تحت الأضواء | مفارقة.. المصادقة على قانون الإضراب قبل المصادقة على قانون النقابات
على من سيطبق هذا القانون ؟
الرباط – الأسبوع
صادق مجلس النواب مؤخرا بالأغلبية على مشروع القانون رقم 97.15 لممارسة الإضراب، بموافقة 124 نائبا ومعارضة 41، إلا أن هناك ملاحظات سلبية وإشكاليات تضمنها هذا القانون الملقب بـ”قانون الباطرونا”، مما جعل المعارضة البرلمانية تنقسم بشأنه لكونه لم يلبّ تطلعات الطبقة العمالية، وجاء قبل صدور قانون “النقابات” الذي لا زال في ثلاجة البرلمان.
وبالرغم من تصويت الحكومة على قانون الإضراب وتمريره في مجلس النواب، إلا أن لا شيء حسم، خاصة وأن هذا المشروع ستتم إحالته على مجلس المستشارين، الذي يضم فرقا نقابية من المنتظر أن تتقدم بمقترحات وتعديلات أخرى لتخفيف القيود والغرامات عن الممثلين النقابيين، كما أن هذا التصويت قد يخرج هيئات نقابية أخرى غير ممثلة في البرلمان إلى الاحتجاج في الشارع ضد الحكومة للمطالبة بإشراكها والإنصات إليها، في ظل سياسة تنزيل القوانين دون مقاربة تشاركية.
وقد اعتبر مصطفى إبراهيمي، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب، أن مشروع القانون المتعلق بالإضراب يثير العديد من الملاحظات المنهجية، على رأسها “تلكؤ” الحكومة الحالية في قضية المشاورات، قائلا أن تفاعل الحكومة مع تعديلات الفرق النيابية ومقترحات النقابات، كان شكليا، بدليل ردود فعل الجبهة الوطنية ضد مقتضيات الصيغة الجديدة لمشروع القانون، متسائلا “لماذا تم السماح بمناقشة مشروع قانون الإضراب بمجلس النواب بنفس النقابات ونفس الأحزاب، التي كان بعضها يرفض بالأمس أصبح اليوم يوقع لهذه الحكومة شيكا على بياض، بالإضافة لزواج المال بالسلطة، حيث هناك زواج بعض ممثلي العمال بالباطرونا، بعدما تم وعد إحدى النقابات بتوزيع إرث عقارات CNOPS وتقاضي تعويضات مقابل معالجة ملفات مؤمني CNOPS في إطار إلحاق هذه الأخيرة بـ CNSS ؟
وحسب نفس المصدر، فقد تم إجراء مشاورات مع النقابات والوزراء وكانت النتيجة هي “البلوكاج” لسببين: الأول أن مسؤولين في بعض النقابات لا يريدون قانونا ولا يريدون حكامة ولا تحديدا لعدد الولايات، ولا شفافية لماليتها، والسبب الثاني يتعلق بالضوء الأخضر من طرف “الباطرونا”، وأوضح أن الحكومة رفضت العشرات من التعديلات التي يعتبرونها جوهرية، وهو ما اضطرهم للتصويت بالرفض على الصيغة الجديدة لمشروع القانون 97.15 ومنها: “التعريف من له الحق في الإضراب فردا أو جماعة، الجهة الداعية للإضراب، النقابة ذات التمثيلية على الصعيد الوطني والجهوي والإقليمي، والتمييز غير الدستوري للتمثيلية على أساس القطاع في الانتخابات (مندوب لكل 10 أجراء وممثل 1/ 25 موظف) وغيرها من التعديلات.
بدورها، سجلت عتيقة جبرو، عن الفريق الاشتراكي للمعارضة الاتحادية، مجموعة من الملاحظات المتعلقة بقانون الإضراب، من بينها تقديم هذا المشروع قبل إقرار قانون النقابات، وغياب مقاربة تشاركية مع جميع الفرقاء الاجتماعيين خلال صياغته، مما ساهم في خلق تجاذبات بين الحكومة والنقابات، ثم الطريقة التي تم بها توزيع المناقشات المتعلقة بالقوانين الاجتماعية على لجان مختلفة في البرلمان، مما يشتت الجهود ويؤثر سلبا على التنسيق اللازم بين هذه التشريعات، قائلة: إن هذا القانون يجب أن يعكس التوازن بين حق الشغيلة في ممارسة الإضراب من جهة، وحق أرباب العمل في ضمان استمرارية الأعمال والمرافق العمومية من جهة أخرى، والتوازن هو جوهر أي قانون ليحمي حقوق العمال ويضمن استمرارية العمل في القطاعات الحيوية، منتقدة بعض البنود الواردة في القانون، والتي تجعله حكرا على النقابات الأكثر تمثيلية، مما يتعارض مع مقتضيات الدستور، إلى جانب أن المواد المتعلقة بالغرامات تذهب إلى حد المبالغة، مما يشكل عبئا إضافيا على العمال والنقابات.
وفي نفس الإطار، انتقدت البرلمانية فاطمة التامني المقاربة الضيقة والمنحازة والمنهجية التي اعتمدتها الأغلبية في صياغة مشروع قانون الإضراب، وتجاوزها الحوار الاجتماعي، معتبرة أن الصيغة الجديدة للمشروع تميل لصالح أرباب العمل على حساب العمال، من خلال فرض قيود وإجراءات إدارية معقدة وشروط تعجيزية، إلى جانب عقوبات صارمة وغرامات غير معقولة، مؤكدة أن هذه الإجراءات تسعى إلى إفراغ الإضراب من مضمونه كحق أساسي، وتعمل على تعميق فجوة القوى بدلا من تحقيق التوازن بين الأطراف، وبأن تنظيم الإضراب يجب أن يعكس روح العدالة والإنصاف، وليس أن يكون أداة للتسلط، مضيفة أن المشروع لا يعكس فقط انحيازا ضد مصلحة الطبقة العاملة، بل يكشف أيضا عن التناقضات داخل الحكومة نفسها، متسائلة كيف لحكومة تضم ممثلين عن أرباب العمل أن تصوغ قانونا يضمن حقا جوهريا لحقوق الشغيلة ؟
بالرغم من رفض جزء من المعارضة لقانون الإضراب لكونه يمس بحقوق فئات واسعة من الأجراء، ويخالف النصوص الدستورية التي تجيز للمواطنين الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، إلا أن تيارا آخر من المعارضة فضل المصادقة على مشروع القانون لأسباب يراها موضوعية، حيث اعتبر النائب سعيد سرار، أن تزكية الفريق الحركي لما تضمنه هذا المشروع في صيغته المعدلة من مبادئ خاصة، يحيل على إمكانية اللجوء للمفاوضة والمصالحة قبل اللجوء إلى الإضراب، ومنع عرقلة ممارسة حق الإضراب وحرية العمل، والتنصيص على حقوق وواجبات الأطراف أثناء الإضراب وإقرار مهلة للإخطار، ومنع كل إجراء تمييزي بسبب ممارسة حق الإضراب، ومنع إحلال أجراء محل المضربين لا تربطهم بالمؤسسة أي علاقة شغل، مع التنصيص على أنه يعتبر باطلا كل شرط تعاقدي فردي أو جماعي يقضي بالتنازل عن ممارسة حق الإضراب، موضحا أن إخراج هذا القانون التنظيمي سيتبعه تعديل مجموعة من القوانين، كمراجعة مدونة الشغل، وإخراج مشروع قانون النقابات، وإلغاء ومراجعة التشريعات والمقتضيات القانونية التي تنتهك الحرية النقابية، ومن ضمنها إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، الذي يتم بموجبه اعتقال ومحاكمة النقابيين بدعوى عرقلة حرية العمل، مشددا على ضرورة إعادة النظر في مدونة الشغل، وإرساء قانون جديد للمنظمات النقابية، بما يوازي قانون تنظيمي للإضراب عصري ومتطور ومستوعب لكل السياقات.
كما عبرت نادية تهامي، عن فريق التقدم والاشتراكية، عن أملها بأن يكلل هذا المجهود الجماعي الكبير بنص متقدم حقوقيا من شأنه أن يشكل لبنة أخرى في بناء المسار الديمقراطي، ويضمن التوازن الضروري بين مصلحة الطبقة العاملة ومصلحة المرفق العمومي والمقاولة المواطناتية المسؤولة، وبين مصلحة المجتمع ككل، ودعت إلى تدارك النقائص فيما تبقى من مسطرة المصادقة، قائلة: لا يزال أملنا قويا في نجاحنا الجماعي لبلورة قانون متقدم للإضراب يتماشى مع عصره، ارتكازا على تلك الشحنة الديمقراطية والاجتماعية الحقيقية التي نتطلع إليها، بما من شأنه صون الحق الدستوري في ممارسة الإضراب، باعتباره تعبيرا احتجاجيا سلميا وحضاريا.
وفي نفس السياق، دعت فرق الأغلبية والمعارضة الحكومة إلى إخراج قانون النقابات ومدونة الشغل لحيز الوجود، حيث طالب أحمد التويزي رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، بضرورة إخراج قانون النقابات بما يراعي تطور العمل النقابي، ومن جهة أخرى استحضار دوره التاريخي في نضال المغرب ضد الاستعمار، معتبرا أن إخراج قانون النقابات ومدونة الشغل أصبح أمرا ضروريا للتجاوب مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية العالمية.