مع الحدث | اليعقوبي وامهيدية وبيكرات.. القيادة الثلاثية لحكومة الإدارة الترابية
قراءة في التعيينات الأخيرة
الرباط. الأسبوع
شهدت الإدارة الترابية تغييرات جديدة على صعيد بعض الجهات والعمالات في المملكة، بتعيين ولاة جدد وعمال من أجل إحداث إضافة جديدة لهذه المدن والأقاليم التي تعرف الكثير من المشاكل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والانتخابي.
وقد جاء تعيين مسؤولي الإدارة الترابية، وفق المفهوم الجديد للسلطة، ورعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية، والمحافظة على السلم الاجتماعي وفق التوجيهات الملكية، بالإضافة إلى أن من مسؤولية السلطة الحفاظ على الحريات وصيانة الحقوق والواجبات، والاهتمام باللامركزية والجهوية المتقدمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية..
والملاحظ من خلال حركة تنقل الولاة والعمال، أن هناك ولاة فوق العادة يحظون بامتياز على ولاة آخرين تم تنقيلهم من جهات إلى جهات أخرى، الأمر الذي يفهم منه أن وزارة الداخلية تفضل الحفاظ على رجالها في بعض الجهات والمناطق الاستراتيجية الكبرى والمهمة، ربما بهدف الاستقرار وتحكم هؤلاء المسؤولين في المجالس المنتخبة بالمدن والأقاليم الخاضعة لنفوذهم الترابي، أو بهدف اطلاعهم على المشاريع الكبرى التي تعرفها مدن الدار البيضاء، الرباط، الداخلة، العيون، طنجة، وأكادير.. لكن بعض النشطاء – في مواقع التواصل الاجتماعي – يعتبرون أن تعيين المسؤولين الترابيين يجب أن يخضع للتشبيب وفتح المجال أمام الطاقات الشابة والنساء، خاصة من مجال الاقتصاد وريادة الأعمال، ومن القطاع الخاص والاستثمار، عوض الاقتصار فقط على رجالات الداخلية، أو الذين تدرجوا عبر مسؤوليات ومناصب في الولايات والعمالات فقط، لكن للإدارة حساباتها، فكل من الوالي محمد امهيدية في الدار البيضاء ومحمد اليعقوبي في الرباط، وعبد السلام بيكرات في العيون، هم بمثابة قيادة “حكومة الإدارة الترابية التي يترأسها الوزير عبد الوافي لفتيت”.
الولاة فوق العادة
خلت لائحة تعيين الولاة من أسماء بارزة في الإدارة الترابية، حيث تم استثناؤهم في الحركة الانتقالية، لكونهم يوصفون بالولاة الأقوياء وأصحاب القرار داخل الإدارة الترابية، لهذا قررت الداخلية الاحتفاظ بهم في مناصبهم وعدم إدراج أسمائهم ضمن لائحة التعيينات الجديدة في مختلف الولايات.
ومن بين أبرز المسؤولين الترابيين، محمد اليعقوبي والي جهة الرباط سلا القنيطرة، الذي تم تعيينه على رأس الجهة سنة 2019، لكنه تعرض لانتقادات كثيرة من قبل فعاليات المجتمع المدني والحقوقي بسبب المقاربة التي اعتمدها في ترحيل والقضاء على دور الصفيح والأحياء العشوائية دون استحضار الظروف الاجتماعية والإنسانية للأسر التي تم ترحيلها قسرا، ودون تعويضات مادية أو دعم مادي للأسر الفقيرة الغير قادرة على شراء منازل.
فالعديد من القضايا تعرفها مدن الجهة التي تقع تحت مسؤولية الوالي اليعقوبي، والكثير من المشاكل والقضايا التي لم يتم تسويتها في عهده مثل قضية محلات سوق الصالحين بسلا، التي عرفت اختلالات وانتقادات لكيفية توزيع المحلات، وعدم الكشف عن أسماء ولوائح المستفيدين من قبل الجهات المسؤولة، بالإضافة إلى المقاربة التي تعتمدها وكالة ضفتي أبي رقراق التي تقع تحت سلطته، بخصوص ترحيل ونزع ملكية الأراضي من ساكنة منطقة احصين وحرفيي الولجة وغيرهم، وكذا الاختلالات والمشاكل التي تعرفها بعض المجالس مثل جماعة تمارة وسلا والقنيطرة على مستوى التدبير والتسيير، بالإضافة إلى ضعف الاستثمار وتراجع نشاط المجتمع المدني، وتعثر برامج مجلس الجهة… ومع ذلك ظل اليعقوبي واحدا من رجال الثقة، وقد تميزت فترة عمله في طنجة بوقوفه في وجه نفوذ الحزب المعلوم(..)، ما عزز حظوظه للانتقال إلى العاصمة، بل إنه رشح أكثر من مرة لمنصب أكبر من والي، وقد يصبح مع مرور الوقت وزيرا في الحكومة(..).
ويعد والي الدار البيضاء سطات محمد امهيدية، من الولاة الذين لم تشملهم الحركة الانتقالية للولاة، لكونه حديث العهد بالعاصمة الاقتصادية، إذ تسلم مهامه في سنة 2023، وقد شهد المجتمع المدني على القدرات التواصلية الكبيرة لهذا الوالي حتى أنه تم رفض تنقيله سابقا من وجدة بسبب تواصله مع السكان، الذين نظم عدد كبير منهم احتجاجات تطالب بعدم إبعاده عن مدينتهم اعتبارا لقدرته على ضبط مشاكل المنتخبين وصرامته في مواجهة الخروقات.
ويعتبر عبد السلام بيكرات والي جهة العيون الساقية الحمراء، من أبناء وزارة الداخلية.. فقد بدأ مساره كمتصرف بوزارة الداخلية، وعين في بداية مساره المهني رئيسا لدائرة دار الدبيبيغ بعمالة فاس، قبل أن تتم ترقيته إلى مهام كاتب عام لعمالة مراكش المنارة في فاتح فبراير 2001، لذلك يعد بيكرات من الولاة الذين يحظون بالامتياز داخل الإدارة الترابية، حيث سبق له الإشراف على خلية التتبع بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية، ثم كلف بقطب اللوجستيك والأمن باللجنة المشرفة على تنظيم قمة المناخ “كوب 22″، قبل أن يعين واليا ملحقا بالإدارة المركزية في سنة 2017.
وتحسب لبيكرات اليوم، قدرته على إدارة التوازنات الانتخابية الصعبة داخل الأقاليم الجنوبية، وحفاظه على خيط ناظم بين المنتخبين والمواطنين، ما يؤهله لنجاح أكبر مستقبلا، حيث تغلب على عامل التأثير القبلي في الصحراء…
الإبقاء على بعض الولاة والعمال
وعرفت لائحة التنقيلات تغيير مراكز بعض الولاة، مثل معاذ الجامعي الذي كان واليا على جهة الشرق وتم تعيينه مسؤولا عن ولاية جهة فاس مكناس، وسعيد زنيبر الذي كان واليا على فاس تم تنقيله إلى ولاية جهة درعة تافيلالت، وخطيب الهبيل الذي كان واليا على جهة بني ملال خنيفرة تم تنقيله واليا على جهة الشرق، ثم الوالي الجديد محمد بنريباك، الذي تم تعيينه على رأس ولاية جهة بني ملال خنيفرة.
هؤلاء الولاة الذين تم تنقيلهم من ولاية إلى أخرى، بعضهم فشل في حل مشاكل الجهة التي كانوا على رأسها، من بينهم معاذ الجامعي، الذي عجز عن حل مشكلة الماء مع سكان مدينة فجيج ورفض السكان لطريقة التنزيل، خاصة وأن الأزمة مستمرة حتى اليوم بسبب الرفض الجماعي للسكان لمشروع تدبير الماء بالإقليم، أما الوالي سعيد زنيبر، فقد عرفت مدينة فاس في عهده سقوط العديد من المنتخبين والبرلمانيين في قضايا فساد عرفتها مدينة فاس وملفات لمسؤولين في جماعات ترابية ومجالس منتخبة في الإقليم والجهة، بالإضافة إلى استمرار العديد من المشاكل التي تتخبط فيها مدينة فاس التي كانت تحت سلطته فيما يتعلق بالتدبير المفوض للنقل الحضري والنظافة وتأهيل المدينة القديمة، أما الوالي خطيب الهبيل، فقد قضى عدة سنوات على رأس جهة بني ملال خنيفرة ولم يستطع حل مشاكلها المتعددة التي تعرفها المجالس المنتخبة، بالإضافة إلى مسؤوليته في قضية وفاة 21 شخصا خلال الصيف الماضي من بينهم 17 مريضا في المستشفى الجهوي ببني ملال بسبب الحرارة وانعدام المكيفات.
لائحة العمال بدورها عرفت الاحتفاظ ببعض العمال الذين لم يتمكنوا من حل المشاكل التي تتخبط فيها بعض المدن والأقاليم، والمتعلقة بالسكن والتدبير المفوض ونقص المياه والبنية التحتية وصراعات المجالس المنتخبة، ليبقى السؤال لدى الفعاليات الجمعوية والحقوقية حول الهدف من وراء تعيين عمال لم ينجحوا في مدن أخرى، مثل عامل إقليم أسفي الجديد محمد فطاح، الذي تلقى الكثير من الانتقادات عندما كان على رأس عمالة خنيفرة، حيث تفجرت في عهده الكثير من الملفات المرتبطة بالمجلس البلدي، بينما تظل مشاكل مدينة أسفي أكثر بكثير وتتطلب الكثير من المجهودات لإخراجها من “البلوكاج”، وينضاف إليه العامل محمد العطفاوي الذي تم تعيينه عاملا على إقليم الجديدة بعدما كان مسؤولا عن إقليم أزيلال الذي يعد من أفقر الأقاليم ويتخبط في الكثير من المشاكل، على رأسها القطاع الصحي، والطرقات والبنية التحتية، وغيرها، وتنتظره ملفات وقضايا كبيرة في مدينة الجديدة ونواحيها؟
ترقية كتاب إلى عمال أقاليم
عرفت لائحة العمال الجدد ترقية بعض الكتاب العامين في الولايات والعمالات إلى عمال، نظرا لكفاءتهم وتسلقهم للمراتب والمناصب داخل الإدارة الترابية، ومراكمتهم لتجارب في العديد من العمالات، من بينهم بدر بوسيف عامل إقليم تاوريرت، الذي كان كاتبا عاما بعمالة طنجة، وعبد السلام الحتاش عامل إقليم جرسيف، الذي شغل منصب كاتب عام بولاية مراكش، وعبد السلام فريندو عامل إقليم الدرويش، الذي شغل منصب كاتب عام بعمالة فاس، ومحمد عادل إهوران عامل إقليم خنيفرة، الذي كان كاتبا عاما لعمالة الدار البيضاء وبنسليمان، وإدريس روبيو عامل إقليم سيدي سليمان، الذي اشتغل كاتبا عاما بولاية سوس ماسة، ومحمد الطاوس عامل عمالة عين السبع والحي المحمدي، الذي شغل منصب كاتب عام بعمالة إقليم الحوز، وإبراهيم بوتوملات عامل السمارة الذي شغل منصب كاتب عام بولاية جهة بني ملال خنيفرة.
كما عرفت اللائحة ترقية بعض المسؤولين في الإدارة العمومية إلى عمال، من بينهم عبد اللطيف النحلي الذي عين عاملا على إقليم الخميسات بعدما كان كاتبا عاما لقطاع إعداد التراب الوطني والتعمير، وجلال بنحيون عامل إقليم النواصر، الذي كان مديرا للمركز الجهوي للاستثمار في منطقة الشمال، وإدريس مصباح عاملا على إقليم إفران، الذي كان مفتشا عاما للمياه والغابات، وعلال الباز عامل إقليم بولمان الذي كان مديرا للمركز الجهوي للاستثمار بدرعة تافيلالت.
وتهدف حركة التنقيلات الجديدة إلى تحريك التنمية المحلية الشاملة، لاسيما وأن مؤسسة الوالي هي السلطة الإدارية العليا في نطاق الحدود الجهوية التي يمارس فيها اختصاصاته، كما أن ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، يمثلون السلطة المركزية في الجماعات الترابية، ويساعدون رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.. لكن يبقى السؤال: هل ينجح الولاة والعمال الجدد في إصلاح أخطاء المسؤولين السابقين ؟