متابعات | طرائف وحوادث غريبة في الإحصاء العام للسكان
"محصيون" منشغلون بالزواج والضرائب وإعادة الإسكان..
في الوقت الذي كان فيه الباحثون الإحصائيون في إطار العملية السابعة للإحصاء العام بالمغرب، يجوبون المدن والقرى والأحياء الشعبية والشعاب والأودية، متسلقين الجبال بمسالكها وتضاريسها الوعرة، بقبعاتهم ولوحاتهم الإلكترونية، وحقائبهم التي تحمل علامة وشعار المندوبية السامية للتخطيط، وشاراتهم التي تحمل صورهم ورقم بطائقهم الوطنية، بحثا عن منازل وتجمعات سكانية متناثرة، ويبذلون مجهودات جبارة لإقناع المواطنين بالتجاوب مع أسئلة الإحصاء، صادفتهم العديد من المواقف المحرجة والطريفة والحوادث المثيرة التي كانوا شهودا عليها..
وجد إحصائيون مشاكل تقنية في اللوحات الإلكترونية وضعف البطارية وصعوبات في شحنها، وعبر مواطنون عن امتعاضهم من بساطة الأسئلة وعدم شموليتها للمعطيات الضرورية لفهم الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمغرب، مستغربين في الآن نفسه من جدوى إنفاق المليارات على عملية إحصائية لا تعكس الواقع أو توفر معطيات دقيقة، وتصديق الناس لإشاعات سخيفة، ذهبت إلى حد القول إن الهدف من الإحصاء هو معرفة عدد المغاربة من أجل توزيع المال عليهم نهاية كل شهر، وزعم بعضهم أن الإحصاء لن يغير شيئا من حياة المغاربة، وأنه وسيلة للتجسس على أسرارهم وحصار المتهربين منهم من الضرائب والواجبات الأخرى، كما ذهب البعض الآخر إلى حد اعتبار الإحصاء وسيلة لضبط عملية التضامن الاجتماعي والتغطية الصحية، وإصرار البعض على طلب إرفاق شهادات أبنائهم مع الاستمارة اعتقادا منهم أن الأمر يتعلق بتوظيف المعطلين من أصحاب الشواهد، بينما أقدمت أسر أخرى على “تضخيم” عدد أفرادها أمام الباحثين متوهمين أن الأمر له علاقة بمناسبة خيرية، فحاولوا استمالة الباحثين لتحقيق أهدافهم، ناهيك عن وجود بعض المناطق النائية ترفض ساكنتها الإفصاح عن أي معلومات تخص الزوجة والإناث.
وربط آخرون عملية الإحصاء بإعادة الإسكان، بعد أن اختلط الأمر على عدد من السكان بين الإحصاء العام للسكان والسكنى وبين الإحصاء الذي تقوم به السلطات المحلية لإحصاء قاطني الأحياء العشوائية والدور الآيلة للسقوط، وخاصة بالمدن التي لازالت تضم أحياء الصفيح، مما جعلهم يعتقدون أن المندوبية السامية للتخطيط ستوزع عليهم المساكن، فعملوا على استقدام أقاربهم للإقامة معهم حتى يتم إحصائهم والاستفادة من السكن مستقبلا، كما أن عددا من الباحثين واجهوا أسئلة من قاطني دور الصفيح من قبيل: مواعيد الاستفادة من السكن الجديد ومكانه، وكم سيدفعون مقابل الحصول على شقة، وهل يتعلق الأمر بشقق في السكن الاجتماعي، أم ببقع أرضية مجهزة وصالحة للبناء، ومن السكان من طالب بشقة في الطابق السفلي لأنه لا يستطيع أن يصعد في الدرج بسبب تقدم السن والمرض…
وعرفت عملية الإحصاء صعوبات ناجمة عن الخلط الواضح بين مهام الإحصائي ومهام أصحاب الضرائب، حيث أن العديد من المواطنين يخفون الحقيقة، ويدلون بمعطيات خاطئة لا تمت للواقع بصلة، وخاصة حينما يُواجَهون بأسئلة تتعلق بالممتلكات والشغل، تخوفا من الضرائب، لتصور البعض أن كشف أملاكهم سيجعلهم يدفعون ثمن صراحتهم والزيادة في الضرائب عليهم، حيث وقف الباحثون على حالات مواطنين يمتلكون بعض التجهيزات والأملاك والعقارات، لكنهم يُصرحون بعكس ذلك، ومن الطرائف في هذا الصدد، أن تجارا أغلقوا دكاكينهم ومنازلهم ووضعوا مفاتيحهم في جيوبهم خوفا من الضريبة، وأفاد أحد الباحثين أن سجل الحالة المدنية يؤكد أن عدد أبناء أسرة هو سبعة إلا أن والدة هؤلاء الأبناء أنكرت اثنتين من بناتها المهاجرات للخليج، خوفا عليهن من التعرض للملاحقة والمنع من السفر، قبل أن تتوسل للمكلف بالإحصاء بعدم إدراجهما في استمارة الإحصاء، وأبلغته أن العائلة كلها تعيش من تحويلات ابنتيها في الخارج.
ووجد بعض الباحثين الإحصائيين أنفسهم أمام غرائب وعجائب لم تنفع معها الحصص المعرفية للتكوين، ومن ذلك انجذاب إحدى الأمهات بأسلوب باحثة إحصائية حازت إعجابها في ظرف دقائق فقط، مما جعلها تقترح عليها الارتباط بابنها، كما انتشر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي يدعي صاحبه أن أحد موظفي الإحصاء طلب يد مواطنة من والدها، بعدما استقبلته ببيتها في إطار مزاولته لمهامه، وذكر موقع “هبة بريس” أن “باحثة شابة مكلفة بجمع البيانات الإحصائية من المنازل، تقوم بجولتها الاعتيادية في أحد الأحياء، ولكن ما لم تكن تتوقعه هو أن الباب الذي طرقته سيؤدي بها إلى مواجهة غير متوقعة، فعندما فتح الباب وجدت الباحثة نفسها وجها لوجه مع صديقها السابق، الذي تبين أنه الآن رب أسرة متزوج، فكانت المفاجأة والدهشة واضحة على ملامح الجميع، وخاصة عندما ظهرت زوجته بجانبه، ولم يكن الموقف سهلا على الفتاة التي كانت قد تجاوزت علاقتها السابقة، لكنها لم تتوقع أن تلتقي به في إطار عملها وبطريقة كهذه”.
وفي الأحياء الراقية، حيث علية القوم، يواجه الباحثون محنة حقيقية، فالساكنة التي تعيش في المجمعات السكنية الشعبية وفي المناطق القروية وشبه القروية، تستقبل زوار شتنبر بحفاوة كبيرة وبصواني الشاي وابتسامات عريضة، في حين تنتصب أمامهم الحواجز عند طرق أجراس الفيلات والإقامات الفاخرة، حيث يلاحظ أن ساكنة هذه الأحياء ينظرون إلى الإحصائيين نظرة احتقار، ويرفض البعض منهم الإجابة عن أسئلة المكلفين بالإحصاء، أو تقديم معلومات غير دقيقة أو كاذبة، وحتى الذين يقيمون في هذه الأحياء، يرفض البعض منهم رفضا تاما استقبال الباحثين بدعوى عدم وجود وقت كاف للرد على الأسئلة، بينما عمد آخرون إلى تكليف الخادمة أو السائق أو البستاني بالجواب عن أسئلة الباحثين، وآخرون يمنعون الخادمات من فتح الأبواب، إذ بمجرد علمهم أن الأمر يتعلق بباحثي الإحصاء يطالبونهم بالعودة لاحقا، أو التظاهر بالغياب، أما البعض الآخر، فيحرصون على معاملة فريق الإحصاء بتحقير ظاهر، وفي أحسن الأحوال باستخفاف، كما اشتكى باحثون من أسر لم تكلف نفسها عناء فتح الباب، بل طلبت أن يتم السؤال فقط عبر جهاز “الأنترفون” !
وقال أحد الباحثين: “هذا أمر غريب، واجهنا بعض الصعوبات في الأحياء الراقية، إذ نضطر أحيانا للعودة ليلا، لأنهم يصدوننا نهارا، ويعاملون الباحثين بطريقة مهينة أحيانا”، ويقول مراقب: “أستقبل شكايات باحثين من معاملة سكان الأحياء الراقية”، مضيفا: “كنا نخشى ألا نلقى التجاوب من سكان الأحياء الشعبية والكاريانات، على اعتبار أنهم يتحاشون الإدلاء بمجموعة من المعلومات التي يعتبرونها شخصية، لكن العكس هو ما وقع بعد نزولنا إلى الميدان”، حتى أن بعض الباحثين كانوا يعودون أحيانا باستمارات فارغة من بعض هذه الأحياء، ما جعل بعض المشرفين على عملية جمع المعطيات المتعلقة بالإحصاء يستعينون بأعوان السلطة لتحذيرهم من تبعات مثل هذه السلوكات، والجملة الأكثر تداولا في أوساط الباحثين هي “عيطوا المقدم!”، مما يتسبب في هدر أوقات الباحثين وإعاقة مهامهم، وتضع لامبالاة الأثرياء الجهات المسؤولة أمام تفعيل القوانين الزجرية لمتابعة الرافضين ورد الاعتبار للإحصائيين.
وفجر أحمد لحليمي، المندوب السامي للتخطيط، خلال ندوة صحفية، فضيحة أياما قليلة قبل انطلاق الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، حين صرح بأن اللوحات الإلكترونية التي اقتنتها المندوبية لإنجاز الإحصاء تعرض بعضها للسرقة، وكشف أنه تمت سرقة 5 لوحات، مشيرا إلى أنه تم استرجاع 4 منها، فيما بقيت واحدة مجهولة المصير، وعلم موقع “أخبارنا” المغربي، أن “باحثة إحصاء تعرضت لسرقة لوحتها الإلكترونية المستخدمة في عملية إحصاء السكان والسكنى 2024. الباحثة التي كانت تؤدي مهامها الميدانية في أحد الدواوير المحاذية لمنطقة سيدي يوسف بن علي، تعرضت لهجوم من طرف شخصين يمتطيان دراجة نارية صينية الصنع، حيث قاما عمدا بنزع لوحتها الإلكترونية قبل أن يختفيا عن الأنظار، وقد فتحت المصالح الأمنية تحقيقا في الموضوع لتحديد هوية اللصين وتوقيفهما في أقرب الآجال، كما تعرضت لوحة إلكترونية أخرى خاصة بالإحصاء للسرقة في فاس، بعد أن تم السطو عليها من منزل أحد المشاركين في عملية الإحصاء العام، بالإضافة إلى جهاز تلفاز ومبلغ مالي، مما تسبب في حالة استنفار أمني في المدينة”.
ويبدو أن متاعب الباحثين في الإحصاء لم تقف عند هزالة التعويضات والإرهاق وصعوبة التواصل مع بعض المواطنين ووقوع بعض الطرائف، بل امتدت لاعتداءات طالت بعضهم بالعنف اللفظي والمادي، والسرقة، ذلك أن “منحرفين استغلوا المناسبة وراحوا ينفذون سرقات مختلفة، بعد إيهام ضحاياهم بانتمائهم إلى فريق الإحصاء، كما أن الجناة اعتمدوا نفس السيناريو المرتكز على ظهورهم حاملين حقائب واستمارات أشبه بالوثائق التي يحملها رجال الإحصاء”.
وحتى الكلاب أبت إلا أن تسجل اسمها في لائحة المعتدين الكبار على الباحثين الإحصائيين بمختلف جهات البلاد، حيث تعرض بعض الباحثين الإحصائيين لهجومات مباغتة من كلاب شرسة، ناهيك عن أن باحثة إحصائية دخلت إلى عمارة، وشرعت في طرق أبواب الشقق واحدا تلو الآخر، دون أن ينفتح أي باب، وعندما صعدت إلى الطابق الرابع وجدت نفسها وجها لوجه أمام كلب كان مختبئا في الدرج، وعندما شاهدها اتجه نحوها وكاد أن يحولها إلى وجبة فطور، فما كان منها إلا أن أطلقت ساقيها للريح بعدما أطلقت صرخة مدوية.
وجاء في موقع “علاش بريس”، أن “باحثة تعرضت في عملية الإحصاء بمدينة بوزنيقة على مستوى حي الضحى، لاعتداء عبارة عن وخز بواسطة آلة حادة من طرف مواطنة، وحسب شهود عيان صرحوا للموقع أنه بعد أن قامت الباحثة بعملية إحصاء الزوجة يوم أمس، عادت لتتمة العملية الإحصائية صباح اليوم رفقة الزوج والأبناء، وبعد أن طالبت الباحثة الزوج في إطار أخذ المعطيات الخاصة به بمدها برقم هاتفه، استشاطت الزوجة غضبا وقامت بالاحتجاج على الباحثة والتعبير عن رفضها الإدلاء برقم هاتف زوجها ما أدخلهما في مشادات كلامية انتهت بوخز الزوجة للباحثة بواسطة أداة حادة، مما استدعى نقلها للمركز الصحي الحضري ببوزنيقة وبعدها توجهت لمصالح الدرك الملكي ببوزنيقة لتحرير شكاية في النازلة”.
وجاء في موقع “هسبريس” أن “شكاية بالإزعاج تلاحق المكلفين بالإحصاء في مدينة الجديدة ضمن واقعة غريبة تم تسجيلها اليوم الأحد، بعدما دخلت امرأة ثلاثينية في حالة عصبية نقلت على إثرها إلى المستشفى، بسبب ما اعتبرته الإزعاج الذي سببه لها شخصان من المكلفين بعملية الإحصاء العام للسكان والسكنى”، وعلمت “هسبريس” أن “المعنية بالأمر سجلت شكاية في مواجهة المكلفين بالإحصاء بعدما حضرا إلى شقتها في حدود الساعة الرابعة بعد الزوال، وقاما بطرق الباب بقوة، مما تسبب لها في حالة ذعر وإزعاج”، حسب تعبيرها. وتشكل هذه الواقعة حالة استثنائية غير مسبوقة، إذ تعد المرة الأولى التي تقرر فيها مواطنة سلك المسار القضائي في مواجهة المكلفين بعملية الإحصاء جراء ما اعتبرته “الذعر والإزعاج اللذين تعرضت لهما بسبب طرق باب شقتها بقوة”.
وذكر موقع “وطن 24″، أن توقيت إجراء الإحصاء الليلي تسبب في إزعاج العديد من المواطنين في بعض المدن المغربية، حيث “لجأ بعض المكلفين بعملية الإحصاء إلى طرق أبواب المنازل في ساعات متأخرة من الليل، مما أثار حفيظة السكان ودفعهم إلى تقديم شكاوى ضد هذا الإجراء، حيث قامت سيدة في مدينة الجديدة برفع دعوى قضائية ضد شخصين مكلفين بالإحصاء وعون سلطة، بعد أن طرقوا باب منزلها بالقوة، مما تسبب لها في إزعاج كبير”.
وفي العالم القروي، تكون الاستعانة بأعوان السلطة أكثر مما هي عليه في المجال الحضري، وذلك من أجل مساعدة الباحثين والمراقبين على التعرف على مناطق الإحصاء والدواوير ومساعدتهم على التواصل مع الأسر، في حين يتم اللجوء إلى هذه الفئة بالمجال الحضري، خصوصا، للتعرف على وضعية بعض الأسر التي يتعذر الاتصال بها أو عند وجود صعوبة في التواصل مع بعض المستجوبين. وفي هذا السياق، كان لأعوان السلطة نصيب وافر من العنف اللفظي والجسدي أثناء تأدية عملهم رفقة الإحصائيين، حيث ذكر موقع “الميادين نيوز”، أن “الوصلات الإشهارية والتحسيسية التي أنيطت بشركة نورالدين عيوش، الفائزة بصفقة الحملة التواصلية للإحصاء وقيمتها حوالي 1.67 مليار، لم يتجاوز أثيرها محور الدار البيضاء، الرباط، والقنيطرة، حيث ما يزال أفراد وعائلاتهم يتوجسون من أسئلة الباحثين والمراقبين خلال تجميعهم لبيانات الإحصاء الخاصة بالسكان والسكنى، ومن هذه الحالات، الاعتداء الذي تعرض له عون سلطة بإقليم تازة بمعية باحثين خلال جولتهم الإحصائية، ومن جهة أخرى، خلف الحادث الخطير أجواء من الرعب وسط المشاركين في الإحصاء، حيث يتخوفون من ردة فعل بعض المواطنين، خصوصا بالأحياء الشعبية والذين يخشون على فقدانهم للدعم الاجتماعي الحكومي الشهري بسبب معاينة الباحثين لمقرات سكناهم والسؤال عن وضعهم الاجتماعي، وهو التوجس الذي فشلت خطة التواصل بشركة عيوش في تبديده لدى الراغبين في الحفاظ على مؤشرهم”.
النماذج المنتقاة على سبيل المثال لا الحصر، وإن كانت لا تخلو من طرافة وحوادث تعكس طبيعة المهام الجسيمة التي اضطلع بها الباحثون والمراقبون والمشرفون على الإحصاء، فإنها بالمقابل لا يمكن أن تحجب عنا التحول الإيجابي في علاقة المواطنين المغاربة بعملية الإحصاء، حيث يتم استقبال الباحثين بالحفاوة وكرم الضيافة والشاي، وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي موجة من الإشادة والاعتزاز بكرم الضيافة الذي أبداه المغاربة تجاه المكلفين بالإحصاء، وبرزت العديد من الصور والتعليقات التي توثق لحظات استقبال هؤلاء العاملين بحرارة وترحيب في بيوت المغاربة بالمدن والقرى، حيث لم يقتصر الأمر على تقديم المعلومات المطلوبة، بل تعداه إلى دعوتهم لتناول وجبات الغذاء وجلسات الشاي، حيث حرصت الأسر المغربية على تقديم كل ما في وسعها لجعل ضيوف شتنبر يشعرون بالترحاب وكأنهم في بيوتهم، وتداول رواد المنصات الاجتماعية قصصا طريفة حول بعض المكلفين الذين انتهى بهم الأمر بالمكوث لفترات طويلة في بعض المنازل، بعد أن أصر الأهالي على استضافتهم بأريحية، مما أضفى جوا من الود والتواصل الإنساني على هذه العملية الوطنية، في مشاهد تعكس روح الكرم والتآخي التي يتميز بها المغاربة.