تقرير | لماذا لا يرى ولا يسمع أخنوش الرسائل الحقوقية والاقتصادية والمجتمعية ؟
الأفكار التي لم تصل لرئيس الحكومة
تلقى رئيس الحكومة عزيز أخنوش العديد من الرسائل من أحزاب ومنظمات وهيئات مدنية وحقوقية، وشخصيات بارزة في المجتمع المدني والحقوقي، وذلك للقيام بدوره كمسؤول عن السلطة التنفيذية قصد حل العديد من القضايا والمشاكل التي تتخبط فيها عدة قطاعات حيوية، أو تقديم حلول واقعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر منها البلاد، والتي تؤثر على الكثير من المواطنين المنتمين للطبقة الوسطى والفقيرة.
إعداد: خالد الغازي
لجأت العديد من الهيئات الثقافية والسياسية والحقوقية إلى رئيس الحكومة من خلال رسائل مباشرة يتم وضعها أو إرسالها إلى مقر رئاسة الحكومة في المشور السعيد، قصد طرح العديد من القضايا التي يعاني منها المغاربة، تتعلق بعدة قطاعات، وبفئات معينة تعاني الإقصاء والتهميش بسبب عدم تسوية وضعيتها أو عدم الاهتمام بمطالبها العالقة منذ سنوات، مثل فئة المتقاعدين المدنيين والعسكريين الذين يتلقون أجورا هزيلة في ظل الغلاء الفاحش الذي تعرفه الأسواق نتيجة السياسة الليبرالية التي تتبعها الحكومة.
ففي عهد الحكومات السابقة، ظلت الرسائل التي توجه إلى رئيس الحكومة تحظى باهتمام بالغ، خاصة من قبل رؤساء الحكومات السابقة منذ عهد الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، وإدريس جطو، وعباس الفاسي، وعبد الإله بن كيران، حيث كان هناك تجاوب أو تفاعل من طرفهم حول القضايا أو المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تطرح عليهم، من أجل حلها واتخاذ بعض القرارات في شأنها أو الرد عليها من خلال أجوبة رسمية أو بطرق أخرى أو عبر المؤسسة التشريعية، أما اليوم، فالملاحظ أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش غير مهتم بالرسائل التي يتوصل بها من قبل شخصيات بارزة أو هيئات مدنية وحقوقية، والتي تتحدث عن الأوضاع الصعبة التي يعيشها المغاربة، خاصة غلاء الأسعار والخدمات، وفشل جميع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ توليها المسؤولية، في الحد من هذا الغلاء الذي يسير بشكل تصاعدي غير مسبوق على مستوى جميع المجالات والمواد والسلع والبضائع، ويزيد من الاحتقان الاجتماعي وسخط الرأي العام على الحكومة.
لهذا يبدو أن الرسائل السياسية والاقتصادية والحقوقية التي تبعث إلى رئيس الحكومة لا تلقى أذانا صاغية أو أي اهتمام، سواء منه أو من قبل فريقه العملي أو مستشاري ديوانه، رغم أنها رسائل ذات أهمية كبيرة وتحمل العديد من الملاحظات والمقترحات والتوصيات التي تصب في مصلحة العمل الحكومي، قصد معالجة الملفات الشائكة والأزمات التي تؤرق المغاربة، مثل أزمة التعليم والنظام الأساسي سابقا، وفضيحة امتحان المحاماة، وقضية المتقاعدين العسكريين، وأزمة طلبة الطب، والمتصرفين، والمهندسين، وكتاب الضبط…
وتحمل الرسال الموجهة إلى أخنوش الكثير من التوجيهات الهامة، والتي تتعلق بتدبير العديد من القطاعات التي تعرف اختلالات ومشاكل، قصد معالجتها، من خلال اتخاذ تدابير وإجراءات حكومية، لكن يبدو أن رئيس الحكومة يفكر فقط في القطاعات ذات المردودية والتي لها علاقة بمجال المال والأعمال والمشاريع المربحة، ويترك المشاكل والقضايا الشائكة إلى أن تأتي الحكومة المقبلة.
بهذا الخصوص، يرى المحلل السياسي مراد الغالي، أن رسائل الهيئات الحقوقية هي تعبير عن قلق اجتماعي حاد، وعن عدم الرضى على طريقة التدبير الحكومي لعدد من السياسات، حيث تطرح إشكالية كبرى في مسألة التواصل الحكومي من أجل الرد عن مجموعة من الرسائل التي هي من الناحية القانونية غير ملزمة بالرد على هذه الرسائل، لأن الحكومة مطالبة بعرض تقارير حول سياستها أمام البرلمان، سواء رئيس الحكومة أو بقية أعضائها، لكن الإشكال الحقيقي الذي يطرح هنا هو أنه من الضروري أن نضع طريقة التواصل في سياقها لكي نحاول نفهم السؤال الأساسي والرئيسي لماذا الحكومة لا ترد عن هذه الرسائل ولا تتفاعل مع بعض القضايا الاجتماعية الملحة المطروحة سواء عبر وسائط التواصل الاجتماعي أو عبر احتجاجات اجتماعية، تعبر عن عدم الرضى عن هذه السياسات ؟
وأوضح الغالي أن الإشكالية تبقى في سياق هذا التحول من الخطاب الشعبوي إلى الخطاب التكنوقراطي، والأكيد أن المرحلة الفاصلة التي كان فيها حزب العدالة والتنمية، الذي كان يستخدم لغة بسيطة عاطفية تخاطب مشاعر الناس، كنا نرى أننا أمام خطاب يحاول أن يضعنا أمام تصور حول تقاسم مشاكل المجتمع، عكس الخطاب التكنوقراطي الذي هو خطاب مدروس موجه وتقني، يبحث عن إعطاء أدلة تقنية أو بلغة تقنية وبأرقام، مضيفا أن الحكومة تعيش إشكالية حقيقية اليوم بين الخطاب العاطفي والخطاب المدروس، واختارت هذا التوجه لكونها تخشى من التبعات السياسية أن تكون تبعات مرهونة بمنطق أرقام، وتحاول أن توجه خطابها بشكل تقني يركز على الأرقام والإحصائيات يحاول تقديم صورة عنها ويركز على النتائج، وهو ما نلاحظه في الجلسات الشهرية لرئيس الحكومة فيما يتعلق بتقديم السياسات العمومية التي يتحدث فيها بطريقة تقنية.
بدوره، أكد المحلل السياسي والباحث في العلوم السياسية، حفيظ الزهري، أن مثل هذه الرسائل من الفرقاء السياسيين أو من منظمات المجتمع المدني، يمكن اعتبارها تدخلا في إطار المراقبة على عمل الحكومة، خاصة فيما يخص المجال الاجتماعي اعتبارا لما يحظى به من اهتمام كبير من قبل الفاعل السياسي والمدني، والرسائل التي توصل بها رئيس الحكومة مؤخرا تتجه في غالب الأحيان نحو السؤال حول ارتفاع الأسعار في العديد من المواد، وكذلك معالجة العديد من الملفات الاجتماعية، خاصة قطاع الصحة والتشغيل، هذا الأخير أصبح سؤالا يؤرق الفاعل السياسي والمدني الذي يحاول أن يلعب دور الوساطة بين الحكومة والسلطة التنفيذية والمواطنين.
وأضاف نفس المتحدث، أن هذه العملية تدخل في إطار الممارسة الديمقراطية وهذا أمر طبيعي، ويمكن اعتبارها آلية من آليات تحقيق التواصل بين الحكومة والفاعلين السياسيين والمدنيين، باعتبارهم ينتمون إلى المؤسسات الوسائطية، وبالتالي، يجب على الحكومة أن تتفاعل مع هذه الرسائل بشكل إيجابي عبر إجابات رسمية كتابية، أو إجابات شفوية أو عملية، لاسيما وأن هناك ملفات بارزة مطروحة على الحكومة خلال الدخول السياسي والاجتماعي.
اختلفت وتنوعت الرسائل الموجهة إلى رئيس الحكومة من قبل سياسيين وحقوقيين وهيئات مختلفة، والتي تتحدث عن وجود قصور حكومي في التعامل مع القضايا الراهنة والظرفية الاقتصادية الصعبة، التي لها تأثير كبير على جميع شرائح المجتمع، نتيجة فوضى الأسعار ورفض الحكومة القيام بتسقيف الأسعار ومراجعة القانون الذي يعطي الحق للشركات على حساب قفة المواطنين.
الوديع: إعادة سيادة الشعب إلى الشعب
انتقدت حركة “ضمير” استمرار الحكومة في إنكار الواقع، من خلال إنكار الإخفاقات المتعددة لسياستها والإصرار على تجاهل معاناة المواطنين، والصعوبات التي تواجهها المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والوضعية الاقتصادية والاجتماعية، مبرزة العديد من المؤاخذات على رأسها قضية المحروقات ومصفاة “لاسامير”، لاسيما وأن أخنوش طرف فيها بحكم مصالحه التجارية، ما يجعله في حالة تضارب للمصالح، ومتهما فيما يعيشه المواطن من غلاء ناجم أساسا عن ارتفاع أسعار المحروقات، خاصة مع عدم تدخله لوضع حد للاضطراب المسجل في القطاع.
واعتبرت الحركة، التي يرأسها صلاح الوديع، أن الحكومة تنفذ سياسة تأتي من مكان آخر، وهذه السياسة تخدم المصالح الخاصة المهيمنة وتسعى إلى إضفاء الشرعية على نفسها عبر إملاءات المؤسسات المالية الدولية، وتطبيق النظرية التي تزعم أن السياسة التي تشجع دَخْل الأغنياء، ولا سيما عن طريق خفض الضرائب المفروضة عليهم، تعود بالنفع على الاقتصاد بأكمله وعلى الفقراء، وطالبت الحركة بوضع حد لهذه الإملاءات والمساهمة في إعادة سيادة الشعب إلى الشعب.
الزاير: مخاطر توقيف الحوار الاجتماعي
وجه عبد القادر الزاير، الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، رسالة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، يدعوه فيها إلى المعالجة الفعلية للملفات المطلبية وتنفيذ الالتزامات المتفق حولها، واحترام الحريات النقابية وتطبيق كل الاتفاقيات الدولية والوطنية المرتبطة بهذا المجال، والعمل على احترام مقتضيات مدونة الشغل، ومعالجة النزاعات الاجتماعية، والتعجيل بمباشرة التفاوض حول مراجعة وإصلاح قوانين الانتخابات المهنية لمناديب العمال وأعضاء اللجن الثنائية.
ونبه الزاير رئيس الحكومة إلى وضعية الحوار القطاعي المتوقف، وما نتج عن ذلك من احتقان وتوتر، ويستنكر الصمت الحكومي المريب تجاه القطاعات التي تخوض معارك اجتماعية دفاعا عن مطالبها المشروعة والعادلة، من قبيل قطاع الجماعات المحلية، التدبير المفوض، الصحة، العدل، التعليم العالي، والأشغال العمومية، وغيرها.
أوزين: أي مغرب نريد ؟
في رسالته إلى رئيس الحكومة، تحدث النائب البرلماني محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، عن معاناة المواطنين مع الماء، وأمهات لم يعد بمقدورهن اقتناء الحليب لرضعهن لارتفاع أسعاره، وأصبحن يغامرن بصحة فلذات أكبادهن باقتناء أنواع خطيرة من الحليب تباع عبر الأنترنيت، وآباء أنهك الدخول المدرسي جيوبهم بفعل ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية، التي رغم تطميناتكم ووعود حكومتكم، عرفت أثمنتها زيادة غير مسبوقة، وقد حدث تحت سقف حكومتكم ما لم يقع قبلكم، وهذا يحسب لكم، قرابة 100 ألف تلميذ غادروا التعليم الخصوصي مفضلين التعليم العمومي مكرهين طبعا، بفعل الإجهاز على ما تبقى من القدرة الشرائية لأولياء أمورهم.
وتساءل أوزين: أي مغرب نريد؟ أي مجتمع نريد؟ وأي وجهة نريد؟ صحيح هناك رجال ونساء المواقع، لكن هناك رجال ونساء الواقع.. رجال ونساء الدولة، ورجال ونساء الوطن، فالمواقع العابرة لا يمكنها أن تنسينا الوطن الدائم، ومجد اللحظة لا يمكن أن ينسينا نبل الدوام، والاستقواء العددي لم يكن يوما سر النجاح.
بنعبد الله: خطر المس بالسيادة الغذائية
أثارت رسالة نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إلى رئيس الحكومة، غضب قيادات حزب الأحرار، بسبب لجوء حزب في المعارضة إلى مراسلة رئيسهم أخنوش والكشف عن مجموعة من التعثرات والفشل الحكومي في تدبير مجموعة من القطاعات، وعدم وفاء الحكومة بالأهداف والالتزامات التي قدمتها خلال التصريح الحكومي الأول.
وتحدث بنعبد الله – في الرسالة – عن مجموعة من الإخفاقات الحكومية، المتعلقة بالسيادة الغذائية المتأثرة بسبب السياسة الفلاحية الهادفة إلى تصدير الماء، في مقابل استيراد الحبوب واللحوم والقطاني، وإلى إغناء كبار الفلاحين في مقابل تدمير الفلاحة المعيشية الصغرى، وإقصاء العالم القروي من التنمية، وقهر الفلاح الصغير، وفشلها في تحقيق السيادة الطاقية، وغلاء غير مسبوق لكل أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، وتدهور القدرة الشرائية للأسر المغربية، وتضرر الطبقة المتوسطة، وانزلاق حوالي 3.2 ملايين مواطن نحو دائرة الفقر والهشاشة، وإقصاء الحكومة لـ 8 ملايين مواطن مستضعف من مجانية الانخراط في التغطية الصحية، والسماح لشركات المحروقات بممارسة التواطؤات، في استنزاف لجيوب المواطنين على الرغم من قرارات مجلس المنافسة، وعجز الحكومة عن مكافحة المضاربات وتضارب المصالح.
الجامعي: البلاد ليست بقرة حلوب
بدوره، انتقد النقيب والحقوقي عبد الرحيم الجامعي، الضعف التواصلي الكبير للحكومة وعدم تفاعلها مع الرأي العام، وفشلها الذريع مما أدى إلى تفجر الأوضاع في أكبر وأخطر القطاعات الاستراتيجية، ويتعلق الأمر بالتعليم والصحة والعدل، داعيا الحكومة إلى تقديم استقالتها.
وتساءل الجامعي: “هل الحكومة أنهت مهمتها بالزيادة في المواد الغذائية وفي الضرائب، ورفع الرسوم في عدد لا يحصى من الحاجيات؟ إلى أين تسيرون بالمغرب والمغاربة، ومن أجل من أنتم في كراسي المسؤولية إن كانت الأوضاع العامة تتدهور وكان المغاربة في سلة المهملات تحت أقدام الحكومة، تحتقرهم ولا تولي لمطالبهم أي عناية؟ وهل أنتم مغاربة أم أعداء المغاربة؟ كيف لكم أن تتصرفوا كالأجانب في المغرب، لا تعنيكم راحة المغاربة ولا همومهم، وتنظرون للبلد كالبقرة الحلوب أغدق عليكم كل ما يعجبكم وما يريحكم من قدسية وحماية ومناعة ومراتب ومناصب وأموال وثروات بكل العملات ؟
لطفي: إهدار كفاءات حاملي الشهادات العليا
دعا علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، في رسالته لرئيس الحكومة، إلى الاهتمام بوضعية الدكاترة المعطلين وحاملي الشواهد العليا، والعمل على إدماجهم ضمن مؤسسات التعليم العالي، أو في مراكز البحث العلمي أو الإدارات والمؤسسات العمومية والجهات الترابية التي هي في أمس الحاجة إلى تخصصاتهم المختلفة بعد تكوينهم البيداغوجي أو التدريب الميداني مع الأخذ بعين الاعتبار الدكاترة المعطلين الذين تجاوز عمرهم السن القانوني.
وأكد لطفي أن معدل بطالة حاملي الشهادات الجامعية بالمغرب تضاعف ثلاث مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة، والرقم مرشح للتزايد في السنوات الخمس القادمة، بسبب ضعف مناصب الشغل المخصصة للتعليم العالي والبحث العلمي، رغم ارتفاع حاجيات الجامعات المغربية من الموارد البشرية للتدريس والتأطير والتكوين الذي يقل اليوم عن معدل أستاذ واحد لكل 120 طالبا في كليات الاستقطاب المفتوح، أي أقل من المعدل العالمي والمغاربي.