تحقيقات أسبوعية

تقرير | مظاهر انحراف تشريعي حكومي غير مسبوق

التشريع من أجل "الريع"

يدور نقاش بين الفاعلين السياسيين والنقابيين والحقوقيين حول “أزمة التشريع بالمغرب” في ظل تمرير الحكومة لمجموعة من مشاريع القوانين، سواء المتعلقة بالمالية والاقتصاد، أو العدالة أو الشغل والحياة العامة، مما يطرح العديد من التساؤلات حول مسألة التشريع وتحقيقه للعدالة والمساواة بين المواطنين والنمو الاقتصادي.

إعداد: خالد الغازي

    يرى العديد من المحللين والخبراء أن الطريقة التي تدبر بها الحكومة مشاريع القوانين وكيف تسابق الزمن من أجل المصادقة عليها دون فتح نقاش حولها، في ظل وجود مشاريع معطلة منذ عهد الحكومة السابقة لازالت في “الثلاجة” وتحتاج للإرادة السياسية الشجاعة من قبل الأغلبية الحكومية للإفراج عنها، بينما نهجت الحكومة سياسة الهروب إلى الأمام سعيا منها إلى تمرير مشاريع ذات أهمية كبرى بالنسبة للمجتمع والدولة، من بينها قانون المسطرة المدنية، مشروع قانون المسطرة الجنائية، ومشروع قانون الإضراب، دون تبني مقاربة تشاركية رغم أن دستور 2011 ينص على ضرورة التشاور في صياغة القوانين وحتى إشراك المجتمع المدني.

تتمة المقال تحت الإعلان

والملاحظ، أن حكومة أخنوش تفتقد للمقاربة التشاركية في طرح مشاريع القوانين، أو مشاريع اقتصادية وبرامج مع أهل الاختصاص أو الفئات المعنية بهذه القوانين، حيث أن التشاور مع الفاعلين والمهتمين يظل غائبا كليا عند طرح أي قانون، على الرغم من أهمية المشروع وتأثيره المباشر على المواطنين وعلى بعض المهن، مثل المحاماة، العدول، الممرضين، الأطباء، المهندسين، والأساتذة، والدليل على ذلك الأزمة التي خلقها مشروع قانون الإطار الخاص بموظفي التعليم، الذي تسبب في شلل وتوقف عن الدراسة لأكثر من ثلاثة أشهر، إلى جانب قانون تدريس الطب والصيدلة، الذي تسبب في احتجاجات للطلبة فاقت الثمانية أشهر.

كل هذا يؤكد أن هناك أزمة حقيقية لدى الحكومة في مجال التشريع في غياب التشاور مع الهيئات الممثلة للمواطنين المستهدفين من المشروع أو النص القانوني، حيث تظل المقاربة التشاركية التي نالت ثقة الجميع، هي التي اعتمدت خلال صياغة دستور 2011، والتي عرفت إشراك المجتمع المدني والهيئات الحقوقية والنقابات إلى جانب الأحزاب، والأمر شبه غائب حاليا في صياغة القوانين الحالية، ودون مراعاة الأثر التشريعي وتأثير هذه القوانين الجديدة على الحياة العامة للمواطنين وميزانية الدولة، مما يجعل بعض المشاريع الحالية تفتقر للشفافية المطلوبة.

ومن بين الأمور الغريبة التي تبرز استغلال التشريع لأجل المصالح أو تحويل التشريع لوسيلة لتشجيع “الريع” وتحقيق المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة للمواطنين، الإجراءات التي جاء بها قانون المالية لهذه السنة، والتي قد تسبب ضررا للاقتصاد الوطني، خاصة في بعض المواد الأساسية، مثل إنتاج العسل، حيث نص القانون على تخفيض الرسوم الجمركية على استيراد عبوات العسل من 40 % إلى 2.5 % التي يفوق وزنها 20 كيلوغراما، مما سيخدم الشركات المحتكرة لسوق الاستيراد من الخارج، بينما سيضرب هذا القانون الشركات الصغيرة والتعاونيات المنتجة للعسل المحلي، وينضاف لذلك إجراء حذف الرسوم الجمركية على الأدوية المستوردة، بما معناه تشجيع الاستيراد على حساب الصناعة الوطنية، وذلك بهدف دعم الشركات التي تشتغل في هذا المجال لإغراق الأسواق الوطنية بالأدوية المستوردة، الموجودة أصلا، وقتل الصناعة الدوائية المحلية، مما يخدم مصلحة لوبيات معينة تسعى إلى الاستثمار في قطاع الأدوية لكنها لا تملك الخبرة والأطر الكفؤة للصناعة، لذلك تلجأ إلى الربح السريع من خلال الاستيراد.

تتمة المقال تحت الإعلان

كل هذا يبين التناقض الحكومي بين تسويقها خلال السنوات الماضية لحماية المنتوج الوطني، عبر رفع الرسوم الجمركية المتعلقة بالتجارة الإلكترونية ومجموعة من المنتجات التي تنافس الصناعة المحلية من 20 % إلى 40 %، خاصة في قطاع النسيج والألبسة، عبر تبني شعار “صنع في المغرب” قصد نمو الاقتصاد الوطني، لكن حكومة أخنوش لم تقاوم أصحاب “الريع” وقررت تخفيض الرسوم الجمركية على عدة منتجات ومواد في قانون المالية لسنة 2024، من 40 % إلى 30 %، مغيرة الإجراءات التي أتى بها محمد بنشعبون في قانون مالية 2020.

في هذا الإطار، يرى المحلل السياسي رشيد لزرق، رئيس “مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية”، أنه في عهد حكومة أخنوش (2021-2023)، ليس هناك مخطط تشريعي وفق معايير واضحة غير حكومية، ورغم أغلبيتها العددية، فالملاحظ أن هناك بطئا في إصدار القوانين وتعثرا في إنجاز بعض التشريعات الهيكلية، ورغم التصريحات الحكومية بكون هناك انسجاما حكوميا، لكن تعثر التشريع يؤكد وجود صعوبات في التنسيق بين مكونات الأغلية الحكومية، مما أثر على الإنتاج التشريعي، فرغم أن الحكومة أصدرت بعض القوانين المهمة في المجالات المالية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الحصيلة التشريعية تبقى دون الانتظارات.

وأوضح لزرق، أن المنظومة الحزبية ككل تعرف تحديات وصعوبات، تتمثل في تراجع مصداقية الفعل السياسي لدى المواطن، فأحزاب الأغلبية في الفترة المتبقية من عهدة الحكومة تحاول تدبير المرحلة للحصول على مواقع تمكنها من مناصب لها عائد انتخابي، بينما تعاني المعارضة من صعوبة التنسيق حتى في حدوده الدنيا، وعدم قدرتها على طرح البديل، الأمر الذي يولد إحباطا سياسيا ويؤشر على بروز عزوف انتخابي في الاستحقاقات القادمة في ظل عدم اليقين والعجز عن التجديد والاستجابة للمتغيرات المتسارعة في المجتمع.

تتمة المقال تحت الإعلان

وبخصوص وجود نصوص قانونية قديمة مؤطرة لبعض المجالات تعود إلى حقبة الاستعمار أو الاستقلال، أكد لزرق أن التحولات الاجتماعية التي عرفها المغرب تطرح إشكالية القوانين القديمة وضرورة تحيينها وملاءمتها مع دستور 2011، وهذا التضارب يخلق فجوات قانونية تعيق المسار التنموي وتؤثر سلبا على حقوق المواطنين وحرياتهم، فالقوانين الفعالة يجب أن تكون مرنة وقادرة على التكيف مع المتغيرات، وليست نصوصا جامدة تعكس حقبة زمنية انتهت، لذا فإن عملية المراجعة والتحديث المستمر للترسانة القانونية، أصبحت ضرورة ملحة وليست مجرد خيار، وتتطلب تظافر جهود المشرعين والخبراء والمجتمع المدني لضمان تشريعات عصرية تحمي الحقوق وتكفل العدالة

من جهته، يقول المحلل السياسي عباس الوردي، أن مسألة التشريع أولوية الأولويات التي يجب أن تنطلق من خلالها قوى الأغلبية والمعارضة في إطار تجويد البنية التنموية، والارتقاء بدولة المؤسسات إلى مصاف الدول المتقدمة على أساس أن القوانين هي التي تؤطر المرفق العمومي وعبره تسهل مأموريته، ومن خلاله تنمي الإطار البنيوي لمؤسسة الدولة، وبالتالي، فنحن أمام ضعف منسوب التشريع لأن هناك مجموعة من المحطات الفارقة التي مر منها المغرب، خاصة في ظل هذه الحكومة، منها جائحة “كورونا” وكارثة زلزال الحوز وفيضانات المغرب الشرقي… وأيضا الارتفاع المهول في أسعار المواد الخام والمواد الأولية، وخلق بيئة سجالية في إطار التعاطي مع مجموعة من القوانين المرتبطة بالبنية التشريعية، موضحا أن النقاش الحاد الدائر بين الأغلبية والمعارضة، يتعلق بقانون تنظيم الإضراب، وقانون المسطرة المدنية، والمسطرة الجنائية، وكذلك مجموعة من البنى التي بطبيعة الحال ترتبط بتنمية المجال، مما يحتم ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أولويات التشريع، كما تتم العناية بأولوية التنمية والاستثمار ومجالات أخرى، فلا يمكن أن يكون الاستثمار صحيحا أو التمويل مبنيا على النتائج دون بنية تشريعية متجددة وقائمة على النتائج، معتبرا أن هذا هو التوجه الذي يجب أن يتم اتباعه بالنسبة للأغلبية والمعارضة على أساس الاتفاق على مصلحة الوطن وعلى الغايات المنشودة من وراء مجموعة من المشاريع الكبرى المهيكلة التي ينهجها المغرب في ظل العهد الجديد، ويتعلق الأمر بالنموذج التنموي والدولة الاجتماعية وغيرها من البنى التي تكرس معيارية استراتيجية عنوانها أجرأة مجموعة من التوجهات الكبرى التي تبدأ من وإلى المؤسسات على أساس خلق دينامية جديدة عنوانها الانطلاق من البنية التشريعية الجادة والفعالة، إلى تدبير يقوم على “الماكروتنموية”.

ويظل موضوع “أزمة التشريع في المغرب” يحظى باهتمام المنظمات والفاعلين النقابيين والحقوقيين، خصوصا في عهد الحكومة الحالية، حيث أكد النقابي والحقوقي يونس فيراشين، أن المغرب يواجه تحديات خطيرة تتمثل في مجموعة من القوانين التي تعكس تغول الرأسمال وتمظهره في أغلب التشريعات، من خلال ضرب المكتسبات الاجتماعية، وخوصصة القطاعات، والتضييق على الحقوق والحريات، حيث تجسد الحكومة الحالية زواج السلطة بالمال.

تتمة المقال تحت الإعلان

وكشف تقرير للجنة العدل والتشريع بالبرلمان، أن ضعف تعاطي الحكومة مع مقترحات القوانين المقدمة من الفرق النيابية، رغم أن المادة 24 من القانون التنظيمي، المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، يؤكد على ضرورة حضور أعضائها لدراسة المقترحات، مبرزا أن تعاطي الحكومة مع مقترحات القوانين لا يزال دون المستوى المأمول بالنظر للعدد الضئيل من المبادرات التشريعية البرلمانية التي تحظى بقبولها، وعدم التعامل مع هذه المقترحات، بالإضافة إلى إشكالية تدبير الزمن التشريعي، حيث رصد التقرير تأخر العديد من القوانين التي تستغرق سنوات من أجل الوصول للبرلمان وتتطلب دراستها زمنا طويلا، ليتم سحبها من قبل الحكومة دون ذكر الأسباب والمبررات الحقيقية، مثل القانون الجنائي وغيره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى