تقرير | مبررات توسع الأطماع الفرنسية-الإسرائيلية إلى السودان
اكتسبت القارة الإفريقية اهتماما كبيرا لدى العديد من الدول التي تسعى إلى زيادة نفوذها والسيطرة على منابع ثروات جديدة، خصوصا شرق القارة الإفريقية في الدول المطلة على البحر الأحمر، كالسودان، الذي يشكل تربة خصبة لذلك، بسبب ما يعانيه من صراع مسلح مُستعر وانعدام للاستقرار.
عمر ديالو (عن المركز الأوروبي للدراسات)
عند الحديث عن مناطق النفوذ، تكون فرنسا في طليعة هذه الدول التي تبحث عن بدائل في شرقي القارة السمراء، بعد أن شهدت منطقة غرب إفريقيا (المعروفة تاريخيا بإفريقيا الغربية الفرنسية)، خلال السنوات القليلة الماضية، عددا من الانقلابات والتحولات السياسية، نتج عنها سقوط أربع حكومات موالية لفرنسا في بوركينا فاسو ومالي والغابون والنيجر، واستبدالها بأنظمة عسكرية معادية لها، واستتبع ذلك انسحاب القوات الفرنسية وانتهاء مهامها في هذه الدول.
وفي هذا الصدد، تحدث تقرير لمركز الأبحاث الجيوسياسية “الجغرافيا العربية”، عن أهمية الدول المطلة على البحر الأحمر، كالسودان، في ظل التغيرات الضخمة والمتسارعة التي تشهدها الساحة الدولية.
وبحسب مركز الأبحاث الجيوسياسية، تتقاطع مصالح كل من الإمارات وإسرائيل وفرنسا في السودان على وجه التحديد، ولهذا بدأت باريس بالتعاون بشكل وثيق مع الحكومة الإسرائيلية من جهة، ومع الإمارات من جهة أخرى.
وأشار المركز، نقلا عن مصادر دبلوماسية عربية، إلى المساعي الفرنسية لإعادة رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية “تقدم” عبد لله حمدوك إلى السلطة، ليكون راعيا للمصالح الفرنسية في السودان، حيث التقى حمدوك بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 15 أبريل الماضي، في العاصمة الفرنسية، على هامش مؤتمر باريس حول الأزمة الإنسانية في السودان، على الرغم من أن حمدوك لا يملك أي منصب أو صفة رسمية لتمثيل السودان في المحافل الدولية، وهذا ما أثار استنكار الحكومة السودانية، وأعرب حينها سفير السودان لدى فرنسا، خالد فرح، عن دهشته واستنكاره لغياب حكومة بلاده عن المؤتمر حينها، في الوقت الذي دعت فيه فرنسا “تقدم” بزعامة عبد الله حمدوك.
وحسب نفس المصادر، فإن محادثات بين ماكرون وحمدوك جرت حول وعود فرنسية بإعادة الأخير لرئاسة الوزراء في السودان ودعمه، مقابل تقديمه ضمانات بإقامة قاعدة عسكرية فرنسية في السودان.
في السياق ذاته، أكدت السفيرة الفرنسية لدى السودان، رجاء ربيع، عن الدعم الفرنسي الكبير والقوي للجهود التي يبذلها عبد الله حمدوك، ورحبت بمؤتمر “تقدم”.
وحسب مركز الأبحاث الجيوسياسية، فإن الخطة الفرنسية التي تقضي بإيصال عبد لله حمدوك لرئاسة الوزراء، هي خطة سياسية بحتة، ولكن من المؤكد أنها تحتاج لقوة عسكرية على الأرض لتنفيذها، لذا، فإن باريس تدعم وترعى بشكل سري تحالفا غير معلن بين حمدوك ومحمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، مؤكدا أن باريس في العام الماضي ساهمت بنقل السلاح الإماراتي لقوات “الدعم السريع” عن طريق قواعدها العسكرية الموجودة في تشاد.
وذكر التقرير، أن فرنسا تقف ضد الجيش السوداني وتدعم “حميدتي”، وتستخدم نفوذها الدبلوماسي لمنع توجيه أي اتهام رسمي لـ”حميدتي” قبل انتهاء الحرب، مرجحا أنها ستتخلص منه مباشرة بعد انتهاء الحرب.
بينما لفت تقرير المركز البحثي الانتباه إلى المصالح الإسرائيلية التي تدفعها للتمدد في السودان ودعم “حميدتي”، كونها تدرك أن ازدياد نفوذ الإسلاميين في الجيش السوداني وانتصارهم على قوات “الدعم السريع”، يعني ازدياد دعمهم وموالاتهم لـ”حماس” وحركات المقاومة الإسلامية في لبنان واليمن وفلسطين التي تقاتل ضد إسرائيل، في الوقت نفسه يعني ازدياد مناهضة السودان لإسرائيل وسياساتها ومصالحها في المنطقة، حيث سبق وتعاون “الإسلاميون” في السودان بشكل نشط مع “حماس” في الفترة الممتدة من عام 1990 إلى عام 2014 وقاموا بتزويد الحركة بالسلاح.
ودعم إسرائيل لـ”حميدتي” عسكريا وسياسيا، من شأنه أن يسمح لها أيضا بالضغط على مصر في أي استحقاقات سياسية أو أمنية مستقبلا، وسوف يمنحها نفوذا أكبر في البحر الأحمر وفرض السيادة عليه لردع جماعة “أنصار الله الحوثي” في اليمن، وبالتالي، حماية سفنها التجارية، ويفتح لها المجال للاستفادة اقتصاديا من صناعة وتصدير الذهب في السودان التي يسيطر عليها “حميدتي” وقواته.
ويشار إلى أن صحيفة “هآرتس” العبرية، كشفت في الأيام القليلة الماضية، أن “حميدتي”، قائد قوات “الدعم السريع”، حصل على أجهزة تجسس متطورة، نقلتها إلى الخرطوم طائرة مرتبطة ببرنامج التجسس الإسرائيلي، تجلب تكنولوجيا المراقبة من الاتحاد الأوروبي.
وحسب الصحيفة، فقد تم نقل الشحنة على وجه السرعة إلى منطقة “جبل مرة” بدارفور، التي تقع تحت سيطرة “الدعم السريع” بالكامل.
وحسب الخبراء معدي التقرير، فإن فرنسا من الممكن أن تسلم إحدى قواعدها العسكرية في جيبوتي إلى إسرائيل برعاية إماراتية، مما يزيد من نفوذ تل أبيب أيضا ويهدد المصالح المصرية، على الرغم من أن السلطات في جيبوتي ترفض التعاون مع الحكومة الإسرائيلية، ولكن فرنسا تعمل على تسخير تواجدها في جيبوتي لتغيير الواقع الرافض لإسرائيل، والذي يصب في صالحها.
اللافت أيضا، أن منظمة العفو الدولية ذكرت، في تحقيق نشرته على موقعها الإلكتروني، أن التكنولوجيا العسكرية الفرنسية الصنع والمدمجة على ناقلات الجنود المدرعة التي تصنعها الإمارات العربية المتحدة، تُستخدم في ساحة المعركة في السودان، وهذا ما يتعارض وينتهك بشكل واضح حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور منذ أكثر من عام، في ظل الحرب القائمة بين الجيش السوداني وميليشيات “الدعم السريع”، الأمر الذي يؤكد ما ذكره تقرير مركز الأبحاث الجيوسياسية “الجغرافيا العربية”.
وبحسب منظمة العفو الدولية، فقد توصلت التحقيقات في السودان لنتائج، مفادها أن ميليشيات “الدعم السريع” تستخدم ناقلات جنود مدرعة في أجزاء مختلفة من السودان صُنعت في الإمارات العربية المتحدة، وقد أظهر بحث جديد أن ناقلات الجنود المدرعة هذه، التي تستخدمها ميليشيات “الدعم السريع”، تشمل أنظمة دفاع تفاعلية متطورة مصممة ومصنعة في فرنسا.
وختم التقرير بإشارته إلى دعم الإمارات لكل القوى التي تقف ضد “الإسلاميين” والحركات التي تدعمها في السودان، وهذا ما يفسر دعمها لقوات “الدعم السريع” في السودان، بالإضافة إلى أن دعم الإمارات لـ”حميدتي” يقدم لها فوائد اقتصادية كبيرة، مثل السيطرة على قطاع الذهب والتعدين في السودان، والتواجد والنفوذ على البحر الأحمر ذي الأهمية الاستراتيجية الكبيرة.