المقال تحت الإعلان

بالرجوع إلى مفهوم الجهوية المتقدمة كتنظيم هيكلي إداري تقوم بموجبه السلطة المركزية بالتنازل عن بعض الصلاحيات لفائدة الجهات المكونة للوحدة الترابية للدولة، وذلك تعزيزا للتنمية المحلية وتنشيط التبادل التجاري وتقريب الإدارة من عموم المواطنين، عبر صياغة سياسات محلية تنبع من الخصوصية المميزة لكل إقليم، جاءت رغبة الملك محمد السادس المعلنة وتواترت خطواته مع توليه السلطة صيف سنة 1999، وذلك عبر مبادرات تجاوزت مرحلة طويلة من الركود.

مقارنة بالديمقراطيات العريقة التي تبنت الجهوية المتقدمة كتنظيم إداري وسياسي برز كمفهوم حديث النشأة نسبيا، حيث تطور مع توجه دول أوروبا الغربية إلى التخلي عن المركزية الإدارية التي أعاقت الكثير من جهود التنمية، وكانت ألمانيا أول من أخذت بالجهوية سنة 1949، حيث أقر الدستور الصادر آنذاك وجود جهات إدارية واقتصادية تتكامل أهدافها وآليات عملها، وفي إسبانيا نص دستور 1978، الذي مهد لنهاية حكم الجنرال فرانكو، على الجهوية كتنظيم إداري وسياسي، أما في فرنسا، فقد تأخر إقرار الإصلاح الترابي القائم على اللامركزية حتى العام 1982، والذي أعطى للجهات والبلديات صلاحيات ذات طابع إداري في أغلبها رغم بروز هذا النقاش بسنوات طويلة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي إبان حكم شارل ديغول، الذي أخفق في تحقيق مشروعه الرامي إلى إصلاح ترابي شامل يكرس الجهوية.

بالرجوع إلى المغرب، توج هذا التوجه بتقديم المغرب سنة 2007 مقترحا يقضي بتمكين سكان الأقاليم الصحراوية عبر ممثليهم من سلطات واسعة في المجال السياسي والاقتصادي والتنموي والقضائي، وتعميمه بعد ذلك على باقي الجهات مع إقرار دستور 2011، حيث قلص عدد الجهات من 16 إلى 12 جهة، وذلك لاشتداد الحاجة إلى تنمية محلية بوصفها رافعة للتنمية على المستوى الوطني وضامنا لقدر من التوازن بين الجهات لتفادي بروز مناطق مزدهرة ومنتجة مقابل مناطق مهمشة تعيش عالة على جهة أخرى، وبرزت الحاجة إلى تطوير الجهوية من خلال مجالات حيوية كالتنمية الاقتصادية والتخطيط وجلب الاستثمار الأجنبي.

تتمة المقال تحت الإعلان

بعد قرابة عقد من الزمن، لا زالت بعض العقليات المحدودة، سواء من المنتخبين أو مسؤولين مركزيين، في بعض الوزارات، لم تستطع مواكبة السرعة المرجوة في تنزيل ورش الجهوية المتقدمة وإيصال المغرب إلى ركب الدول الصاعدة وتمكين المواطن في جل مناطق المملكة الحضرية والقروية على حد سواء، من العيش الكريم والرفاهية والتنمية المحلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى