المنبر الحر | أسرار حرب غزة.. والخلاف الأمريكي الإسرائيلي الخفي
بقلم: بنعيسى يوسفي
لا أحد يمكن أن يجادل في أن الحرب التي تظهر في العلن تكون محاطة بهالة من الأسرار التي غالبا ما تخفى على الكثير من الناس، ولقد قيل قديما “الحرب أسرار”، وليس هذا فحسب، بل يمكن القول أن القرارات التي تتعلق بحرب معينة لا يتخذها إلا قلة قليلة من المسؤولين في هرم الدولة، وفي دائرة ضيقة جدا، ويحدث في بعض الأحيان ألا يكون بعض المسؤولين على علم بما ستقدم عليه تلك القلة القليلة التي بيدها زمام الأمور، وقد تبقى تلك الأسرار محصنة، وطي الكتمان، ولا يستطيع أحد أن يزيل عنها الغطاء حتى تضع تلك الحرب أوزارها، أو حتى تمر مدة معينة، لكن في بعض الأحيان يمكن أن تكون هناك تسريبات قد تفضح المستور في حينه، قد يكون من ورائها أشخاص بعينهم أو تسريبات مخابراتية، أو نوع من الصحافة الاستقصائية التي تزدهر كثيرا في الدول الغربية، كالولايات المتحدة وبريطانيا.. وتقوم بها قنوات أو جرائد ذات صيت عالمي وشهرة كبيرة.
الحرب التي تدور رحاها في قطاع غزة لا بد وأنها محاطة بأسرار كثيرة، سواء تعلق الأمر بما يحيكه الكيان الصهيوني لربح المعركة ضد “حماس” وفصائل المقاومة الفلسطينية، بعلاقته مع الداعم الأول له، القوى الغربية بأشكال متفاوتة، بزعامة أمريكا، أو بعلاقتها مع مجموعة من الدول العربية، التي يختلف تعاطيها مع هذه الحرب الشعواء التي أتت على الأخضر واليابس، لذلك لم ينتظر الصحافي الأمريكي بوب وودوورد، انتهاء الحرب حتى يتم كشف كل الخطط والتكتيكات والآراء والمواقف والقرارات التي كانت تحاك في الخفاء بخصوص هذه الحرب الهمجية، واستعجل الأمر، وخرج بكتاب بعنوان “الحرب”، عرى من خلاله الكثير من الحقائق، والمواقف والصدامات والاختلافات والخلافات الحادة والعميقة، التي تحدث، ليس بين أعضاء القيادة الصهيونية فقط، ولكن حتى بين القيادة الأمريكية وهذه القيادة، ناهيك عن فضحه للرؤية التي تسود عند مختلف الدول الشرق أوسطية، بخصوص هذه الحرب، وكيف ترى بعض القيادات العربية مستقبل “حماس” بعد الحرب وعلاقاتها هي مع الكيان الغاصب؟
وقد استهل الصحافي حديثه عن حرب غزة، بكشف الادعاءات الإسرائيلية بخصوص هجوم السابع أكتوبر 2023، وبشكل خاص ما راج وقيل من أن “حماس” في هذا الهجوم قامت بحرق الأطفال واغتصاب النساء وحرقهن، وهو ما تبين أنه دعاية تضخيمية ومغرضة لا تمت للواقع بصلة، لها أبعاد وخلفيات قامت إسرائيل باستثمارها لصالحها، وإذا كان من الثابت والقار أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتوانى قيد أنملة في تقديم الدعم اللامشروط للاحتلال الصهيوني على جميع المستويات، لكن هذا لا يخفي في العمق وجود خلافات عميقة وجوهرية بين هذين الحليفين، فالرئيس الأمريكي جون بايدن حسب صاحب الكتاب، كثيرا ما كان محبطا وفاقدا للثقة في رئيس وزراء إسرائيل، وهذه الخلافات ليست وليدة اليوم، بل تراكمت منذ مدة، حتى اندلعت الحرب في غزة فكانت بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، أو القشة التي قصمت ظهر البعير، إلى درجة أسرَّ فيها بايدن لأحد مقربيه بأن “نتنياهو رجل سخيف”، وتساءل في خضم هذا التوتر، “لماذا لم تكن هناك ثورة داخلية في إسرائيل ضد هذا الرئيس، الذي يجر وراءه فضائح بالجملة”، ففي الوقت الذي كان من المفروض أن يكون مصيره السجن، أعاد إحياء نفسه كزعيم وقائد لا يشق له غبار، وظهر جليا أن في هذه الحرب اللعينة، لم يعد نتنياهو يكترث لأقوال بايدن أو طلباته، فقام بغزو غزة برّا رغم معارضة بايدن للفكرة، واكتسح رفح ضدا على رغبة بايدن، الذي رفض هذ الاجتياح، ثم عرقل دخول المساعدات إلى غزة في تحدٍّ سافر لقرارات ونداءات بايدن في هذا الخضم.. كل هذه الممارسات والسلوكات التي يُقدم عليها نتنياهو جعلت بايدن ينعته بأقدح النعوت، ويعتبره “كذابا ولعينا، وأن 18 من أصل 19 شخصا يعملون معه كذابون”..
يتضح من خلال الكتاب أن إسرائيل وحكومة اليمين المتطرف المتعجرفة، هي حكومة إجرامية بكل المقاييس، لكن المثير للانتباه في كل هذا، هو حول كيفية حصولها على كل ما تريد بدون أدنى تردد من الولايات المتحدة الأمريكية بالخصوص، وتحديها للقرارات القادمة منها، وهي سائرة في تنفيذ أجندتها كاملة في هذه الحرب دون أدنى اكتراث لأي صوت من الأصوات الداعية إلى إيقافها، وكل هذا له تفسير واحد، هو أن اللوبي اليهودي هو الذي يسير شؤون الولايات المتحدة الأمريكية ويحكم سيطرته عليها بالكامل.. إنه التغول اليهودي الإسرائيلي في أمريكا العظمى.