متابعات | دي مستورا “يفسد” عمل الأمم المتحدة في الصحراء
الدول الكبرى تعترف بموقف المغرب والمبعوث يقترح التقسيم
إعداد: سعيد الريحاني
“سكت دهرا ونطق كفرا”.. هذه حال ستيفان دي مستورا، المبعوث الأممي الخاص بالصحراء، والذي تم تعيينه في منصبه عقب استقالة المبعوث الألماني هورست كوهلر.. فقد تناقلت المواقع الدولية أنه اقترح تقسيم الصحراء بين المغرب والبوليساريو كحل لهذا النزاع، وتقول القصاصة التي انتشرت على نطاق واسع بين المواقع (بما في ذلك عدد من المواقع المغربية) ما يلي: ((اقترح مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، ستيفان دي مستورا، على مجلس الأمن الدولي خلال جلسة مغلقة مساء الأربعاء 16 أكتوبر 2024، مشروعا لـ”تقسيم” هذه المنطقة بين المغرب وجبهة البوليساريو، بحسب ما علمت وكالة “فرانس بريس”.. وخلال هذه الجلسة المغلقة قال المبعوث الأممي، حسب محضر الجلسة: “لقد قمت، بسرية تامة، باستئناف وإعادة إحياء مفهوم تقسيم الإقليم مع جميع الأطراف المعنية”.. ولم تُنشر تصريحات دي مستورا خلال جلسة مجلس الأمن، لكنها وردت في محضر الجلسة الذي اطلعت عليه وكالة “فرانس بريس”.. وأوضح الدبلوماسي السويدي-الإيطالي البالغ من العمر 77 عاما، أن “مشروع التقسيم من شأنه أن يتيح، من ناحية، إنشاء دولة مستقلة في الشطر الجنوبي، ومن ناحية أخرى، دمج بقية الإقليم كجزء من المغرب يتم الاعتراف بسيادته عليه دوليا”.. لكن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة حذر من أنه لا الرباط ولا جبهة البوليساريو أبدتا أدنى مؤشر على استعداد أي منهما للمضي قدما في التباحث بشأن هذا المقترح، مبديا أسفه لهذا الأمر)) (المصدر: عدة وكالات).
بغض النظر عن كون دي مستورا يتأسف لعدم إمكانية وقوع شيء يستحيل وقوعه، لا أحد يدري من أين جاء هذا المبعوث الأممي بكل هذا الذكاء “الغبي” ليقترح مقترحا من هذا النوع، كما لا يعلم أحد كيف استطاع المبعوث وضع دولة ذات سيادة هي المملكة المغربية وميليشيات مسلحة ضمن خانة واحدة في عقله، وأكثر من ذلك، فقد كان يتمنى التفاعل مع مقترحه، بل إنه قال إن مقترحه لقي إشادة من بعض الدول دون أن يسميها بالاسم، وهي دول معروفة لدى المتتبعين، ومن غيرهما؟ الجزائر وجنوب إفريقيا طبعا(..)، بل إن التقارير الصحفية نقلت عنه قوله: “أعتقد أن المقترح كان جديرا بتقديمه، وقد كنت مستعدا للعمل عليه، لكن الطرفين (المغرب/البوليساريو) رفضاه، وقد كان من مسؤوليتي إخبار مجلس الأمن بذلك اليوم”.
كلام دي مستورا لم يحمل أي جديد، إذ أن هذا المقترح سبق تقديمه، وهو مقترح ميت من الأساس(..)، بل إن دي مستورا تناقض مع نفسه وهو يعدد “مناقب” مقترح الحكم الذاتي المغربي، وزخم الاعتراف المتواصل به من لدن عدة دول، فما الذي منعه من دعم هذا الاقتراح في إحاطته لمجلس الأمن؟ فمباشرة بعد حديثه عن “مقترح تقسيم الصحراء”، ((انتقل المبعوث الأممي للحديث عن الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي، موردا أن خطة الحكم الذاتي المغربية التي ظهر أنها تكتسب زخما كبيرا، تدفعنا إلى ضرورة فهم كبير لها وكيفية تطبيقها، معتبرا أن الوقت قد حان لاستكشاف الطرائق التي يتصورها المغرب بشكل ملموس، ولكي يتم هذا الاستكشاف، فمن الضروري أن يقدم المغرب تفاصيل رؤيته، وأشعر بالارتياح في هذا الصدد بعد مشاورتي الفردية مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الشهر الماضي، حيث تفهم المغرب ضرورة شرح وتوسيع مقترح الحكم الذاتي)) (المصدر: موقع “هسبريس”/ 18 أكتوبر 2024).
إذن، المبعوث الأممي مقتنع بوجاهة مقترح الحكم الذاتي، لكن لماذا لم يطرحه كحل للقضية(..)؟ ولماذا اختار إنهاء مهمته بهذا الشكل “الشنيع”؟ فهو نفسه يعرف بأن مهمته انتهت عمليا مع تقديم هذا المقترح الذي لا قيمة له في الواقع، ولا يمكن أن يقبله المغرب، أما البوليساريو فلا تحلم بأنه يمكن أن تناقشه، وما قيل عن رفضها للمقترح فهو مجرد كلام فارغ.. المهم أن دي مستورا نفسه يعرف أنه حشر نفسه في الزاوية الضيقة للمنطق والتاريخ، ولا عجب أن يقوم هو نفسه بتحديد تاريخ لانتهاء مهمته، بعد ستة أشهر من إدلائه بهذا التصريح، الذي عرفت الأمم المتحدة أنه “خارج السياق” فلم تضعه ضمن الوثائق المعلنة، بل إنه ظل مجرد كلام ضمن المحاضر السرية(..).
وكان خيال ستيفان دي مستورا قد أوحى له باقتراح غريب يتنازل فيه المغرب عن مدينة الداخلة، بينما الشعب واحد والأرض واحدة، والداخلة مدينة مغربية ولها منتخبوها المغاربة وتمثيليتها في المؤسسات الوطنية، ولو بحث دي مستورا قليلا لوجد أن طبخته، التي تتظاهر البوليساريو برفضها، سبق أن قدمت من طرف المبعوث الأمريكي جيمس بيكر، ووافقت عليها البوليساريو بإيعاز من الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة، لولا أن وزير الخارجية وقتها محمد بنعيسى، قال في تصريحات إعلامية أن المغرب يرفض رفضا مطلقا أي توجه يستهدف “تقسيم الصحراء الغربية”، وأن موضوع التقسيم غير قابل للمناقشة مهما كانت الظروف.. واعتبر بنعيسى أن هذا التوجه “مخطط خطير وسابقة خطيرة” ستتوسع بمقتضاها النزاعات على طول الشمال الإفريقي من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي، وقال إن “الاتفاق الإطار” يبقى هو الحل الواقعي لإيجاد تسوية سياسية للقضية.
لم تظهر لحد الآن طريقة تعامل الأمين العام للأمم المتحدة مع مقترحات المبعوث دي مستورا، لكن الأمر – مهما يكن – يعد انحرافا جديدا في عمل إحدى آليات الأمم المتحدة بالصحراء المغربية، وفشل جديد ينضاف إلى سلسلة فشل المبعوثين الأمميين إلى الصحراء، بسبب ارتكابهم أخطاء في فهم الملف، وعدم أخذ المستجدات بعين الاعتبار.. لماذا يتجاهل المبعوثون الأمميون اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، أليس هذا رأي أكبر دولة مؤثرة؟ ولماذا لم يأخذ بعين الاعتبار الموقف الإسباني الداعم لمقترح الحكم الذاتي طالما أن إسبانيا كانت مستعمرة للصحراء؟ ولما لم يتم الأخذ بالموقف الأخير للجمهورية الفرنسية، وهي دولة عريقة وأيضا عضو في مجلس الأمن، وتعرف خبايا الملف؟ ألا يكفي اعتراف دولتين في مجلس الأمن بمغربية الصحراء وعدد كبير من الدول الأخرى ليثير فضول المبعوث الأممي؟ ماذا يريد دي مستورا أكثر من خطاب اعتراف الرئيس الفرنسي بمغربية الصحراء، وقوله داخل البرلمان المغربي بأن الحل يجب أن يكون تحت السيادة المغربية(..)؟ ماذا ينتظر المبعوثون الأمميون مثلا ليتحركوا وأخذ المعطيات الدبلوماسية بعين الاعتبار، ألا يعني ذلك فشلا لأجهزة الأمم المتحدة نفسها(..)؟ إن تصرفا مثل تصرف دي مستورا، يعتبر “إفسادا” لمهام الأمم المتحدة، وإساءة إلى تراكم معطيات القضية لديها، قبل أن يكون إساءة للمبعوث نفسه.. وفي حالة دي مستورا، فمهمته انتهت قبل الأوان، ويمكن القول من الآن بأنها مهمة فاشلة، وتتضمن نفس الكلام المجتر، عن اتفاق وقف إطلاق النار، وأزمة الأطفال المحتجزين في تندوف، ما الذي يمنع الأمم المتحدة مثلا من إحصاء هؤلاء المحتجزين في تندوف مثلا(..) ؟
إن ما قدمه دي مستورا في الواقع هو الذي جعل الباحثين المغاربة يصفونه بالمبعوث الفاشل، بعد أن شجعه البعض عند بداية مهمته، رغم أنه كان يلبس عباءة الفشل منذ تعيينه مبعوثا إلى سوريا(..)، فقد ((قال أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض، محمد بنطلحة الدكالي: إن ستيفان دي مستورا يظهر مرة أخرى أنه شخص فاشل ويفتقر للحرفية الدبلوماسية بعدما فشل في حل الأزمة السورية، مضيفا أن عليه العودة لقراءة تاريخ المغرب الدولة الأمة حتى يستدرك ما فاته.. وأوضح أن مقترح ما يسمى “تقسيم الصحراء”، الذي جادت به شطحات دي مستورا، هو أحد أوهام وأحلام النظام العسكري الجزائري، الذي تم طرحه سنة 2001 أمام الأمم المتحدة من طرف عبد العزيز بوتفليقة، ولعل سجلات الأمم المتحدة شاهدة على ذلك.. ولفت إلى أن دي مستورا حين ينادي بهذا الاقتراح البئيس يحاول إيهامنا بأننا نستطيع أن نفصل الوطن على مقاسات، مشيرا إلى أن اقتراحه هذا الأمر يظهر أنه وصل إلى الباب المسدود، وهذا يظهر فشله الذريع على جميع الأصعدة)) (المصدر: تصريحات لموقع “هسبريس”).
هكذا جلب دي مستورا على نفسه نقمة المحللين، بل إنه تحول إلى مادة للسخرية، حيث قال واحد من المعلقين والحقوقيين، إن دي مستورا يستحق الشكر لثلاثة أسباب، هي: ((السبب الأول: في ولايته، الحمد لله، حصل جمود في الملف على مستوى الأمم المتحدة ولم يحصل فيه أي تطور وكأن يده اليمنى السويدية الباردة كانت ممسكة بالملف، وليست يده اليسرى الإيطالية المتوسطية الدافئة، في حين أن واقع الجغرافية الطبيعية والبشرية شهد تطورات مهمة.. فخلال ولايته ارتفع عدد القنصليات المفتوحة في العيون والداخلة إلى أكثر من ثلاثين، كما فُعّل الموقف الأمريكي على أرض الواقع بعدما كان قد أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 10 دجنبر 2020 جهرا وكتابة بأن الصحراء مغربية، وقد تعزز الموقف الأمريكي بزيارات إلى المنطقة وبمبادرات أخرى متتالية.. وفي ولايته أيضا تطور الموقف الإسباني من ما يسمى بالحياد الإيجابي منذ سنة 1975 إلى الدعم الرسمي لمقترح المغرب بشأن مبادرة الحكم الذاتي، وقفزت فرنسا من مجرد مساندة لمقترح المغرب إلى الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء، واستحقت بذلك شكر وتنويه جلالة الملك محمد السادس في خطاب رسمي، وبهذا الاعتراف، تكون فرنسا قد تصالحت مع نفسها لأنها الدولة التي تعرف المنطقة حق المعرفة، وهو اعتراف من دولة صديقة لم تتخل يوما عن حفظ التوازن رغم تغير قادة الإليزيه وهي الدولة الدائمة العضوية بمجلس الأمن.
كما أنه في ولاية دي مستورا تبين للعالم أن إعلان جبهة البوليساريو عن انتهاء وقف إطلاق النار من جانب واحد بعد إعادة النظام إلى معبر “الكركرات” لم يكن سوى مناوشات لا تتجاوز لعب الأطفال، رغم إصدار مئات من “البلاغات العسكرية”، بينما الحياة في الأقاليم الجنوبية آمنة، عادية، والتنمية مستمرة.. بينما هم الذين منذ سنة 1991 وهم يهددون بإنهاء وقف إطلاق النار..
السبب الثاني: لواجب شكره، فدي مستورا هو الذي أحاط مجلس الأمن في جلسة مغلقة بدردشة حول تقسيم الصحراء، حتى وإن لم يكن هذا الاقتراح من إبداعه، لكونه ورد سابقا في تقرير عن الوضع في الصحراء للأمين العام للأمم المتحدة، الصادر في 19 فبراير 2002، والذي أشار إلى أن الجزائر وجبهة البوليساريو كانتا مستعدتين لمناقشة تقسيم الإقليم كحل سياسي للنزاع، وذلك عقب لقاء جيمس بيكر بالرئيس الجزائري بوتفليقة في هيوستن بالولايات المتحدة في 2 نونبر 2001.. لكن الجديد هذه المرة أن دي مستورا أعاد طرح مسألة التقسيم بوضوح أكبر، وأضاف أن هذا الاقتراح مرفوض ولا يحظى حتى بقبول المناقشة، وهذا الكلام الواضح يحسم الأمر، لأن هناك من كان ولا يزال يحاول الترويج لفكرة التقسيم في الكواليس، ويأمل في “تطور” ملغوم لمبادرة الحكم الذاتي.. فها هو دي مستورا قد أتاح الفرصة للمغرب ليعلن للعالم أن السقف هو مبادرة الحكم الذاتي، وانتهى الكلام.
والسبب الثالث: إن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة خصص ثلاث فقرات لمبادرة الحكم الذاتي، وهذا ما يبرز أهمية هذا المقترح الذي يتجاوز سقفه كمشروع استراتيجي الثلاث صفحات التي أشار إليها ستيفان دي مستورا، وبالمقابل، لم يخصص إلا كلمات لوهم الاستفتاء.. أفلا يستحق الشكر؟)) (المصدر: الأسباب الثلاثة: مقتطفة من تعليق ساخر للحقوقي ورجل الملفات الكبيرة، عبد الرفيع حمضي).
مجرد تساؤل
من أين جاء هذا المبعوث الأممي بكل هذا الذكاء “الغبي”!!!؟؟؟
التساؤل مقتبس من المقال، ولو كان الكاتب لديه دراية بالملف، لعلم أن صاحب هذا “الذكاء الغبي” هو الحسن الثاني.