متابعات | ما الذي يمنع لشكر ومنيب وبنعبد الله والساسي من الاجتماع في حزب واحد ؟
فشل محاولات توحيد أحزاب اليسار وتنامي عزلتها الجماهيرية
يشكل توحيد اليسار رهانا صعب المنال لدى القوى التقدمية والاشتراكية في ظل اختلاف وجهات النظر بين الرفاق حول القيادة والأولويات داخل الساحة السياسية، إذ تعيش أحزاب اليسار المغربي (الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، الاشتراكي الموحد، فيدرالية اليسار الديمقراطي..)، تفرقة وتنافرا وتباعدا في الأفكار والطموحات جعلتها تحن إلى نضالات الزمن الماضي والمعارك الاجتماعية والنقابية خلال الثمانينات والتسعينيات، والتي كان خلالها اليسار المغربي يتوفر على قاعدة جماهيرية كبيرة منحته قوة سياسية ونقابية في الشارع.
إعداد: خالد الغازي
يطرح توحيد اليسار المغربي العديد من الإشكالات والتناقضات التي تعيشها مختلف التيارات اليسارية التقدمية، والخلافات القائمة بين زعماء الأحزاب حول رؤية النضال، مثل إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، ونبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وعبد السلام العزيز الأمين العام لفيدرالية اليسار الديمقراطي، وغيرهم.. فلماذا لا يتوحد هؤلاء في حزب سياسي واحد ؟
فالملاحظ أن هناك خلافا كبيرا بين هذه المكونات، سواء أحزاب أو تنظيمات، حول شروط التوحيد، والانخراط في المؤسسات، والمشاركة السياسية وفق شروط النظام، والقوانين الانتخابية والحزبية، الشيء الذي جعل اليسار ينقسم إلى تيار يقبل بالمشاركة السياسية والنضال من داخل المؤسسات، وتيار راديكالي يرفض المشاركة في السياسة، من استحقاقات وانتخابات تشريعية، ويدعو إلى ملكية برلمانية.
وعرف اليسار مدا وجزرا منذ سنوات الستينيات من القرن الماضي إلى اليوم، تحكمت فيه العديد من العوامل السياسية الداخلية، وخاصة علاقة الدولة مع هذه الأحزاب والتيارات السياسية اليسارية، حيث أن مشروع توحيد اليسار ما زال فكرة تشغل بال جميع التقدميين والنشطاء اليساريين، خصوصا خلال الظروف الاجتماعية الحالية و”زواج السلطة والمال”، وتحكم الشركات في الأسواق والأحزاب وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين وتفشي الغضب الشعبي..
في هذا السياق، يرى جمال العسري، أمين عام حزب الاشتراكي الموحد، الحزب المعروف بنجومه اليساريين مثل الأمينة العامة السابقة نبيلة منيب، والقيادي المتواري عن الأنظار محمد الساسي، بعد الخلاف المعروف بسبب رفض منيب الاندماج ضمن فيدرالية اليسار، أن توحيد اليسار والقوى التقدمية رهين بتغيير العقليات والقطع مع التناقضات والخلافات الداخلية بين مختلف التيارات، مضيفا أن المرحلة تتطلب وقوف اليسار إلى جانب الشعب المغربي والقوى الرافضة للاستبداد والفساد، والمتبنية للمطالب الديمقراطية الحقيقية، والانخراط في النضالات الجماهيرية الشعبية، والعمل داخل هذا النضال على تأسيس جبهة شعبية واسعة مفتوحة لكل اليساريين الديمقراطيين والتقدميين، جبهة موحدة تؤسس على الاستقلال لكل تنظيم ولكل طرف بعيدا عن أي هيمنة وعن التصحيح والتخطيء، وتؤمن بحق الأطراف كاملة في سياق نضال مشترك ضد عدو مشترك التحالف الإمبريالي والصهيوني والرجعي وحلفائه.
وأكد العسري أن اليسار مطالب بفتح نقاش داخلي وبلورة “سياسة تكتيكية صائبة”، لأن معضلات التغيير الديمقراطي والتحرر الوطني كثيرة، ومن أبرزها موقف التحالفات مع الخصوم، مع الإسلاميين، ولا بد من النقاش وتوجيه الأرضية.. هذا هو الواقع الذي يفرض نفسه، بالإضافة إلى أن معركة التغيير الديمقراطي والتحرر الوطني ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار عاملين أساسيين: ضرورة النضال والتواجد في الشارع، وحشد تحالف شعبي لحل التناقض الرئيسي مع العدو الرأسمالي والإمبريالي والصهيوني والرجعي والمخزن وأتباعه من تلاوين مختلفة من اليساريين والإسلاميين والحداثيين والأمازيغ، مشددا على ضرورة صيانة استقلال الجماهير الشعبية والابتعاد عن الهيمنة، وتسريع وتيرة النضال والوقوف ضد الإمبريالية والصهيونية، ومساندة الطبقة العاملة والشعبية، وإقامة تحالف وطني يقوم على قاعدة التكافؤ ويدافع عن المساواة في الحقوق والحريات العامة والديمقراطية.
واعتبر العسري أن قوى اليسار يجب أن تكون حاضرة في إطار التحالف الاجتماعي والنضال الشعبي، وتقوم بدور قيادي نافذ من أجل المضي قدما لتحقيق هذه الشعارات التي خرجت من أجلها للشارع، ومن أجل تحقيق التطور الاقتصادي المستقل للمغرب، ومن أجل التحرر من السيطرة الإمبريالية والنهب الذي تمارسه الشركات الاحتكارية، والحكومة الجديدة حكومة الشركات المكونة من قطب اقتصادي كبير (أكوا).
من جانبه، اعتبر عضو المكتب السياسي لحزب فيديرالية اليسار الديمقراطي، عبد العاطي أربيعة، أن اليسار المغربي يجب أن يتجه لصلب اهتمامات المواطن المغربي وليس فقط النخبة، لأن ميزان القوى اليوم يصب في صالح النقيض والبلقنة التي يعيشها اليسار وانعكاسه على النضال الديمقراطي، وبسبب التشتت والشرذمة غير المفهومة نتيجة لاعتبارات ذاتية أو سياسية وخلافات ماضية مازال يحملها، والتي تؤثر على وحدة اليسار.
وأضاف أربيعة، أنه لا بد من الوقوف عند النقد الذاتي لتجاوز كل ما يقف عائقا أمام وحدة اليسار وقيامه بمهامه المجتمعية، من خلال النقاش والحوار على غرار تجربة فيدرالية اليسار، التي أسفرت عن تحالف وتقدم نحو المؤتمر الاندماجي الذي كان في إطار سيرورة تجميع اليسار في حزب يساري كبير، مشيرا إلى تجارب ومحاولات سابقة لتحالف اليسار والتي أعطت تجارب مشرفة في بعض المراحل، لكن توقف تجمع اليسار في مراحل معينة كان من الممكن أن يعطي تراكما بشكل كبير، ورغم أن المشاريع واحدة وغير مختلفة، إلا أن المشكل يكمن في الطابع الذاتي الذي ينطوي على عدم تحقيق الوحدة.
وقال أربيعة، أن اليسار يعاني من ضعف الاجتهاد الفكري والنظري للإجابة عن التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي والمحيط العالمي، حيث كانت هناك مرحلة في الماضي تعرف إنتاجا فكريا غزيرا من مختلف تجارب اليسار، من الحركة الاتحادية واليسار الجديد، لكن للأسف في الفترة الأخيرة، برز ضعف على مستوى الاجتهاد الفكري للإجابة عن الوضع والتطورات على المستوى الوطني التي يعرفها المجتمع، وعلى المستوى الدولي، ويؤثر بالسلب على تطور اليسار المغربي وتقويته، مشيرا إلى تراجع العمل المشترك داخل اليسار نتيجة العلاقات غير الصحية بين تنظيماته، ومنحاه النخبوي الذي أبعده عن عمقه المجتمعي والقضايا التي تهم الفئات الفقيرة والجماهير الشعبية ومطالبها التي يجب أن تكون في صلب اهتمام اليسار وأن تكون منطلقا لأي فعل نضالي.
من جانبه، اعتبر تطاو الحسين، ناشط سياسي، أن اليسار المغربي منقسم إلى قسمين: “تيار الإصلاح”، مازال يحتفظ باستراتيجيات النضال الديمقراطي، ويطمح الى الإصلاح السياسي والاجتماعي، من خلال المؤسسات القائمة عبر المشاركة في الانتخابات، أما الجزء الآخر، “التيار الجذري”، من مختلف مكونات اليسار، فلازال في معارضة ونقد أسس النظام الرأسمالي، والرأسمال التبعي والنظام الطبقي في المغرب، والنضال من أجل القضاء عليه، وإن كانت تختلف مختلف تيارات “التنظيم الجذري” في التخطيط لهذا الهدف الاستراتيجي، بينما تحتل مجموعة أخرى حلقة وسط بين “التيار الجدري” و”التيار الإصلاحي”، وهي تعبيرات صغيرة أخرى كاليسار المتعدد والديمقراطي.
وأضاف نفس المتحدث، أن اليسار تأرجح وتأقلم مع الوضع السياسي سلبا وإيجابا، إذ “أصبحت عدة أحزاب، يسارية مغربية مندمجة في سيرورة البورجوازية ودولتها الطبقية المخزنية، حيث أنه في مرحلة التسعينيات كانت الكتلة الديمقراطية في شكلها الأول وفي شلكها الثاني، والأحزاب التي كانت مشكلة لها، كانت تدافع عن القدرة الشرائية للمواطنين، لكنها أصبحت اليوم مخزنية إلى أقصى درجة (الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، وحتى حزب الاستقلال وغيره)، مبرزا مجموعة من النواقص والاختلالات التي يعيشها اليسار المغربي في غياب قاعدة شعبية لتصريف برنامجه السياسي، ضعف التكوين والتأطير واستقطاب الفئات الشعبية المهمشة والفقراء والشباب، وعدم القدرة على قيادة المنظمات الجماهيرية وتوظيفها في الهدف الاستراتيجي ومحاربة البيروقراطية، وضعف التأثير الإعلامي والثقافي على وعي الجماهير الحلقية والعزلة عن الجماهير وتكريس الزعامة والبيروقراطية في بعض الإطارات النقابية.
بدوره، يؤكد جمال براجع، الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي، أن وضع اليسار مقلق يتطلب وقفة حقيقية مع الذات، من أجل التحليل من أفق تجاوز المعضلات والعوائق والأمراض التي تنتشر وسط اليسار، حيث يتسم بالضعف والتشتت والصراعات الداخلية، وصراعات بينية، مع مستويات مختلفة، سواء من حيث الحجم أو الحدة بين فصيل وآخر، ولكن العوامل التي تؤثر هي العزلة عن الجماهير في إطار النقد النسبي، وعدم تمكن اليسار من التجذر وسط الطبقات الأساسية في المجتمع (الطبقة العاملة والجماهير الكادحة) وانحصاره وسط النخب، خاصة البورجوازية الصغرى سواء على قاعدته الاجتماعية أو على مستوى قياداته.
واعتبر براجع، أن هناك تقاطعات مهمة جدا في المشترك بين اليسار، لذلك لا بد من تعميق النقاش وتحويل عصارته إلى برنامج سياسي واجتماعي للنضال من أجل الجميع، رغم أن المسألة غير سهلة لكنها تحتاج إلى الصبر والعمل الجماعي الجدي، والوعي بطبيعة المرحلة وتحدياتها، وكذلك بالإرادة الجماعية، ومن خلال توطيد العلاقات والاتصالات والتراكمات المحققة، قصد بلورتها أكثر لكي تصبح حقيقية وموضوعية وقوة مادية تفعل الصراع الطبقي، مضيفا أنه لا يمكن التحدث عن وحدة اليسار خارج الصراع الطبقي، ولا يمكن التحدث عنه إلا بعد تحديد ماهية اليسار، لذلك فاليسار هو جميع القوى والتيارات والفعاليات اليسارية المناضلة المصطفة إلى جانب الطبقة العاملة، تدافع عن مصالحها وتناضل من أجل الطموحات، سواء الآنية أو المستقبلية، خاصة في التحرر الوطني والديمقراطية، في أفق الاشتراكية.
وواصل نفس المصدر قوله، أن وحدة اليسار ضرورة موضوعية آنية لابد لجميع المكونات أن تعتبر الوحدة مبدأ وقناعة وتصورا بالنسبة لها، وتؤكد على خطاباتها، وتصريحات قادتها، وأيضا من دواعي الوحدة أن هناك التقاء في برامج اليسار حول مصالح ومطالب الشعب المغربي ومختلف فئاته، ويبقى النضال السياسي والوحدوي هو الكفيل لمواجهة الفساد والاستبداد وبناء مجتمع الكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وغير ذلك..
عموما، تبقى وحدة أحزاب وتيارات اليسار المغربي رهانا صعبا في ظل الظروف والخلافات القائمة بين مختلف الانتماءات والتيارات، حول الأهداف والمصالح والقيادة، لاسيما في ظل مشاركة نخبة سياسية كبيرة ونقابية من اليسار ضمن المشهد السياسي، وقبولها باللعبة الديمقراطية وشروطها التي تضعها الدولة، الأمر الذي يطرح تساؤلات مهمة حول حقيقة أزمة اليسار المغربي، هل الأحزاب اليسارية اليوم هي بنيات لإنتاج ديمقراطي؟ هل لازالت القوى اليسارية قوى ديمقراطية؟ كيف يتعامل اليسار اليوم مع إكراهات العولمة والرقمنة؟ متى ستقبل البورجوازية اليسارية بالنزول للقاعدة ؟