ربورتاج | ضحايا زلزال الحوز يتهمون أعوان السلطة بالعمل ضد التوجهات الملكية
أين ذهبت الملايير ؟
تتواصل معاناة ضحايا زلزال الحوز في العديد من الأقاليم والمناطق المتضررة بعد مرور أكثر من عام على هذه الكارثة الكبيرة، في ظل انتظارات لإعادة إعمار المنطقة وإيواء هؤلاء السكان، الذين حجوا مؤخرا إلى العاصمة الرباط لنقل معاناتهم وإيصال صوتهم، ملتمسين من الملك والحكومة التدخل قصد تسوية أوضاعهم المزرية.
إعداد: خالد الغازي
رغم حصول الحكومة على قروض مالية بالملايير من مؤسسات بنكية دولية، من الاتحاد الأوروبي والعديد من البلدان مثل اليابان وألمانيا وأمريكا.. إلا أن ملايين الدولارات المتوصل بها لم تستثمر في إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز، ولم تذهب إلى الأسر التي لازالت تعيش في الخيام في مناطق تضاريسها وعرة، مما يضع المسؤولية على الحكومة والسلطات المختصة بخصوص التدبير المالي لأموال صندوق الحوز في غياب تقرير مالي يكشف أين استثمرت هذه الأموال والنسبة التي خصصت لترميم المنازل المتضررة وبناء أخرى لصالح الذين فقدوا مساكنهم كليا ؟
وحسب تصريحات ضحايا الزلزال، فإن غالبية الأسر المتضررة في المناطق الجبلية لازالت تقطن في الخيام في ظل فصل الشتاء والبرد القارس الذي تعرفه هذه المناطق، كما أكد العديد من سكان إقليم الحوز وشيشاوة وجود المحسوبية والزبونية من قبل أعوان السلطة ورجالها في تسوية وضعية المنازل والاستفادة من التعويض الجزئي أو الكلي لإعادة ترميم جدران بيوتهم التي تعرف تصدعات خطيرة تهدد حياتهم.
ويرى العديد من ضحايا زلزال الحوز، أن التوجيهات الملكية لم تأخذ بعين الاعتبار من قبل الحكومة ورجال السلطة بخصوص تقديم الدعم للأسر والأشخاص المتضررين الذين يقطنون الخيام حتى اليوم، بسبب تعقيدات مساطر البناء وشروطه والإمكانيات المادية غير المتوفرة في غياب الدعم المرصود من الدولة لآلاف الأسر، والذي استفاد منه – حسب قولهم – فقط أعوان السلطة والمقربون والذين لهم علاقات مع المنتخبين.
في هذا السياق، يقول سعيد أيت المهدي، عضو تنسيقية ضحايا زلزال الحوز، أن ملف ضحايا زلزال الحوز عرف “تلاعبات” من قبل أعوان السلطة الذين قاموا بتسجيل أصدقائهم وأقربائهم في لوائح المستفيدين، في حين تم إقصاء كل من له خلاف معهم أو ليس له سند أو لم يستجب لطلباتهم قصد الاستفادة من الدعم أو التعويض المخصص لضحايا الزلزال، سواء لإعادة البناء أو التعويض الشهري، مطالبا بمراجعة لوائح المستفيدين والمقصيين وإعادة النظر في المعايير التي تتم بها مقاربة الاستفادة، وتمكين سكان الدواوير من بناء منازلهم عبر تسهيل المساطر.
وأضاف نفس المتحدث، أن العديد من المتضررين، الذين ينتمون إلى أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت، يعانون من الإقصاء من الاستفادة من تعويضات الدولة، ووجدوا أنفسهم بدون مأوى بسبب حرمانهم من الدعم المخصص للسكن، قصد بناء بيوتهم أو ترميمها، مشيرا إلى أن المئات يخشون المطالبة بحقوقهم والمشاركة في الاحتجاج بسبب المضايقات التي يتعرضون لها من قبل أعوان السلطة من خلال تخويفهم وتهديدهم ومطالبتهم بالانتظار رغم مرور أكثر من سنة من المعاناة، وقال: “نحن في جماعة إغيل، بؤرة الزلزال، والتي تضم 27 دوارا تقريبا، هناك الكثير من الناس متضررون، أي حوالي 40 في المائة لم يستفيدوا من الدعم والتسوية، بسبب أعوان السلطة الذين يعرفون الدوار عن قرب، لكنهم يعطون الأسبقية لعائلاتهم وأقاربهم وأصدقائهم، ويختارون من يريدون ويقصون من لهم علاقة متشنجة معهم”.
عبد الله رشيد من جماعة إجوكاك قيادة ثلاثاء نيعقوب عمالة تاحناوت، يقول: “أنا واحد من الناس المتضررين، تم هدم منزلي ولم أستفد أي شيء، وما زلت أعيش في الخيمة في هذا الطقس البارد جدا، كان لدينا منزلان مكونان من طابقين يضمان أربعة أسر، لكن استفاد شخص واحد فقط من الأسرة، بينما نحن ثلاثة أسر لم نستفد لا من التعويض ولا بالسكن، رغم تقدمنا بشكاية إلى العمالة والولاية، فلم نتلق أي جواب، لهذا قررنا المجيء للرباط لنقل معاناتنا إلى المسؤولين”.
وحسب نفس المتحدث، فإن “هناك اختلالات كثيرة في المناطق المتضررة بسبب تصرفات أعوان السلطة، سواء من حيث شاحنات المساعدات الغذائية أو الإنسانية التي تقدم من قبل الجالية بالخارج أو مؤسسة محمد الخامس للتضامن والهلال الأحمر، فالجماعة تضم أكثر من 150 دوارا غير جماعة ثلاثاء نيعقوب وإغيل وأغبار، المشكل تفاقم بسبب أعوان السلطة الذين يرفضون طلبات السكان المتضررين، والأغلبية لديهم منازل سليمة لكنهم حصلوا على الدعم ويقومون ببناء منازل أخرى”، وأضاف: “تقريبا 30 في المائة من الأسر المستفيدة من المساعدات فقط هم من المقربين لأعوان السلطة وأصدقائهم، الناس الذين فقدوا منازلهم لم يستفيدوا، وحاليا مازال الناس يسكنون في الخيام تحت الظلام والبرد القارس.. الناس تضرروا كثيرا، إقليم الحوز كان منسيا فجاء الزلزال ليقضي عليه، حتى المواشي التي أرسلتها وزارة الفلاحة لم تصل إلى الناس ولم يستفد منها أي شخص، ويتم البيع والشراء فيها بين أعوان السلطة والشناقة”.
بدورها، تؤكد فاطمة أزناك، من سكان جماعة ثلاثاء نيعقوب، أن معاناة ساكنة المنطقة كبيرة في ظل التهميش والإقصاء والحرمان من الدعم والإيواء والتعويض المخصص لهم، رغم البيانات واللقاءات وتصريحات المسؤولين، لكن لا شيء تحقق على أرض الواقع، قائلة: “والدتي لم تستفد وهي امرأة أرملة وتعيش في خيمة رفقة أبنائها، وليست هي الوحيدة، فهناك عدة أرامل وكثير من الناس تضرروا كثيرا، يعيشون في الخيام وسط البرد والطقس الصعب، وهذا بسبب أعوان السلطة ورجالها ورئيس الجماعة والمنتخبين.. لهذا نطالب بحقوقنا والتعويضات التي خصصها لنا الملك محمد السادس، فنحن لم نتوصل بدعم 14 مليون سنتيم من أجل البناء، ولا بتعويض 50 ألف ريال شهريا، وقد ذهبنا إلى عمالة تاحناوت ومراكش، ولا مسؤول تجاوب معنا أو استمع إلينا”.
وأضافت فاطمة: “نحن نعيش في مركز الزلزال، فقدنا عشرات الأشخاص من العائلة، واللجن التي زارت الجماعة والدوار جاءت ولم يحصل أي مستجد أو تسوية لظروف عيشنا وسط الخراب، بالمقابل، هناك أشخاص استفادوا ويقومون بالبناء في حين أن الأغلبية لم يستفيدوا بسبب الاختلالات التي حصلت في لوائح المستفيدين، وحاليا الناس تعيش في البرد والثلج وتعاني ظروفا صعبة للغاية”.
كثيرة هي قصص ضحايا زلزال الحوز الإنسانية المؤثرة، سواء الأشخاص الذين فقدوا أبناءهم أو أقاربهم، لكن يظل همهم الوحيد اليوم هو الاستقرار والحصول على منزل أو مسكن بسيط يمكن أن تعيش فيه الأسر التي فقدت منازلها بشكل طبيعي مثل بقية الناس، حيث يقول يوسف من جماعة مزودة إقليم شيشاوة: “المشكل كنا في قائمة الأسر التي تضررت منازلها بشكل جزئي، ولكن تشكل خطرا على السكان، فنحن مهددون رغم أننا نعيش وسط تلك الجدران، ماكثون في تلك البيوت لأنه من الصعب السكن في الخيمة في البرد القارس والشتاء، رغم أن خطر الهزات الارتدادية لا زال قائما، والمشكل الكبير أن اللجنة جاء وقامت بالمعاينة ولكن تجد أناسا مستفيدين والبعض الآخر غير مستفيد رغم أننا من نفس درجة الضرر، وهناك من استفاد وليس له ضرر لأن له علاقة مع أعوان السلطة”.
وأوضح نفس المتحدث: “حضرت اللجنة وقامت بالمعاينة وسجلت الملاحظات، ولكن لم تكن هناك استفادة، وقدمت طلبات إلى القائد لكنه يرفض استقبالنا سواء بخصوص الدعم الاستعجالي أو الدعم المخصص للسكن الذي لم نتوصل به، ويقولون أن هناك لجنة أخرى سوف تقوم بزيارة المنطقة، وعندما نذهب إلى العمالة يقولون أن الملف ليس بأيدنا بل في الرباط، ولا أحد يوضح لنا الأمور..”.
حميد من جماعة امكدار دائرة أسني إقليم الحوز، يقول: “هناك من استفاد بطريقة ما وهناك من تم إقصاؤه، نحن نقطن في دوار لم يبق له وجود، تبقت فقط 6 منازل، والسبب الذي حرم الناس من الاستفادة هم أعوان السلطة، حيث عند مجيء اللجنة الأولى تم تسجيل المتضررين، ولكن وقعت اختلالات وتم إسقاط العديد من المسجلين، وتقدمنا بملتمسات وطلبات إلى القيادة، ولكن تم فرزهم واختيار البعض منهم فقط، ولم يتم عرض جميع الطلبات على اللجنة، التي تواصلت فقط مع بعض الأسر القليلة جدا”، وتابع موضحا: “هناك نساء تتجاوز أعمارهن 80 سنة و86 سنة، هدمت بيوتهن ولم يستفدن من التعويض المخصص للبناء وغيره، الملاحظ حاليا أن نسبة المستفيدين لا تصل حتى لـ 20 في المائة.. ففي كل دوار تجد 5 منازل أو عشرة فقط تم بناؤها، لدينا في الدوار 80 أسرة لكن المستقرة فيه 64 أسرة، والجماعة تضم 35 دوارا، لكن الملاحظ أن عملية الإعمار والبناء محدودة، لأن الدعم الذي قيمته 14 مليون سنتيم المصرح به، لم يصل إلى المتضررين، وتم عبر دفعات قليلة وهناك من توصل فقط بـ 4 أو 6 ملايين سنتيم، وهناك من انقطع عنه دعم 2500 درهم بعد ثلاثة أشهر، بمعنى أن هناك اختلالات كبيرة في ملف ضحايا زلزال الحوز، تتطلب لجنة مستقلة وسحب الملف من أعوان السلطة والسلطات”.
وحسب مرصد “برنامج إعادة البناء لمرحلة ما بعد الزلزال في الأطلس الكبير”، التابع لجمعية “تراسبرنسي”، فإن الشفافية غابت عن التدبير المالي للصندوق الذي أحدث لتمويل عمليات إعادة الإعمار بالمناطق المتضررة من الزلزال، حيث أن الحكومة تأخرت في نشر تقارير دورية حول النفقات والتفاصيل المتعلقة بالمساهمات، وغياب بيانات دقيقة حول مصادر التمويل وتقسيم الميزانية، مما يعيق عملية تتبع الإنفاق ومراقبة التنفيذ، ولم تقم بإعداد ونشر تقارير دورية تسمح للمواطنين بالحصول على المعلومات.
وأضاف المرصد، أن الحكومة لم توضح مستوى المساهمات من مختلف المصادر الخمسة المحددة حتى 20 شتنبر 2023، كما لم تفصح عن مساهمات السلطات المحلية والتعاون الدولي، ولم تقدم تفاصيل دقيقة عن الميزانية أو الأهداف حسب المناطق، وأكد أن الأرقام الإجمالية لا تمكن المسؤولين والمواطنين من متابعة التقدم أو التزامات البرنامج بشكل واضح، مشيرا إلى وجود ثغرات كبيرة في إدارة الصندوق المخصص لتمويل عمليات إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز، مما أثار تساؤلات كثيرة حول الشفافية والحكامة في التعامل مع هذا الملف الحساس.