الحقيقة الضائعة

الحقيقة الضائعة | الشاوية والريسوني.. ومواجهة المخطط الاستعماري

المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية "الحلقة 101"

تفاجأنا في “الأسبوع” بكم هائل من رسائل القراء، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطالبنا بالاستمرار في نشر كتابات مؤسس جريدتنا، المرحوم مصطفى العلوي.

وتلبية لطلب هؤلاء القراء الأوفياء المتعطشين لصفحة “الحقيقة الضائعة” التي غابت عنهم هذا الشهر، تعود هذه الصفحة بقلم الراحل مصطفى العلوي لتقديم جزء مما تركه من مؤلفات ذات قيمة تاريخية.

كتاب “المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية” الذي صدر في خمسة أجزاء، نستهلها بنشر الجزء الأول الذي يهتم بالمراحل التي كان عليها المغرب قبل الاحتلال، أيام السلطان الحسن الأول، ثم مراحل الاحتلال، ومراحل مقاومة الاحتلال، ثم الاستقلال في الأجزاء التالية، حيث سيجد القارئ عناصر تنشر لأول مرة.

تتمة المقال تحت الإعلان
بقلم: مصطفى العلوي

    حقا إنها دوامة من الأحداث.. سهلة القراءة في سطور، ولكن لنتخيلها قليلا، ولنتصور حيرة المغاربة وذعرهم من دخول جيوش الاحتلال، وإرغامهم على احترام شرطة دولية مختلفة الجنسيات، بالإضافة إلى انقسامهم بين مؤيد للمولى عبد العزيز ومؤيد للمولى عبد الحفيظ.

وإذا كان المولى عبد الحفيظ قد لجأ في مواجهة أخيه إلى استعمال الأساليب الدبلوماسية، فإن مولاي عبد العزيز قبل باللعبة، وأخذ يبادل أخاه عبارات الود ورسائل المجاملة بينما كل واحد منهما ماض في حربه ضد الآخر..

وهكذا كتب المولى عبد الحفيظ إلى أخيه السلطان ينصحه بالتوجه إلى الشمال لإنقاذ صديقه الإنجليزي، “السير” هنري ماك لين، من قبضة مولاي أحمد الريسوني الذي اعتقل صديق السلطان، فأجابه المولى عبد العزيز بأنه يشكره على هذه النصيحة، وإنه فعلا سيغادر فاس، لكن ليس للتوجه إلى الريف وإنما للتوجه إلى مراكش، وهذا يعني بأسلوب آخر، الدخول في حرب ضد القبائل التي تؤيد المولى عبد الحفيظ.

تتمة المقال تحت الإعلان

وفعلا، تحرك الموكب العزيزي في أجلى حلله وأعظم مظاهره، على رأس جيش محاط بأحسن ضباطه، مثل قايد الرحا، القايد السرغيني.

ووصل الركب السلطاني إلى الدار البيضاء، ثم وصل إلى مدينة أزمور، وهناك بدأت المشاكل.. ذلك أن الشاوية التي وصلها المولى عبد العزيز، كانت أشبه ما تكون بحزب سياسي يتزعمه الفقيه البوعزاوي، الذي تركه المولى عبد العزيز بسجنه في فاس.

وكان تركيب الشاوية يجعلها بما فيها من قبائل وفروع، كالعائلة الواحدة، ولكن أية عائلة:

تتمة المقال تحت الإعلان

1) أولاد بورزق متفرعون إلى: أولاد سعيد، المزامزة، أولاد بوزيري، أولاد بن داود، وزناتة.

2) أولاد بوعطية متفرعون إلى: المزاب، أولاد حريز، المذاكرة، وأولاد علي.

3) الشاوية، متفرعون إلى: مديونة، أولاد زيان، الزيايدة، وبني ورا.

تتمة المقال تحت الإعلان

وتجتمع كلمتهم أولا حول الشهامة والتشبث بالاستقلال، وثانيا حول ثروة إقليمهم الغني، المنتج الأول للمواد الغذائية، وأيضا التبغ الذي يهم الأوروبيين بالدرجة الأولى، ثم إنهم يعتبرون الدار البيضاء معجزة العصر، عاصمتهم، وكان عدد سكانها آنذاك ثلاثون ألفا من الأوروبيين، أما إمامهم وزعيمهم وموجههم، فهو الفقيه البوعزاوي.

لذلك كان وصول الموكب العزيزي إلى أزمور منتهى الإصرار السلطاني على فرض النظام، وعندما اجتمع المولى عبد العزيز بخليفته في الإقليم، الأمير مولاي الأمين، وعامل الدار البيضاء بوبكر السلاوي، وجد أنهما مدينان لاستقرارهما بتفاهمهما وسياستيهما اللينة مع أقطاب الإقليم الغول، الذي يتزعمه نيابة عن الزعيم البوعزاوي، القايد الحاج حمو الحريزي.

كما فهم المولى عبد العزيز أن إقليم الشاوية هذا لا يكن أي عداء للسلطان، وإنما هو مستعد لكل الالتزامات، باستثناء قضية واحدة، لا مفاوضة فيها ولا تنازل ولا مسالمة، وهي قضية التواجد الاقتصادي لشركة “لاكومباني ماروكان” في الدار البيضاء، وإقامة مكاتب المراقبة الأجنبية في الدار البيضاء، وأنهم – كخطوة أولى – يريدون إيقاف أوراش بناء مرسى الدار البيضاء من طرف الفرنسيين.

تتمة المقال تحت الإعلان

وبينما كان الأمير مولاي الأمين والعامل بوبكر السلاوي ينقلون للمولى عبد العزيز تفاصيل تطورات الأحداث، كان السلطان غارقا في التفكير باحثا عن المخرج.. إنها ليست ملامح الثورة، وإنما هي بدايتها، وهو الذي ذهب ضحية المؤامرات والمناورات الفرنسية، هو وحده القادر على رد الأمور إلى نصابها.

ولا بد من أن تفهم الدول العظمى الموقعة على “عقد الجزيرة”، أن معاونة المغرب لا تعني احتلاله، فلا بد إذن، من العودة إلى استشارة تلك الدول، وعاد اسم ماك لين من جديد يرن في مخيلة المولى عبد العزيز، هذا النبيل البريطاني الداهية الذي وقف مع السلطان في أزماته الكبرى، لا بد أن يكون له في هذه الظروف رأي، ولا بد أن يؤثر على بريطانيا العظمى لفرض التوازن.. لكن، أين هو ماك لين؟ إنه في قبضة الثائر الريسوني في الشمال، إذن، فلا بد من العمل بوصية أخيه المولى عبد الحفيظ.

 

تتمة المقال تحت الإعلان

أحمد الريسوني

    يحار العقل في استكناه شخصية الزعيم مولاي أحمد الريسوني.. فبينما تصفه المؤلفات التاريخية وكتاب عصره بأنه الزعيم الثائر ضد الكفر والاحتلال، والبطل المغوار الذي استطاع بقوته وحزمه وشجاعته تحدي جيوش فرنسا وإسبانيا، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، يشرفه انتسابه لأسرة إدريسية عريقة وارتباطه بعائلة المجاهد الكبير مولاي عبد السلام بن ريسون، فإن بعض المؤلفات الأخرى، وحتى الوثائق الصادرة عن الوثائق المخزنية، لا تتورع عن وصف مولاي أحمد الريسوني بقاطع الطريق اللص العنيد الذي عاش، كما قال الأستاذ عبد الوهاب بنمنصور في كتاب “أعيان المغرب”: ((بدويا عَتِلا من أهل جبال الهبط، نشأ في اللصوصية وشب في الحرابة، واحترف نهب المارة وقطع السبل، واعتقله المخزن في الصويرة بضع سنين جزاء وفاقا على تلصصه وحرابته، ثم أطلقه بشفاعة الحاج محمد الطريس، وقد أرسل إليه بوحمارة ظهير التولية، فقام بأكثر مما كان يأمل منه، من التشويش على الحكومة، وإحراج حالتها من غير أن يستظهر بظهيره، لأنه كان يرى نفسه أحق منه بما رشحه له)).

لكن الريسوني من خلال أهم أعماله، لا يظهر أكثر من مناهض للاستعمار، معارض للحكومة، مسلط على أعداء المغرب، بطل قرر الانتقام من أحد أعمدة المناورات الاستعمارية ضد المغرب، وهو ماك لين، فاختطفه، ومن جاسوس بريطاني كان يستعمل طنجة منطلقا للمؤامرات على استقلال المغرب، وهو الصحفي هاريس، فاختطفه، ومن القنصل الأمريكي في طنجة بارديكاريس، فاختطفه هو أيضا.. وهي أعمال أقرب ما تكون إلى الوطنية منها إلى اللصوصية، بالإضافة إلى أن سجنه في الصويرة كان بأمر من باحماد، الذي توسعنا من خلال هذه الحلقات في تفسير سياسته..

تتمة المقال تحت الإعلان

أليس هو الرجل الذي وضع المصحف الشريف بينه وبين المولى عبد الحفيظ وأقسما معا على كتاب الله أن لا يتوقفا عن الجهاد ؟

وقد صنف المؤرخون الفرنسيون الذين عايشوا الريسوني، هذا الرجل، بأنه ثار ضد الاحتلال المسيحي وفرض نفسه عاملا على طنجة والفحص بالقوة.

 

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى