مع الحدث | إعدام “الكنوبس” في غياب أطراف الحوار الاجتماعي
الرباط – الأسبوع
رفضت النقابات قيام الحكومة بالعمل على تصفية الخدمات الاجتماعية والتأمين الصحي وإنهاء حقوق الموظفين ومساهماتهم في الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (الكنوبس)، من خلال عملية توحيد الصناديق الإجبارية عن المرض، ونقل المنخرطين إلى صندوق الضمان الاجتماعي، عبر مشروع قانون جديد يتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، بهدف تحسين الخدمات، حسب قولها، بينما ترى النقابات المعارضة أنه يهدف لإنقاذ الصناديق من الإفلاس.
ويرى نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، أن الحكومة تسعى من خلال عملية نقل المنخرطين في “الكنوبس” إلى الضمان الاجتماعي، لتمويل التغطية الصحية المجانية للمواطنين المعوزين والأسر الفقيرة، عبر نقل مساهمات الموظفين التي تعد بملايير الدراهم، إلى صندوق الضمان الاجتماعي الذي يتحمل كلفة التغطية المجانية لأكثر من ثلاثة ملايين أسرة، مما قد يستنزف موارده المالية مع مرور السنوات في ظل تهرب بعض المقاولات والشركات من تسديد مساهمات المستخدمين، وهو ما يطرح التساؤل حول مصير الاقتطاعات المالية من أجور الموظفين خلال سنوات لفائدة “الكنوبس” ؟
ويعود تاريخ تأسيس “الكنوبس” إلى سنة 1950 من طرف اتحاد ثماني تعاضديات بالقطاع العام، وفق مقتضيات الظهير الشريف لنونبر 1963، الذي يعد بمثابة قانون التعاضد، بحيث كان “الكنوبس” يشرف على التدبير المالي للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض للقطاع العام ومتقاعديه والطلبة، بتنسيق كامل مع الجمعيات التعاضدية الثمانية، المدنية والعسكرية، ويقوم بتحصيل اشتراكات الموظفين والمتقاعدين وحصة الدولة كمشغل والتعويض، حيث اشتكى العديد من البرلمانيين من استمرار معاناة المرضى وملفات المواطنين لدى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، بسبب تأخر استرداد التعويضات عن العلاجات والأدوية والفحوصات الطبية، وبطء معالجة الملفات المرضية، مما يزيد من تأزيم وضعية المرضى والاستقرار الاجتماعي ويدفع بعضهم للاستغناء عن الخدمات الصحية.
وانتقد الاتحاد المغربي للشغل قيام وزارة المالية ووزارة الصحة، وفي خطوة غير محسوبة العواقب وضدا على المقاربة التشاركية التي تدعيها الحكومة، بطريقة أحادية ودون أدنى تشاور مع ممثلي الحركة النقابية، بصياغة مشروع القانون 23-54 القاضي بتغيير وتتميم القانون 00-65 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض وإحالته على أنظار الأمانة العامة للحكومة، واعتبرت النقابة أن الحكومة بتصرفها الأحادي هذا والذي يتنافى والمبادئ الدستورية التي تفرض المقاربة التشاركية في سن السياسات العمومية والاجتماعية، فإنها تخرق بشكل سافر أسس الحوار الاجتماعي، وتهدد مصالح ما يفوق ثلاثة ملايين من المستفيدين من التأمين الصحي داخل CNOPS، كما يهدد حقوق ومكتسبات المئات من مستخدمي وأطر الصندوق، وأضافت أن مشروع القانون هذا، الذي صيغ بطريقة أحادية ودون أدنى تشاور مع ممثلي الحركة النقابية، يفضي إلى إنهاء عمل ومهام “الكنوبس”، الذي يُدبر التغطية الصحية بالقطاع العام منذ أكثر من 70 سنة، متهمة الحكومة بتجاهل حقوق ما يفوق 31 مليون مستفيد من التغطية الصحية داخل هذا الصندوق بين مؤمنين (مليون وأربعمائة ألف) وذوي الحقوق (مليون وسبعمائة ألف)، كما أنها تعبث بمصير المئات من مستخدمي وأطرCNOPS.
فهذا المشروع الذي طبخ في جنح الظلام، هاجسه الوحيد هو التراجع وضرب حقوق عموم المنخرطين والمستخدمين دون أن تعير الوزارتان المعنيتان أي اهتمام للعلاقة البنيوية للصندوق بمنخرطيه وشركائه من تعاضديات ومؤسسات صحية، يقول الاتحاد المغربي للشغل، مطالبا الحكومة بالسحب الفوري لمشروع هذا القانون وفتح حوار عاجل ومسؤول داخل مؤسسة الحوار الاجتماعي، من أجل التفاوض حول جميع الإشكاليات المطروحة، ضمانا لتنزيل سليم لمنظومة الحماية الاجتماعية.
بالمقابل، اعتبر علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، أن قرار توحيد نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في صندوق واحد بدمج “الكنوبس” ونقل جميع خدماته وموارده إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من أهم القرارات التي تستهدف حكامة جيدة لنظام التأمين الصحي، الذي عاش عدة فضائح وأزمات مالية بسبب سوء التدبير، الذي أكدته عدة تقارير لمجلسي البرلمان والمجلس الأعلى للحسابات، وهو قرار ستكون له انعكاسات إيجابية على مستوى تجويد خدمات التأمين الصحي ببلادنا، وتقريب خدماته للمؤمنين، وتقليص العجز المالي والتحكم في التوازن الهيكلي للنظام وديمومته، وأضاف أن “الكنوبس عرف في العقد الأخير عدة اختلالات تدبيرية كبرى وعجزا ماليا يقدر بالملايير، فضلا عن تعثر خدماته إلى درجة أن عددا كبيرا من المنخرطين فيه من المصابين بأمراض مزمنة، مهددون اليوم بالمتابعات القضائية لعدم حصولهم على مستحقات التعويض في الوقت المناسب، لسحب شيكات الضمان من الأطباء أو الصيادلة المعنيين بعلاجهم أو صرف أدويتهم، وقد توصل الصندوق بعدة شكايات تتعلق بتعليق صرف مستحقاتهم لمدة تفوق الثلاثة أشهر”، حيث توصلت مختلف الجمعيات التعاضدية المنضوية تحت لواء “الكنوبس”، بعدة شكايات حول تفاقم آجال معالجة ملفات طلبات التعويضات واسترداد مصاريف العلاجات، بما في ذلك التطبيب والأدوية، في حين أن صرف مستحقات المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا تتجاوز 15 يوما، هذا إضافة إلى هزالة التعويضات التي يسمح بها “الكنوبس”، حيث يقوم بصرف تعويض يقل بـ 60 في المائة عما يتم صرفه من طرف المؤمن، سواء في التشخيص أو العلاج أو الدواء، علما أن فئة واسعة من المتقاعدين والمصابين بأمراض مزمنة أصبحوا غير قادرين على مواجهة مصاريف العلاج بسبب ارتفاع أسعار الأدوية.
ودعا لطفي إلى مراجعة التعريفة المرجعية الوطنية واحترام بنودها، وتحديد أسعار الخدمات الصحية وتكوين مفتشين طبيين وماليين لمراقبة المصحات والمختبرات والقطع مع “شيك الضمان” و”النوار” في القطاع الخاص، واعتماد بروتوكول علاج كأساس للتعويض الكامل، علاوة على إعادة النظر في مرسوم تحديد أسعار الأدوية وتخفيض أسعار عدد كبير منها، مع فرض التوفر على المخزون الأمني على شركات ومختبرات الأدوية لتفادي أزمات انقطاع الأدوية الضرورية للحياة وتطوير خدمات صندوق الضمان الاجتماعي بتحسين كفاءة إدارة موارده وخدماته باستخدام التكنولوجيا الحديثة والرقمنة في تدبير ملفات المرض وتحقيق الاستدامة على المدى الطويل بخفض التكلفة الإجمالية للنظام، وتحسين استغلال البيانات الصحية من خلال نظام موحد يمكن الدولة من جمع وتحليل البيانات الصحية بشكل أكثر فعالية، مما يتيح لها تحديد المشاكل الصحية الرئيسية وتوجيه الاستثمارات والموارد وفقا لذلك، وزيادة الثقة في النظام الصحي..
وقد بررت وزارة الصحة إلحاق الموظفين المستفيدين من خدمات نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاصة بالصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بأنه تطبيق لمقتضيات المادة 15 من القانون الإطار رقم 09.21، التي نصت على اعتماد هيئة موحدة لتدبير هذه الأنظمة، معتبرة في المذكرة التقديمية لمشروع القانون رقم 54.23 أن دمج موظفي القطاع العام في صندوق الضمان الاجتماعي، سيساهم في اعتماد هيئة تدبير واحدة لأنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض للقطاعين العام والخاص، وكذلك للأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل الاشتراكات، ما سيؤدي إلى تحسين التنسيق بين القطاعين وتبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بالتأمين الصحي، لجعل الخدمات الصحية أكثر كفاءة وفعالية.
وأضافت المذكرة، أن “مشروع هذا القانون يهدف إلى إسناد مهمة تدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالقطاع العام إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بدل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، لتصبح بذلك أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض مدبرة من قبل هيئة واحدة، ويهدف إلى تغيير وتميم القانون رقم 65.00 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وذلك من أجل اعتماد هيئة تدبير واحدة لأنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض وإلغاء نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة”.
وأشارت المذكرة إلى أن الحاجة أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى لنسخ الأحكام المتعلقة به، لكن دون المساس بالحقوق المكتسبة لفائدتهم، مسجلة تمديد سن استفادة ذوي الحقوق من الأبناء غير المتزوجين الذين يتابعون دراساتهم في مؤسسة للتعليم العالي أو التكوين المهني في القطاع العام أو الخاص المرخص لها وفق التشريع الجاري به العمل، إلى غاية 30 سنة عوض 26 سنة، مؤكدة تمكين الطلبة الذين تتحمل الدولة عنهم المساهمة السنوية طبقا لأحكام القانون سالف الذكر رقم 116.12، والذين لا يستفيدون من أي نظام من أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض أو من أي تغطية صحية أخرى بصفتهم من ذوي الحقوق، من الاستفادة بصفة انتقالية من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك.