تحقيقات أسبوعية

تقرير | السوار الإلكتروني

بدائل العقوبات السالبة للحرية.. تأخير مدته ربع قرن

بقلم: ذ. عبد الواحد بن مسعود
من هيئة المحامين بالرباط

    صدر الظهير الشريف رقم 1.59.4130 بتاريخ 28 جمادى الثانية 1382 الموافق لـ 26 نونبر 1962 بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي، ونشر في الجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر بتاريخ 05/06/1963 صحيفة من 1253 إلى 1321، ودخلت على فصوله وعددها 612 فصلا، عدة تعديلات، وبمرور مدة طويلة، تبين من خلال التطبيق أن القانون الجنائي في حاجة ماسة إلى تعديل  كلي وشامل ليصبح متلائما مع ما طرأ من تغييرات مست التشريع الجنائي، وكذلك ما ظهر من انحرافات في التطبيق، وما نتج عن ذلك التطبيق أيضا من أثار وانعكاسات مست عدة جوانب من المحاكمة العادلة المنصفة، والإفراط في  تطبيق مسطرة الاعتقال الاحتياطي، والغلو في إصدار عقوبات صارمة، لم تفلح للزجر والردع، ولا للتأهيل والاندماج، كما تسبب تطبيق هذا القانون في اكتظاظ السجون، وما يجري في داخلها، وقلة الإمكانيات لمواجهة ذلك الاكتظاظ، رغم أن رئاسة النيابة العامة أصدرت عدة تعليمات تتعلق بترشيد مسطرة الاعتقال الاحتياطي.

إن القانون الجنائي ينص على أن العقوبات إما أصلية أو إضافية، فتكون العقوبة أصلية عندما يسوغ الحكم بها وحدها دون أن تضاف إلى عقوبة أخرى، وتكون إضافية عندما لا يسوغ الحكم بها وحدها، أو عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية، والعقوبات الأصلية إما جنائية أو جنحية أو ضبطية، ولعل ما يمكن التركيز عليه هو موضوع العقوبات الجنائية الأصلية وهي: الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت من خمس سنوات إلى ثلاثين سنة، الإقامة الإجبارية، التجريد من الحقوق الوطنية، ومعلوم أن هناك من يطالب بحذف عقوبة الإعدام،  وفعلا حذفت العديد من الدول عقوبة الإعدام من تشريعاتها الجنائية، في حين لا زال في المغرب يدور نقاش حاد وجدل واسع حول حذف هذه العقوبة أو الإبقاء عليها، ولكل فريق وجهة نظر ينطلق منها، فهناك من يعتبر أن عقوبة الإعدام ليس من شأنها أن تحقق الهدف، وهو الزجر، وهناك من يعتبر أن تلك العقوبة مفروضة شرعا، وهناك من يقف موقفا وسطا ويطالب بتحديد الجرائم التي تكون عقوبتها هي الإعدام.. والمهم الآن هو أن الواقع الاجتماعي وما أقرته التشريعات الجنائية الحديثة في دول أخرى، وحماية الحريات وحقوق الإنسان في الحياة.. كلها أسباب دعت بإلحاح إلى إعادة النظر في العقوبات، ولا سيما العقوبة السالبة للحرية، والمغرب كان واعيا بهذا الموضوع وإشكالات العقوبات السالبة للحرية، وحاول أن يتخذ موقفا، واقتنع بضرورة البحث عن عقوبات تكون بديلا للعقوبة السالبة للحرية، والاستئناس بتجارب دول أخرى.. وهكذا، وفي أيام 14 إلى 17 نونبر 2000، عقدت في منتزه إفران، مناظرة نظمتها وزارة العدل بمشاركة المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي “بريتش كاونيل”، وخلال هذه المناظرة قدم  النقيب الأستاذ عبد الله درميش، ورقة تحت موضوع “مختلف أشكال بدائل العقوبات السالبة للحرية”، وكان يجب على وزارة العدل منذ سنة 2000، أن تنكب على تنفيذ التوصيات والاقتراحات التي أسفرت عنها تلك المناظرة، ومنها الاقتراحات الواردة في خاتمة تلك الورقة وعددها ثمانية اقتراحات، كانت في ذلك الوقت تساعد على حل مشكلة العقوبات السالبة للحرية، وحل مشكلة السجون المكتظة بالمعتقلين احتياطيا، والذين قيل أن نسبتهم 40 في المائة من النزلاء، وحكمت عليهم المحكمة بالبراءة من التهم المنسوبة إليهم.

لذلك، فإن موضوع البحث عن بدائل للعقوبة السالبة للحرية، لم يكن من تفكير وسعي ومجهود وزارة العدل الحالية، ومن بدائل العقوبات السالبة للحرية، وقع الاهتداء إلى فكرة الحراسة الإلكترونية، بواسطة السوار الإلكتروني، وكما جاء في ورقة الأستاذ النقيب، فإن القيد الإلكتروني هو عقوبة سالبة للحرية من نوع خاص، وهي سجن للمحكوم عليه خارج أسوار السجن، وجاء في تلك الورقة أن الحراسة الإلكترونية تبناها التشريع الأمريكي سنة 1989، والتشريع البريطاني سنة 1995، والسويدي سنة 1999، وأيضا بالنسبة للتشريع في دول الأراضي المخفضة سنة 1995، كما أن فرنسا اقتنعت بتجربة تلك الدول ونجاح تطبيق تلك العقوبة، فأدخلت في قانونها تلك الحراسة بالقيد الإلكتروني بتاريخ 15 أكتوبر 2000، والمناظرة المغربية عقدت في الشهر الموالي، أي في شهر نونبر 2000، والسؤال الذي يطرح نفسه: بما أن المغرب يحذو حذو فرنسا في أغلب تشريعاته، فلما تأخر التشريع المغربي مدة 25 سنة ليلتحق بتلك الدول؟ وقد كان في الإمكان خلال ربع قرن أن تتلافى الدولة المشاكل والصعوبات والأضرار الناتجة عن العقوبات السالبة للحرية، وما تعانيه المؤسسات السجنية، وما يقاسيه أفراد أسرة المعتقلين..

تتمة المقال تحت الإعلان

وفي هذا الإطار، فإن وسيلة معاقبة المجرمين عن طريق الحراسة الإلكترونية، لم تسلم من الانتقادات، إذ يعتبر البعض أن تطبيقها على فئة دون أخرى فيه مساس بمبدأ المساواة أمام القانون، كما أنها تفتقر إلى الاندماج الاجتماعي، لأنها لا تعدو أن تكون إلا وسيلة مراقبة، كما أن هذه الوسيلة محفوفة بمخاطر الفرار، خاصة إذا كان المحكوم عليه يقطن بمكان مجاور لحدود البلد الذي يقضي فيه العقوبة، كما أن من سلبياتها أن الحكم بها كعقوبة إضافية يجعلها تحل محل الإفراج المقيد بشروط، وقيل في حقها أيضا أنها تمس بسرية الحياة الخاصة للمحكوم عليه، إذ تظل الكاميرا تطارده في كل حركاته وسكناته، إلى غير ذلك من الانتقادات الواردة في الورقة التي قدمت في مناظرة إفران.

وللإشارة، فإن هذه الورقة وما تضمنته من دراسة عميقة ومهمة، لمن يريد المزيد من الاطلاع، فقد نشرت في مجلة “المحاكم المغربية”، التي تصدر عن مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء/ عدد 86 يناير ـ فبراير 2001 الصفحة 13 وما بعدها.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى