ربورتاج | التشغيل.. عنوان الفشل الكبير لحكومة عزيز أخنوش
أرقام البطالة حاليا تتعدى "بطالة كورونا"
من أكبر المعضلات التي يعاني منها المغرب، أزمة التشغيل، التي عجزت حكومة أخنوش عن إيجاد حلول لها بالرغم من البرامج الممولة والميزانيات المرصودة لهذا الغرض، والتي لم تحقق الأهداف المتوخاة منها، مما جعل النقاش يكثر حول أزمة التشغيل وارتفاع معدل البطالة مع اقتراب الحكومة من سنتها الرابعة، وبالرغم من خطاب الحكومة الأول خلال تقديم التصريح الحكومي بالبرلمان، وتقديم وعود تتخطى الواقع، من تشغيل مليون ونصف من الشباب المغاربة، والعمل على تحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة من خلال التحفيزات الضريبية والتسهيلات المالية لخلق فرصة شغل.. إلا أن هناك تحديات كبيرة، خاصة بالنسبة للمقاولات التي ترى أن الإجراءات الضريبية غير كافية، وأن فرص الاستثمار محدودة وضيقة لا تسمح لفتح أبواب الشغل أمام الشباب.
الرباط. الأسبوع
خالفت الحكومة التزاماتها في التصريح الحكومي الأول في أكتوبر 2021، والذي تحدث عن توفير 250 ألف منصب شغل في ظرف سنتين عبر برنامج “أوراش”، وإحداث 350 ألف منصب شغل في المجال القروي من خلال مخطط “الجيل الأخضر”، ثم خلق 100 ألف منصب شغل في قطاع الصيد البحري وتربية الأسماك، كما وعدت الحكومة بخلق أكثر من 400 ألف منصب شغل خلال الفترة ما بين سنة 2022 و2026، في مجال صناعة السيارات والصناعات الدوائية، وقطاعات المعادن والإلكترونيات والبلاستيك، ثم خلق 50 ألف منصب شغل سنويا في قطاعي الصحة والتعليم..
وحسب خبراء، فإن حكومة أخنوش تعد أضعف حكومة في تاريخ المغرب في قطاع التشغيل، لكون محاولات التشغيل والبرامج التي قامت بها فاشلة، فهي لم تحقق مناصب دائمة، وتعيش على تناقضات كبيرة، حيث تصرح بفقدان 200 ألف منصب شغل في مارس 2024، ثم خلق أكثر من 500 ألف منصب شغل في شهر يونيو، في ظل وصول معدل البطالة إلى 13.6 في المائة، بعدما كان خلال فترة “كورونا” في حدود 11 في المائة.
وقد كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي يترأسه أحمد رضى الشامي، أن مليون ونصف شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة في المغرب، يوجدون في وضعية غامضة خارج نطاق منظومة التعليم والتكوين وسوق الشغل، حيث أن عدد العاطلين بدون عمل ولا تعليم يصل لـ 4.3 ملايين شخص أعمارهم تتراوح بين 15 و34 سنة، معتبرا أنه عدد كبير يطرح إشكالات تتعلق بالإقصاء والشعور بالإحباط، والتفكير في الهجرة، وتهديد التماسك الاجتماعي.
واعتبر مجلس الشامي أن معدل البطالة المسجل على الصعيد الوطني والذي فاق 13 في المائة، يظل الأعلى على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن شأن استمرار تدهور مؤشرات سوق الشغل والارتفاع المستمر للبطالة، أن يؤدي إلى انعكاسات سلبية كبيرة مستقبلا على المستوى الاقتصادي، بما فيها تحمل ميزانية الدولة النفقات المرتبطة بالتعويض عن فقدان الشغل، والدعم الاجتماعي المباشر، وتأثير البطالة على المستوى الاجتماعي، بالإضافة إلى أرقام المندوبية السامية للتخطيط، التي تؤكد أن برامج التشغيل التي وضعتها الحكومة منذ تنصيبها، أثبتت عدم فعاليتها ومحدودة الظرفية، وليست لها أبعاد اجتماعية على المدى البعيد، إذ أن بعض البرامج التي اعتمدت عليها الحكومة، مثل “فرصة” و”أوراش” و”المقاول الذاتي” و”تأهيل المقاولات”، والتي وعدت الحكومة بأنها سوف تساهم في توظيف مئات الآلاف من الشباب من سنة 2022 إلى 2026، لم تخفض معدلات البطالة.
وحسب المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، فإن معدل البطالة ارتفع بشكل ملفت خلال عهد حكومة أخنوش بشكل غير مسبوق، حيث انتقل من 13.5 في المائة خلال الفصل الثالث من سنة 2023، إلى 13.6 في المائة خلال ذات الفترة من سنة 2024، حيث ارتفع عدد العاطلين بـ 58.000 شخص، أي من 1.625.000 إلى 1.683.000 عاطل، ما يمثل ارتفاعا بـ 4 في المائة.
في هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي رشيد ساري، أن معدل البطالة (13.6 % -13.7 %) أصبح قريبا من 14 في المائة، وهو معدل لم نصل إليه حتى في فترة جائحة “كورونا” التي كانت 12 في المائة، وأثارت مخاوف كثيرة، بينما اليوم الأسباب متعددة ويمكن حصرها في ثلاث نقاط: النقطة الأولى متعلقة بالتأثيرات المناخية والجفاف على القطاع الفلاحي، الذي يشغل أكثر من 40 في المائة من الفئة النشيطة من العمال الزراعيين، حيث أنه بسبب الجفاف أعلنت مجموعة من الضيعات الفلاحية عن إفلاسها وأغلقت وتخلت عن عمالها، والسبب الثاني، يتعلق بالبرامج التي وضعتها الحكومة والتي استنزفت مجموعة من الميزانيات والأموال، مثل برنامج “أوراش” الذي يمكن القول أنه “برنامج فارغ جدا”، وفاشل لكونه لم يوفق في أي شيء، وبرنامج “فرصة” فشل أيضا، حيث أن تقييم هذه البرامج ليس في صالحها لأنه يبرز ضعفها.
والإشكالية الثالثة، حسب المتحدث ذاته، مرتبطة بالتعليم بشكل أساسي، لأن مجموعة من البرامج التعليمية، خاصة على مستوى التعليم العالي، غير موجهة لسوق الشغل، حيث أن هذه التكوينات يمكن أن تجعل أي شخص يحصل على ديبلومات أو شواهد جامعية غير موجهة لسوق الشغل، وهذا إشكال كبير، خاصة وأن مجموعة من الشعب بدون جدوى وليس لها مستقبل، مشيرا إلى أن معدلات البطالة قبل “كورونا” كانت ما بين 9 و10.5 في المائة، وخلال الجائحة سجلت 11 في المائة، لهذا تبقى برامج التشغيل التي وضعتها الحكومات السابقة أفضل من برامج الحكومة الحالية التي تتغنى بأنها حكومة الإنجازات غير المسبوقة والكبيرة جدا، والتي لا نرى أثرها في التشغيل، ولا على المواطن الذي يعاني من تدهور القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار.
واعتبر ساري، أن قانون المالية لسنة 2025 لم يأت بجديد رغم تخصيصه 14 مليار درهم للتشغيل، لأن حقيقة هذه الميزانية المعلن عنها، هي تجميع لمجموعة من الميزانيات التي كانت مخصصة لبعض البرامج السابقة، يعني أن هذه المسألة التي يتم الترويج لها في هذا القانون حول تخصيص 14 مليارا، لم تكن محددة، بل هي نتيجة تراكم لمجموعة من البرامج في التشغيل التي لم يتم إنجازها خلال السنوات السابقة، مضيفا أن الإحصائيات المصرح بها تبقى غير دقيقة، لأن هناك قطاعا غير مهيكل لا نعرف كم يشغل، ويشكل عبئا كبيرا على الاقتصاد الوطني بنسبة 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، لاسيما وأن هناك مجموعة من الناس غير مصرح بهم في هذا القطاع، وبالتالي المعدلات غير مضبوطة.
من جانبه، اعتبر المحلل الاقتصادي بدر الزاهر الأزرق، أن رصد 14 مليارا لمبادرة التشغيل، تعتبر من النقط السوداء بالنسبة للحكومة اليوم، لأنها أولا حاولت أن تعالج مشكل البطالة في بداية ولايتها إلى حدود المنتصف، عبر القطاع الخاص، ومن خلال برنامج “أوراش” وبرامج أخرى، لكن تعاقبت عليها الأزمات من الجائحة إلى الصدمة التضخمية التي قلصت قدرة القطاع الخاص على خلق فرص الشغل، خاصة في القطاع الفلاحي المرتبط بالأزمة المناخية، وبالتالي، فإن المناصب التي فقدها القطاع الفلاحي تفوق تقريبا 200 ألف إلى 300 ألف منصب، التي هي مناصب من الصعب إعادة إدراجها في قطاعات أخرى، لأنها لا تتوفر على مؤهلات كافية على الأقل ليتم إدراجها في القطاع الصناعي، أو بعض الخدمات المرتبطة بقطاع السياحة، والبناء الذي كان دائما الملاذ الأول لهذه المناصب التي تأتي من قطاع الفلاحي.
وأكد نفس المتحدث، أن هذه الأزمات المتوالية خلال السنوات الثلاث الماضية، خاصة الأزمة التضخمية وغلاء مواد البناء، وتراجع الإقبال عليها ترك هذه الفئة بدون شغل، لذلك ارتفعت نسبة البطالة بين 13 و14 في المائة، وهي نسب غير مسبوقة، أضف إلى ذلك فشل برنامج “أوراش” الذي كان الهدف منه تأهيل 250 ألف شاب وإدماجهم في سوق الشغل، لكنه لم يستمر، مضيفا أن التشغيل يظل المجال البارز الذي فشلت فيه الحكومة، الشيء الذي دفعها لرصد مبلغ 14 مليار درهم من أجل تحفيز سوق الشغل، وتحفيز المقاولات على استقبال الشباب العاطلين والإشراف على تكوينهم ومواكبتهم ومحاولة إعادة إدماجهم في قطاعات أخرى، متمنيا أن تتوفق الحكومة في هذا المسعى، لأن المسألة أصبحت صعبة عليها وفق المخطط الذي وضعته مؤخرا.
بدوره، يؤكد عبدو الجواهري، مستشار في الاقتصاد والمقاولات، أن معضلة التشغيل متجذرة، وتتجلى مكامن الضعف والخلل فيها، في السياسات المتعاقبة والتي كانت مرتكزة أساسا على سلسلة من الإصلاحات يؤثر عليها الطابع المؤقت والمرحلي، وغياب رؤية مستقبلية منبثقة عن دراسة ميدانية واقعية، والعامل الديمغرافي، والاكتظاظ في المدن الذي لم تستطع السياسات المتتالية كبحه، إلى جانب عدم التوافق بين التكوين والتعليم مع متطلبات سوق الشغل، معتبرا أن إشكالية التشغيل بنيوية لا زال المغرب يجر أذيالها لحد الآن، إلى جانب إشكالية أخرى تتعلق بنوع جديد من البطالة في أوساط الشباب، الذين لا تكوين لهم ولا شغل ولا تعليم، أي ما يصطلح عليه بثلاثية اللاءات.
وقال الجواهري أن هناك ثلاث رؤى للحد من أزمة التشغيل على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ولا بد من القيام من دراسة ميدانية للوقوف على مكامن الخلل، والاستفادة من تجارب ناجحة في البلدان التي تشبه التجربة المغربية، على المدى الطويل، من خلال هيكلة كاملة للمنظومة التعليمية مع الأخذ بعين الاعتبار التضخم السكاني والمجالي، ثم جعل سياسات التكوين تتماشى مع رؤية القطاع الصناعي والقطاع الحر.
وحسب تقرير للمعهد المغربي لتحليل السياسات العمومية، فإنه لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه سوق الشغل حاليا، يجب على الحكومة اتباع نهج شامل وإنشاء أوجه ترابط نشطة، والتنسيق بين مقدمي الخدمات التعليمية والمهارات والعاملين وأرباب العمل، وضمان التعاون الفعال بين وكالات التشغيل والشركات في القطاع الخاص، مبرزا أن هناك نقصا كبيرا في فرص الشغل بالنسبة لخريجي التكوين المهني، حيث لا تزال فرص الشغل ضعيفة كما تثبت ذلك معدلات البطالة بين المتلقين لهذا التكوين والتي تبلغ 24.5 في المائة في عام 2017 مقابل 16 في المائة من عموم الخريجين، كما أن معدل البطالة لا يزال في ارتفاع إلى جانب مستوى التكوين المهني الذي يتم تلقيه، وبالنسبة لخريجي التكوين المهني الذين ولجوا سوق الشغل، فإن 33 في المائة منهم (مقارنة بـ 11 في المائة من باقي الخريجين) يشغلون مناصب بمستويات أقل من مؤهلاتهم.
ووفق ذات التقرير، فإن سوق الشغل المغربي يعاني من ثلاث تحديات رئيسية، حيث تعتبر فئة الشباب والنساء هي الأقل إدماجا في سوق الشغل، حيث أن مشاركتها منخفضة بشكل خاص، مما يجعل معدل البطالة في صفوف الشباب المتعلم مرتفعة، ثم قلة فرص الشغل لاستيعاب تدفق المواطنين في سوق الشغل، حيث تتركز العمالة المهيكلة في الشركات الكبرى بينما تواجه الشركات الصغرى والمتوسطة قيودا عديدة حتى تتمكن من الاستمرار، بالإضافة إلى هيمنة الطابع غير المهيكل على سوق الشغل، فنمو العمالة غير الفلاحية بطيء للغاية، كما أن الشغل في قطاع الخدمات يتركز في الخدمات التي لا تتطلب مهارات عالية، إضافة إلى ذلك، فإن الإنتاجية منخفضة وآليات الحماية والحوار الاجتماعي غير كافية.