المنبر الحر | تحدي بناء الأمة يفرض نفسه على المسلمين في العصر الحديث
بقلم: الحسن العبد
يقول أحد المصلحين المسلمين: “بدلا من أن نصلح أحوالنا ونحيي آمالنا ونجدد مسيرتنا، حاولنا أن نصلح ونجدد ونحيي الإسلام، والإسلام لا يمرض ليُصلح، ولا يموت ليحيا، ولا يقدُم ليجدد.. إن نهر الإسلام نهر عظيم سددنا مجراه بخلافاتنا وتصوراتنا، ولوثناه بحظوظ أنفسنا، وأضعفناه بمشاكلنا، فدعونا – أسألكم بالله – في هذا القرن، نجعل النهر يجري من جديد”.
إن العبد المسلم يؤمن بأن الدين الإسلامي أتى ليسعد الإنسانية، وكما كانت لأسلافنا الميامين فتوحات ذات طابع حضاري محض، فإن أبناءنا وأحفادنا سيتنعمون بفتح مبين زمن التمكين عما قريب، بحول الله، تكون فيه وحدة الأمة بعقيدة دينية سليمة، وحضارة ربانية مفعمة بكل خير، وفي هذا المضمار يرى الكثير من علماء الأمة، أن المستقبل للإسلام، وهذا في نظرهم، ليس مجرد شعار يتبناه حكماؤنا محوطا بالأمل والرجاء، وإنما هو دين، كما يقول البعض، وعقيدة، نؤمن يقينا، ونوقن بجزم أن المستقبل للإسلام، لأن المسلم بحكم إسلاميته وتدينه، يؤمن بالمستقبل، وأن لكل مشكلة حلا، ولكل مسألة جوابا، ولكل داء دواء، وقد قرر هذه الحقيقة كتابنا المحفوظ، وسنة نبينا المعصوم، والسنن جاءت تثري وتثبت هذه الحقيقة، وتقررها وتنبه عليها.
روى مسلم وغيره، عن ثوبان، وشداد بن أوس، رضي الله عنهما: ((إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها، ومغربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها))، وروى ابن حبان في صحيحه: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل به الكفر))، وهذا ما يحتم علينا العناية بالأمة وبتفعيل طاقاتها وتطوير آليات عملها قبل العناية بالدولة ومؤسساتها، كما يقول الدكتور أحمد الريسوني، ليكن شعارنا في ذلك “بناء الأمة وتفعيلها أولا”.
ويسترسل الريسوني في قوله: “إن الأمة هي ما يزيد على الألف مليون، وأن عشرات الملايين منهم يوجدون في قلب الدول الغربية والحضارة الغربية، وأن في الأمة ملايين من العلماء والأثرياء، ومن المفكرين والمبدعين، ومن الدعاة والعاملين، وملايين من المستعدين الراغبين في البذل والتضحية والجهاد لدينهم ولأمتهم، وللبشرية قاطبة، وأن كل هذه الطاقات التي لا يحصيها إلا الله تعالى، لا تحتاج إلا إلى التحريك والتوجيه، تحتاج إلى من يسلك بها سبل الرشاد، في الدعوة والتعليم والإعلام والتدافع السياسي والثقافي السلمي، والعمل الخيري والتنموي”.
قال عزمن قائل: ((وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) (الآية 40/ سورة الحج).
بعز عزيز تتطلع الأمة الإسلامية اليوم إلى نصر عاجل وفتح قريب وعدا من الله العلي القدير، وبأمره عز وجل نصر يعز فيه من والاه ويذل فيه من عاداه بقوته، ثم باستعماله لجنده الذين هم على الحق ظاهرون أعزة على الكافرين، أذلة على المؤمنين، لا يخافون في الله لومة لائم، نصر يرفع عن الأمة الإسلامية هذا الذل والهوان الذي تسربلت به من عند أنفسنا: ((قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ)) (الآية 165/ سورة آل عمران)، ومن غيرنا من الأعداء: ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)) (الآية 27 /سورة النساء).
نصر من الله ينقلنا من دركات المهانة والإذلال إلى درجات العزة والرفعة والسمو بالله.
لكن وحتى لا يتأخر النصر والإصلاح والازدهار الموعود، لتتزخرف الأرض وتتزين بحضارة مشرقة يسعد فيها الجميع، حضارة إسلامية إنسانية بعمران رباني كامل: ((حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا)) (الآية 24 /سورة يونس)،
لنأخذ بالأسباب متوكلين على آلله، فالعودة إلى الله سبب لكل خير، والبعد عن الله سبب لكل شر وهوان، والعودة تكون بالتوبة وبالإنابة إلى الله بالدعاء والتضرع والتعبد والعلم والعمل، ثم العمل بالأسباب بتربية جيل النصر المنشود على كتاب الله ومائدة السنة النبوية الشريعة، كعدة روحية بعلم شرعي، إلى جانب الاستعداد للعدة المادية والمعنوية بعلم نافع، ولكن وبالأخص وجب إعادة النظر في سلوكنا بنبذ كل أسباب التفرقة والاختلاف، والارتكاز على الحوار المتمدن والتشاور في مختلف المجالات والقضايا: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ)).
ومما لا شك فيه، أن هذه الأمة الإسلامية منتصرة بنصر الله سبحانه لها، وهي “ظاهرة على غيرها من الأمم، ولن تفقد هذه الأمة بإذن الله خيريتها، أو تنهزم انهزاما مطلقا مهما أصابها الوهن وظن الكافر الحاقد أنها قد تودع منها، أو لم يعد يرجى برؤها”، كما يقال، وهذه حقيقة دلت عليها النصوص الشرعية، حيث وعد الله سبحانه لها بالنصر، قال تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))، وقال سبحانه: ((وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)).