تحقيقات أسبوعية

للنقاش | الجزائر تعزل نفسها بعد تطبيق سياسة “إذا لم يكن لك عدو.. عليك بصناعته”

لم تترك الجزائر زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب لتمر دون محاولة تعكير صفو المياه التي عادت إلى الجريان صافية بفضل حكمة الملك محمد السادس وانصياع الجانب الفرنسي(…)، وواصل الإعلام الجزائري المدفوع من طرف النظام العسكري الحاكم نشر الترهات، في محاولة منهم للتشويش على عودة الدفء للعلاقات المغربية الفرنسية، إذ بالتزامن مع اللقاء الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، عقب المباحثات التي أجراها مع نظيره ناصر بوريطة، والذي أعلن فيه بارو، يوم 29 أكتوبر، عن نشر وزارة الخارجية الفرنسية خريطة رسمية للمغرب تضم الأقاليم الجنوبية، نشرت قناة “النهار” بلاغا جاء فيه أن “وزارة الخارجية الفرنسية أصدرت تحذيرا لرعاياها في المغرب من تهديدات إرهابية وشيكة”، في صورة بئيسة تؤكد مدى السعار الذي أصاب النظام الجزائري من نجاحات المغرب الدبلوماسية.

بقلم: جميلة حلبي

    تتخبط الجارة الجزائر على مر عقود في حالة تيهان وشرود سياسي، وتعيش على وقع عزلة سياسية مع دول الجوار، خاصة بعد فشل مشروعها الكبير والحلم الوردي الذي لم يتحقق، والذي استنزف ميزانيات ضخمة من ثروات الشعب الجزائري، فشلها في جعل البوليساريو جمهورية ضدا على المغرب ونجاحاته السياسية والدبلوماسية، ذلك أن تمكن المغرب من استرجاع أقاليمه الجنوبية وانتزاع اعترافات كبريات الدول بمغربية الصحراء وما رافق ذلك من افتتاح قنصليات عدد كبير من الدول بكل من الداخلة والعيون.. أصاب النظام الجزائري بالسعار المزمن، لذلك عمل ويعمل رؤساء الجارة الشرقية على اختلاق الأزمات تلو الأزمات مع المغرب وهم الذين استطابوا العيش فوق أراضي الغير بعد أن كان الاستعمار قد اقتطعها من الإمبراطورية المغربية وضمها إلى التراب الجزائري، وبالتالي ليس غريبا على حكام الجزائر الدفاع عن الميليشيات الانفصالية ولا عن الجماعات الإرهابية، وهذا الموضوع بالذات خلق مؤخرا أزمة كبيرة بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي، ووصل الأمر إلى ردهات الأمم المتحدة خلال انعقاد القمة التاسعة والسبعون للأمم المتحدة بمقر المنظمة في نيويورك من 22 إلى 27 شتنبر 2024، والتي تمحورت اجتماعاتها حول موضوع: “عدم تخلف أحد عن الركب: العمل معا من أجل النهوض بالسلام والتنمية المستدامة والكرامة الإنسانية للأجيال الحالية والمقبلة”.. وأي سلام وأي إنسانية في ظل توجيه مالي، من على منبر الأمم المتحدة، اتهامات خطيرة إلى الجزائر بضلوعها في احتضان الإرهابيين فوق أراضيها، حيث قال نائب رئيس الوزراء ووزير الدولة المالي، عبد الله مايغا، الذي يشغل في نفس الوقت منصب وزير الإدارة الإقليمية واللامركزية في “تحالف دول الساحل”، أي الجانب الأمني لدول الساحل الأخرى كالنيجر وبوركينا فاسو، التي تنشط الجماعات الإرهابية فوق أراضيها، قال: “الجزائر توفر المأوى والطعام للإرهابيين بهدف زعزعة استقرار مالي، حيث تتصرف كما لو أن البلاد جزء من ولاية جزائرية”، وأن “الجزائر قاعدة خلفية للإرهابيين الذين ينشرون الدماء في بلاده”، وهو ما فجر أزمة كبيرة بين البلدين رغم أنهما يعيشان أزمة صامتة منذ عدة أشهر، بفعل إلغاء الجزائر “اتفاق السلم والمصالحة” بين البلدين الذي تم توقيعه سنة 2015، وهي اتفاقية تمت بين مالي والجماعات السياسية والعسكرية المالية، توسطت وأشرفت عليها الحكومة الجزائرية، وهي نتاج مفاوضات طويلة وقعت بالعاصمة الجزائر بتاريخ 1 مارس 2015، وكان الهدف من هذا الاتفاق “إعادة السلام بين السلطة المركزية في باماكو والمتمردين الطوارق”، غير أنه تحول بعد مرور الوقت إلى أداة للتدخل الجزائري في الشؤون الداخلية لمالي، وقد أدى إلغاؤه إلى تفجر أزمة بين البلدين الجارين لا زالت مستمرة، عمقها “استمرار التصرفات العدائية المدبرة من قبل النظام الجزائري ضد الحكومة المالية”، وفق اتهامات الوزير المالي للسلطة الجزائرية، وها هي الجزائر لا زالت تستقبل فوق أراضيها أكبر الإرهابيين الماليين، رغم صدور مذكرة لاعتقاله من طرف المحكمة الجنائية الدولية، ويتعلق الأمر بإياد أغ غالي، زعيم جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المتطرفة والمرتبطة بتنظيم “القاعدة”، علما أن الجماعة لا زالت تنشط في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.. وهو ما يهدد التحالف الذي دعا إليه الرئيس عبد المجيد تبون في بداية هذه السنة الجارية 2024، من أجل “إقامة شراكة اقتصادية مع دول الجوار العربية والإفريقية، من خلال منطقة تبادل حر بين 5 دول مجاورة، هي موريتانيا وتونس وليبيا ومالي والنيجر”، وطبعا كان ذلك ضدا على المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس من أجل تمكين دول الساحل الإفريقي، وكذا الدول الإفريقية الراغبة في الاستفادة من المحيط الأطلسي، إلا أن التحالفات التي تطلقها الجزائر يمينا وشمالا، على غرار دعوته إلى إقامة اتحاد مغاربي بدون المغرب، كلها تفشل بفعل الفشل السياسي والدبلوماسي للنظام الذي تسيطر عليه الطغمة العسكرية ومعلوم توجه الحكم العسكري في أي بلد.. مما يكرس الفشل الدبلوماسي للجزائر، إذ أن العمل الدبلوماسي القوي ينبني على استراتيجية ثابتة أساسها الدفاع عن حوزة الوطن والمواطن بكل الوسائل القانونية والتاريخية الحقة، وأيضا تحقيق التنمية الشاملة في كل القطاعات بشكل متواز، وهو ما تفتقد إليه الجزائر، بلد البترول والغاز وطوابير الشعب على الحليب وعلى أبسط الأشياء.. ويا لها من مفارقات.

إن ما يقع بين الجزائر والمغرب وبين الجزائر ومالي، يقع أيضا مع تونس وليبيا، فدائما ما كانت الجزائر تختلق المشاكل مع جيرانها وتقوم بعد ذلك بعقد شراكات واتفاقات وتحالفات، فبينما نجد دول المنطقة ماضية في التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، يتغافل النظام الجزائري عما يدور داخل حدوده الجغرافية، ويحاول ارتداء جلباب الأخ المساند والمساعد لجيرانه بيد واليد الأخرى تحمل معول الهدم، وذلك من خلال اختلاق الأزمات والفتن بين البوليساريو والمغرب، وبين مالي والطوارق والجماعات الإرهابية، كما أن الأزمة الصامتة مع ليبيا كادت أن تتفجر في شهر غشت الماضي على خلفية تحرك قوات خليفة حفتر نحو الحدود الليبية الجزائرية، وهي المناطق الغنية بالثروات والنفط، لكن النظام اكتفى بإصدار بيانات تنديدية فقط و”دعا الأطراف الليبية إلى تجنب مظاهر العسكرة والاقتتال”.. هذا عندما يتعلق الأمر بتهديد حدودها، والوجه الآخر القبيح هو الذي تعمل من خلاله على تهديد حدود جيرانها، وخاصة مع المغرب ولا زالت ماضية في تسليح الجبهة الانفصالية وميليشياتها والدفع بها إلى التشويش على النجاح الدبلوماسي المغربي في قضية الصحراء، وها هي الجزائر تستقبل زعيم البوليساريو إبراهيم غالي استقبال الرؤساء فوق أراضيها احتفالا بثورة التحرير (1 نونبر)، ويأتي هذا في الوقت الذي تتعامل فيه الدول مع دول ذات وزن سياسي واقتصادي بينما الرئيس الجزائري يوجه بوصلته نحو ابنه غير الشرعي ويتباهى باستقباله احتفالا بذكرى ثورة الانعتاق من الاستعمار، كما أن الجزائر تسعى جاهدة لإعطاء الرسمية والشرعية للتحالف الثلاثي مع ليبيا وتونس، والذي أطلقته من أجل عزل المغرب عن محيطه، ولم تنجح لحد الساعة في إقرار مخرجات أو بنود اتفاق قار لعمل هذا التحالف رغم تصريحه بأن القمة الثالثة ستعقد قريبا في العاصمة طرابلس، علما أن الأوضاع غير المستقرة في ليبيا من شأنها أن تفشل هذا التحالف الغير منبثق من أرضية صلبة، فرفض موريتانيا الانضمام إلى التحالف المغاربي بدون المغرب، جعل الرئيس تبون يعمل على إقامة ما سماها “منطقة تبادر حر”، مع كل من موريتانيا وتونس وليبيا ومالي والنيجر، وهو ما لم ينجح في بلورته على أرض الواقع، اعتبارا لمشاكله مع جيرانه غربا وجنوبا، وجاءت اتهامات مالي للجزائر بكونها حديقة خلفية للإرهاب لتعمق أزمة الجزائر مع جيرانها، وهو أيضا ما قد يفسد علاقاتها مع روسيا بالنظر لنشاط قوات “فاغنر” الروسية في مالي للدفاع عن السلطة الشرعية في مواجهة الجماعات الإرهابية، مما قد يتحول إلى ضرب الأهداف الروسية على الأراضي المالية..

تتمة المقال تحت الإعلان

وبالمقابل، تواجه الجزائر انتقادات شديدة من الداخل تدين تورط بلادهم في زعزعة استقرار الدول المجاورة عبر مجموعات إرهابية، قوامها من يسمونهم “الأمراء الجزائريين” الذين قادوا وما زالوا يقودون الجماعات الإرهابية النشيطة في منطقة الساحل، وهم الذين خرجوا من رحم جهاز المخابرات الجزائري السابق (دائرة الاستعلام والأمن/ DRS)، الذي استخدمهم في المجازر التي ارتكبت في حق الجزائريين خلال “العشرية السوداء” في تسعينات القرن الماضي، عوض العمل على تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاهتمام بالمشاكل الداخلية وبتدهور معيشة الجزائريين، كما أن ما قامت به الجزائر أثناء زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب، وهي التي لطالما طالبت وتلح على زيارة إلى فرنسا دون جدوى، من اختلاق الأكاذيب واتهام المغرب باحتضان الإرهابيين، قوبل باستنكار من فئة عريضة من المواطنين الجزائريين، ممن باتوا غير راضين على سياسة بلدهم، التي بهذا التسيير الشارد لا تقود الجزائر إلا إلى مستنقع السياسة، بفعل الفشل الغير مسبوق للرئيس تبون في قيادة الجزائر والارتقاء بها إلى مصاف الدول الكبرى رغم توفرها على ثروات كبيرة من البترول والغاز من الممكن أن تخرجها من الأزمة الاقتصادية التي لا زالت تتخبط فيها..

إن استمرار الجزائر في اختلاق الأزمات في محيطها العربي والإفريقي من خلال مواصلة دعم الرئيس تبون والنظام العسكري لجبهة البوليساريو، وفي ظل توتر الأوضاع مع مالي وعدم ظهور نية تجفيف منابع الإرهاب وقطع جذوره.. من شأن ذلك أن يفجر المنطقة المغاربية أو منطقة الساحل، أو يقود الجزائريين إلى حراك شعبي، وهذه المرة لن يتمكن العسكر من إخماد ثورة إن اشتعلت على غرار إسكات ثورة الربيع العربي، فالمواطن الجزائري يئن في صمت، وقد بدأت بعض الأصوات تخرج للعلن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومعلوم أن المواقع الإلكترونية تساهم بشكل كبير في تأجيج الاحتجاجات، وقتها لن تنفع النظام الجزائري تحالفاته الهشة ولا سياسته المبنية على دعم الحركات الانفصالية بينما الداخل ينخره عدم الاستقرار..

ومن أجل تغطية الشمس بالغربال، وبعد انسداد كل الآفاق السياسية أمامها، تقدمت الجزائر بمقترح تطالب من خلاله بوساطة بينها وبين المغرب، من أجل المصالحة، حسب ما كشف عنه معهد الآفاق الجيوسياسية (IGH)، من وجود “وساطة رفيعة المستوى تجري حاليا بين المغرب والجزائر، تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الجارين المغاربيين” (انظر الأسبوع/ عدد 1 نونبر 2024)، ويأتي ذلك بعد رفض الجزائر غير ما مرة لسياسة “اليد الممدودة”، التي لطالما نادى بها الملك محمد السادس وأقرها في خطاباته من خلال دعواته المفتوحة إلى عودة المياه إلى مجاريها بين دولتين شقيقتين، وكان النظام الجزائري قد اتخذ القرار بالقطيعة الدبلوماسية، ومن ثم إغلاق الحدود بين البلدين بشكل رسمي، وعندما اشتد سعاره قام بفرض “الفيزا” على المواطنين المغاربة الراغبين في دخول الأراضي الجزائرية، في خطوات تنم عن وصول الحكم في الجزائر لمرحلة الإفلاس التام، وهم يعتبرون المغرب دائما عدوهم الخارجي، وصنعوا منه فزاعة يعلقون عليها فشلهم الدبلوماسي، وقد قال بهذا الخصوص الدبلوماسي الجزائري السابق، محمد العربي زيتوت، أن ((اليد المدودة المغربية أمر مزعج للنظام الجزائري، وتستقبل بشكل مختلف في الداخل، فهم يعتقدون دائما أن الأمر لا يتعدى كونه خطابا دبلوماسيا”، ذلك أن “قضية العدو الخارجي مهمة بالنسبة للقادة في الجزائر، إذ أنهم يستلهمون من مقولة ميكيافيلي الذي كان يوصي بأنه: إذا لم يكن لك عدو، عليك بصناعته، وهم دائما يصنعون عدوا داخليا وخارجيا، وهذه المرة في الداخل العدو هو حركتي “رشاد” و”الماك”، وفي الخارج عدوهم هو المغرب))، وفق تصريح المحلل السياسي الجزائري العربي زيتوت.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى