تقرير | المدن الآيلة للسقوط.. خطر داهم يهدد حياة المواطنين
تعرف العديد من المدن ظاهرة المنازل الآيلة للسقوط المتواجدة خاصة في المدن العتيقة، والتي لم تخضع لأي ترميم أو إصلاحات لسنين طويلة، حتى تحولت إلى “قنابل موقوتة” تهدد حياة سكانها، بعد تأخر المجالس المنتخبة والمسؤولين في إصلاحها أو تسوية وضعية قاطنيها.
ويوجد بمدينة الدار البيضاء مثلا 5000 منزل آيل للسقوط في أي لحظة، وأكثر من 114 ألف منزل آيل للانهيار في المغرب كله، خاصة في الأحياء العتيقة والتاريخية لمدن فاس، وسلا، والرباط، بينما تتحدث تقارير عن وجود 50 في المائة من البناء العمراني للمدن القديمة في وضعية متدهورة، منها 10 في المائة مهددة بالانهيار.
إعداد: خالد الغازي
إن المنازل والمنشآت الآيلة للسقوط بالعاصمة الاقتصادية أصبحت تشكل خطورة كبيرة تخلفها انهيارات المباني التي تعرف تصدعات، بسبب عوامل متشابكة، لها علاقة بالوضعية العمرانية، إذ أن جزء من المشكل يعود إلى عدم حزم السلطة المحلية في الاستقرار على معايير واضحة في الاستفادة من السكن، كما أن موضوع البيوت الآيلة للسقوط يؤكد أن المشكلة كلها تكمن في أن الميزانية المحددة لإعادة إسكان قاطني هذه المنازل أو إخضاعها للصيانة والترميم، تقلصت، فتباطأ التنفيذ وتوقف وبات المشروع برمته آيلا للفشل، إلى أن جاء قرار الترحيل والهدم.
ويرى العديد من المتدخلين أن مسؤولية المنازل الآيلة للسقوط تقع على السلطات المنتخبة بالدرجة الأولى، والسلطة المحلية بسبب التعقيدات وعدم تمكين القاطنين من رخص الإصلاح والترميم منذ عقود، مما أدى إلى تدهور وضعية هذه المنازل التي أصبحت غير قابلة للسكن وتهدد حياة قاطنيها، مما يطرح تساؤلات حول أسباب عدم تدخل السلطات لمنح التراخيص في الوقت المحدد لإنقاذ هذه الدور من الانهيار.
لقد وقعت الكثير من الحوادث في المدن العتيقة بمختلف المدن، والتي خلفت ضحايا وخسائر مادية، نتيجة سقوط عشرات المنازل خلال السنوات الماضية، الأمر الذي جعل سلطات الدار البيضاء مثلا تقوم بإخلاء وترحيل بعض القاطنين من بعض الأحياء، لكن في مدن أخرى لازالت المنازل الآيلة للسقوط لم تخضع لأي إجراءات أو إصلاحات، الشيء الذي قد يؤدي إلى انهيارات لهذه المنازل التي توجد في وضعية مزرية.
في هذا الإطار، يقول الحقوقي حسن أقبيو: تهيئة المدن العتيقة تخضع لعدة عوامل، أولا تخضع لدراسة تاريخية وإنسانية، لكن لا يتم احترامها، مثلا في مدينة تطوان وفي إطار الإصلاحات التي عرفتها المدينة العتيقة، هناك تجاوزات خطيرة، أولها الغش في المواد المستعملة في الترميم وعند سقوط الأمطار تقع انهيارات وتتساقط الأحجار، ثم تغيير الملامح التاريخية للمدينة وعصرنة الأحياء العتيقة، من هنا يتضح أن الجهات المسؤولة لم تقم بمراقبة دقيقة حفاظا على التراث الإنساني للمدن العتيقة، مثلا في مدن الشمال، هناك اتفاقية بين الحكومة الإسبانية التي منحت ميزانية لإصلاح بعض المنازل الآيلة للسقوط التي كانت تابعة للمستعمر الإسباني، إلا أن هذه الإصلاحات عرفت مجموعة من التجاوزات ولم تحترم دفتر التحملات والهيكلة الهندسية التي كانت معروفة سابقا، وجميع المنازل القديمة تم تحويلها من تراث إنساني إلى تراث تجاري مثل فنادق أو رياضات، وهذا أخطر ما يهدد المدينة العتيقة.
وأوضح نفس المتحدث، أن بعض المدن العتيقة عرفت بناء منازل مكونة من أربعة أو خمسة طوابق، ولم تعد تحافظ على التصميم الموحد المعتمد، بحيث أصبح من يمتلك النفوذ يتحكم في المدينة كما يشاء، ومن جهة أخرى، فإن واقع مدن الشمال ليس مثل الرباط أو الدار البيضاء، التي تعرف إنشاء مشروع مرتبط بتنظيم كأس العالم، والمفروض أنه قبل ترحيل الأسر كان لابد من توفير السكن لهؤلاء الناس، إذ لا يمكن ترحيل الأسر بشكل مفاجئ دون استحضار الظروف الاجتماعية والمادية لهذه الأسر التي تجد صعوبة في لقمة العيش، فهذه مسألة تدق ناقوس الخطر ويمكن أن تصبح قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، واستطرد قائلا أن هناك ميزانية استثمرت في إعادة هيكلة المنازل الآيلة للسقوط، ولكن هذه الإصلاحات لم تكن حقيقية، بل بسيطة صرفت فيها ميزانية كبيرة، خصوصا وأن تلك الأحياء تعتبر تراثا قديما يجب المحافظة عليه وإصلاحه، مثل ما يحصل في المدن الإسبانية مثل ماربيا وغرناطة حيث تم إصلاح جميع المنازل العتيقة، لهذا يجب على لجن التتبع أن تراقب هذه المنازل، خصوصا في ظل تحديد ميزانية كبيرة لهذه المهمة لكن لم تستفد منها هذه المنازل بشكل مباشر، بل هناك اختلالات واضحة في هذا المجال، ويجب على الجهات المعنية فتح تحقيق في الموضوع.
من جهته، يرى موسى سيراج الدين، رئيس جمعية “أولاد المدينة”، أن السبب في ظهور المنازل الآيلة للسقوط بالدار البيضاء يعود إلى عدم منح رخص الإصلاح حتى تحولت إلى بيوت مهترئة، فكل شيء كان مقصودا ومخططا له ولم يأت صدفة، لأن الأراضي تقع في موقع استراتيجي قرب البحر وصالحة لتشييد بنايات عصرية، والدليل أن هذه المنطقة تم إدراجها وتقديمها في مشروع كأس العالم لإنشاء أكبر معرض خاص بالإعلام والنقل التلفزي، مشيرا إلى أنه كان من الأجدر قبل الشروع في هدم المنازل الآيلة للسقوط، تطبيق مشروع نزع الملكية القديم والمصادق عليه، والذي يوصي بتعويض المكتري والمالك بثمن العقار الحالي، لكن المقاربة الغير اجتماعية التي يتم بها التعامل مع هؤلاء الناس، تخلق احتقانا وحقدا دفينا بسبب اجتثاثهم من مكان عاش فيه أجدادهم وآباؤهم منذ سنوات وهم سكان أولون، ومن غير المقبول تطبيق البرامج الأخرى المتعلقة بالمنازل الآيلة للسقوط.
وأوضح سيراج الدين أن المدن القديمة تخضع لبرنامجين: أولهما إعادة الهيكلة يتعلق بترميم الأسوار، والذي عرف “خروقات كبيرة جدا” لأننا أصبحنا أمام تهجير قسري لساكنة المدينة القديمة بدعوى أن المنازل أصبحت غير صالحة للسكنى، في حين أن برنامج إعادة الهيكلة يوصي بإعادة هيكلة تلك المنازل والسماح للسكان بالبقاء والاستقرار داخل المدينة العتيقة، مبرزا أن المدينة العتيقة بمراكش خضعت لإصلاحات وتم تحويل العديد من المنازل إلى رياضات وتم الحفاظ عليها.
واعتبر ذات المتحدث، أن عدم منح السكان رخص الإصلاح ساهم في وصول تلك المنازل إلى أن تصبح آيلة للانهيار، خاصة وأن هذا المشكل مطروح منذ سنة 1989، ولو تم السماح بإصلاحها لما أصبحت على ما هي عليه، بالإضافة إلى أن هناك شركة عقارية تابعة لصندوق الإيداع والتدبير كانت مسؤولة عن إصلاح وتتبع هذه المنازل وقامت بحجزها في إطار ظهير نزع الملكية، مشيرا إلى أن هناك لوبيات ومنعشين سمح لهم بترميم وإصلاح المباني والمنازل التي يتوفرون عليها داخل المدينة القديمة ولم يتم تطبيق قرار الهدم في حقهم.
إن إشكاليات الأحياء الهشة وظاهرة المباني الآيلة للسقوط بالأحياء العتيقة بمختلف المدن ولاسيما العاصمة الاقتصادية، تمس بشكل مباشر حياة وسلامة الساكنة وتهدد التماسك الاجتماعي، مما يطرح السؤال حول دور الحكومة في الحفاظ على عمران المدن العتيقة، وما هو العمل الذي تقوم به الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط من أجل مساعدة السكان في إصلاح وترميم منازلهم عوض نهج سياسة التهجير التي تتبعها السلطات، فبهذا الخصوص سبق أن تحدث البرلماني محمد التويمي بنجلون، عن حزب الأصالة والمعاصرة، حول غياب استراتيجية حكومية للحد من مخاطر الدور الآيلة للسقوط، وقال أن الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط رغم أنها تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، لكنها لازالت إلى حدود اليوم غير قادرة على الإعلان عن استراتيجية وطنية واضحة للحد من آفات انهيار المنازل الآيلة للسقوط وخسائرها البشرية والمادية.
فالعديد من المدن بها مدن عتيقة لها تاريخ طويل وتعتبر إرثا تاريخيا يجب الحفاظ عليه، خاصة وأن غالبية المدن القديمة مسجلة لدى منظمة “اليونسكو”، لكن الملاحظ أن العديد من هذه المدن توجد في وضعية كارثية بسبب الإهمال أو وجود اختلالات في تنفيذ برامج تأهيل المدن العتيقة، والتي تطلبت ميزانيات مالية كبيرة في عهد الحكومات السابقة، لكن لا أثر لها على أرض الواقع، بينما تم التركيز فقط على بعض المدن السياحية حيث تم استثمار المدن العتيقة ضمن استراتيجية القطاع السياحي، الشيء الذي جعل العديد من المنازل القديمة ترتفع قيمتها العقارية، خاصة في مراكش وفاس والرباط.
وقد سبق أن انتقدت فرق برلمانية البرامج والنتائج المحدودة المتعلقة بالدور الآيلة للسقوط في المدن العتيقة، خصوصا مع توالي تساقط هذه الدور خلال كل موسم ماطر، داعية إلى معالجة هذه المباني والكشف عن تدخلات الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط بتشخيص النسيج العمراني القديم، من أجل تصنيف البنايات التي يمكن أن تكون مهددة بالسقوط، وعن خلاصات هذا التشخيص إن تم، وبرنامج التدخلات الذي تقرر من أجل معالجة هذه الظاهرة، وكلفتهما.
وقد وضع القانون رقم 94.12، المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط وعمليات التجديد العقاري، مسؤولية صيانة المباني الآيلة للسقوط على عاتق مالكيها، سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، وحملهم مسؤولية الضرر الذي يحدثه انهيارها أو تهدمها الجزئي إذا وقع بسبب عيب في البناء أو عدم الصيانة أو التلاشي، حيث من واجب كل مكتري أو شاغل أو مستغل لمبنى آيل للسقوط، أن يشعر رئيس المجلس الجماعي والسلطات المحلية، بكل وسائل التبليغ المعتمدة قانونا، بالخطر الذي يشكله المبنى الآيل للسقوط، في حين تتمثل مسؤولية رئيس الجماعة في قرارات تقضي بتدعيم أو هدم المبنى الآيل للسقوط مع تدخله في حال وجود خطر حالي من أجل درء ذلك الخطر.
كما يحدد القانون مسؤولية رئيس الجماعة بعد توصله بتقرير مكتوب من طرف اللجنة الإقليمية أو المراقبين، بأن يتخذ قرارا ويخبر به مالك المنزل المعني، ويحدد هذا القرار العمليات الواجب القيام بها والأجل مع إمكانية تضمينه المنع المؤقت أو النهائي من الولوج للمبنى المعني، بينما وضع أيضا المسؤولية على عاتق عامل العمالة أو الإقليم، حيث نص على ممارسته لمهام رئيس الجماعة إذا تعذر على الأخير لأي سبب من الأسباب اتخاذ الإجراءات الموكولة إليه أو امتنع عن القيام بها، وذلك بأن يطالبه بأداء مهامه ويحيل الأمر على القضاء الاستعجالي بعد انصرام أجل سبعة أيام.